التصدي للإرهاب لا يعني الهروب إلى الأمام
إن الدروس المستخلصة من أحداث الدار البيضاء دفعتني دفعا إلى استرجاع جملة من المقالات لكتاب و صحفيين غربيين سبق لي أن قمت بترجمتها من الإنجليزية إلى العربية و نشرت بعضها على صفحات بعض الجرائد المغربية، و مجملها يؤكد على مسؤولية الغرب في تنامي الإرهاب بالعالم.
1
و ها هي بعض المقالات المترجمة. فقد كتب كارل استايروك ورقة بعنوان بدلا من الإرهاب، جاء فيها أنه كان على الولايات المتحدة أن تستخدم مصادر القانون الدولي لمتابعة جناة أحداث 11 شتنبر 2001... فماذا عسى أن تفعله واشنطن لمنع تكرار ما حدث ذلك اليوم المرعب... هل عليها أن تقتل كل الإرهابيين... و فعلا هذا ما قيل هنا و هناك...لكن القتل يزود الغاضبين ضد الولايات المتحدة و بالتالي تخصيب التربة الملائمة لبروز المزيد من الإرهاب و الأعمال الوحشية عبر العالم. أغلب الناس الماقتين للإرهاب بأمريكا، من مصرفيين و محامين و رجال أعمال و بيروقراطيين، يحتقرون الاستخبارات الأمريكية و وكالاتها و يعترضون على السياسة الأمريكية في هذا المجال، لأنه هناك ثلاث معطيات ساهمت بشكل كبير جدا في نمو و توسيع دائرة إرهاب بالعالم :
1- دعم أمريكا للديكتاتوريات الفاسدة في البلدان العربية
2- عقوبات جائرة على العراق و الشعب العراقي، و هو إجراء ساهم في قتل مليون شخص نصفهم من الأطفال
3- الدعم الأمريكي لإسرائيل ملما أن هذه الأخيرة هي المستلمة لأكبر كمية من المال الأمريكي المخصص للخارج وبذلك كان من الأولى إجبارها على احترام القانون الدولي.
لقد كان من المفروض أن تعكس إسرائيل و تجسد السياسة الأمريكية، سياسة صاحبة بلايين الدولارات التي تمنحها إياها بسخاء كل سنة. و أقل ما كان عليها أن تفعله سحب جيشها و مستوطنيها من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها بشكل غير قانوني.
لقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بدعوى أنها انتهكت قرارات مجلس الأمن، لكن إسرائيل تنتهك قراراته منذ أكثر من 35 سنة، علاوة على قتلها آلاف الناس، و رغم أن ممارساتها مدانة على امتداد العالم بأسره. لكن من المعروف أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بالأساس على الدفعات السخية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من إسرائيل "مرتزق اسبارتا" لحراسة النفط بالشرق الأوسط.
و ما روع كذلك الأمريكيين هو اعتراض واشنطن على التخلي عن العقوبات الأمريكية القاتلة للعراق رغم أنها أتت على الأطفال الذين كانوا يموتون يوميا... و لعل أكبر ضعف للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط يكمن في استمرار اعتمادها على آليات السيطرة ذات الطابع الاستعماري التقليدي، أي الاعتماد على كمبرادور (حكام محليون) يعتمدون على علاقاتهم مع الخارج بدلا من الاعتماد على القوى الداخلية. و قد سبق لأكثر من واحد أن أكد أن أحسن السبل لضمان المصالح الأمريكية هو احترام القانون الدولي و ليس الدوس عليه، أي أن تصبح فلسطين دولة مستقلة فعلا و فعليا.
2
و في ورقة لايفان رافيز تحت عنوان " الديموقراطية المباشرة...ظلمة قبل الفجر" جاء أنه في أبريل سنة 1967، عام بالضبط قبل اغتياله، قال مارتن لوثر " تعتبر حكومتنا الممون الأعظم للعنف على الكوكب"...فعلا علينا أن نحس و نشعر بالذنب مادامت الحكومة العسكرية لا تمثل الناس، و هذا ما أكده بوضوح هاوارد زينين في كتابه "تاريخ ناس الولايات المتحدة". و بحلول سنة 1975 تبين من خلال استطلاع الرأي العام أن 65 في المائة من الأمريكيين يعارضون تقديم مساعدات عسكرية للخارج لأنهم يشعرون بأن تلك المساعدات تمكن الديكتاتوريات من إبقاء سيطرتها على السكان. لكن الكونغرس وافق على منح مساعدات عسكرية لأفغانستان منذ 1980 إذ كانت آخر مساعدة إمداد طالبان ب 43 مليون دولار تحت غطاء محاربة المخدرات في مايو 2001.
إن تأثير منتجي الأسلحة بارز للغاية على سياسات الحكومة العسكرية، لأن هؤلاء يمكنهم شراء عدد كبير من أعضاء الكونغرس، و لقد أكد "ايزنهاور" في خطاب وداعه إلى الأمة على أنه لا مناص من أخذ الحذر من تأثيرات المنشآت الصناعية العسكرية لأنها تسعى دائما و على الدوام إلى خدمة الارتفاع الكارثي للقوة في غير محلها.
ففي الأسبوع الأول الموالي لأحداث 11 شتنبر 2001 عرفت جميع الأسهم هبوطا كبيرا لم يسبق له مثيل منذ 1940، لكن أسهم منتجي الأسلحة لم تتأثر كثيرا. و في هذا الصدد اقترح السيناتور مايك حصوا اقتراحا شاملا لتصحيح الوضع و التصدي لمختلف مظاهر فشل الحكومة التي تمثل الأمريكيين. و مايك حصوا هذا أحد الأمريكيين الذين ساهموا بامتياز في صنع السلام في فيتنام سنة 1971، و كان من بين الذين عارضوا بقوة استعمال الطاقة النووية. و يقول اقتراحه بضرورة تعديل الدستور للسماح للناس، عموم الناس، اقتراح القوانين و التصويت لصالح القوانين التي يريدونها بالتوازي مع الهيئات التشريعية الحالية، و كذلك تمكينهم من التصويت على تغيير سياسات الحكومة العسكرية التي تسلح أعداء أمريكا لتلزم الأمريكيين بعد ذلك لمحاربتهم. و قد حاول مايك حصوا و آخرون الدفاع على هذا المقترح في 1977 إلا أنهم فشلوا، لأنه بكل بساطة كان يدعو إلى ديموقراطية فورية و مباشرة تحتم على الكونغرس إشراك الناس في السلطة.
3
و في ورقة من تأليف "رون بول" – عضو مجلس النواب- تحت عنوان " نحن الذين صنعنا طالبان" جاء أنه لا يخفى على أحد أنه حتى قبل أحداث 11 شتنبر 2001 كان أغلب الأمريكيين يدركون أن أكبر عداوة لهم تأتي من الشرق الأوسط، و هكذا كانت التجارب مع إيران و ليبيا و العراق، و هذا ما تأكد في أفغانستان. فبعد فترة الحرب الباردة كان مصدر أكبر عداوة للولايات المتحدة الأمريكية هو الشرق الأوسط. لذا لم يكن الأمريكيون يفهمون لماذا دولارات الضرائب التي يؤدونها تصرف على الأعداء الحاليين و المستقبليين في المنطقة.
و لا يخفى كذلك أن الدولارات الأمريكية هي التي ساعدت على خلق حكومة طالبان التي عملت أمريكا على تحطيمها. ففي أواخر سبعينات و أوائل ثمانينات القرن الماضي اشتركت وكالة المخابرات المركزية في تدريب و تمويل المجموعات الإسلامية المختلفة في أفغانستان، و بعضها شكل العمود الفقري لنظام طالبان و حكومتها. و لقد اعترفت الحكومة الأمريكية أنها منحت لتلك المجموعات 6 بليون دولار كمساعدة عسكرية كما مدتها بالأسلحة. و بن لادن نفسه تلقى التداريب على استخدام الأسلحة على يد وكالة المخابرات المركزية التي ساعدت كذلك بعناصرها لبناء مجموعة من المعسكرات حول مدينة "خوست"، كما سلمت لها قدائف "ستينجر"، و هكذا ساهمت أمريكا في تسليح أعدائها و تدريبهم و إعدادهم لمواجهتها.
و على أي حال فان ملايين الدولارات تماطرت على أفغانستان التي نسفها و سوتها أرضا القوات الأمريكية و حلفائها. و حتى قبيل 11 شتنير 2001زودت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان بمساعدات إنسانية بقيمة 125 مليون دولار تم تسليمها بكل اطمئنان مباشرة لطالبان و ليس للفقراء المعنيين و المستهدفين أصلا. و في شهر مايو 2001 أعلنت واشنطن على مكافأة طالبان بإضافة 43 مليون دولار لمساعدتها على التصدي و مكافحة زراعة الخشخاش المستعمل لإنتاج الهيروين و الأفيون. علما أن تجارة الأفيون و المخدرات عموما كانت مربحة بأفغانستان و كانت المصدر الوحيد للتصدير، و قد تأكد أنها كانت تزود العالم ب 75 في المائة من كمية الهيروين المروجة فيه.
لذا من حق دافعي الضرائب بأمريكا أن يتساءلوا عن وجه استعمال الدولارات التي تدفقت على أفغانستان و غيرها على امتداد سنوات، فهل استعملت للتخفيف من معاناة الشعوب؟ و هل ساعدت أمريكا على اكتساب احترام تلك الشعوب؟
لقد صرفت أمريكا ملايين الدولارات لتضطر للدخول في حرب ضد من كانت تساعدهم و تدعمهم بالأمس، لذلك قال الكثيرون الأولى لواشنطن أن لا تبعت دولارا واحدا إلى الخارج كمساعدة.
يبدو بجلاء من خلال هذه الورقات المنشورة في أواخر 2002 أن أمريكا لعبت دورا كبيرا في التأسيس لأرضية انتشار الإرهاب عبر العالم و لازالت لحد الآن تساهم في ذلك. و تزداد الصورة وضوحا اعتبارا لكون الأغلبية الساحقة لمنظري الإرهاب بالمغرب و لرؤوسه و للانتحاريين و لمخططي العمليات، كلهم على علاقة، بشكل أو بآخر، بأفغانستان، و بذلك تتوضح الصورة و تكون العبرة واضحة وإذا ظهر المعنى فلا فائدة في التكرار, لذا فان التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية و لن ينفع معه الهروب إلى الأمام في هذا المجال مهما كانت التفسيرات و الدواعي.
يتبع