|
تعليقا ً على دراسة ازدواجية اللغة لمهدى بندق
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 01:54
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفاعل اللغوي بين زلزلة الثوابت والتنشئة الطبقية
لا أدري ما الغريب الذي رأه د.مأمون البسيوني فيما كتب الشاعر مهدي بندق عن الدور الذي لعبه قرار عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي حينما قرر أن يجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في مصر ، وهو الأمر الذي رأى فيه مهدي بندق بداية انقسام وسيلة الاتصال الكلامي بين الغالبية التي التفت حول لغتها المصرية الأم والمتعاملين مع الدواوين الرسمية في مصر أولئك الذين فازوا برضا الدولة الأموية صاحبة الامتياز في المستعمرة الجديدة ومن ثم تبدلت مواقعهم الطبقية. ومن البداهة بمكان أن فهم لغة جديدة وإدراكها وإتقان التعامل بها تعبيراً عن تبادل المصالح والمنافع ، محدود بمحدودية القادرين والراغبين ممن يتحتم عليهم استمرار مصالحهم ونموها خاصة إذا ما كانت مرتبطة بالدواوين الحكومية ، ومن ثم يصبح منطقياً نمو ثرواتهم من ناحية ، وتنامي تعاليهم على غيرهم من غالبية الشعب الذين قعدوا عند أعتاب لغتهم القومية (المصرية القديمة) أولئك الذين ضمرت تعاملاتهم مع الدواوين الحكومية ومن ثم حرموا من المنافع التي كانت ستعود عليهم فيما لو كانوا قد تأهلوا وامتلكوا اللسان الديواني العربي الفصيح. ولاشك كانت دخولهم سترتفع وربما انتقل أكثرهم إلى مصاف طبقة الملاك أو شريحة من شرائحها. وهو الأمر نفسه الذي تعامل به الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر وهو أمر ما زال تأثيره حاضراً في واقع الحياة الجزائرية والمغربية حتى يومنا هذا. ولماذا نذهب بعيداً عما يجري الآن في مصر ، حيث وجّه الأغنياء الجدد أبناءهم نحو المدارس الأجنبية التي أفرزتها التوجهات الاستهلاكية وفلسفة الخصخصة التي تعدت كل منطق ، حتى أصبح الوقوف في الشارع برسم نقدي ، والدخول إلى دورات المياة العمومية برسم نقدي ، والدخول إلى شواطئ البحر صيفاً برسم نقدي . ألا يشكل انفصال شريحة من جيل عن لغة الغالبية حائطاً نفسياً واجتماعياً وسياسياً بين أبناء الطفيلية الرأسمالية الذين حيل بين اللغة العربية الفصحى وبينهم ، ومن ثم انفصلوا انفصالاً مدروساً ومقصوداً ومخططاً من نظام الدولة ومن ثم يحول بينهم دون الاتصال بتراث أمتهم وتاريخها وأعلامها ودورها بين الأمم ، ألا يحول ذلك دون تعلمهم العربية ويحول بينهم وديانة آبائهم وأجدادهم ، وبين أبناء غالبية الشعب الذين يدرسون بالعربية ، ألا يغيّب الهوية القومية الاقتصار على تعليم تلاميذ فئة من طبقة اجتماعية اللغة الانجليزية دون العربية . ألا يؤدي تفوقهم في اللغات وفي التعامل مع آليات الحواسب إلى حيازة الوظائف ، ومن ثم حرمان من درسوا بالعرببية من التوظيف ، ومن ثم البطالة التراكمية . ألا يشعل ذلك الصراع بين الطبقات ؟ ومع كل ما تقدم أحيل الصديق الرفيق د.مأمون البسيوني إلى كلمة دالة لابن عربي الذي قسم الحروف إلى طبقات ومن ثم خص كل طبقة بالحروف التي تعبر عن عالمها يقول ابن عربي : "اعلم – وفقنا الله وإياكم – أن الحروف أمة من الأمم مخابون ومكلفون ، وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم .. وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف ، فمنهم عالم الجبروت، ومنهم العالم الأعلى وهو عالم الملكوت ، وفيهم عامة وخاصة، وخاصة الخاصة . وصفا خلاصة خاصة الخاصة (الفتوحات 1/237) . لاشك أن طغيان لغة أجنبية على اللغة الوطنية أو القومية سيهز الثوابت التاريخية والثقافية والنفسية لدى أولئك الذين دفعوا برغبتهم أو بدافع من مصالحهم وطموحات تميزهم ومخططات استحواذهم على الهواء الذي يتنفس الغالبية عكارته. ألا يبدل مستوى التذوق ألا يبدل القيم ، ألا يضع اللغة الوطنية القومية موضع الشك ؟! طالما وجد من هجرها ورحل في لغة أجنبية. بالتأكيد تفعل اللغة ذلك كله ، لأنها كما عرّفها ابن جني: (وسيلة قوم للتعبير عن أغراضهم) والأغراض هي التي تنشيء التقسيمات الاجتماعية ، وهي تتحقق عبر طرق الاتصال التي تتنوع ، وحسب كل تنوع اتصالي تتحدد المواقع ، فإذا ما قصر نظام حكم ما طريق الاتصال الخاص بالأشغال سواء أكانت وظائف أم كانت تجارة (معاملات) على وسيلة اتصال بعينها لا تتحقق المصالح والمعاملات دون التعامل بها، ففي ذلك فصل طبقي مع سبق الإصرار والترصد . وقديماً قسم أرسطو المسرح إلى تراجيديا قصر شخصياتها الدرامية على الملوك والنبلاء وإلى كوميديا قصر شخصياتها الدرامية على العامة والسوقة ومن عجب أن علماء المسرح ونقاده لا ينظرون إلى ذلك التقسيم بوصفه تقسيماً طبقياً ، قائماً على خصوصية فن يقدم تعبيراً عن نبالة النخبة ، وفن آخر يقدم تعبيراً عن تدني الطبقات الشعبية -الطبقة الحثالة -، وإنما يقف جهدهم النقدي عند اعتبار ذلك الفصل بين النوعين فصلاً فنياً لا أكثر ولا أقل وبذلك فصلوا الفن عن المجتمع .إن اللغة ليست هدفاً في ذاتها إلا عند العبثيين .
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|