|
دور الوعي الفكري والثقافة الهادفة في تطور المجتمع
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2144 - 2007 / 12 / 29 - 11:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن الوعي الفكري الخلاق والثقافة الهادفة التي تنطلق من الواقع الموضوعي الملموس تعتبر الضمير الذي يعبر عن المجتمع ومنقذه الذي يقود نحو الحياة الأفضل والمستقبل المشرق السعيد باعتبارها تعبر عن قيمه في الميادين الروحية والوجدانية والأخلاقية وتخلق له دور وموقع إيجابي في التاريخ الحاضر والمستقبل في كيفية بناء وتركيب ما يتيح له ويسمح به بتجاوز ما أصيب به وعرقل مسيرته من تأخر وتخلف واللحاق بالحضارة والحداثة وتحقيق النهضة الوطنية وهو يمثل مكاسب واستحقاق التاريخ المعاصر وتجاوز ما فرض عليه من وعي الانخراط ألقسري الحاصل الآن في مجتمعنا وتاريخنا المعاصر والسير به إلى أمام والعمل على دعمه بالشكل الذي يساعد على ترسيخه عن طريق الوعي الفكري الخلاق والثقافة البناءة والهادفة وتوطينه وتعميمه وتوسيع دائرة حضوره وبيئته . إن تأخر الوعي وانعدام الثقافة جاء نتيجة ما تراكم من أوضاع شاذة وعوامل تقليدية بالية التي رافقت ظروف التسلط والاستبداد ووسائل الهيمنة الامبريالية وأدواتها بدأً من بالاحتلال المباشر وغير المباشر والتي أدت إلى الاغتراب النفسي والوجودي للفرد العراقي والتي أدت إلى الهيمنة الذهنية والجمود الفكري المرتبطة والمؤثرة على وعي الإنسان ووجوده وحياته والتي جعلت منه إنساناً مهمشاً مستهلكاً للسلع والحاجيات ولبس منتجاً لها معتمداً ومتكلاً على الآخرين مما جعله جامداً منعزلاً من أي دور وموقف وفعل وهذه الصيغة متعارضة لنمو وعيه ومداركه وذهنيته وخلقت منه إنساناً لا أبالياً محروماً ومهمشاً من الوعي والمعرفة والثقافة لأنه ليس فقط يعيش في مجتمع استهلاكي يجد السلعة والحاجة جاهزة وما عليه إلا أن يدفع سعرها فيقتنيها بعكس ذلك الإنسان الواعي والمدرك والمفكر الذي يمتلك المعرفة حينما يتجه باهتماماته نحو إنتاج السلعة وتطويرها والاستفادة من الطبيعة وتطويعها لإرادته ومصالحه . من خلال هذه الظاهرة والفرق بين مجتمع وآخر يصبح فيه المجتمع ويجعله يعيش حياة بدائية وقبلية أسلوباً وعملاً ومن ضمنهم المثقف (الأمي) والسياسي (الجاهل) ليس فقط يعيش مستهلكاً للسلع والحاجيات وليس منتجاً لها وإنما تلك الحالة تجعله يعيش محصوراً وسجيناً حسب رغبته في ذلك متقوقعاً اتكالياً لا يهمه من الحياة سوى إشباع غرائزه المادية والمعنوية ولذلك سوف تكون بيئته الاجتماعية جامدة ومنغلقة لا حركة فيها ولا نشاط ولا جهد يبذل بالرغم من إنها تتكون من عناصر بشرية إلا أن جميعهم يشغلون الأفق الاجتماعي الضيق الذي يكون حالات الوعي والإدراك والمعرفة الثقافة ومستواه من السمة نفسها لأنها مرتبطة ومعلقة بنفس الأشياء وعينها فيشاهدون نفس الحيوان ونفس الشجرة ونفس النهر والنبع وهم أيضاً يشاهد كل واحد منهم الآخر فتصبح تلك المشاهد والمناظر ثابتة وجامدة لتكرار مناظرها وتشابهها وروتينيتها مما يخلق الجمود الفكري والبلادة في وعيه وثقافته لأنه في كل يوم يشاهد نفس الأشخاص ونفس المناظر ويمارس المزايا نفسها ويستمع إلى الإزعاجات والضوضاء نفسها مما يؤدي وتخلق هذه الانطباعات الفردية التي يشاهدها يومياً صور ثابتة وحاسمة في حياته ما يؤدي به أن يصبح شخصية مجردة وجامدة وأنانية وغير متطورة والعكس من ذلك فإن وعي الإنسان ينمو ويتطور وينضج حينما تتبدل طبيعته وحركته ومخالطته ويمارس عملاً منتجاً يؤدي به إلى بذل جهد فكري مادياً أو معنوياً يطور قابليته الفعلية حيث يجعله يمر في صراعات وإرهاصات فكرية ونفسية من أجل الوصول للحلول الصائبة والهادفة ويؤدي به ذلك إلى البحث والتحليل والاستدلال فتتوسع وتزداد المجتمعات المختلفة التي يحتك ويختلط بها وتصبح المنطقة التي يعيش بها واسعة وكبيرة فإنه يشاهد فضاءات متعددة ويشترك نتيجة وعيه ومعرفته وثقافته في الحوار والنقاش مع كثير من البشر بكل ما يتعلق بحياته العملية أو المادية أو المعنوية المنتشرة يشكل بين تلك البيئات والمجتمعات المتعددة والمختلفة إضافة إلى إنه لم يشاهد حيوان واحد بل يشاهد حيوانات متعددة ومختلفة أو يشاهد شجرة واحدة إنما يشاهد غابة من الأشجار ولم يشاهد منبع أو نهر واحد بل يشاهد أنهار وينابيع كما إن ظروف الحياة وطبيعتها ليست نفسها في كل زمان ومكان فإن وعي الإنسان ومداركه ومعرفته وثقافته تنمو وتتطور من خلال النقاش والجدل والإسهامات المتغيرة والمجدية وكلما ازدادت الفروق بين اللوحات الفردية يزداد وعي الإنسان ومداركه ومعرفته من خلال التمييز والاختلاط بين هذه اللوحات المختلفة التي من خلالها بتطور الإنسان وتخلق شخصيته الخاصة به ويحتفظ بفرديتها ضمن الشعور والعلاقات الاجتماعات وبذلك تفرز تلك الحالة شكلاً من التجانس وتعايش التطور التقني والعلمي مع الأيديولوجيات في الدول المتقدمة وبعكس ذلك تخلق ظاهرة التأخر التاريخي في المجتمعات المتفاعلة مع ميكانزمات الهجمة الإمبريالية الخارجية التي تؤدي إلى ظهور تقهقر قطاعي في المجتمع المتأخر الذي تفرزه التبعية وتفرزه في كثير من قطاعات المجتمع من تقهقر وجمود أي إن المجتمع يتقدم أو يتغير في بعض قطاعاته في حين تبقى قطاعات أخرى على حالها والبعض منها ترجع عضوياً وضرورياً إلى مراحل تخطتها في الماضي . إن البنية المجتمعية المتأخرة ، متأخرة عن البنيان الاقتصادي والوعي الفكري الخلاق للأيديولوجيا ، ومتأخر أيضاً عن البنية الاجتماعية ولا يمكن الإفلات من أسر التأخر إلا بإيجاد الأيديولوجيات المنتجة عضوياً والتي يستخلص منها برنامج مستوف لتطور شروط جدليتها التي لها تفضلاتها نتيجة تراكم عوامل ومؤثرات تؤدي بدورها إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى بشروط جديدة لصراع جديد تتطور وتتحرك بها عجلة المجتمع إلى أمام نحو التقدم والتطور . لقد عملت الأنظمة الإمبريالية منذ قرون قديمة على استغلال وامتصاص دم الإنسان محولة إياه إلى أداة محرومة من أبسط الحقوق الإنسانية كالاستغلال البشع والاحتقار الذي لا حدود له والاغتراب والتمييز وقد أشار ماركس وأنجلز إلى إنه : (تحت ظل الاشتراكية فقط يمكن التخلص من العلاقات التي يحتقر فيها الإنسان ويستبعد وتمتهن كرامته) . إن حرية الفرد وإراداته وتطلعاته ورغباته يجب أن تخضع لظروف حياة المجتمع ككل . إن حياة الفرد لا تعتمد فقط على المجتمع بل على الانسجام وطريقة حياته وتفكيره التي تنسجم مع مصلحة المجتمع يقول لينين : (إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في مجتمع وأن يكون متحرراً منه) . إن إنكار شخصية الفرد هو نوع من الابتذال والتحريف الذي لا يتفق مع التطلعات الماركسية لأن الأيديولوجية الاشتراكية لا تفرط بميزات الفرد وقابلياته ومواهبه . إن ازدهار الشخصية الإنسانية والتطور المنسق الشامل للإنسان وتطمين جميع احتياجاته المادية والمعنوية تعتبر من الأهداف الرئيسية للمجتمع الاشتراكي .
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لينين في رحاب التاريخ
-
رؤيا في رحاب الفكر الماركسي الخلاق
-
العولمة المرحلة العليا للرأسمالية العالمية
-
جدل الداخل والخارج
-
دور الأنسان في مسيرة التاريخ
-
نشوء وتطور البرجوازية
-
أشاعة ثقافة العولمة
-
دفاعا عن النظرية الماركسية
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|