1 ماذا يحدث للمجموعات البشرية عندما يقهرها التغيير . ؟ ما هي الطرق والوسائل التي من خلالها نتمكن أو نفشل بالتكيف مع هذا التغيير وصولاً إلى المستقبل .
بالرغم من الكتابات الكثيرة حول المستقبل إلا أنها كانت في معظمها جافة وبائسة . جفافها وبؤسها لا ينبع من عدم قدرتها على مخاطبة المستقبل بلغة مفهومة ، بل لأنها لم تمحور اهتمامها بالشكل الأمثل والمطلوب حول الجانب الإنساني للمستقبل القادم .
علاوة على ذلك ، لقد تمحورت كتابات بعض الباحثين بخطوات توصلنا ، على الأرجح ، إلى الغد . إلا أن هذه الكتابات ظلت تبحث بالعموميات ... القضايا اليومية ، المنتج الذي نبتاعه ونرميه ، الأماكن التي نتركها خلفنا ، الناس الذين يعبرون حياتنا ..... الخ .
اليوم .... بدائل ثقافية جديدة وغريبة . مستقبل العلاقات الاجتماعية ، الصداقة !! ، حياة العائلة في امتحان دقيق . وبالتالي أساليب حياة جديدة ُتبحث بالموازاة مع ترتيبٍ أو نظام من مواضيع أخرى من السياسة ، من الاقتصاد ، من العلاقات الجنسية ... الخ .
ما يتصل بهذا كله ، في السطور أو الحلقات القادمة كما في حياتنا المعاصرة ، هنالك تدفٌق هادٌر من التغيير. وعلى هذا النحو ، هو تدفق فعال . حيث يسقط المؤسسات ، ويغير من قيمنا ، ويضعف من جذورنا .
فالتغيير عملية ، من خلالها ، يجتاح المستقبل حياتنا . وبالتالي من الجدير بالاهتمام أن ننظر إلى التغيير نظرة موضوعية / عقلانية ، ليس كمشهد رائع من التاريخ ، لكن أيضا كموقع أفضلية من الحياة .
تسارع التغيير في عصرنا قوة جوهرية . هذا الدفع المتسارع له عواقب نفسية Psychological Consequences ذاتية ، بالإضافة إلى العواقب الاجتماعية Sociological Consequences .
حتى يتعلم الانسان بسرعة معدل التغيير في حياته الشخصية والمجتمع من حوله سيتحتم علينا الانصياع لانهيار كبير .
إن صدمة المستقبل Future Shock ليست خطرًا كامناً على المدى البعيد ، لكن الاعتلال الحقيقي هو المعاناة الفعلية المتزايدة على مستوى أعداد كبيرة من أ فراد المجتمع . وهذه الحالة النفسية يمكن أن توصف في الطب بشكل عام والطب النفسي بشكل خاص بمرض التغيير .
هذا المرض قد يثير الرعب في أوساط المجتمع لأنه يتطلب حالةً من التكيف قد لا تكون متواجدة في ظل دعوات البعض للتغيير الواسع في المجتمع من جهة ، ودعوات هؤلاء الذين يهيؤننا بشكل افتراضي لان نكون على مستوى التغيير من جهة أخرى ، وهذا يتطلب ما يمكن أن نطلق عليه التربية من اجل التغيير .
لكن بالمقابل ، نحن نعلم انه لا يوجد شيء واقعي وحقيقي من اجل فعل ذلك . وبالتالي في ظل تسارع التغيير ، سنظل على قدر من الجهل بهذا التغيير ، بحيث يصبح الانسان والحيوان على قدر المساواة عرضة للخطر وبشكل مثير للشفقة .
الخوف والارتباك ، وربما الرعب ، لايقتصر على العامة من الناس . بل يشمل المفكر ين السيكولوجيين، والسياسيين على حد سواء .
هذا الوضع العام قد يثير مجموعة من الأسئلة من قبيل : لماذا تقاوَم مؤسسة ما عندما تريد أن تؤسس فرعًا جديدًا لها في منطقة ما ؟ المثقف الذي يريد أن يبتكر طريقة جديدة في التعليم ........ وهكذا ؟ . هؤلاء كلهم سيواجهون بطريقة أو بأخرى مقاومةً عمياء . كما أن هذا الوضع يثير سؤالاً رئيسيًا: لما بعض الناس توّاقون لخلق التغيير ، بينما آخرون يتحاشون فعل ذلك ؟
لا توجد إجابات جاهزة لمثل هكذا أسئلة . لكن كي نتمكن من الاقتراب ، أو حتى نكتشف إجابات معينة ، لا بد من وجود نظرية ملائمة للتكيف Theory Adaptation . وبدون ذلك ، والى ابعد حد ، لن نجد أية إجابة .
وبناءً عليه ، سنحاول قدماً أن نبين طريقة الوصول إلى صيغة مستقبلية تساعدنا لنكون على مستوى ، وبشكل حقيقي ، التغيير الاجتماعي والشخصي من خلال تعميق فهمنا لكيفية استجابة الناس له .
تظهر الضغوط الاجتماعية بمعدلات متفاوتة عند حدوث التغيير في قطاعات مختلفة من المجتمع . من هنا إن فكرة صدمة المستقبل ونظرية التكيف التي تخرج منها تطرح بقوة عملية التوازن . ولكن أين ؟ التوازن ليس في معدلات التغيير Rates Of Change عند قطاعات مختلفة فحسب ، ولكن بين نسبة التغيير البيئي Environmental Change والنسبة المحدودة في استجابة الانسان . لهذا إن صدمة المستقبل تنشا من ازدياد الضعف بين العنصرين السابقين ، أي التغيير والاستجابة له .
سابقاً درس الانسان الماضي ليلقي الضوء على الحاضر . هنا سنقلب مرآة الزمن على قاعدة انه يمكن تكوين فكرة مترابطة منطقياً حول المستقبل تستطيع أن تغدق علينا مشاهداً / رؤى قيّمة حول الحاضر .
وبالتالي ، بدون استخدام المستقبل كأداة فكرية سنجد صعوبة متزايدة في فهم مشاكلنا العامة والخاصة .
عند استخدام المستقبل كأداة فكرية علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الفعل " سوف " . بمعنى انه لا مستقبليون جديون يتعاملون بالتنبؤات . فهذا متروك لمنجمي الصحافة والقنوات الفضائية .
لا احد ، حتى ولو كان على إطلاع واسع بتعقيدات التنبؤات ، يمكن له يّدعي معرفة تامة بالمستقبل . ففي هذه الكلمات المزركشة والتي اشتُقت من حكمة صينية نقول : " النبؤة صعبة جداً وخاصة عندما نأخذ المستقبل بعين الاعتبار " . ولكن ماذا يعني كل هذا ؟ هذا يعني أن كل تصريح عن المستقبل يجب أن يكون مترافقا بمجموعة من الصفات ( اذاوات Ifs ، واوات Ands ، لاكنات Buts ) . ومع ذلك ، حتى ندخل كل تصنيف مناسب في هذا المقال من هذا النوع سيجعلنا ندفن القاريء تحت كومة من " الربّمات Maybes ".
وبهذا الفهم للموضوع ، إن ّ كلمة " سوف " يجب أن تُقرأ دوماً كما لو أنها سبقت ﺑ " عادةً " أو " في رأيي " . وبنفس المقياس ، كل التواريخ التي نريد أن نطبقها على أحداث مستقبلية يجب أن تؤخذ بعين المحاكمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ... ما هي مسؤولية الكاتب أو الباحث إزاء هذا كله ؟
القصور والعجز للتحدث بدقة وبيقين , حيث البيانات الواقعية والخالية من الضعف تكون متاحة ، يجب أن تُؤخذ بالحسبان. لكن حيث تكون مفقودة أو يُفتقر إليها ، فمسؤولية الكاتب وحتى العالِم ، هي الاعتماد على أنواع أخرى من الدلائل المتضمنة بيانات سردية وانطباعية ، بالإضافة إلى آراء الناس من ذوي الإطلاع الحسن . هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى ، التعامل مع القضايا المستقبلية يتطلب الخيال الواسع ، والبراعة في التصوير المجازي ، بالإضافة إلى البصيرة النافذة . فالنظريات لا تكفي أن تكون صحيحة حتى تكون مفيدة بشكل هائل .
فحتى الأخطاء لها استعمالاتها . حيث إن الاكتشافات العظيمة لم تشمل اكتشاف " العالم الجديد " بدون الخرائط الموضوعة من قبل خرائطييّ القروسطية . ونحن الذين نكتشف المستقبل كمثل هؤلاء ، واضعي الخرائط القديمة وبنفس الروح والعزم والدرجة .
إن مفهوم صدمة المستقبل ، والنظرية العالمية لمدى التكيف / التهايؤ سنقدمها هنا ، ليس ككلمات أخيرة ، لكن كتقدير تقريبي للحقائق الجديدة ، الممتلئة بالأخطار كما الوعود .