|
المشهد الثقافي في الكويت... شيخوخة المؤسسة
وليد الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 2140 - 2007 / 12 / 25 - 09:32
المحور:
الادب والفن
ا تشكل المنظومة الثقافية رافداً أساسياً لعملية التنمية؛ فهي تمُـدها بالمفاهيم والأفكار وأفضل التصورات والبدائل المتعلقة بالتغيير الإيجابي والنهضة الخلاقة، كما أن المنظومة الثقافية تحمل بأجوبتها الإنمائية بعداً حضارياً وقيمياً مواكباً لحركة التغيُـر والإنماء المتسارعة، وهذا لا يكون بأبهى صوره إلا عبر مؤسسة تُعنى بالفعل الثقافي وتعمل على تزخيم تراكم الجهود الثقافية في المجتمع، بالإضافة إلى دعمها للمشتغلين بهذا الحقل، وإكمال مسيرة وتطلعات الدولة والمجتمع.
وما كان صدور المرسوم الأميري الخاص بإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في 17 يوليو من العام 1973 إلا استشعاراً من أعلى سلطة في البلاد بأهمية المسألة الثقافية، وقد حدد المرسوم الأميري ملامح وهوية هذه المؤسسة الثقافية، فكانت لحظة انتصار للثقافة ومحبيها، وفي الوقت نفسه خطوة نحو تحقيق الطموح الثقافي، نوردها لنتعّرف على رؤية سمو الشيخ صباح السالم الصباح، والمؤسسين الأوائل لخارطة الحركة الثقافية. فقد نصّت المادة الثانية من مرسوم إنشاء المجلس: «يعنى المجلس بشؤون الثقافة والفنون والآداب ويعمل في هذه المجالات على تنمية وتطوير الإنتاج الفكري وإثرائه، وتوفير المناخ المناسب للإنتاج الفني والأدبي، ويقوم باختيار الوسائل لنشر الثقافة، ويعمل على صيانة التراث والقيام بالدراسات العلمية فيه، ويسعى إلى إشاعة الاهتمام بالثقافة والفنون الجميلة ونشرها وتذوقها، كما يعمل على توثيق الروابط والصلات مع الهيئات الثقافية العربية والأجنبية، ويضع خطة ثقافية تستند إلى الدراسات الموضوعية لاحتياجات البلاد».
الفعـل الثقافـي والاشتباك مع الواقـع
والمُطلع على أبعاد المشهد الثقافي المحلي الراهن، وما أنجزته المؤسسة الثقافية الرسمية من مهام، يتملكه الحزن ويعتمره الأسى لما وصلت إليه حال الثقافة في بلدنا؛ فلطالما كانت الكويت سباقة على مستوى الحضور الثقافي العربي، ..كانت منبراً ومنارة ومنطلقا للمعارف والفنون، وفضاء تلتئم فيه أطياف المثقفين عربيا، إسلاميا وعالميا ..لكنها تشهد منذ فترة تراجعاً عن هذه الحال الريادية، بل وللأسف الشديد إنها خسرت مكانتها وموقعيتها الثقافية المتميزة، وهذا في تصوري نتيجة طبيعية لعطب المؤسسة الثقافية الرسمية والجهة المسؤولة عن بناء وبلورة المنظومة الثقافية والمتمثلة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والتي كانت في يوم من الأيام “الحدث الثقافي الأكثر أهمية في تاريخ الكويت”، كما يصفها الدكتور سليمان العسكري.
إن تنمية الإنسان والمجتمع الكويتي ثقافيا هي المحور والركيزة الأصيلة التي دارت حولها رؤية التأسيس، خلاف ما تعكسه مرايا أنشطة وفعاليات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والذي أزاح المسألة الثقافية إلى هامش العزلة بعيداً عن المجتمع ومؤسساته، موارياً عجزه عن خلق أسس جديدة للوعي، ومكتفيا بالاتكاء على إرث المؤسسين الأوائل، وما أنجزوه في مراحل التأسيس، لتغيب الثقافـة في متاهات وأزقة البيروقراطية المقيتة ولتصبح الخاسر الأكبر في خضم التسابق على المناصب القيادية.
لابد أن يكون لأية مؤسسة ثقافية حضورها النوعي على أرض الواقع، فلا قيمة للكلمة الجميلة ما لم يكن هنالك من يتلذذ بها، ولا للوحة الاعتبارية الاستثنائية ما لم يوجد مَـن يخط أطياف أيامه وجروح ذاكرته فيها، ولا للفكرة المتألقة ما لم تجد مسارها في بناء مجتمع جديد، لذا تعد من أولى مهام المؤسسات الثقافية الاشتباك مع هموم الواقع الذي تنتمي إليه هذه المؤسسة لتستمد قوتها منه، وليمثل أرضاً خصبة لزراعة بذرة الثقافة في المجتمع. فالفعل الثقافي ليس سائلا دماغيا يعلب ويوزع في أروقة معارض الكتاب أو مع خروج الكتاب من المطابع، وإنما هي حركة إنمائية متراكمة مترابطة مشتركة وتفاعلية بين العنصر المولدة (الدولة، المؤسسة، المثقف، المبدع، الفعل الثقافي، المجتمع). فحري بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن يقدم أفكاراً ومشروعات قادرة على الحضور، ومن ثم التألق الثقافي والإبداعي بهدف مواكبة التطور المعرفي وإمداد مؤسسات الدولة والمجتمع بأسباب النهضة والتقدم لاقتحام ميادين التنميةعلى اختلافها.
رصاصـة الرحمـة
من جهة أخرى تشهد الإصدارات الثقافية للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تراجعاً ملحوظاً للمضمون الجديد، بالإضافة إلى تغييب واضح لدور المثقف الكويتي بما يتناسب والرؤية التي وضعها المؤسسون.
فالمؤسسة الثقافية ليست دار نشر كبيرة، أو سوبر ماركت للكاتب والباحث من خارج الكويت فقط، كما أن ما يبقى في الذاكرة الثقافية العربية والعالمية، ليس ذلك الناشر وآلاته الضخمة للطباعة، بل هو المثقف والمبدع والفنان، ومنهم الكويتي القادر بالتاكيد على الضخ النوعي والعطاء المميز، فضلا عن كشفه الإشكالات المستعصية وتقديم أجوبة تلامس الواقع من أمثال د.خلدون النقيب ود.سليمان العسكري ود.عبدالله النفيسي والروائي إسماعيل فهد إسماعيل...وغيرهم ..وغيرهم ..ممن لسنا في معرض تعداد أسمائهم الآن.
...ولا نعجب بعد ذلك من هجرة الكتاب الكويتيين إلى مؤسسات ومراكز ودور نشر خارج الكويت، لنشر إبداعاتهم وأفكارهم، بل وهروب الشباب (جيل الضحية) إلى فضاءات أوسع كالإنترنيت. فهذا هروب لمثقفي المستقبل إلى أفق آخر يعبرون خلاله عن ذاتاتهم ويحققونها، وفي الوقت عينه هو تعبير صامت عن رفضهم للمشهد الثقافي الراهن وصدمتهم ممن هم وراءه.
كما أننا نحذر أن هذا التغييب للمثقف الكويتي هو إساءة للهوية الثقافية الوطنية، والتي وجدت المؤسسة ولا شك من أجلها.
جوهـر المشكـلة
جوهر المشكلة أيها السادة أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب هو أول من أطلق رصاصة الرحمة على المشهد الثقافي وأرداه قتلا بين جدران مباني المؤسسة الخرسانية. فما الضوضاء الإعلامية وكرنفالات الثقافة التي تصطنعها هذه المؤسسة الثقافية مثل: المهرجانات والندوات والمعارض وغيرها إلا فصل من فصول المشهد المأساوي للثقافة ينتهي إلى الاستخفاف بكل ما هو ثقافي، وحتى تحقيره. فأفراد المجتمع لا يشعرون بأهمية وجود مثل هذه المؤسسة البعيدة عن همومهم وتطلعاتهم لأنهم لا يعرفونها أصلا إلا من إعلانات تنتشر بعد يوم افتتاح معرض كتاب، أو من خلال نشر القوائم السود للكتب المراد اغتيالها في هذا المعرض.
خطـة جديـدة
أيها السادة، ما ينقصنا هو إيقاظ المؤسسة الثقافية الرسمية في الكويت من السكون والنمطية التي رسخت في قاموسها، وإعادتها إلى الفاعلية الإبداعية والثقافية. ويحدونا أمل على أي حال في إعادة المؤسسة الثقافية إلى ما كان يراد لها أن تظل فيه من توهجات ونجاحات.
ولكي نتجاوز السلبيات التي يعيشها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لابد من البدء بأمور ملحة، لعل في طليعتها رسم رؤية نقدية واقعية ترصد ما آل إليه المشهد الثقافي الكويتي بتجرد، وتضع خطة جديدة ومغايرة تشترك في صنعها كل العناصر المركزية المعنية بالثقافة في بلدنا.
* كاتب كويتي
[email protected]
#وليد_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
-
نحو شراكة مجتمعية
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|