"رجال في الشمس" لغسان كنفاني على مسرح جامعة حيفا

اسماء اغبارية زحالقة

الحوار المتمدن-العدد: 107 - 2002 / 4 / 20 - 21:33
المحور: الادب والفن
    

صحراء وموت وعجز.. وقضية



الموت عند كنفاني يتحول الى الملجأ الاخير الذي يضع حدا للالم والاحساس بالعجز، فيه تجد الشخصيات راحتها بعد ان لم يعد هناك امل بالحياة. ولكن تبقى القضية، وتبقى الصحراء، ويبقى الوقت، وتبقى الارض المرأة بانتظار ان يدق احد على الخزان، ويطلق الصرخة.



تأليف: غسان كنفاني

اخراج: منير بكري

ديكور: طلي يتسحاقي

موسيقى: فراس روبي

تمثيل: ايهاب سلامة، عامر حليحل، آمال قيس، اشرف برهوم، شادي فخر الدين، ميشيل سخنيني.



على مسرح جامعة حيفا انتصب لاول مرة نص مسرحي باللغة العربية. يبدو غريبا على جامعة اسرائيلية، في هذا التوقيت الدقيق بالذات، ان تختار ان تكون انطلاقتها العربية بعرض لقصة "رجال في الشمس" للاديب والناطق بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، غسان كنفاني، ابن حيفا وربيب يافا الذي لجأ الى لبنان في ال48 واستشهد بايدي الاسرائيليين عام 1972 بانفجار سيارته.

طاقم الممثلين متنوع، ويضم ممثلين وطلاب تمثيل، الا ان الفوارق في التجربة لا تؤثر على الانسجام بين افراده الذين قدموا عرضا جميلا ومؤثرا للغاية، وتحديدا في المشهد الاخير الدراماتيكي، بل بدا ان الممثلين مستعجلين للوصول الى هذا المشهد. ما لفت النظر دور الممثلة آمال قيس التي قامت بجميع ادوار النساء، قوة ادائها جعلها مرنة، ومقنعة، في تقديم شخصية المرأة والفتاة الحبيبة والشيخة. في هذا بعض من الاسباب التي جعلت العرض ناجحا اذ يتردد حضور كبير على العروض التي لا تزال مستمرة في قاعة مسرح الجامعة.

يتميز العرض ببساطة ديكوره، فلم يكن على خشبة المسرح كماليات. كل شيء كان له دور. هكذا لاءم الديكور روح نصوص غسان كنفاني الذي يتجنب التضخيم في الكلمات، وكل معلومة وكلمة لها دور واهمية في التأثير على الاحداث. الاسفنج الاصفر الذي فُرشت به المنصة، كان الصحراء التي ستحدد فيما بعد مصير شخصيات القصة جميعهم. حتى الموسيقى لم تتدخل الا لما كانت حاجة لتصعيد الاحداث باتجاه النهاية.

"رجال في الشمس" تقدم رواية مأساوية لثلاثة لاجئين فلسطينيين يسعون وراء لقمة العيش في الكويت، بلاد النفط والثروات. كل يترك وراءه امرأة وحلم ومعاناة. ابو قيس (تمثيل ايهاب سلامة) رجل متقدم في العمر يترك زوجته واطفاله بحثا عن الرزق، اسعد (اشرف برهوم) في مقتبل العمر يضطر للسفر رضوخا عند طلب عمه الذي يريد تزويجه من ابنته، ومروان (شادي فخر الدين) الفتى يترك امه واخوته وحبيبته ليلى لينضم لاخيه في الكويت حتى يساهم في اعالة العائلة بعد ان هجرهم الاب.

يلتقي الثلاثة وتلتقي مصائرهم، ويتوحد ويتحدد مستقبلهم عند مكتب للتهريب في البصرة بالعراق. هناك يسعون للانضمام الى رحلة عبر الصحراء باتجاه الكويت. ولكن تكلفة الرحلة التي تبلغ 15 دينارا تمنعهم من التسجيل، كذلك تمنعهم شكوكهم في امكانية الوصول بسلام الى الهدف، وخوفهم من ان يفر المرشد ويتركهم في الصحراء يهيمون على وجوههم دون دليل ما قد يعرضهم للهلاك.

الصحراء هي بطل مركزي في القصة. انها المساحة الفاصلة بين الحياة والموت، هي الفراغ السياسي، وهي مشوار لا ينتهي من العذاب دون امل بامكانية الوصول الى الهدف. اذا فهمنا صحراء كنفاني على هذا النحو كما تبينه قصصه الاخرى ومنها "ما تبقى لكم"، يكون بالامكان التكهن بمصير الرجال الثلاثة.

ينضم الثلاثة مقابل عشرة دنانير الى الفلسطيني ابو الخيزران (عامر حليحل) الذي يتعهد بتهريبهم للكويت في شاحنته. ولكن كيلا يكتشف امرهم الجنود العرب عند الحدود، يشترط عليهم ان يدخلوا لخمس دقائق او ست الى خزان الشاحنة الذي يشبه بحرارته "نار جهنم". وليس الوقت هنا مجرد بُعد اضافي للاحداث، بل هو رمز وضوء احمر للمصير الذي سيجمع الثلاثة ويحدد مستقبلهم.

ولا تبدأ الرحلة قبل ان تتراءى لابو الخيزران امه في الخيال، وتحاول ردعه عن اخذ الثلاثة الى الرحلة المميتة. وهنا نكتشف ان ابو الخيزران الذي يبدو محتالا، هو في الواقع رجل مخصي بعد ان فقد عضوه الذكري في الحرب على الحدود اثناء قتاله في سبيل الوطن. هنا فقط تترابط بوضوح الخيوط، ونكتشف اننا امام قصة رمزية للقضية الفلسطينية التي اصيبت قيادتها بالعجز في مقاومة الاحتلال الصهيوني في زمن النكبة. وكنفاني يعتمد في كتاباته عدم ابراز النكبة، ولا تبدو في قصصه الا في الخلفية، كما لو كانت تعطي الاطار العام للاحداث.

يستقل الاربعة الشاحنة، وتبدأ رحلة العذاب. وتعزف الموسيقى منذرةً بالمجهول المتوقع. عند نقطة الحدود الاولى يدخل الثلاثة الخزان الملتهب، ورغم ان ابو الخيزران يسعى جهده لانهاء الاجراءات بسرعة، الا ان الرجال الثلاثة يكادون يقضون اختناقا. وتمضي الدقائق طويلة طول الدهر مع انها لا تكون اكثر من سبع دقائق.

بعد ان يمروا الحاجز يُخرج الثلاثة رؤوسهم لتنفس بعض الهواء ثم يعودوا مجددا الى الخزان بانتظار تجاوز المحطة الثانية. وتتعقد الحبكة، ويرتفع صخب الموسيقى. ويتأخر ابو الخيزران عند نقطة التفتيش بسبب موظف كويتي (ميشيل سخنيني) يبدي اهتماما بالغا بمعرفة غراميات ابو الخيزران في البصرة مع الراقصة كوكب. وفي لحظة مسرحية رائعة تتجمد شخصيتا ابو الخيزران والموظف الكويتي، الذي يرمز للانظمة العربية وتحديدا الخليجية الفاسدة، وتسلط الاضواء على الرجال الثلاثة في الخزان وهم يقومون بقلع ملابسهم في محاولة يائسة للتخفيف من شدة الحر.

ويعود الرجلان للحركة والحوار بينهما في الكلام الفارغ، وتبدو علامات العجز وقلة الحيلة بادية على ابو الخيزران الذي لا يدري كيف يتخلص من الكويتي ويحصل على اجازة منه بالمرور، وهو يدرك ان كل دقيقة اضافية تهدد ارواح الرجال في الشاحنة. ومرة اخرى تتجمد الشخصيتان، وتوجه الانظار بواسطة الضوء والموسيقى التي تصل الى ذروتها الى مشهد الموت البطيء للرجال الثلاثة الذين تهدأ حركتهم شيئا فشيئا، ويموتون واحدا تلو الآخر، بصمت، ودون ان يطلقوا ولو حتى الصرخة الاخيرة طلبا للنجاة. وتخرس الموسيقى.

عند الوصول للكويت يسارع ابو الخيزران الى الخزان ليبشر الرجال بامكانية الخروج، الا انه يجد ثلاثة جثث، فلا يملك الا ان يصيح بهم: "لماذا لم تدقوا على الخزان؟!". وتقوم المرأة الفلسطينية باسدال الستار وتعود لتقف في مكانها الثابت، وراء الصخور التي ينبت بين احضانها الصبّار، رمز القرية الفلسطينية التي هجرها اهلها في النكبة.

الموت عند كنفاني يتحول الى الملجأ الاخير الذي يضع حدا للالم والاحساس بالعجز، فيه تجد الشخصيات راحتها بعد ان لم يعد هناك امل بالحياة. ولكن تبقى القضية، وتبقى الصحراء، ويبقى الوقت، وتبقى الارض المرأة بانتظار ان يدق احد على الخزان، ويطلق الصرخة.



المخرج منير بكري:
"رجال في الشمس كيلا ننسى"



حاورته ختام نعامنة



المخرج منير بكري من مواليد مدينة عكا، تعلم المسرح في الاتحاد السوفييتي سابقا، وحصل على الماجستير في الاخراج من جامعة كييف باوكرانيا. عمل عشر سنوات في المسارح الاوكرانية حيث اخرج سبع مسرحيات.

عاد بكري الى البلاد عام 1997، وانتج عدة مسرحيات بينها "بيت السيدة" للكاتب الروسي مكسيم غوركي، ومسرحية باللغة العبرية "نساء في القمة" لكرول شيرشيل، و"الياطر" للكاتب حنا مينا باللغة العبرية، و"رقصتي مع ابي"، واخيرا "رجال في الشمس".



لماذا "رجال في الشمس" تحديدا؟



بكري: المسرحية تروي قصة اللاجئين وحق العودة للشعب الفلسطيني. هذا السؤال ما يزال مطروحا لليوم، وقد تناولناه كجزء من عملية التوعية للقضية، كي نذكر ولا ننسى.



هل هناك علاقة بين الوضع السياسي اليوم وبين اختيار هذا النص؟



بكري: في هذه المسرحية لم اتطرق لحق العودة للفلسطينيين من منطلق سياسي بل من منطلق انساني، لان من حق كل انسان ان يعيش بوطنه بكرامة.



كيف تم الاعداد للمسرحية؟



بكري: استغرق الاعداد للمسرحية ثلاثة اشهر متواصلة. كل الذين شاركوا في العمل طلاب سنة ثانية وثالثة في قسم المسرح في جامعة حيفا، وبعضهم انهى تعليمه في نفس القسم.



ما اهمية هذا العمل؟



بكري: هذا اول عمل مسرحي باللغة العربية داخل مؤسسة اسرائيلية رسمية. الكاتب فلسطيني والممثلون عرب، وفي رأيي هذا اكبر انجاز ونجاح للطلاب العرب.


الصبار 151 نيسان 2002

#اسماء_اغبارية_زحالقة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات