|
( العمى ) لساراماغو
سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 11:15
المحور:
الادب والفن
تذكِّرنا رواية ( العمى )* لجوزيه ساراماغو بأعمال أخرى مشابهة لها، أو مناظرة، في مناخها العام ونسيج الحدث المركزي فيها، وأيضاً في فكرتها الأولية ومنها ( الطاعون ) لألبير كامي، و (ووقائع حارة الزعفراني ) لجمال الغيطاني. فنحن في هذه الروايات إزاء وباء فتاك ينتشر خفية ويطيح بالبشر ويحاصر مدينة.. وباء له حضوره البيولوجي والفيزيقي، لكنه يتخذ بوقعه، وفعله الباهظ، بعداً وجودياً رمزياً.. وباء يؤشر عجز الإنسان وكفاحه أمام الطبيعة، وإزاء القدر في الوقت عينه. وإذا كان العالم يُختزل في ضمن الحدود الجغرافية للمدينة في ( العمى ) و ( الطاعون ) فإنها في ( وقائع حارة الزعفراني ) يزحف ليعم المعمورة كلها. كذلك تحيلنا ( العمى )، بهذا القدر أو ذاك، إلى روايات ( 1984 ) لجورج أورويل و ( الساعة الخامسة والعشرون ) لكوناستاس جورجيو و ( القصر ) و ( المحاكمة ) لكافكا، حيث يطغي الخوف والحيرة على نفوس البشر وتغرق المدينة في الوحشة والكآبة والعتمة، ويمشي في طرقاتها شبح الموت المخيف. ومثل هذه الروايات الأخيرة تفتقر ( العمى ) إلى الإشراق والمرح، ونبرة السخرية التي فيها مرّة ومؤلمة.. إنها جديّة، وذات تصميم محكم. ولكن ( العمى ) على الرغم من تسيد روح التشاؤم على أجوائها فإنها تفتح كوّة أمل في النهاية على عكس الروايات الأخرى، ( وربما باستثناء الطاعون )، المشبعة بالتشاؤم. فساراماغو لن يتركنا في منتصف الطريق، فلم يرد لنا أن نظل في العماء، فالمشاعر الإنسانية في رواية ( العمى ) خضعت لاختبار صعب ومعقد فبينت التجربة هذه البشرَ على حقيقتهم.. أظهرت مواطن قوتهم وضعفهم، الخير فيهم والشر، الحب والكراهية، العطف والتسامح والقسوة، إذ أراد ساراماغو أن يهبط أعمق داخل النفس البشرية ليكشف عن حقيقة المعنى هناك.. عن المنبع الذي تصدر عنه قناعاتنا ومظاهر سلوكنا. أن أسمّيك يعني أني أحبك، تقول الروائية الجزائرية آسيا جبار. وفي هذه الرواية ليست ثمة أسماء، لا حاجة للأسماء، لا لأنها بصدد عالم خلا من الحب فقط بل هو في طريقه إلى النهاية، إلى العدم، حيث تضيع الحميمية ويضطر الإنسان للتنازل عن كل شيء، بما فيه احترامه لنفسه. وفي هذه الطريق من يكون بحاجة إلى اسمه؟!. "إننا بعيدون جداً عن العالم. وفي أي يوم، من الآن فصاعداً، سوف لن نعرف من نكون، حتى أننا لن نتذكر أسماءنا، ثم ما نفع الأسماء لنا، إذ أن الكلب لا يميز كلباً آخر، أو يعرف الكلاب الأخرى من الأسماء التي تطلق عليها، فالكلب يُعرف برائحته، وبالطريقة نفسها يعرف الكلاب الأخرى" ص76. الرجل الأول الذي سيصاب بالعمى سيكون اسمه في الرواية الأعمى الأول وزوجته هي زوجة الأعمى الأول، وهناك طبيب العيون، وزوجته، والمرأة ذات النظارة السوداء. والكهل ذو العين المعصوبة..الخ. وجود غفل.. أشخاص بلا أسماء.. من يدخل هنا لا يفقد الأمل وحسب، وإنما اسمه أيضاً.. يفقد ذاتيته المستقلة، حريته وفيما بعد كرامته.. الوقوف عاجزاً أمام القوة الصاعقة العمياء للقدر.. القوة غير المفهومة التي لن تدرك غرضها وحدودها ونواياها.. لن تعرف ما هي، ولماذا تفعل ما تفعل.. إنك داخل الفضاء الكافكوي.. العجز واللاجدوى وعدم الفهم.. القفز في الفراغ والسقوط في النقطة نفسها، مع معاودة المحاولة والإصرار على الخلاص كما هو شأن ( ك ) في القصر. أو كما هو شأن سيزيف المثقل بالصخرة. ليس في العمى أبطال مركزيون فاعلون بالمعنى التقليدي لكلمة بطل باستثناء زوجة الطبيب المبصرة.. ليس ثمة سوى العمى.. البطل هو العمى.. سلطة العمى. في مقابل تخبط العميان العاجزين، فوضاهم، ارتباكهم.. هي رواية عن المحنة الوجودية، عن غياب الحرية.. العميان في سجنهم المادي، وفي سجن عماهم.. كل واحد منهم رهين محبسين على الرغم منه. إنه عمى لا يشبه العمى الذي خبره بعض البشر ونفهمه طبياً، والفحص الطبي لا يكشف عن اختلالات عضوية.. عمى أبيض لن نعرف عن أي فيروس هو ناتج، لكنه ذو تأثير معدٍ، سريع يشيع الفزع والاضطراب: "إن ما نسميه عمى هو ببساطة شيء ما يغطي مظهر وكينونة الأشياء، يتركها سليمة خلف حجاب أسود. ها هو ذا الآن، وعلى العكس، غارق في بياض مبهر، مطبق، بياض يبتلع بدلاً من أن يمتص، لا الألوان فقط وإنما كذلك كل الأشياء والكائنات كلها، وهكذا يجعلها غير مرئية مرتين" ص19. إنه عمى كوني، وجودي، إذ معه يبلغ الوضع الإنساني لحظة العري المريعة، الانكشاف الباهر المرعب. ويتجلى الإنسان في حالة مؤسية من الضعف والهشاشة بمواجهة قوة قاهرة، غامضة مجهولة، ليس من سبيل لمعرفة كنهها، وكيف تفعل، ولماذا؟ وكذلك إلى أين، إلى متى؟ وليس هناك من طريقة لدرء شرها أو التصدي لها أو التلاؤم معها.. قوة لا تقبل المساومة أو التواطؤ، عابثة لها مزاجها الخاص أو هدفها الخاص السري. ويوصل ساراماغو عبر تصعيد ذي طابع درامي، الفرد وقد غدا وحيداً الآن إلى نقطة الأزمة.. الأزمة في حدودها القصوى، حيث يشعر المرء أن لا احد بمقدوره مساعدته ومساندته. يُقاد المصابون بالعمى في البدء إلى محجر صحي، هو مشفى مجانين مغلق، ويُحاصرون بالجند الذين يبقون بعيدين ويطلقون الرصاص على كل أعمى يقترب منهم خوفاً من الجرثومة التي يعتقدون أنها تنتقل عبر الهواء بالنظر. ويُطرح رأي بين الذين مازالوا يبصرون مفاده ضرورة ترك العميان يموتون ليموت سمّهم معهم. أما الجهود لتنظيم حياتهم هناك فتبوء بالفشل، ولاسيما حين تبرز قوة شريرة ومسلحة داخل مجتمع العميان تسيطر على الطعام وتوزعها بالتقتير مقابل الحصول على ما لديهم من ممتلكات لتفرض بعدها على النساء الخضوع لنزواتهم الجنسية وهذه ضريبة منحطة، مثلما يتم وصفها، ستضطر النساء لدفعها كتضحية من أجل أن لا يموت الآخرون جوعاً. والمشاهد البشعة التي يرسمها ساراماغو للاغتصاب الجماعي الذي تقوم به عصابة العميان تعكس أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من الانحطاط والعمى الأخلاقي. فالعمى الحقيقي هو في الداخل، في الروح، في الأعماق الغارقة بالدناءة والشر. ولن تترك صدى كافياً الكلمات الوعظية التي يطلقها الطبيب وزوجته بين وقت وآخر عن ضرورة أن يحترم المرء نفسه ولا يتحول إلى حيوان.. تقول زوجة الطبيب؛ "إن عالم ملاجئ العميان الصغيرة الخيرية، الرائعة ولّى إلى غير رجعة، ونحن الآن في مملكة العميان القاسية، الوحشية، الحقود. فقط لو ترى ما أنا مجبرة على رؤيته، لرغبت لو أنك أعمى" ص162. لا يعرف العميان ما الذي يحصل في الخارج، إنهم معزولون كما في كوكب آخر، ولمّا تقوم امرأة غاضبة بإحراق غرفة العصابة، ذلك الحريق الذي يتسبب بمصرع أفرادها جميعاً، يخرج العميان طلباً للطعام والدواء فيكتشفون أن لا أحد هناك.. إنهم أحرار ولكن أية حرية هذه؟!. يتدافعون للخروج إلى العالم فيعرفون أن الوباء اجتاح المدينة، فلا سلطات هناك، ولا مؤسسات ولا خدمات ماء وكهرباء وغيرها.. القاذورات في كل مكان والعميان يبحثون بيأس عمّا يسكت جوعهم.. إن المدينة كلها باتت المحجر الذي مكثوا فيه لبعض الوقت، لا فرق بين الداخل والخارج. تتولى زوجة الطبيب قيادة عدد من العميان لأنها المبصرة الوحيدة، وتبقى تخفي هذه الحقيقة عن الآخرين مدعيّة أنها عمياء مثلهم لأن لا طاقة لها على خدمة هذه الأعداد التي تتكاثر يوماً بعد يوم، وينتابها الحزن والإحباط أحياناً فتبكي.. تقول لها الفتاة ذات النظارة السوداء " إذا أُحبطت أنت القوية بيننا، فلا خلاص لنا" ص121 ويكتشف بعضهم أنها ليست عمياء كما هم أو يشكّون بها غير أنها ستخبر مجموعتها فيما بعد وهم هائمون في المدينة أنها تبصر، وربما هي المبصرة الوحيدة فيها. في هذه الرواية نحن القراء أيضاً بحاجة على عينين مبصرتين، ولذا فإن زوجة الطبيب التي لم تصب هي بطلة الرواية إنْ صحَّ استخدام هذا التعبير أو هذا الاصطلاح، فالراوي الذي يتكلم بضمير الغائب يستعير عينيها أغلب الأحيان ليصف لنا حالة البلاد وما يجري فيها. ومن غير عينين سوف لن نعثر على سرد شائق، على خيط درامي، على حبكة من نوع ما. فالراوي هو من يجب أن يرى حتى أكثر من زوجة الطبيب. ويُطرح السؤال؛ كيف ستتدبر البشرية أمورها من غير حاسة البصر، أم أنها ستجد طريقة ما.. إن حكومة من العميان تحكم العميان هي عدم يحاول تنظيم العدم كما سيقول الكهل ذو العين المعصوبة "وربما ستتدبر الإنسانية أمر العيش دون أعين، بيد أنها ستكف عن إنسانيتها، عندئذ، والنتيجة واضحة" ص296 عالم بلا قيم أخلاقية ضابطة، أو هو المتاه الأبدي. وسيكون العمى الطريق الملكية للموت "سنموت بسبب العمى والسرطان، العمى والسل، العمى والإيدز، العمى والنوبات القلبية، قد يختلف المرض من شخص إلى آخر إلاّ أن ما يقتلنا الآن حقيقة هو العمى" ص342. في هذا المناخ التعيس، حيث النتانة والقذارة والأنانية والفوضى، يوضع المرء أمام امتحان صعب، وحيداً في العماء إزاء مصيره.. يضرب العماء العقل كذلك.. ينشغل الأعمى بالصغائر والتوافه، يفكر بإشباع حاجاته البيولوجية، تغيب الأسئلة الكبرى معظم الوقت أو لا أحد يفصح عنها.. عالم يكاد يضيع فيه الحب واحترام الذات والآخر، والشفقة والحنين، حتى أنهم لا يتحدثون عن ذكرياتهم وآمالهم. الجوع والخوف والقذارة يجعلهم ينحدرون إلى المستوى الحيواني.. تقول لهم زوجة الطبيب إن لم تستطيعوا أن تعيشوا مثل البشر فعلى الأقل لا تعيشوا مثل الحيوانات، ويمر وقت طويل من غير أن يتحدث أحد عن عائلته كما لو أنهم جاءوا من كوكب بعيد، كما لو أنهم بلا ذاكرة.. فقط سيبدؤون باستعادة ذكرياتهم حين يطمئنون أن بينهم مبصرة؛ زوجة الطبيب. والكفاح الأهم يكون هو البحث عن الطعام والماء، وعن ملجأ يعودون إليه، ولحسن الحظ يجدون بيت الطبيب سالماً لم يمس. يدفع العجز المريع الناس ( العميان ) إلى الكنيسة، ويروح بعضهم يلقي المواعظ في الساحات لجمهور مستمع "كانوا يعلنون عن نهاية العالم، عن الخلاص عبر التوبة، عن رؤى اليوم السابع، ومجيء الملائكة، اصطدامات كونية، انطفاء الشمس.."ص345. وهذا ما يحصل كذلك في رواية ( الطاعون ). ومثلما حلَ العمى من غير إنذار مسبق، ومن غير سبب معلوم، كقوة مبهمة، عاتية، فقد غادر أيضاً من غير أن يقع أحد على تفسير للأمر، حتى أن طبيب العيون وزوجته في لحظة تجل رؤيوي سيتساءلان ويفضيان برأيهما: "لا أعرف لماذا عمينا،، فربما نكتشف الجواب ذات يوم،، أتريد أن أخبرك برأيي. نعم، أخبريني. لا أعتقد أننا عمينا، بل أعتقد أننا عميان، عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون" ص379. وهذه ليست أحجية، بل محاولة للإجابة عن السؤال؛ هل كان الوباء حقيقة، أم أنه وهم تلبس الجميع.. لقد كانوا بحاجة إلى هذه التجربة الفريدة المعقدة والعسيرة ليغيروا من مفاهيمهم ورؤيتهم لأنفسهم وللعالم، أو لفكرة الحياة ذاتها. * ( العمى ) جوزيه ساراماغو.. ترجمة: محمد حبيب .. دار المدى للثقافة والنشر.. دمشق.. ط1/2000.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
-
على قلق..
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 4 الشعراء والنهضة ( الزهاوي مثا
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 3 السياق المصري (من محمد عبده إ
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق 2 السياق المصري: الطهطاوي والأفغ
...
-
تباشير فكر النهضة في العراق: 1 السياق التركي
-
دلال الوردة: كسر المألوف وصناعة الصور
-
فقراء الأرض
-
أخلاقية الاعتراض
-
شيطنات الطفلة الخبيثة: رواية الحب والخيانة والغفران
-
ما حاجتنا لمستبد آخر؟
-
قصة قصيرة: بنت في مساء المحطة
-
سعة العالم
-
-قل لي كم مضى على رحيل القطار- فضح لخطايا التمييز العنصري
-
في التعبير عن الحب
-
-البيت الصامت- رواية أجيال وآمال ضائعة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|