|
دينا سليم / رواية تراتيل عزاء البحر (1)
عدنان الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 10:08
المحور:
الادب والفن
الروائية الفلسطينية السيدة دينا سليم (( رواية تراتيل عزاء البحر / الطبعة الأولى يناير 2007 . الناشر : دار العودة ، بيروت )) . بصيص ضوء / محاولة لإستشراف أفق غامض معتم في بحر مدلهّم : {{ ربما لم تنتهِ الكلمة في روايتي الأولى " الحُلم المزدوج " وتأخرت النهاية / دينا سليم ، الصفحة التاسعة من الرواية }}. {{ واظبتُ على عمل متكامل ومنفرد في آن كما واظبتُ على إستمرارية الحدث ومعايشته بشخصياته بتغيير الأسماء فقط / دينا سليم ، الصفحة التاسعة من الرواية }} . معنى كلام السيدة دينا في هذين المقطعين أنَّ على مَن يود قراءة رواية التراتيل أنْ يقرأ روايتها الأولى المسماة " الحُلم المزدوج " ، وأن لاعبي الأدوار الرئيسة في الرواية الأولى هم أنفسهم لاعبو الأدوار الرئيسة في الرواية الثانية ... رواية تراتيل عزاء البحر !! ثم َّ : [[ ... أما بالنسبة للغرقى في ( تراتيل عزاء البحر ) فأرجو أنك لاحظتَ مناشدتي للعدالة الكونية ومخاطبتي لها فيما يخص موضوع غرق المهاجرين غير الشرعيين والتي بدأت تتفاقم وتتكاثر وهو موضوع يجب التحدث عنه . فأصلاً كتابة ( التراتيل ) جاءت عندما سمعتُ الأخبار تتحدث عن غرق عبّارة كانت تقل بعض الهاربين النازحين من إفريقيا إلى أوربا . وهكذا حصلت لديَّ " مشادة " فكرية بدمج أحداث ٍ كونية مع أحداث المحبين الذين هم أيضاً كونيين . وعندما وصلتُ أستراليا تفاجأتُ بهذا الموضوع من أول لحظة . عندما أوصلني سائق تاكسي عراقي من المطار إلى الفندق وحدثني بما جرى له وللعشرات الذين نزحوا بصورة غير شرعية ووصلوا عن طريق البحر ... منهم مَن لقي َ مصرعه ومنهم مَن إنتظر عدة سنوات وهم يتأرجحون بين قرارات الحكومة الأسترالية بقبولهم أو رفضهم . البارحة سمعتُ بخبر غرق مهاجرين غير شرعيين من إفريقيا إلى اليمن . / 21 ديسمبر 2007 / دينا سليم / مقطع من رسالة خاصة تعليقاً على بعض إستفساراتي حول الرواية ]] . لقد سلمتنا السيدة الروائية مفاتيح َ نفكُّ بها أبواب الكثير من الألغاز سيما تلك التي تتعلق بأدوارها منتحلة ً أسماءَ متباينة ليست هي في واقع الأمر إلا الكاتبة نفسها لا غيرها . ثم ، نقرأ عنوان الرواية موضوعة الدرس فنكتئب ونجزع ونتشاءم حتى لكأنَّ الروائية تصارحنا منذ البدء بالقول إنَّ أمامكم حزن كثير وفضاء معتم يغطيه السواد . رتلوا عزائي وعزاءكم يا قرّاء !! في البحر نهايتكم وإن كانت نهاية غير أكيدة . عبرَ البحر أناس بائسون مشردون يلتمسون الوصول إلى بلد يمنحهم اللجوء مغامرين بحيواتهم وحيوات أطفالهم وقد تركوا أوطانهم التي أجاعتهم وأذلتهم فأُضطروا لبيع كل ما بحوزتهم وما يملكون من حطام الدنيا دفعوا أثمانها أجوراً للمهربين المغامرين الذين تعهدوا بإيصالهم إلى بلد أمين يؤيهم ويمنحهم حق اللجوء . صراع هؤلاء الناس التعساء مع مخاطر وأهوال البحر وهم في مركب قديم متآكل ( عبّارة ) يذكر القارئ من بعض الوجوه إبتلاء وصراع الشيخ في عرض البحر مع سمكة قرش عملاقة تهاجم وتقضم سمكة كان قد إصطادها ... في قصة ( الشيخ والبحر ) للكاتب الأمريكي إرنست همنكواي . الإنسان في مواجهة أقدار قاسية والبحر الذي أمّل فيه النجاة بالوصول إلى بر الأمان يغدو عدوه اللدود رقم واحد . الأمواج فيه عاتية والماء مضطرب ووسيلة الوصول مهترئة قديمة والمهرِّب الذي إبتز نقودهم إختفى ، طعامهم ينفد والماء يغمر سطح المركب فأين المفر ؟ تحت هذه الظروف المتطرفة في قساوتها تجري أكثر وقائع الرواية مأساوية ً وشدة ً وتوتراً . وهنا في هذه الفسحة المحدودة مكاناً وزمانا ً تجتمع كافة شخوص الرواية متدرجةً في أهمية وخطورة ما تلعب من أدوار . ( زينة ) و ( حازم ) هما القطبان الأهم في مجمل سياق أحداث الرواية . هما هنا زينة وحازم في حين كانا في الرواية الأولى ، الحلم المزدوج ، شموس وصارم [[ واظبتُ على إستمرارية الحدث ومعايشته بشخصياته بتغيير الأسماء فقط / دينا سليم ]]. مع زينة وحازم نقرأ إسم إمرأة أخرى هي ( نشوى ) . من هي نشوى ؟ نجد الجواب على الصفحات 75 ـ 78 من الرواية . كما قرأنا مرات ٍ قليلة إسم أو نعت ( نادل الشاي ) والمقصود بالطبع نادل المقهى . يروم هذا النادل كذلك الخلاص من بلده باللجوء إلى بلد آخر ناء ٍ علماً أنه سبق وأنْ تدخل ( في عمان ؟ ربما ) في شؤون زينة وحازم الشخصية بشكل مقرف (( ـ هل آتيكما بجدتي تكشف لكما الحظ ؟ يرد حازم (( ـ لماذا لا تعقد قراننا أيضا ً وتنتهي المسألة حالاً ! ستدّعي أينما ذهبنا أنَّ نادل الشاي في مقهى الرصيف قام بتزويجنا ! / الصفحة 18 )) . نعم ، نجد في عبّارة طلب اللجوء المتهتكة البناء حتى هذا النادل الصفيق . ما كان قصد الروائية من إستحضار رجل تافه فضولي صفيق يشارك حازم رحلة الخطر والجنون التي كان حازم بطلها المتميز في حين لم تلحْ حبيبة حازم ( زينة ) إلا من خلال إحلام هذا وأحلام يقظته ومن خلل ضباب وأبخرة ماء البحر والغيوم الكثيفة الداكنة السواد . زينة الحقيقية والجسد لا وجودَ لهما في هذه العبّارة لكنها موجودة شبحاً وذكريات ٍ وأخيلة ً وروحاً في صدر ورأس الحبيب حازم ! لا يستطيع مغادرة خيالها خاصة ً إذا ما عرفنا إنه ما غامر بحياته وبكل ما يملك في الحياة إلا في مسعى للحاق بها هناك في البلد البعيد الذي سبقته في الوصول إليه ربما على متن طائرة مريحة عابرة للقارات . تراكيب لغوية ساحرة حوارات زينة مع نفسها أو مع حازم أو حوارات هذا المتخيلة مع حبيبته وسالبة لبه من أروع ما كتبت دينا سليم في هذا الكتاب . أسوق نماذجَ منها / زينة تسترجع بعض ذكرياتها مع حازم: [[ ... تحوَّل الهدوء الخانق إلى سكون بشوش ، لمحة حنين ونظرة متوهجة من عينيك َ الساهدتين ، لم أجرؤ على الكلام ، عُقدَ لساني وبمكابرة غاصت نظراتي في أعماقك َ ، داخل صدرك َ المحمَّل بأعباء البعاد . أشعر بك ولا أستطيعُ رؤيتكَ ، قريب ٌ وبعيد ، موجود ٌ ومفقود ٌ ، يقين وربما كانت كذبة !! تناديني بإسمي وبسحر فائق أتفوق عليك ، أناديك َ باحثة ً عن طيفك في أركان غرفتي وزوايا نفسي ، عقلي يتحدث عنك وشفاهي تمتنع عن ذكرك ، أعودُ إليها خاضعة ً مستسلمة ً ولم يكنْ فيها سوى حبر صوتي المجروح على الورق / الصفحة 20 ]] . كيف نجحت البطلة زينة في توزيع نفسها بالتساوي بينها وبين حازم الذي تحب ؟ كيف أقامت هذا الميزان ؟ كيف تداخلت مع حازم وقاسمته الذكريات ؟ كيف وظّفت تراكيب لغوية جديدة إخترعتها هي ووظفتها في مكانها الصحيح ؟ [[ تناديني بإسمي وبسحر فائق أتفوق عليكَ ]] . ما سر ميلها أو إصرارها على أن تتفوق على مَن تعشق كل هذا العشق الروحاني الصوفي ؟ ما تركيبة هذا السحر وما فعله الكيميائي في عملية التفوق ؟ [[ وبسحر أتفوق عليكَ ]] ... في أي مضمار وحقل وميدان تتفوق عليه ولماذا وقد علمتنا وتعهدت أنْ تقيم الميزان العادل المستقيم بينها وبين حبيبها حازم ؟ قفزة ، أجل قفزة تطوّح بالقارئ وتقذفه في واد ٍ سحيق من سوريالية النص المقطوع وغير المتوقع حيث تحصل الصدمة ، صدمة الإدهاش والغرابة فينقلب سحرها في التفوق على صاحبها إلى سحر يشل أعصابنا نحن قرّاءها ويبطل مفعول أعصابنا وينيم يقظتنا . هل رأيتم سحراً ينتقل بالعدوى أو بالرنين الإهتزازي الفيزيائي ؟ ينتقل بين طرفين مختلفين تمام الإختلاف : أحدهما غارق في حب زينة أما الطرف الثاني فلا علاقة له لا بحازم ولا بزينة . إنه قارئ الرواية ، إنه غريب مجهول لكنه مع ذلك قريب موجود يمثل حلقة الوصل بين كاتبة الرواية الحقيقية دينا ـ التي قد تكون زينة الرواية وقد لا تكون ـ والحبيب حازم من خلال ما يقرأ على صفحات كتاب الرواية المطبوع . من هنا يتسرب سحر ( زينة = دينة ) من خلال الحروف التي كتبت في متن روايتها [[ ... ولم يكن فيها إلا حبر صوتي المجروح على الورق / الصفحة 20 ]] . هل سر السحر كامن في الحبر أم في الصوت المجروح أم في ومِن إجتماعهما ؟ تلك هي المعضلة ! تراكيب لغوية مذهلة عصية على الفهم لكنها رغم ذلك أليفة وحميمة ومقبولة تقتحم أنفسنا بأدب ورشاقة هامسة . أقدم نموذجاً آخرَ على قدرات الكاتبة دينا سليم الخلاّقة في رسم صور الذكريات وجمع حبيبين مبعثرين متباعدين لا تجمعهما إلا الذكريات الغاربة . يلتقي حازم الحبيب في دارها المهجور مع لوحة معلقة على أحد جدران الدار تحمل صورة رسمها لها حازم هذا نفسه . ( زينة ) ترسم هذا المشهد وهي غائبة عن الإثنين : دارها الذي هجرت وصاحبها الذي فارقت . غائبة لكنها حاضرة ... حاضرة في اللوحة التي تحمل صورتها وحاضرة في رأس وقلب وذكريات حازم . مشهد معقد تحكمت (( زينة / دينة )) فيه وأجادت سرد ما فيه من وقائع بمنتهى الدقة حى لكأنَّ حرارة جسدها وهي الغائبة تمس جلود ونفوس قرّائها الذين لا يعرفونها ولا هي تعرفهم . إنها تتخيل ... إنها تحلم وتتمنى في وعيها ولاوعيها أن يحدث في الواقع ما كانت تتخيل وتريد . خيالها خصيب ممرع شديد السخونة يستمد سخونته من حرارة جسدها ورغباتها التي فاتتها ورفضت أن تمارسها مع مَن أحبت مفضلة ً أن تتعايش مع الحرمان وأن تحبس الجسد وتكبت بل تقمع غرائزها الطبيعية حتى لتكاد أن تتحول إلى راهبة متنسكة ولكن خارج أسوار أديرة الراهبات والرهبان . صراع الإرادة مع قوى الطبيعة الغاشمة فينا وفي أجسادنا المادية . أي ثمن تدفع بطلة الرواية ( زينة / دينة ) لكيما تحقق إرادتها الرافضة لعناصر الحياة النصرَ النهائي المؤزّر ؟ أية طاقات تستهلكها معركتها الشرسة هذه ؟ ما حجم معاناتها الداخلية وهي معاناة مركّبة من عناصر شتى تذبحها بالطول والعرض ليلاً ونهاراً في الشارع والمقهى ، في مكتب العمل وفي البيت ولا سيما خلال ساعات الليل الطويلة التي تقضيها وحيدة ً في سرير نومها لا من رجل يشاركها هذا السرير، قلقة ً مؤرَّقة ً تتقلب على جمر الغضى الجنسي وهي أولاً وآخراً ليست إلا إمرأة ً تركت أو فقدت زوجها لأسبابها الخاصة ؟ لنستمع بل ولنشارك جميعاً في حضور هذا المشهد المهيب المفعم بالحب والآيروس الذي تجيد الكاتبة دينا في رسم صوره وطقوسه وحالاته وألوانه بشكل يثير ما هو أكثر من العجب . [[ ... إلتقت ْ عيناهُ لوحة ً يعهدها ، إنها أمامهُ ، رسمها بيده أيقن حينها أنه في المكان الصحيح ، إندفع نحوها وكأنه يندفع ُ نحو الشوق الغائر ينكسر أمامها ويتمنى لو يستطيع تطويقها بيديه اللتين خلدتا اللحظة وهدمتاها أيضاً . لو يلمسها ! يتذكر نعومتها ونضارة َ وجنتيها ، يمسحها بأنامله ، يفرش راحته على شعرها ويقرّبها إليهِ ، يتحسس كتفيها العاريين ، يُزيحُ بعض الخصلات من عنقها فترتبك ، يتقلص جسدها وتنز ُّ من داخلها أنفاس ٌ دافئة ٌ ، يلملمها ويقبض على همسات حيرى متعثرة . ـ أرجوك ـ لاتدعني أضعف ! يشم ُّ شعرها فيتعربش عبيره ، يدثّر أرنبة أنفه ، عيناه تضيقان وعيناها ترفان ، تزدادان توتراً وبنبرة مبحوحة قال َ : ـ أريدك أنْ تذوبي بين يديَّ ، أراك ترتجفين ... غوصي داخلي . يحتويها دامية القلب ويجس بيده جسدها من تحت ثوبها ليصلَ إلى أسفل ظهرها ... صامتة مستسلمة ، تبعد بأحلامها ، تحرقها شفتاه ، يمكنه سماع دقات قلبها كما يشعر بإعياء روحه المنهكة ، تومئ له بصمت تبغي المزيد، يجذبها نحوه مغمضة العينين ، يحسها ذابلة ً بينما يبعث الروح َ فيها ويشعلها ناراً / الصفحة 26 ]] . أسوق نموذجاً مجتزءاً من بعض حوارات حازم مع المرأة الأخرى نشوى التي تمثل في الرواية دور حواء ـ الأفعى أو الأفعى حواء حيث حاولت جهد مستطاعها أن تغوي حازماً وأن تثنيه عن تعلقه وهيامه بزينة فلم تفلح [[ ـ نحن إثنان ، مات الأول وضاع الثاني ... والباقي نحن إثنان ... تقاطعه { نشوى } : ـ أنك تتكلم عني إذا ً ؟ ـ واحد أخرس والثاني يتكلم ، معلقان بأطراف الغيم ... ـ يبدو أنك تهذي ـ واحد ثعلب ... والثاني أرنب ... واحد مسجون ويتعذب ... ـ إننا الإثنان مسجونان ـ أصبحنا ثلاثة ... والثالث ... لم أعد ْ أعرف إسمه ... ضحكتْ نشوى ضحكة بلهاء أدّت إلى الخروج من نشوى الإستغراق فيستطرد : ـ نحن إثنان ... وأنا وحدي / الصفحة 78 من الرواية ]] . نشوى هنا هي الشيطان الذي تراءى أو ظهر للسيد المسيح وحاول صرفه عن رسالته بأن عرض عليه كل مغريات الدنيا وكنوزها فأعرض المسيح عنه ورفضَ ما عرضَ . (( ... ثم أخذه أيضاً إبليسُ إلى جبلٍ عالٍ جداً وأراهُ جميعَ ممالكِ العالم ومجدِها . وقال له أُعطيكَ هذهِ جميعَها إنْ خررتَ وسجدتَ لي . حينئذ ٍ قال يسوعُ إذهبْ يا شيطانُ . لأنه مكتوبٌ للرب ِّ إلهكَ تسجدُ وإياهُ تعبدُ . ثم َّ تركه إبليسُ وإذا ملائكة ٌ قد جاءت فصارت تخدمه ُ / إنجيل متّى ، الإصحاح الرابع )) . ثم ، يذكرني حوار حازم هذا مع نشوى بحوارات ومنطق ( هاملت ) الخارج عن المألوف في رواية شكسبير الشهيرة سواء مع ( اوفيليا ) الصبية أو مع عمه قاتل أبيه أو مع أمه التي خانت أباه وتزوجت أخاه القاتل . تصرف هاملت هناك كمعتوه فتلاعب بالألفاظ وغيّر منطق اللغة حتى قال عنه والد أوفيليا الذي كان يراقب مقابلتها لهاملت ويسمع أقواله وردوده وأسئلته من خلف ستارة : مجنون ، مجنون حقيقي . السيدة دينا سليم تفهم الدين المسيحي بالطبع ، فضلاً عن درايتها الأكيدة وأطلاعها على روايات شكسبير وغيره من الشعراء الإنجليز . بل وإنها على دراية حتى بالسومريين في العراق القديم فتذكر جلجامش ( ص 80 ) وإنانا ودموزي ( تموز ) / الصفحة 85 . لماذا خرج حازم عن المألوف من المنطق والكلام وهو يحاور نشوى / الأفعى حواء ؟ ألأنه أراد التخلص منها بإدعائه العته والجنون لعلها تزهد فيه فتنسحب ؟ هل أراد السخرية منها كما كان حال هاملت مع أوفيليا ؟ أم أنه كان بالفعل شبه مختل العقل وهو في ساعات المحنة والغم العظيم يصارع الموت غرقاً في عرض البحر ؟ قد يصاب المرء بالجنون الحقيقي تحت ظروف بالغة القسوة والشدة سيما إذا ما واجه مخاطر موت أكيد أو شبه أكيد . من التراكيب اللغوية التي إستوقفتني طويلاً معجباً ما كتبت الروائية دينا سليم في الصفحة 114 [[ تحاول زينة الخروج من إيقاعات خطواتها السريعة لتطغى عليها إيقاعات قلبها الثقيلة ]] . للقلب إيقاعاته الخاصة ولخطوات الإنسان إيقاعاتها الخاصة ... ما علاقة دقات القلب بسرعة خطوات المشي ؟ لماذا تروم تغليب حركة القلب على حركة القدمين ؟ وضعت الكاتبة هنا فيزياء القلب في تضاد مع فيزياء الحركة ... فيزياء الحب مقابل فيزياء قوانين نيوتن للحركة . الحب ضديد العلم ... له قوانينه الخاصة به التي لا تخضع لقوانين ومعادلات الرياضيات والفيزياء . الفيزياء قوانين دقيقة صارمة خاضعة للقياس لكنَّ الحب جنون أو ضرب ٌ من الجنون لا قياس َ له ولا مقاييس ولا وسائل قياس ٍ . إسالوا المحبين منذ قيس العامري حتى نزار قباني الشامي الدمشقي .
لكل كاتب وشاعر من كلا الجنسين أساليبه السوريالية الخاصة به في الكتابة . ليست هناك سوريالية واحدة . لا يسع قارئ كتابات السيدة دينا سليم إلا الأعتراف بعجزه عن أن يلم َّ بدقة بكافة تفاصيل ما تكتب على كافة الصُعُد : الفكري منها والنسيج الروائي الخاص بها وما تبتدع وتخلق من تراكيب لغوية غير مألوفة بالنسبة لما نعرف عن طبيعة لغتنا العربية فقهاً وفلسفةً . أجل أقف حائراً محتاراً لأنني إذ أحاول فك رموز أساليبها اللغوية أواجه أكثر من معضلة وأقع في أكثر من لغز تبدو جميعاً لي وكأنها جاءت عفوية ً ولم تتكلفها الكاتبة دينا سليم أبداً . هي جزء من طبيعتها كما إخالُ وطبيعة الإنسان قاهرة جبّارة غالبة . ماذا أعني من قولي هذا ؟ أعني أنَّ أسلوب ( دينا ) هو أسلوب متفرد متميز لا يشابه أيّ أسلوب ٍ آخرَ فيما أعرف من أساليب الكتابة والسرد القصصي والروائي . حيرني أمره وأمرها لأني وجدت هذا الأسلوب عصياً على التصنيف يشق طريقه مباشرة ً إلى عقل القارئ قبل قلبه . يخترق الجلد ليستقر في نخاع العظام . لا أقول يسحرني أو يبطل أحاسيسي وعقلي ولكن أجدني رافعاً يدي َّ كلتيهما مستسلماً أمام قوة خفية هي ليست قوة فيزيائية في نهاية المطاف . حاولت أن أجده بين صفوف المدارس السوريالية في الكتابة فلم أجد له مكاناً بينها . أين أضع أسلوب السيدة دينا سليم إذا ً بين مراتب ودرجات الأساليب المعروفة والمذاهب المختلفة في الكتابة ؟ لا أدري . لكني مع ذلك أستطيع المجازفة بالقول إنه أسلوب جديد إبداعي في آليات الكتابة السردية . إبداعي لأنه غير مسبوق وإبداعي لأنه جديد لا شبيهَ له ... إنه مذهب ونوع خاص من أنواع السوريالية . لكل كاتب وشاعر أساليبه السوريالية الخاصة في كتابة نصوصه ... أي إني مقتنع بل ومؤمن أنْ لا من شكل أو أسلوب واحد في فن الكتابات السوريالية . السوريالية في كتابة النصوص تختلف عن بعضها كما هو الشأن في إختلاف البشر بعضهم عن البعض الآخر . وجدت من بين ما وجدتُ من كشوفات تراكيب لغوية ليست مفرطة في الغموض والتعمية وليست واضحة كل الوضوح لا أعرف كيف إستطاعت دينا من صياغتها بكل عفوية ودونما أي تكلف تأتي سلسة ً متصلة ً غير منفصلة عن فكر وعاطفة الكاتبة . هي َ ـ هي ، هي والكاتبة كلٌّ واحدٌ غير قابل للتجزئة والإنفصام . جمل تحمل عفوية وبراءة الطفولة تضعها الكاتبة أمام قرّائها بدون تكلف ومن غير ضجة فيتقبلها القارئ شاكراً دون أن يقف طويلاً أمامها لإستجلاء أسرارها ظاناً إنها تراكيب عادية كتلك التي دأب على قراءتها كل يوم . كلا ، الأمر ليس كذلك . قفوا أيها القرّاء ... إبحثوا ... نقّبوا ... إكشفوا ستجدوا أغلى وأندر اللقى وستعجبون كيف ومن أين أتت هذه الموهبة لسيدة مارست كتابة الروايات ونشرها في عام 2003 وليس قبل ذلك . سأقدم لاحقاً نماذج من هذه التراكيب اللغوية العجيبة التي يحار القارئ كيف يفهمها ويحار أين يضعها في مدرجات أساليب الكتابة المعروفة. ولكي أجّنب نفسي الغرق في بحر دينا سليم إخترتُ موضوعتين رئيستين لكي أشرح من خلالهما وجهات نظري في أساليب الروائية في فن الكتابة.
#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة المسيح بعد الصلب / لبدر شاكر السياب / في ذكرى رحيل الش
...
-
قصيدة مرحى ً غيلان / بدر شاكر السياب / في ذكرى رحيل الشاعر
-
.زهدي والمتنبي والتحولات (3)
-
لا ... لن يحترق القمر / ديوان شعر لسعيد الشيخ جاسم الوائلي [
...
-
زهدي والمتنبي والتحولات ( 2 )
-
زهدي والمتنبي والتحولات ( 1 )
-
الحلة في الذاكرة (12) / عرباين الحلة
-
أين أبو بشير ... رجل الجبال ؟ مَن يدلني عليه ؟
-
الحلة في الذاكرة (11) / شخصيات طريفة
-
ماهان وعشتار والمتنبي ( سوريالزم !! )
-
الحلة في الذاكرة (10) / شقاوات وباعة التبغ
-
الحلة في الذاكرة (9) / ثانوية الحلة للبنين
-
الحلة في الذاكرة (3 ) / أصدقاء وزملاء قدامى
-
الحلة في الذاكرة (8) / الحلاقون والطب الشعبي
-
مدينة الحلة في الذاكرة (7) / مواكب عزاء عاشوراء
-
مدينة الحلة في الذاكرة (6) / حمامات ومقاهي الحلة
-
مدينة الحلة في الذاكرة (5) / مهن نسائية ورجالية
-
مدينة الحلة في الذاكرة (4) / الوضع الثقافي
-
صارم مضى ... شموس باقية ... حازم يأتي
-
المتنبي وكرد الحلة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|