أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - سارتر وصنع الله














المزيد.....

سارتر وصنع الله


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 657 - 2003 / 11 / 19 - 05:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سارع بعض المعلّقين العرب إلى تشبيه الروائي المصري صنع الله إبراهيم (الذي رفض جائزة الرواية العربية) بالفيلسوف الفرنسي جان ـ بول سارتر (الذي رفض جائزة نوبل). وكانت المقارنة تنطلق من تثمين الشجاعة في موقف الرجلين، وحرصهما علي صيانة استقلالية المثقف ومسؤوليته (لكي لا نقول نظافة يده وطهرانية روحه)، فضلاً عن السعي إلى فكّ ارتباطه بالمؤسسة.
ولستُ أعترض على المقارنة في جانبها هذا، الأخلاقي أو المثالي أو حتى المعياري، وليس هنا مقام الخوض في "قضية صنع الله"... ليس الآن بالتأكيد: بعد أن هدأت النفوس، والتُقطت الأنفاس، وسال حبر كثير كثير. ولكني في الواقع أعترض على هذه الخفّة العربية في تنظيف سارتر، وتبرئة ساحته من إشكالات كبرى لا تزال تكتنف شخصه وفلسفته وأعماله حتى اليوم، وتحويله إلى قدوة قياس ونموذج مقارنة، ومنحه مستوى في الإجماع لم يحظ به البتة في بلده فرنسا، لا في حياته ولا في مماته.
وفي غمرة اللهفة علي امتداح موقف صنع الله إبراهيم، وندرك جيداً أنّ المديح هنا بضاعة رائجة، أليس من الضروري أن يتذكّر المدّاحون العرب أن سارتر رفض الجائزة سنة 1964 "لأسباب ذاتية وموضوعية"، ثم قبلها بعدئذ "لأسباب مالية"؟ هل يتذكرون، أم أنهم يتناسون أو يجهلون، أنه كتب في صحيفة "الفيغارو"، بتاريخ 23/10/1964، يشرح أسباب اعتذاره عن قبول الجائزة (أنه يرفض أشكال التكريم كافة، والألقاب العلمية، والمناصب الفخرية، والجوائز المالية والمعنوية، الخ...)، ولكنه لا يشكك البتة في مصداقية جائزة نوبل ذاتها، ولا في أهلية الأكاديمية السويدية التي تمنحها؟
ولعلّ المناسبة، مثل الإنصاف وإحقاق الحقّ، تقتضي استذكار جملة من المواقف المدهشة التي تُنسب إلى سارتر، والتي كُشف عنها النقاب قبل سنوات قليلة عند صدور خمسة دفاتر جديدة من الدفاتر الـ 51 التي ضمّت مذكراته منذ عام 1939، حين أُعلنت التعبئة العامّة في فرنسا استعداداً للحرب الكونية. وفي ذلك العام كان سارتر مفكّراً شاباً في الرابعة والثلاثين من العمر، قطف لتوّه أمجاد كتابه "الغثيان"، ويعكف على أكثر من مشروع روائي وفلسفي طموح. وكان يتمتّع بكامل حرّيات الروح المنعزلة، الفردية، المتخففة من أعباء الكون، والمنسلخة بصورة تكاد تكون تامّة عن هموم السياسة.
ومع دنوّ شبح الحرب وجد سارتر نفسه في خضم طور جديد سيصفه فيما بعد، عام 1975، كما يلي: "لقد بدأ وأنا في الرابعة والثلاثين، وانتهى وأنا في الأربعين، وكان بالفعل حلقة انتقال من الصبا إلى النضج العقلي. لقد كنت أظنّ نفسي مستقلاّ سيّداً، وتوجّب أن يدلّني عام التعبئة على نفي حريتي الخاصة لكي امتلك الوعي بثقل العالم من حولي، وطبيعة صلاتي بالآخرين وصلات الآخرين بي".
خلال فترة الحرب، حيث عمل في فصيلة للأرصاد الجوية، دوّن سارتر أفكاره عن تلك "الحرب الكافكاوية"، و"الحرب الشبح"، التي لم يرفع إصبعاً واحداً ضدّها في الواقع، ولم يستطع التنبؤ بوطأتها عليه شخصياً، قبل أن تستدرجه بعنف وتقوّض أبراج التأمّل الوجودي التي استطاب حبس نفسه فيها. الدفتر السادس، على سبيل المثال، يتضمّن اعترافات مذهلة حول مواقف انتهازية تماماً في علاقة الفيلسوف بالتاريخ والسياسة: "لقد اعتمدت بعض الشيء على هذه الحرب لكي تكون تعويضاً يسهّل نجاحي الأدبي. وفي جميع الأحوال، كان الأمر هنا يتعلق بفكرة الاندماج بين قَدَر امريء عادي وقدر امريء عظيم. وفكرة القدر هذه ارتبطت بي في مستويات عميقة، وكنت أردّد: أنا على موعد مع القدر".
وعن فكرة التقدّم كتب يقول، في الدفتر ذاته: "التقدّم بدا لي حماقة على الدوام، ولهذا كنت أقلّ ميلاً إلى تغيير حالة الأشياء القائمة، وأكثر ميلاً إلى تحمّل وجودها واستيعابها. وفي العمق كنت حريصاً على عدم فقدان ذاتي". ذروة محتويات هذا الدفتر تتجلى في اعتراف صاعق، يقول: "إنني لا أسعي سوى إلي استدعاء الراهن. إنني محافظ. إنني أريد الحفاظ على العالم كما هو، ليس لأنه يبدو حسناً في ناظري ــ فالعكس هو الصحيح، لأني أراه مقيتاً ــ بل لأنني أقيم في الداخل، ولا أستطيع تدمير العالم دون تدمير ذاتي معه".
بأيّ سارتر نقارن صنع الله، إذاً؟ سارتر المتقلّب؟ الفيلسوف الذي بدأ ماركسياً، ثم انتقل إلى الوجودية، وارتدّ بعدها إلى مهاجمة الماركسية؟ الرجل الذي برهنت الأيّام أنه كان مناهضاً لفكرة التقدّم وتغيير العالم؟ أم، ببساطة وكما فعل بعض الأشاوس من المعلّقين العرب، نكتفي بأنه سارتر البطل ـ المعيار رافض جائزة نوبل... وكفى الله المؤمنين شرّ القتال؟
 



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يمارس السياسة كمَنْ يعقد صفقة خشب أو خشخاش: برلسكوني والطبعة ...
- عاصفة أخرى في فنجان
- الفارق الجسيم
- علي هامش الدعوة إلى تأسيس حزب ينفي عروبة مصرفكر اصطفائي شوفي ...
- المرتدّ الضحية
- التابعيات العربية في واشنطن: صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون!
- ج. م. كويتزي والصمت الذي ينطق عن التواريخ
- صحبة مهاتير محمد
- الشيخ حسن الترابي طليقاً: هل ينفتح القمقم؟
- الوقوف خلف النفس
- حكمة الشيشان التي تُبقي موسكو في قلب اللهيب
- الاستماع والإقناع
- ينطوي على حال دائمة من المناورة بين سِراطين مستقيمين: السبيل ...
- أحزان وأحقاد
- بعد تحليق طويل في التواريخ واللغات والثقافات: رحيل -الفلسطين ...
- الوزارة السورية الجديدة: هل يُصلح العطّار ما أفسد الدهر؟
- ضمير من عصرنا
- تهتدي بالبربرية النازية أكثر ممّا تستعيد حلم تيودور هرتزل: ا ...
- مهرجانات
- غيفارا وجورج وسوف


المزيد.....




- أرضية الجامعة الربيعية لأطاك المغرب الدورة 19
- الجزائر - فرنسا: الجزائر تأخذ علما بقرار باريس مطالبة 12 موظ ...
- بروكسل
- الولايات المتحدة توافق على بيع المغرب 600 صاروخ ستينغر
- تونس: تجدّد الاحتجاجات في المزونة بمحافظة سيدي بوزيد لليوم ا ...
- فرنسا: ما وراء الهجمات على السجون؟
- غروسي يرى إيران -غير بعيدة- عن تطوير قنبلة نووية وعراقجي يعت ...
- مظاهرة لصحافيين فرنسيين في باريس ومرسيليا تضامنا مع زملائهم ...
- الحوثيون: سلسلة غارات أميركية على صنعاء والجوف
- المحللون: الجماعات المسلحة وراء اختطاف المواطنة السويسرية بأ ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - سارتر وصنع الله