|
وادي لويحظ مرآة الخوف والطمع
حامد فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 2130 - 2007 / 12 / 15 - 08:18
المحور:
الادب والفن
مرأى من كتاب مرائي الصحراء المسفوحة رفعت السماء نقاب السحاب ، أسفرت عن وجهها الصافي المشع بضياء شامتها الشقراء ، لحظة سمعت الأمر ألإلهي بانتهاء الطوفان .. صمت الرعد / إنطفأ البرق / أُلجمت خيول الغيث / التي تخب بين السماء والأرض ، انقطع وقع حوافرها ، ولم يُعد يُسمع على أسكفة العالم السفلي . هدأت أجنحة رخاخ العواصف ، خفقت أجنحة حمائم النسيم ، ابتدأت الأرض بشرب الماء الذي أغرق / البشر / الشجر / الحيوان / واكتست بثوب من الطين ، أخفى غضون الدهر التي وشمت جبينها بالأخاديد ، ومحى سطور كتاب الزمن ، ومن أجل أن يستبدل عالماً زائلا ً بعالم جديد ، تسلق الماء ظهور الرواسي ، وعصبها بعصابة غرينه ، رافعا ًعلى هاماتها بيرقه ، وإذ آن ُّ لطيوره أن تهاجر ، أبصرت الشمس في غرة مشرقها على اليابسة ، بأعشاشها كالعمائم حطت على رؤوس الجبال ، التي تشهق كي تعب الهواء النقي ، وتزفر بالماء من شقوق أردية السفوح ، وقد تبعتها عراة التلال ، وعلى اثرها الهضاب الخجولة سافرة ، تتعثر بعد انحسار عباءة الموج عنها ، فقد آنُّ أن تترجل سفينة الحيوات عن صهوة الطوفان .. لملمت شعرها المتطاير ، إذ تخلت أذرع الريح عنها ، ونودي ُّ ملاحها : أن اظفر جدائلها ، لترسو بها . فاستوت على جبل الجودي ، لينطلق الهدهد منها ، حتى إذا لم يعد ، نزل الملاح الى اليابسة التي اقتطعت ربع بيضة الأرض ، المدحية بأمر الإله ، تاركة ما تبقى ليُغمر بالماء . وكما يكتسي جسد الوليد بالزغب ، اكتسى جسد الأرض المقمط / بالغرين / بالعشب / بالشجر / سمح الملاح بترك السفينة ، فجدَّ الناجون من الطوفان في البحث عن وطن للسلالات ، حتى إذا بدأوا السكنى ، جاءهم يتوكأ على عصا الأزل ، الزمن المسافر نحو الأبد ، ليشهد عظم مخاض الحياة ، عظم مولودة الماء ، الذي خلق منه كل شيء حي .. وكما تفتًح الجمال على الأرض ، بأمر الإله الجميل ، عُبئ جوفها بالخوف والطمع ، فأغرت الكائن المولع باقتحام المجهول ، الذي أقتلع بأصابع فضوله ، جذور خلود سلالته من الفردوس ليدسها في تراب العالم السفلي ، الذي ثأرمنه لتمزيقه جسد الأرض بأنصال السهام التي يطلقها من كنانة الاكتشاف / فأرعدت / أزبدت / قذفت بالحمم / غيرت شكلها / مقنعة بالعصور / كأنها تتخفى / وما درت أنها تثير بذلك شهوة الانسان المولع بالمجهول ، الذي ما يزال أحفاده ، ذوي العيون المتمترسة وراء الزجاج السميك ، منذ أقدم الأزمنة يعملون لفك طلاسم الأرض / مدججين بالمعاول / الرفوش / الأزاميل / مزودين بالخرائط / الفِرَش / المساطر / الفراجيل / حاشرين أُنوفهم في الشقوق / قاطعين الفيافي / داخلين الكهوف / متلمسين المغارات / باقرين السهول / شاطرين الجبال /مخرجين ما في أرحام التلال / طاعنين خواصر الهضاب / نافضين جراب الدهر /دارسين أساطير الأوليين / قارئين سطور الماء / الطين / التراب / الرمل / الحصى / الحجر / مزينين قمة الهرم الجيولوجي بأحسن المكتشفات / مقسمين / مصنفين / ممتطين خيول العصور الجيولوجية / أولئك الذين قالوا : أن أرض السواد التي خرجت من الطوفان تتبختر أمام بحر( تثس ) ، بثوب الأهوارالموشى بالقصب ، وشال الشمال المنسدل على قمة (هلكرد ) ، المزنربزنار( حصاروست ) ، حتى أذيال المنطقة المتموجة ، كانت تحمل في رحمها ، صخوراً نارية قديمة ، هي بقايا القارة الأركية . حتى إذا فاجأها المخاض ، انتبذت تحت سماء الجنوب الغربي ، خيمة آسيوية ، لتلد توأمها ، الهضبة الغربية التي ترعرعت في عصر المينوسين الأعلى ، وكان مهدها على حافة جبل ( كوندونالند ) ، مكللا ً بالصخور الرسوبية ، والسهل الرسوبي ، ايزارا ً جنوبيا ً ، حاكه العصر ( ألبرمي ) ، وكان مهده حضن العصر الطباشيري .. وكلما اهتز المهد بفعل حركة الأرض ، انحسر ثوب بحر ( تثس ) ، فيمد الجرف ذراعيه ، ليدثره بالترسبات ، وإذ مر حين من الدهر ، تعاقب فيه طغيان وانحسار البحر ، مخلفا ً فلول البرك التي سرعان ما يأسرها الجفاف ، فتفتدي نفسها ، وتنطلق من أسر القاع ، لتلتحق بقوافل الغيوم ، تاركة متاعها من أحجار الجبس / الملح / الصلصال / المارل / أحجار الرمل / الصخور الطباشيرية / المجمعة / المكتلة / البختارية / التي استوطنت سلالتها ، تلك الأرضيين الممتدة جنوب بلاد الرافدين ، مختارة منطقة الدبدبة وطنا ً لها . والدبدبة هي القسم الثاني من منطقة بصية ، بحسب طبوغرافية الأرض ، حيث يفصلها وادي لويحظ عن القسم الأول ، الذي تشكله منطقة الحجارة . وكلما جلدت الريح ظهرها بالعواصف ، تعفرت السماء من فوقها ، فأمطرتها بالغبار الأصفر كالتبر . وكلما شاخ نهر ، ومات ، دثرته العصور بأغطية من رمال ،فولِدَتْ للسماوة صحراءها / سمة البدوي/ موئل السر/ مكمن الجن / مأوى الضواري / بؤرة السحر / موطن الآبار / مخبأ الكمأ / منبت العشب / الزهر / السدر / جادة الجمل / موطيء الندى / ملعب القمر/ قبلة الغيث / معشوقة الجمال/ سجادة الدنيا / المنسوجة بأصابع الريح / المطر / الشمس / النجم / القمر / لاتبلى / لا تتغير / كل دهر مر بها / حل فيها / سحرته طلعتها / قلد جيدها بقلادته / فخرجت على بدوها / تتبختر بثياب الفصول .. الربيع السندسي الأخضر ، الصيف المنخنق بالصهد ، المتموج بالسراب ، الخريف الأصفر الفاقع اللون ، الشتاء ذي الملمس القارس .. ليلها خيمة غزلتها السماء ، وبرها أسود حالك تارة ، وطورا ًمضيء كما في النهار ، أوتادها الآفاق ألانهائية ، أعمدتها (الكارات1) ، فوانيسها النجوم ، فراشها الرمل والعشب والزهور ، وسائدها الكثبان ، موقدها القمر ، دلالها التلال ، فناجينها الآبار ، ضيوفها كائنات الصحراء ،ربابتها النسيم ، حكاؤها السَحر ، قصيدها الصمت ، رواتها الآماد ، نهارها ناقة (وضحة 2) تسير على آثارها الفائتة ، نهجها غرة من الرمل ، تبصم خفها عليه ( نفيلة 3 ) للذي خلفها ، وقدامها يندلق العشب والزهر وآبار ماء قراح ، على ظهرها هودج من ضياء ، تُزف به الشمس من مشرقها إلى مغربها ، إلى بيتها في التلال ، لتلقي غلالتها ، تسفر عن قدها البرتقالي ، تضطجع على فراش الغروب الأسمر كالبدوي .. تلك صحراء السماوة الناضجة ، فأي زمان سينكحها ، ليولد فجر جديد ، يطل على الأودية ، يمسح عن صدرها هموم الشعاب ، يعيد الى بصية أيامها السالفات ، يوم كان الصغار يعدون خلف الجمال ، يقذفون الحصى ( بالمحاجيل ) صوب طيور القطاة ، والكلاب تلم قطيع الشياه ، تنبش الأرض باحثة عن يرابيعها ، وتحرس رعيانها المتعبين ، حين يغفون بفيء الشجر، بعد معركة خاسرة ، مع ( ملهي الرعيان 4 ) ، المراوغ مثل لسان السراب في الهاجرة .. السماء مزحومة بالطيور / صقور / حبارى / قطاة / نسور / الثعالب تأكل النبق ، القنافذ تختبيء في درعها ، الدعالج ترمي النبال ، قوافل النمل تترى محملة بالفتات ، وقرب الحمير، يحوم الذباب المعاند رغم سياط الذيول ، على ساحل الرمل ترسو الجمال ، وفي الوادي تعدو ( جميلة 5) ريم ، وتهفوا الى وِرد ماء تجمع في فيضة ، أو جليب قريب ، وقد تتخلف عنها صغار المها ، فيقتادها الرعاة الى دارهم في المساء ، لتصبح من جملة العائلة .. هل رأت العين أجمل من غزالة شاردة ؟ تعدو بوادي لويحظ المستحم بماء المطر، أم رأته وقد لون الغسق منه الشفاه ، يزق الى غزلانه المحناة ماءً قراح ، ويلقي عليها عباءته في المساء ، ليسترها عن عيون الضواري ، ويتركها تهظم الحنظل المتناثرعلى أرضه كما البرتقال ، واذ يطل عليها القمر ، وتأنس في ضوئه سلاما ًوأمنا ً ، تقفزفوق صخور لويحظ ، تلعب آمنة بحضن نسيم الشمال ، وحين ترى من خلف باب التلال الموارب ، خصلة ضوء تدلت تداعب وجه الرمال ، استدلت على غرة تلك الغزالة التي في السماء ، فتهرع نحو مخابئها في غابة السدر ، لتأمن من عيون النهار.. وأني بوادي لويحظ وقفت مساء ً ، وقد ضج في داخلي نداء البراري ، وكانت فوانيس ذاك المساء ، تفيض على الأرض ضوء السماء ، وعيناي بالأفق سارحتان ، لعلي ألمح وشما ً لحافر ذاك الغزال الذي أتى في السفينة ، ليزرع بيرق سلالته على هامة الصخرة المسماة باسمه ، ويهدي من ( الخشف 6 ) أضحية لآلهة الجوع في البادية ، وفي سعيها الى قمة التهجد ، فكت الروح مني عقال الجسد ، وطارت محلقة في الفضاء الرحب ، وفي ذروة الوجد حيث التوحد بيني ، وبين البدوي الذي في القرار، تسنى لعينيّ أن تضفرا بذاك الغزال الرشيق ، يعدو على هامة الريح فوق لويحظ ، يحوم على موطن قد بناه ، ويأسف إذ رغم كل ماقدمته يداه ، نذورا ً لجيرانه المتعبين ، فقد دنست أرض موطنه المستباحة أرجل الوافدين .. لذا حين شم رائحة أبن آدم مني ، لوى عنقه الرشيق الجميل ، وأعرض عني ، ناشرا ً في الرياح جناحين كالسحب البيض في سماء الربيع ، فحركت أجنحتي اثره بهدوء ، همست له بأني صديق ، لاسيف عندي ولا خنجر في حزامي ، ولا أطلق النارمن أجل صيد ، ولكنه كان أسرع مني ، فأنى اقتربت ، يبعد عني ، واختفى مثلما قد ظهر / رشيقا ً / خفيفا ً / شفيفا ً / فصدقت أن لاخرافة بالذي قيل لي عن حكاية وادي لويحظ بأن غزالا ً رشيقا جميلا ً لم تر العين مثله ، يجيء مساء ً ليشرب من مائه السلسبيل ، وإذ يتنفس الصبح حولي ، أدرك أني كنت أطارد فيَّ غزال الضمير العصي على الصيد ، فأطفيء ناري بحفنة رمل ، وأمضي حثيثا ًالى بيت شَعْرِ قريب ، لألقي بنفسي على مطرح بدوي ، وأشرب قهوة الصبح كي أستفيق ، وإذ يتناهى لأذني / الصياح / النباح / الثغاء / الرغاء / النهيق / الصهيل / أعرف أن الرعاة أتوا ، والشمس لما تزل في الطريق ، وألمح بعض الأرانب تنفر مذعورة ، إذ ترى ثعلبا ًيلطع الماء من بركة قبل أن يحتجب ، فيخطيء واحدها في قفزة ، أو يضل الطريق ، فيقضى عليه بأنياب كلب سلوقي .. أمامي وادي لويحظ يسفر عن وجهه للصباح / وتبدو الخيام التي تحيط به / تؤطر أجرافه / يأنس منها / ومن بدوها / فينساب كالرهوان / نشيج الربابة يحدو به / وصوت مغني القصيد : ( بيتي على جال الشعيب .. واللي يجنبني غبر7) .. لاقراء ضيف ، تظل عيون المضايف مفتوحة ، لعل الطريق تجود بسارٍ آنس نارا ً ، أو ضاربٍ تناهى الى سمعه رنين (النجر8) ، يُطسُ السبيل9 ، وتبقى المواقد مسجورة بالغضا ، والدلال مدسوسة في لضى الجمر / ثنوة10 / قمقم 11/ بجر12 / يدور الحديث ، يدور( المصب13)، تُصب الفناجين ، يشرب الضيف قهوة القرنفل ، أو قهوة الهيل ، ثم يأتي الطعام ، فيأكل الضيف مما تجود به يدا لويحظ ، الوادي الجميل الفارع ، المضطجع على مطرح الرمل ، بين هضبة نجد ، ومنخفض الصلبيات ، القاسم بصية بسيف الطبيعة إلى قسمين ، الذي يزين صدره بنياشين ( الجلبان14) ، التي استحقها بعد معارك / الماء / والصخر / والحصى / والتراب / السابح بالسيل / المتلفع بالسدر / المكتظ بالحنظل / العاقول / الشيح / الزعتر / الحرمل / الصريم / فليس عجيبا ًًً إذا ما هفا إليه فؤاد الغزال ، الذي تكفل حفظ سلالته ، جاءه مستدلا ًً بغريزته ، تابعا ًوشم حوافر أنثاه على صفحات الرمال ، ولم يدر أن الذين أتوا معه في السفينة قد سبقوه ، واستوطنوا قبله في الكهوف / ذئاب / ضباع / ثعالب / أرانب / في الجحور / أفاع / يرابيع / قنافذ / دعالج / في الجو / كانت تحوم / النسور / الصقور / الشواهين / على الأرض كان أبن آدم يكمن كل غروب لها في أجمات العيون أو يطاردها على صهوة كحيلة ضابحة ، يشق لبانها هواء الصباح ، تمرق كالسهم خلف الطريدة ، مطلقا ً كلبه السلوقي الضامر الخصر في إثرها ، أو صقره الذي يفقع العيون .. وبرغم كل الضحايا التي قدمتها السلالة للجائعين علّ آلهة الصيد ترضى وتتركها في أمان ، لم تنم ليلة دون فقد الأعزة من نسلها / بين ناب / ومخلب / وكمين / فصارت تلوذ بما قد بقى من قطيع عن الأعين والطامعين ، حيث لم يعد القفز والركض ينفع ، أمام البنادق / الدرابيل / العربات / التي تثير الغبار كما العاصفة ، وغباء أبن آدم الذي يقتل باسم الجَمالْ ، الجَمالْ ، فَرِِحٌ بكل صيد ثمين ، ليقضي على آخر ما تبقى من الريم في البادية، ويمسح عن قشر أرض لويحظ / آثار غزلانها الرائعات .
********* لا أفهم بالتضاريس التي على الخارطة ، كفهمي لها وأنا بين أحضان أمي الأرض ، كلما هزني الوجد نحو البراري ، نحو صحرائي التي في القرار ، نحو تلك البساطة ، تلك البراءة ، ذاك النقاء .. هفت الروح قبلي نحو القفار ، فأقرأها وهي مسفوحة أمام البصر ، وأبصرني ضاربا ً ساربا ً في مرايا الرمال ، مرايا العيون ، مرايا الحجر ، أطارد روحي التي سبقتني ، لتنزل في قطرة من مطر ، لتخرج في دلو بئر ، في نسغ عشب ، أو لتسقي الشجر ، ربما حلقت خلف طير الحبارى ، أو غفت بعش قطاة ، ربما حوّمت فوق رأس غزال ، أو بَنَتْ عشها فوق قمة راقم ، أو أوت إلى موقد ٍ حزمة من غضا ، تفيض بضوء ، تضوع بعطر ، وتمنح دفءً ( لمعزب 15) ، أو طفت فوق سيل مفاجئ ، يشق زيق لويحظ ، المزرر كزيق البدوية .. وتبقى السماوة تفخرمن بين كثرة وديانها ، والأخاديد التي تملأ صحرائها ، وتلك التي لضمتها أصابع الدهر بخيط الهضاب ، لتبدو كمسبحة الخرز في كف منطقة الحجارة ، التي تميل كأنما ترقص للهضبة ، من الجنوب الغربي ، إلى الشمال الشرقي ، قاصدة واحة المنخفض .. يبقى لويحظ بعين البداوة مرآة خوف وطمع على مطرح الرمل يغفو ، كواد أمير على كل ما حوله ، محاط بحاشية من شعاب صغيرة / كالجدعة / الضبعة / العاذر / الحياصي / ولا يضاهيه في خيلائه ، إلا شعيب أبو غار الكبير ، الذي تشيعه الى مصبه بمنخفض ( الصليبات ) ، ثلة أخرى من الوديان / كالغانمي / السدير / الغوير / النهدين / الأشعلي .. ووادي لويحظ ، أو وادي بصية ، نسبة إلى منطقة بصية ، التي تأخذه بحضنها ، وترعاه خوفا ً وطمعا ً وادٍ رملي فارع ، رأسه على وسادة نجد ، وقدماه مدحوستان بين منطقتي الدبدبة والحجارة ، ويعد من ضمن صحراء الدبدبة لأرضه الرملية ، طوله ( 200 كم ) ، تلون ثوبه جلبان سطحية عذبة المياه ، تتراوح أعماقها بين ( 1م إلى 5-1م ) .. إلى شرقه ، ضرب ( شعيب16) الباطن أطناب نجعه / بين السعودية / البصرة / ذي قار / إلى غربه ، عرش صحراء الحجارة ، حفيدة جبل ( كوندلالند ) ، شماله ، أعدت بحيرة صلبيات قربتها لتملأها منه كلما عطشت ، جنوبا ، ظلت هضبة نجد تفاجئه بالسيول .. يضيق نصفه العلوي / حتى يصل ( 50 ) مترا ً، ويعرض نصفه السفلي ، حتى يصل إلى ( 100 ) مترا ً ، كما يختلف عمقه باختلاف الانحدار ، وطبيعة وجيولوجية المنطقة ، فعندما يشعر بدفء حضن بصية ، يفرد ذراعيه ، يتمطى ، فيزداد عرضه ، وعمقه من ( 3م إلى 5 م ) ، ويرفع ثوبه ، ليعبر مناطق الطمر ، ثم يرخي أذياله ، ليصل عمقه في بعض المناطق إلى ( 7م ) ، والوديان هي سمة سطح منطقة الحجارة ، التي وسمتها بها يد الطبيعة ، لا يرحل البدو عنها ، ويحلون فيها شتاء ً وصيفا ً ، فهي الفردوس لهم ، ولأنعامهم .. في الربيع تستحم بالمزن ، تتعطر بالزهر، تبث الزرابي البرية ، وتخرج على البدو بثاب سندس خضر ، فيتلقونها / بالدحة / السامري / سباق الخيل / سباق الهجن / هلاهل البارود في مسابقات رمي الشبح .. في الصيف تسعفهم بِقِرَبْ المياه الجوفية .. في الخريف تٌبقي على ظهرها ما ترمه الأبل .. في الشتاء تأخذهم بدفء أحضانها ، فيحيطونها ببيوت الشَعْرِ . وأكثرهم من قبائل / الظفير / السعيد / أبي ذراع / السويط / الجواسم / العريف / الحسينات / وسبل الوديان التي تربطها بمناطق الصحراء الشسيعة ، مسالك جيدة ، ووسيلة هداية ، للبدو الناصبين خيامهم على جوانبها ، كما استغل بعض المزارعين في قرية ( الركايا ) المياه المتدفقة من أبارها ، وعيونها في سقي مزارعهم ، وتتباهى الأودية الجافة ، والمجاري النهرية غير الدائمة الجريان ، في الصحارى الحارة الجافة ، بأفرشة الرواسب الفيضية ، التي تفترش قيعانها ، موجدة تربة جيدة لنمو العشب والشجر ، فالنهر الدائم الجريان الذي يرضع من أثداء سماء محملة بالسحاب الثقال ، يفرغ حمولته في البحر ، الذي يسعى اليه ، بينما تتميز مجاري المناطق الصحراوية الحارة ، التي تقع ضمنها بادية بصية ، ولأنها تنحدرمن سلالة غيوم فقيرة ، بقصر جريان سيولها ، الذي قد يستمر لبضع ساعات ، فلا يتسنى للمجرى أن يحمل جراب رواسبه ، الى مسافات بعيدة عن مصدره ، إذ سرعان ما يسقط إعياءً ، غلى مطرح الرمل أسفل منبعه ، يفك أحزمة السيول ، يلقي عن كاهله أثقال الرواسب / يتنهد / يتمطى / يقتعد قيعان الوديان / مشكلا ركامات / مخروطات / غطانات / مروحية / إرسابية / تزين وجه الوادي / على عكس روافد المناطق الغزيرة الأمطار ، التي تنحدر من بين طيات عمائم الجبال ، وهي تتلوى زاحفة ً كأفراخ حيات ، تلتهم كل ما يصادفها من تراب / رمل / حصى / فتكبر / تكبر/ تنتفخ بطونها الحبلى بالرواسب ، فتطغي المياه كلما اقترب النهر من مصبه ، تختلف أشكال تصريف الأودية في الصحارى الجافة ، فبينما تتجمع المسيلات المائية الصغيرة في المناطق الغزيرة الأمطار ، تمسك بأيدي بعضها / تتكاثف / تعدو / تسرع / تنزلق / مكركرة ً فوق الانحدارات العليا ، ساقطة ً صوب الانحدارات الدنيا ، تتلقفها أذرع البحيرات ، تضيع كركراتها في صخب البحار .. في المناطق الصحراوية ، تتجمع المياه في أعلى الوديان ، ثم تبدأ مسيرتها العشوائية نحو الوديان الدنيا ، وكلما ابتعدت عن منابعها ، انهارت قواها وتشتت شملها ، سقطت في كمائن الصحراء ، ابتلعتها الجحور / الشقوق / الحفر / فتستسلم وتساق الى الأحواض الداخلية أو المغلقة ، ويلجأ من ضل ُّ منها الى مسامات الصخور17 .. كل عام تأتي الغيوم الى أرض نجد ، تبث همومها الى الهضبة ، تبكي على صدرها ، تنشج ، تغرقها بالدموع ، تنشفها الهضبة بمناديل الرياح ، فتنزح الى جارة غافلة .. هنالك في صحراء السماوة ، المحلولة الشعر في ضياء النهار ، المعصوبة الرأس بالسدر والغضا ، الرافلة بثوب الربيع ، وحيث الرعاة في كل فيضة يحطوا الرحال ، على أيما موعد ، يدهم السيل فرحتهم بالربيع ، يغرق وديان صحرائهم ، يفاجيء كل من لاذ فيها من الحيوات ، فتطفوا على كف عفريتها الماء ، تتخبط طالبة للنجاة ، رؤوس كثيرة يخرجها السيل من مخابئها ، تلفظها / الكهوف / المغارات / الجحور/ التي اختنقت بالمياه ، فعلى الماء تسعى الأفاعي مرعوبة ، وتخرج منه رؤوس / الذئاب / الضباع / الكلاب / الثعالب / وتطفوا الأرانب / باحثة عن أيما عاصم من الموج ، وحتى الجمال التي لاتخاف ، ترغو من الخوف ، إذ إبتل منها السنام ، وتطفوا / الخيول / الحمير / الشياه / الخيام / فيصرخ البدو انه الطوفان ، وليس لنا سفن للنجاة ، السماء تفتح أبوابها ، ولا درقة تصد عن الأرض ماءها المنهر ، فينغمر/ الرمل / يشرب / يشرب / يشرب / حتى انتفاخ الشعيب / الذي يرمس / يتطهر/ يغسل / أثواب أشجاره / يمسح عن وجهه غبار العواصف ، يقشط عن جلده بثور الجفاف ، يزيح عن كتفيه ركام الحجر ، يملأ كفيه بالماء ، يسقي عطاشى القوافل / يهدر / معلنا ً بالخرير / بأن لدي مياها ً وفيرة / هلموا / تعالوا / أستسقيكمو من المزن ماء ً زلال ، و لكن هذا الكرم البدوي ، قد يتحول الى كارثة ، عندما تصل المياه الغزيرة ، الى بلدة لم يصبها المطر ، وهي تعدو مسرعة كالخيل في غزوة هائلة ، مكتسحة ً كل من يعترض مسيرتها الصاخبة ، فتفاجيء البيوت ، والناس الغافلين الآمنين ، تحت سماء خالية من السحب ، وفي مناخ مختلف عن مناخ المنبع الذي أتت منه ، لتميل عليهم ميلة واحدة ً ، مفاجئة ً البدو الذين ينصبون بيوت الشَعرِ في بطون الوديان ، فيتعرضون الى الغرق ، وتدمر مساكنهم وممتلكاتهم .. ذات صيف فوجيء سكان ناحية بصية ، والقرى التابعة لها ، بسيل من أحفاد الطوفان ، مياه غزيرة ، حملها وادي لويحظ ، أتته تعدو من هضبة نجد ، هابطة من غيوم رمادية ، حجبت سماء نجد ، بينما كانت النجوم ترتع في سماء بصية الخالية من الغيوم ، فجرف ذلك السيل المفاجيء خيام البدو الرحل ، وأدى الى نفوق أعداد كبيرة من مواشيهم ، ومن سوء الحظ ، ان المياه الجارفة التي نقلها الوادي ، وصلت الى خيام البدو، بياتا وهم نائمون ، مياها ً عظيمة ، شديدة الانحدار ، متخومة بالمفتتات الصخرية ، و الرواسب الرملية ، والطنية المختلطة بحيث تشكل كتلة ، تقتلع متاريس العوائق التي تحاول اعاقة مجراها .. في مستهل تسعينات القرن العشرين ، في غبش حرب الثلاث وثلاثين دولة ، المسماة بعاصفة الصحراء ، صحت بصية لاكما تصحو على سيول المياه ، صحت على سيل من الدبابات القادمة من حفر الباطن ، كانت الصخور تردد وقع حوافر دبابات شوارسكوف ، وهي تحفر بالسرفات رمال الصحراء ، في الحرب الكونية ، التي باركها مجلس الأمن بقرار قطعي ، بركت بعران الصفيح الأمريكي على صدروادي لويحظ .. يذكرأحمد حمدان الجشعمي ، في كتابه بصية ألق الصحراء وقافية الشعراء : ( أن القوات الأمريكية قامت خلال اجتياحها لناحية بصية سنة ( 1991 ) بمد طرق النقل ، ورصفها ، وقد طمر الوادي جنوب منطقة بصية على ارتفاع يزيد على ( 2م ) كما أقامت تلك القوات عدة طرق عبر الوادي ، وبدون وضع ممرات لمياه السيول ، مما أدى إلى حجزها ، وجريانها بطريق آخر ، أدى إلى تشوهات بينية مختلفة ، حتى جاء السيل العارم في 19/ 2 / 1999 اقتلع السد الترابي الكبير الذي أقامه الجيش الأمريكي . ********* في مرحلة جمع القوت ، كان الصيد ،الوسيلة الأولى للعيش ، التي عرفها ، واحترفها الانسان البدائي ، صاعدا ً سلمها ، من درجة العصفور، الى درجة الديناصور .. وفي مرحلة جمع المعلومات ، صار الصيد وسيلة من وسائل الترفيه ، التي طورها الانسان المتحضر ، وموت الطريدة ، هو النتيجة في الحالتين . ربما لم يكن باعث الصيد في العصور القديمة ، غير ملء البطون ، بينما صار باعث الصيد في العصور الحديثة / بطر/ تباه / حنين / الى غابة في العقول ، ووادي لويحظ الذي بث فيه إله البراري ، من كل / نوع / وشكل / ولون / دواب كثير ، ليبسط فيه لمن شاء رزقا ً وفير .. وللبدو في الصيد وسائل شتى / صقور / كلاب / حبال / عصي / حتى إذا ما أتى البادية ، قرن جديد ، يتأرج في هودج الدهر ، على ناقة العشرين ، يحط الرحال ، ويضرب أطنابه ، في بطون وديانها الثكلات ، أتته وفود الرمال ، ولما يزل في عقده الأول ، لتنعى اليه آخر طير نعام ، ثم أتته في عقده السابع من عمره المئوي ، لتخبره باختفاء الغزال ، فلم يبق للصيد بوادي لويحظ ، غير الأرانب / طيور الحبارى / القطا / واليمام / أما السلوقي النحيل الخصر ، الذي خلق للصيد ، فما يزال يقاوم آفة الانقراض ، باحثا ًعن فرائسه في الجحور ، فكيف ارتضى سليل الكلاب التي تسبق الريح ، لافتراس الطرائد في البادية ، بافتراس جرذانها اللابدات العجاف ؟ .. والبدوي يعتمد الصيد ، إذ يعزب صيفا ً، وتفرغ زوادته من طعام ، أما المزارع ، أو صاحب الماشية ، فيعتبر الصيد حرفة ثانية ، ربما لصناعة أمتعة ، كوسائد ريش ، فراش شتائي ، عباءة فرو ، صرة جلد لحفظ الثياب ، وأكثر ماتخاف الطيور البنادق ، الكسر أو الشوزل ، اذ تتشضى رصاصتها القاتلة ، فتسقط عشرة من طيور القطا مرة واحدة .. زمان طويل مضى ، منذ جاء الغزال المؤسس لسلالة الريم في البادية ، وأحفاده يمرحون على بساط الرمال ، حيث كان للصيد عدته البائدة ، قبل أن تمزق أول بارودة ، ثوب وادي لويحظ ، تأز رصاصتها في خواصرالصخور ، وتردي الغزال الذي لم يكن من السهل أن يصاد بوضح النهار ، على مسمع من السدر والبئر والرابية ، ومرأى من الشمس المكناة باسمه ، لتستهل زمان صيد جديد ، وتعلن بدء انقراض الغزال ، الذي تدر له جلبان لويحظ أمواهوها ، فيشرب منها كل غروب ، ليطفيء في كبده عطشا ً ظل يكابده طوال النهار ، والذي اعتمد البدو في صيده ، طرقا ً بدائية لم تكن لتقضي عليه ، أو تهدده بالانقراض ، إذ يختفي البدوي عكس اتجاه الريح في ( دوزة 18 ) ، يكمن فيها بقرب الجليب ، ويعمد الى مد انشوطة حبل ، يمسك بالطرف الآخرمنها ، ويظل ينتظر الغزال ، عيناه خلف الشمس تتبع خطوها ، وهي تميل على التلال ، صفراء شاحبة كأن بها اعتلال ، ولربما قد مر سرب قطا ، يؤب الى وكناته ما بين كثبان الرمال ، او أسفر الأفق البعيد ، عن الكلاب النابحات ، وراء أثار الرعاة السائرين قدام قطعان الشياه العائدات الى الديار ، ولفافة أو اثنتين ، وتودع الشمس الرمال ، قد آن أن يأتي الغزال ، ها قد أتى ، ولقد رأه وظله ما بين حشد من ظلال ، فيخبيء البدوي كيس التبغ ، يمسك حبله ، ويفيض من عينيه ضوء ، يكشف الدرب المغطى بالرمال ، القلب يخفق بانفعال ، تتكسر الأنفاس بين ضلوعه ، ويكاد يخنقه السعال .. عند الجليب يقف الغزال ، متوترأ ً حذرا ً ، وقد تلفع بالغروب ، عيناه واسعتان ، باحثتان في كل الجهات ، لاتطرفان ، أذناه تنتصبان ، تتحركان ، تتسمعان صوت أجنحة النسيم ، والمنخران يتشممان روائح الصحراء ، لا شيء مريب ، تلك السماء كما رآها يوم أمس ، وهلالها الشاب النحيل ، يطل من مرآتها ، يمشي وتتبعه النجوم ، الرمل يطرح عنه حرهاجرة النهار ، يعرى وينشر ثوبه على حبال الأفق ، فلربما هطل الندى ، أو ناشه برد الشمال ، في البئر ماء بارد ، والكبد يحرقه العطش ، يثني الغزال قوائمه ، ويمد نحو الماء رقبته النحيلة .. يتهيأ البدوي ، يجمح قلبه بين الضلوع ، ويجف ريقه ، حين تبتل العروق من الغزال ، وينتشي فيأخذه ارتخاء ، وما هي الا كطرفة عين ، ليصحو على حبل صياده ، وقد كبل منه اليدين ، فينفر ، يقفز ، لكن ذلك بعد فوات الأوان .. حين تم تشكيل قوة من الشرطة الهجانة ، بأمر من السير كلوب باشا عند بناء حصن بصية سنة 1928 ، أصبحت الغزلان بين نارين ، نار البواردي ، وهو البدوي الصياد ، الذي يصنع عتاد بارودته المعروفة ( بأم الملح ) بنفسه ، حيث يخلط الكبريت بالملح وقطع الرصاص ، أو بقايا المسامير ، ويدسها مع فتيلة خاصة في ظرف اطلاقة فارغة ، ونار الشرطي الهجان ، الذي يتباهى بامتلاكه بندقية من الحكومة .. كان صوت الرصاص يفزع الغزلان ، فتخرج من مخابئها في غابات السدر الصحراوي ، لتجد سيارة الشرطة في انتظارها ، حيث تبدأ المطاردة في غرة النهار ، جميلات الغزلان تعدو لاهثة على الرمال المسفوحة ، تتشظى ناشدة الخلاص ، وسيارة الشرطة تلاحقها بأقصى سرعة ، يطلق الرجال نيران بنادقهم ، فيردون مجموعة من الغزلان ، تتوقف السيارة ، ينزلون منها ، يستلون خناجرهم ، يذبحون الغزلان ، ثم يعلقونها على جانبي السيارة التي تعاود الانطلاق خلف قطعان الغزلان المرعوبة التي ضاقت عليها الصحراء بما رحبت ، وقد يستمرون بالقتل ، والذبح حتى يحين المساء ، فيعودون الى منطقة بصية ، يدورون على بيوت الطين ، يطرقون أبواب الصفيح ، يوزعون اللحم كما يفعلون كل مساء ، ثم يعمدون الى تجفيف اللحم الزائد .. وتمضي السنون ، ذكور الغزلان تزرع نطف السلالة في أرحام الاناث ، وبنادق الشرطة تحصد ، الغزلان تطبع آثارها على صفحات الرمال ، واطارات سيارات الشرطة تمحو ، البنادق تغتالها كل حين ، وهي تتشبث بحياتها ، بوجودها ، بموطنها ، وتحاول الحفاظ على سلالتها ، تمرنت على الافلات من الحبال ، الاختفاء من أعين الصقور ، وعودت أذانها على سماع صوت الرصاص ، المراوغة للتخاص من بارودة البواردي ، الركض في بطون الأخاديد ، والرمال الغزيرة للتخلص من السيارات ، الا أنها عجزت ، وفشلت في التخلص من البنادق الرشاشة ، التي ترشقها بالرصاص ، كما يرشقها الشتاء بالمطر ، والسيارات الحديثة التي صنعت في المصانع الأوربية ، ومصانع أمريكا واليابان خصيصا ً لاقتحام الصحراء ، والتي جاء بها السياح من عرب الجزيرة ، الذين توافدوا على البوادي العراقية ليستهلوا العقد السابع من القرن العشرين بانقراض الغزال من بادية بصية ، ويعلنوا خلو وادي لويحظ من أي أثرلحوافره .. كل عام يأتي السياح الى بادية بصية ، من دول الخليج العربي / قطريون / كويتيون / بحرانيون / سعوديون / أماراتيون / ينصبون خيامهم ، لغرض الصيد ، السهر الدافيء مع نار الغضا ، والتمتع بطبيعة الصحراء الساحرة التي افتقدها البدو في اغلب البلدان العربية ، يهيئون / سياراتهم / صقورهم المدربة / بنادقهم الرشاشة / ليمارسوا صيد / الحبارى / القطا / الأرانب /البط البري / السمنان / يوثقون مشاهد الصيد عن طريق كاميراتهم المحمولة ، ويتمتعون اشد التمتع ، في بادية الساوة الرائعة ، حيث يمكثون فيها لاكثر من شهر، ثم يعودون حاملين معهم الهدايا من الطيور التي اصطادوها الى اهلهم ، واصدقائهم في بلدانهم ، ويستفاد الناس في البادية من السياحة ، إذ ينفق السياح أموالا ً طائلة من العملة الصعبة ، مقابل السلع ، والخدمات التي يحتاجها أولئك السياح ، الذين يستفادون من خبرة اهل البادية في الدلالة ، وتوفير المياه ، والوقود ، كما ينشط بيع الخضار ، الفاكهة ، المياه المعدنية ، و الخراف، وحتى ورش تصليح السيارات ، ومحال الأدوات الاحتياطية ، تزدهرمن خلال الخدمات التي تقدمها الى المئات من السياح ، الذين تتعطل سياراتهم كثيرا اثناء متابعتهم لصقورهم وهي تنقض على فرائسها في تلك الصحراء المتموجة ********* آن لي أن أترجل عن ناقة الحكي ، أخلي زمامها الى من هو أقدر مني/ الحكاء / الصياد / القناص / الماهر / الذي كَنَّتْهُ الصحراء بأبي الأشقر ، للزغب الأشقر في جناحي صقره ، ضربات سريعة متوالية على رقبة الناقة ، تتشكى الناقة ، الزبد يرغو فوق الشفتين ، الرقبة الضخمة تتلوى كأفعى الأساطير ، ثم تبرك على الثفنات ، ويحط الكلكل فوق الرمل ، وأبو الأشقر يصعدها ، يجلس فوق شداد الناقة ، والناقة تهدأ ، تجتر طعاما ً مخزونا ً ، وتلوك به ، تتلهى عن ثقل أبي الأشقر ، وعن الصقر المعصوب العينين الأشقر ، وأبو الأشقر يتهيأ ليقص علينا ً ، قصصا ً عن أيام الصيادين الماضين ، أبناء الصحراء ، الأم الكبرى ، منجبة الآكل والمأكول ، فتعالوا نتحلق حول أبي الأشقر ، اقتربوا أكثر ، انه يمشط لحيته ، يجس الماضي المخبوء في دغل اللحية ، بأنامله يطوي الحاضر ، لا تطرف عيناه ، لاتنبس شفتاه ، يتكلم بالصمت مع الصمت ، و يسهو ، يبدو كأنه ينأى عنا ، يسمو فوق ( الردم19 ) القادم من نجد ، ليسربل بالماء رمال لويحظ ، يعانق أبواب بيوت بصية ، ويأخذها بالأحضان ، تلك طقوس دخول حكايا الصحراء ، فلنصمت ان كنا نبغي سماع حكاية ، ولنتهيأ حين يعود الينا الصياد الحكاء أبو الأشقر ، وطرائده تتدلى من سرج الناقة .. ها قد عاد الينا بحكاية ، نالتها بارودته أو صقره ، فأبو الأشقر ما زال يطارد آخر غزلان الوادي ، ويشك بأن الغزلان انقرضت ، ويصر على أن غزالا ً بلون الحناء ، يجيء الوادي ليشرب من ماء جلبانه ، ومن الصعب أن تراه العيون ، الا إذا جاء عند اكتمال القمر ، ويحكى قال أبو الأشقر، وأطلق آهة كالهجير: أن هنالك بدويا ًغيلظ الشارب ، مدبب اللحية ، رفيع الجدائل، ضخما ً كفحل أجهم ، إذا ما اعتلى أنشط الخيل ، انحنى تحته ، وحمحم من ثقله واشتكى ، طويلا ً ينوش الرمال بأقدامه ، ويحرث ظفر ابهامه ، شروخا بوجه الرمال ، له بصر الطير الحر، وصبر البعير ، وأنف الذئب ، وأذن القطاة ، صيادا ًعاش هنا على رمل هذه البادية ، في ذلك الزمن الذي لن يعود ، وأطلق آهة أخرى ، وحدق فينا ، كأنه يبحث عن أرث ذلك البدوي ، وكلمني ، لعله جدك ، أو جدي ، أوجد أحد من السامعين ، قناصا لايخطيء حتى فرخ النملة ، يصنع اطلاقته بيده ، يتنكب بارودته ، ويسري إذا كلكل اليل في البادية ، تاركا ً للحصان طيّ طريق الجليب ، طلقة واحدة لاغيرها ، ويأتي مع الفجر حاملا ً صيده للفريج ، فيهرع لاستقباله الجائعون ، وتسجر نار الشواء ، فتدمع منها العيون ، وتستاف دخانها أنوف الكلاب ، فتأتي تبصبص في انتظار العظام ، وذات مساء ، مضى مثل كل مساء ، تلفع بردة القمر الذي في السماء ، وقدامه كان ذاك الخلاء ، مضيئا ً كما في النهار ، وعند لويحظ قرب جليب الحمام ، ترجل عن صهوته ، وانتحى ليكمن في انتظار الغزال .. ولم يدر أن عابر سبيل أتى قبله ، منذ آبت الشمس نحو الغروب ، ليأكل كسرة خبز ، وفردة تمر ، ويطفيء نار الهجير بماء الجليب ، ثم توضى وصلى ، وعلى الرمل ألقى ، بتعب مسير النهار ، داحسا ً خفه تحت رأسه ، وراح يحدق في عيون السماء ، التي تحدق في الوادي كل مساء ، وشيئاً فشيئأ ً ، كقافلة النمل حلُّ النعاس بأجفانه ، وارتخت شفتاه ، لتسقط كعب لفافته ، ولم يعد للنجوم وجود ، ولا للجليب ، ولا للسماء ، ارتمى ذلك البدوي نحو حضن المنام ، ونام على الرمل دون غطاء .. وفي غابة السدر كان الغزال ، ينفض عن جلده اختباء النهار ، فقد جاءه المساء الصديق ، ليلقي عليه كساء ً من الأمن ، بعد خوف النهار ، تمطى وحرك بندول ذيله ، وانسل الى مآدب وادي لويحظ ، ليلتهم العشب والحنظل المتناثر فوق الرمال ، حتى اذى ما امتلى كرشه ، اسرع للشرب نحو جليب الحمام .. ومن كهفه ، اندفع أحمر العين الذي لاينام ، عوى حينما رأى الضوء يسيل بوادي لويحظ ، وأشرع أنيابه بوجه القمر ، فللذئب خير صديق الظلام ، وراح يشم الحصى والرمال ، وقد ضج في جوفه جوع ذاك النهار ، ولم يطل البحث عن صيده ، فقد شم رائحة لغزال ، فسال اللعاب ، وضج العواء ، وهاجت به نزعة الشر ، فراح يلهث خلف الأثر ، وما هي الا كلمح البصر ، فكان قريبا ً وخلف الجليب ، وحين تهيأ لافتراس الغزال ، أبصر بالرجل النائم فوق الرمال ، تلبث لابدا ً وراح يفكر ، ربما استيقظ قبل الوصول الى الغزال .. وفي مكمن الصيد ، كأنما انشقت الأرض أمام صيادنا البدوي ، إذ رأى الذئب خلف الغزال ، هي اطلاقة واحدة ، فأيهما سيردي بها ، ايطلقها باتجاه الغزال ، فيخطفه الذئب ، أو قد يهاجمه ، إن هو همُّ بأخذ ه منه ، فليتريث اذا ً ، حتى اذا بطش الذئب بذاك الغزال ، زرع أطلاقته بين عينيه ، وأسرع لذبح الغزال ، وما هي الا كما تلد النسمة العاصفة ، هجم الذئب هجمة خاطفة ، وتناهت الى مكمن الصيد صرخة خائفة ، اطلق الصياد صوت بارودته ، فاذا الغزال كالبرق يقفز فوق جثة الذئب ، وينطلق هاربا ً نحو غابة السدر حيث الأمان ، فتخيلوا دهشة صيادنا البدوي ، حين أبصر جثة الرجل الذي شق بطنه الذئب فوق الرمال . هــامـــــــــــش ________ 1- الكارات : أماكن مرتفعة 2- وضـحة : ناقة بيضاء 3- نفيـــــلة : أثر 4- ملهي الرعيان : طير جميل يوهم الرعيان بامكانية الامساك به فيبتعدون عن قطعانهم وهم يطاردونه دون أن يشعروا 5- جميلة : مجموعة من الغزلان 6- الخشف : الغزال الصغير 7- المقصود بهذه الشعر أن بيتي قريب من البئر والضيف الذي لايأتيني أغبر 8-النجر : الهاون 9- يطس السبيل : يملأه بالتبغ ، والسبيل هو التخم أو البايب الذ يستخدم في التدخين 10- ثنوة : اسم لدلة 11- قمقم : دلة كبيرة 12- بجر : اسم لدلة 13- المصب : الدلة التي تصب منها القهوة بالفناجين 14 – الجلبان : الآبار 15 – المعزب : الراعي الذي يذهب الى المراعي بابله ويبقى بعيدا عن أهله 16 – شعيب : وادي 17 – حسن سيد أحمد أبو العينين – أصول الجيمورفولوجيا- دراسة الأشكال التضاريسية لسطح الأرض 18 – دوزة : حفرة ويسميها البدو دورة أيضا 19 – الردم : السيل المفاجيء
#حامد_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقرة السلمان مرآة رمل مقعرة
-
الثريا
-
الجذع عاصمة الضب
-
العفايف مملكة تاذئاب
-
العفايف مملكة الذئاب
-
مرائي الصحراء المسفوحة
-
القناع
-
الرواة
-
النافذة
-
الرائحة
-
الحكمة
-
قصة الصمت
-
قصة....القرد
-
قصة المفعاة
-
الكبش
-
العلبة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|