وهناك شاعر آخر رثى بغداد في خمس ِ قصائد هو شمس الدين محمد بن أحمد الكوفي /ت 676 هـ/ ، تطرق الى ذكرها محمد بن شاكر الكتبي (18) الأولى سينيّة، من الخفيف، والثانية قافيّة، من البسيط، وثالثة، كافيّة، من البسيط أيضًا، والرابعة، ميميّة، من الكامل، والخامسة نونيّة، من الكامل أيضًا (19)، وهنا، سنقتطف، بعض المقطوعات من هذه القصائد، كي تكون لنا مقارنة نقدية لشعر المراثي، بين الأوان العباسي وعصرنا الراهن، حول بغداد تحديدا. يقول شمس الدين الكوفي، في ميميّتهِ:
عـنـدي لأجــل فـراقـكــم الآمُ فـإلامَ أُعـذل فـيكُـــم وأُلامُ
من كان مثلي للحبيب مُفارقًــــًا لا تـعذلـوهُ فـالكـلام كــلامُ
نعِمَ المُساعدُ دمعي الجاري على خَــدّيَ الا أنّــَه نــَمّـــــــامُ
قفْ في ديار الظاعنين ونادهـــا "يا دار ما فعلت بكِ لأيامُ"
أعرضتُ عنكِ لأنّهم مُذ أعرضوا "لم يبقَ فيكِ بشاشة تشتـامُ" (20)
يا دار أيـن الساكنــون وأين ذيّـ ـياكَ البهاء وذلك الإعظـــامُ
يا دارُ أين زمان ربعِكِ مُونقَــا وشعارك الإجلال والإكرامُ!؟
يا دارُ مُـذْ أَفِـلَـتْ نجومك عَمَّنا والله من بعد الضياء ظــلامُ
يا سـاداتـي، أمّـا الـفـؤاد فشـيّـــقٌ قَـلِـقٌ وأمّا أدمـعـي فـَسِـجــامُ
والدارُ مُذ عدمت جمال وجوهكــم لم يبقَ في ذاك المقام مقـامُ
لاحَـظَّ فـيـهـا للعيـون ِ وليس للــ أقـدامِ فـي عـرصاتهـا إقــدامُ
وحياتـكم إنـي على عهد الهــوى بـاق ٍ ولـم يُـخفـر لـديَّ ذِمــامُ
فـدمـي حَـلال ٌ إن أردت سواكُــم والـعيـشُ بعـدكـم عليَّ حـرامُ
يا غائبيـن وفي الضلوع لِبعدكـم نـارٌ لهـا بيـن الضلـوع ضِـرامُ
لا كُـتـبـكـم تـأتـي ولا أخـبـاركــم تـُروى، ولا تـدنـيـكُـم الأحـلامُ
* * *
وفي "النونيّة" ينفجرُ الوجد عندهُ فيقول في مطلعها:
إن لـم تـقـرّح أدمُعـي أجفانــي مـن بَعـدِ بُعدكم فما أجفانــي
إنسـانُ عيني مُـذ تناءت داركـم مـا راقـه نـظـرٌ الى إنســان ِ
يـا ليتني قـد مُـتُّ قبل فراقكـم ولـسـاعـة التوديع لا أحيانـي
مـا لـي وللأيـام شتتَ صرفُهـا مـا لي، وخلانـي بِـِلا خِلان ِ
مـا للمنـازل ِ أصبحت لا أهلهــا أهلـي، ولا جيرانها جيرانـي
ولقـد قَصدتُ الدار بعد َ رحيلكم ووقفـتُ فيها وقفة الحيـران ِ
ناديتهـا يـا دار ما صنعَ الأولى كانوا هُمُ الأوطار في الأوطان ِ
أيـن الـذيـن عـهـدتـهـم ولعِزّهـم ذلا تـخُـرُّ مـعـاقـد التـيـجــان ِ
كـانـوا نـجـومَ من اقتدى فعليهُـمُ يبكي الهُدى وشعائر الإيمـان ِ
لـمّـا رأيـت الـدار بعد فـراقهـم أضـحـت معطلـة من السُكّــان ِ
مـا زلـتُ أبـكـيـهـم وألثِمُ وحشة لـجـمـالـهـم مـسـتـهَـدَم الأركـان ِ
حتـى رثـى لي كُلَّ مَنْ لا وجدهُ وجـدي، ولا أشجانه أشجاني
أتـرى تـعـود الـدارُ تجمعنا كمـا كُـنّـا بـكُـلّ ِ مـسـرةٍ وتـهـانــي
هـيـهـات قد عَزَّ اللقاء وسُـدّدت طُرق ِ المزار طوارق الحدثان ِ
والـهفـتـي، واوحدتي، واحيرتـي واوحشتي، واحَرَّ قلبي العاني
ما لي أنـيـسٌ بعـدكم إلا البُكــا والنوحُ والحسراتُ والأحــزان ِ
يا ليت شعري أين سارت عيسُكم أم أين موطنكم من البلـدان ِ؟
ومن جميل ما نقله إبن الفوطي [بالحوادث الجامعة] (21) قصيدة عصماء لشمس الدين الكوفي "ذاته" هي تلك – الكافية – من البسيط، حَرّى بنا التوقف معها قليلا، وإيراد بعضا منها، لأنها تُمثل، حِسُّ العالِم والفقيه والمواطن الشريف، وهو يرقب دمار بلده، ولا يستطيع عمل شيء، يقول فيها:
بـانـوا ولي أدمعٌ في الخَدّ ِ تشتبــكُ ولوعـة في مجال الصدر تعتركُ
بالرغـم ِ لا بالرضى منّي فراقهـمُ ساروا ولم أدرِ أيّ الأرض قد سلكوا
يـا صاحبـي ما احتيالي بَعد بَعدُهم أشِـرْ عليِّ فـأنّ الـرأيّ مـشـتــركُ
عَـزَّ اللـقـاء وضاقـت دونه حيلــي فالقلـب في أمره ِ حيرانُ مرتبـــكُ
يـعـوقـنـي عن مُـرادي مابليتُ بــهِ كمـا يعـوقُ جناحَي طائر ٍ شَـــرَكُ
أرومُ صـبـرًا وقلبـي لا يطاوعنـي وكيف ينهض مَنْ قـد خانـه الــوَرِكُ
يا نكبـة ً ما نجـا من صَرفها أحَّدٌ من الورى فاستوى المملوك والملِـكُ
تـمـكّـنـت بـعـد عِـزّ فـي أحـبّـتــنــا أيدي الأعادي فما أبقوا ولا تركـوا
لو أنَّ مـا نـالـهـمُ يـفـدى فـديـتـهـــمُ بمهجتـي وبمـا أصبحـت أمـتـلــكُ
ربـعُ الهـدايـة أضحـى بَعد بُعـدِهُـمُ مُعـطـلاً ودم الإسـلام ِ يـنـسَـفِـــكُ
والـشـركُ منجـبـرٌ، والمَلـكُ منكسرٌ والحقُّ مستتـرٌ والستـر مـنهـتـــكُ
أيـن الـذيـن كـل الـورى حـكـمـــوا أين الذين اقتنـوا، أيـن الذي مـلـكـوا
وقـفـتُ من بعدهم في الدار أسألها عنهم وعمّا حَوَوا فيهـا ومـا مـلكـوا
لا تحسبوا الدمع ماءً في الخدودِ جرى وإنما هي روح الصبِّ تنسبــكُ (22)
* مِمّا تقدم – بعد الإطلاع على هذه "المرثيّات الخالدة" يمكن الإستنتاج بأن الشعراء كان لهم دورًا هامـًا في إيقاظ الضمير، والتعبير عن عن ألم المأساة والحدث، الذي نزل ببغداد، وبالحكم العباسي، ولكن هناك ملاحظة هامة، هي أن كل هذه القصائد كانت تذكر بني العبّاس بخير، وتتضامن معهم في المحنة، وتذكر مجدهم، وتحِنُّ الى زمنهم، وتبكي على ما انصرم منه، بعكس عصرنا الحالي، فكل اللعنات تنصبُّ على الحكام وذوي السلطة، لأنهم لا يعون معنى السلطة ولا فلسفة الحكم، ولا يفهمون من السلوك السلطوي، سوى البطش، وما مُعلّقة سميح القاسم، إلا توكيدًا لذلك، والتي سنتوقف معها بيتـًا بيتـًا للدراسة والتحليل، ولكن علينا قبل ذلك، ذكر الشعراء المعاصرين الذين ذكروا بغداد، رثاءً ومدحًا، قبل سميح القاسم، إستكمالا للمنهج وكفاية الموضوع.
* في هذا الصَدَد، ينفلت "الجواهري" شامخـًا بأكثر من قصيدة يخُصُّ بها بغداد، فهو وريث المتنبّي في ذكر المآثر لأهلها ولها، وللشاطئيِن ِ والنخل ِ، لاسيما وأنّه يمثّلُ النموذج الأبرز بين شُعراء العراق الذين اكتوت قلوبهم بنار الجوى، شوقـًا لبغداد واحتراقـًا لها، وحسرة عليها، فهو يكاد يكون الأبرز من الشعراء الذين ذاقوا المنافي والإبعاد قسرًا، أو مفارقة على القلا، وبدأت رحلة المنافي والعذاب معَهُ منذ مجئ البعث للسلطة، في شباط 1963 م، وإن مَرّت عليه أُويقات عاد بها الى بغداد، إلا أن روحِهِ القلِقة تأبى مجاراة الطُغاة، أو السيرَ في ركابهم.
* ففي قصيدة ميميّة لهُ، نظمها في /براغ/ عام 1963، يتصدّى بها لأحَّدِ الناعقين، إسمهُ "أمين الأعور" كان يرتزق باسم "القومية العربية" في صحيفة لبنانية كان يرأس تحريرها أو يشتغل فيها مُحرّرًا، فقال الجواهري فيه: (23)
"أمينُ" لا تغضب فيوم الطغام آتِ وأنـفُ شـامـتٍ لـلـرغـــام ِ
........................................... ...................................
........................................... ....................................
يـا دار الـمـجـد ودار الـســـلام بـغـداد يا عـقـدًا فريدَ النظام ِ
يـا أُمَّ نـهـريـن اسـتـعـاضـا دمــًا ونعمة من عهد سام ٍ وحام ِ
ومـن عهد سنحاريب إذ نـينـوى يُـتـوّج الحكمة منها النظـام ِ
وعـهـدَ "حـمـورابَ" إذ سـابـــلٌ يكون بالأحكام منها احتكام ِ
شـعـارها الـشـمـس وعـنـوانــــها سـنـابـل القـمح وعدلٌ يُقــام ِ
وبُـرجـهـا يـحـضُـنُ كُلَّ اللغــات وسـحـرَها يجذبُ كُلَّ الأنام ِ
وعَـهـَد هـارونَ وفـي مُـلـكِـــــهِ تنَقُّلُ الشمس ويرعى الغُمـام ِ
اذ شـهـر زاد عـن حقيـق المُنـى تَقُصُّ عن أحلامها في المنـام ِ
* وحين يستفيض الحنينَ بالجواهري، يكتبُ من منفاه "الـﭼيكي" ومن مدينته الجميلة "براغ" وقد أثارته فاتناتها، وجسورها، وخُضرتها، فيذكر بغداد، وفي داخله شوقٌ دفين، ومقارنة حضارية، وتاريخ سابق، وفن حاضرٌ في الوعي، ومأساة تُوشِّحُ ذلك الإمتداد، وأوغادٍ يحكمون، يقول أبو الفرات: (24)
تلهو وعُودًا يستَحِسُّ الضاربا بـغـداد كـان المجـد عنـدكِ قينـةٌ
وهشيمُ ريحان يُذرّي جانـبـــا وزِقـاقَ خـمـرٍ تستجـدُّ مساحبــًا
في الناسبين وشائجًا ومناسبـا والجسرُ تمنحهُ العيونَ من المها
تلك المرافِئ فاستحلنَ متاعبـا الحَـمْـدُ للتاريـخ حـيـن تحـوّلــت
إن لَمْ يَسَلْ ضَرَمًا وجمرًا لاهِبـا الشِعرُ أصَبَحَ وهو لعبة ً لاعبٍ
زاهي الشباب بها ويمسحُ شاربا والكأسُ عادت كأسَ مَوتٍ ينتشـي
جُثث الضحايا قد تركنَ مساحبـا والجسرُ يفتخِرُ إنْ فوقَ أديمــهُ
بيضٌ كواعبٌ يندفعِنَ عصائبــا وعلى بريق الموت ردمن سوافرًا
* * *
* وعندما تورد الأخبار إليه، بأن رفاق الصِبا قد ذاقوا الأمرين من حُكّام ِ بغداد، ينجرح من الداخل، فيستفز المكارم والأخلاق والطباع المجبولة على المروءة فيقول: (25)
تاريـخ بغداد لا عُربٌ ولا نُـــوبُ خَـلْـقٌ بـبـغـداد ممسوخٌ يفيضُ بهِ
ولا التقيُ الذي ضمّت محاريــــبُ لا الأريحيُي الذي ضمّت ملاعبهـا
ولا الكريم ضميرًا جُودهُ طيـــبُ ولا الكـريـم يـمـيـنـًا جودها رَفَـهٌ
لـومٌ لـمـطـلـبٍ دُنـيـا وتـغــريــــــبُ ولا الـرفـيـعُ عن الدُنيـا يليـقُ بهِ
بالحُـرِّ يلـويـه ترغيـبٌ وترهـيـــبُ إنّـي لأعـذُرُ أحـرارًا إذا بـرمــوا
بالصـابـر ِ الشَهْم ِ أدَّتْهُ المطاليـــبُ والصابرين على البلوى إذا عصفوا
بَغْلُ الطواحين يجري وهو معصوبُ (26) والخـابـطـيـن بـظـلـمـاء كـأنـهُــــم
* * *
* ومن شعراء العراق الكبار الذين أجبرتهم السلطات على مغادرة بغداد – أيام حكم الأتراك – كان الشاعر المعروف الشيخ عبد المحسن الكاظمي. فقد نُفيَ الى مصر، وهناك ذكر بغداد فبكى وقال: (27)
حنينـًا الى العُود الذي هُو أنْظَرُ حنينـًا الى الـزوارء حنينـًا الصِبـا
مشيبي وفي الحالين أشكو وأشكرُ هُنـاك شبّابـي قد تقضّى وها هُنـا
غَـدَوتُ بـهـذهِ دونَ تلـكَ أُفكّـرُ لـقـد زَعمـوا أنّي نَسيـتُ وأننـي
لَهُ موردٌ في كُلِّ سمغ ٍ ومصـدرُ وكيفَ تراني ناسيـًا ذكرَ موُطن ٍ
من الخير ما يهـوى وما يتخيَّـرُ مُنى النفس أن يلقى العراقَ وغيرهُ
* * *
وهناك شاعر عراقي، لا أعرفُ إسمَهُ، إذ في ريعان الصِبا، كنتُ الوحيد بين أقراني من "أهل الثورة" الذين يعشقون "المقام العراقي" وكنتُ أُتابع باهتمام – مقامات "الأستاذ محمد القبخي" ويسميه أهل بغداد: "الـﮓبنـﭼـي" فغنّى /في نهاية الستينات/ من القرن المنصرم، قصيدة عصماء لذلك الشاعر، فانطبعت بذاكرتي، حتى هذه اللحظة، فأفرزتها تلآفيف الذاكرة في هذا المقام، لأن وجد الشاعر يُشي بتغرّبهِ وحنينه الى بغداد، حيث /مآرب الشباب/ وجغرافية المكان، وذكرى الصُحبِ والأهل والمواضع، تتجّلى واضحة في ثنايا القصيدة: (28)
وعُتبى على أنَّ العتاب طويلُ سـلامٌ عـلـى دا ر السـلام جزيـلُ
وما لي عـن أُمِّ العراق ِ بديلُ أبـغـدادُ لا أهـوى سـواك مدينــةٌ
ليُصرفَ قلبي عن هواكِ عذولُ حنانيـك مـا هذا الجفاء ولم يكن
زواه ولا عن سـاكـنـيـكِ قبيلُ ولـم تلهنـي عن شاطئيك مناظــرٌ
وحُبّكِ وسط القلب ليسَ يزولُ خيالُكِ في فكري وذكراكِ في فمي
لـكَ اللهُ يا قلبي فأنتَ حَمُولُ رمى الدَهرُ قلبي بالبُعادِ وبالنوى
بقلبـي على بُعد الديار نـُزولُ رعى اللَّهُ صُحبي في الرصافةِ أنهم
ولا شاقنـي عنهم هَوىً وخليلُ وفـي الكـرخ ِ أهلٌ لا أَودُّ فراقهم
ولكن صبري في الفؤاد جميلُ ولـَمْ أنـسَ في يوم عُهـود أحبتـي
* * *
* أمّا الشعراء العرب الذين ذكروا بغداد، عِزّ ًا ومجدًا، وتاريخ وحضارة، فسوف نُعرِّج عليهم، وننتخب بعضا من قصائدهم الخالدة، أمّا الشعراء العرب الذين وفدوا على بغداد ومدحوا طاغيها صدام حسين، فسيكون لنا معهم حديث آخر، ليسَ هذا موضعه.
* من نُجباء مصر الكنانة، يبرز الشاعر الراحل علي الجارم، وهو يتغنىَ ببغداد، بأجمل نشيد، حفظناهُ منذُ قعودنا على "مقاعد الدرس" في الصفوفِ الأولى من الدراسة الإبتدائية، بعدما تحرَّر العراق من السيطرة الإستعمارية، وسَمعنا هذا "النشيد" محمولا إلينا بصوت أُم كلثوم تقول لازمَتَه الأولى:
ومـنـارة المجـد التليـدي بـغـداد يا بَلَد َ الرشيـدِ
زهـراءَ في ثغر الخلودِ يا بـسـمـة ً لمـّا تَـزَلْ
ـبةِ، خُطَّ في لوح ِ الوجودِ يا سَطَر مجدٍ لـلـعـرو
ـلام خـطّـاف الـبـُنـــــودِ يا راية الإسلام، والإسـ
ومـشـرقَ الأمـلِ الجديـدِ يا مغربَ الأمل القديـم
ـتُ لرشفِ مبسَمُكِ البرُودِ يا بنة َ دجلة َ قد ظمـأ
ي، بـهـجـة الدُنيا وزيــدِ يا بهجة َ الصحراء ردّ
رسَ من أسـاورةٍ وصيدِ كم جاشَ جيشُك بالفوا
صـلَـة ً بـأبـنـاء الـغـمُــودِ للنصر في أعلامهــم
عجزَ الخيالُ عن الصـعودِ مُـلْـكٌ إذا صَـوَّرتــــه
* * *
* ومن شعراء مصر الذين تغزلوا ببغداد، كان الشاعرُ سعد درويش، إذ وَفَدَ عليها عام 1986 م، للمشاركة في مهرجان المربد الشعري السابع. نختارْ منها الأبيات التالية:
وليلُ بغداد كحلٌ حين نكتحـلُ صباحُ بغداد تجلو العين طلعتهُ
وعند دجلة تَحلوُ العلُّو والنَخَـلُ العيشُ فيها ظليلٌ وارفٌ خضلٌ
الوجهُ مؤتلقٌ والمجد مُتَّصِلُ بغداد عشت على الأزمان شامخة ٌ
ولا أصابَكِ إلا العارضَ الهَطلُ يأ أُخت هارون لا مَسَّتْكِ عادية ُ
* * *
* ومن لُبنان تغنّى الشاعر سعيد عقل ببغداد، ضافيـًا عليها حُلّتها العباسيّة، وباعثـًا شعرهُ إلينا بصوتِ فيروز:
ذَهَبُ الزمان وضوعُهُ العَطِرُ بغـداد والــشُعـراء والـصُـــوَرُ
يُـضـفـي وجـهـكِ الـقَـمــــَرُ يا ألف ليلةٍ، يا مُتمِمَة َ الأعراس
إلا وأهلوكِ في العُلا ذُكروا لـم يُـذكـر الأحـرارُ في وطن
* * *
* ومن أرض نجدٍ والحجاز الشَمّاء، إنبرى الشاعر صالح بن عاقل وهو يُنافح عن بغداد، وما أصابها، إبّان سيطرة الأوغاد عليها، فكتبَ قصيدتـَهُ "بغداد ليست بغداد" يقول فيها: (29)
حَضارة ُ تاريخ وجهــاد مـاذا تـشـعـرُ حيـن تُبــاد
والحاضـرُ فيـهـا ينقــاد أرضٌ فيها عراق الماضي
حكموها بظُلم ٍ وفســـاد أرضٌ سئمت عُصبة قـوم ٍ
أطـلالا كانـت أمجـاد؟!! هل ستغنّي حين تُشاهــد
هَلْ حقّـًا ذهبَ الأوغاد؟!! أم ستُصابُ بحيرةِ "هَلْ"
أم سـتـكـذبـهـا بـعنـاد؟!! هل ستُصدّق عينك حقّـًا
نفقت من ظُلم ِ الأسيـاد؟!! أم ستفكّرُ كَمْ مـن روح
والدمعُ في عينكَ يعتـاد؟!! أم ستنوحُ بملءِ فـوادِكَ
أصواتـًا تصنعُ أحقــاد؟!! ماذا تصنعُ حين ستسمع
وحماسًا فاقَ الأعــداد؟!! وصُراخـًا يشتعـلُ لهيبـًا
جَـلادًا حـاربَ جـــلاد؟!! ماذا تشعرُ حيـن تــرى
أضـدادًا تسـألُ أضـداد؟!! لا تَعَلمْ أيهمـا الصـادق
ويُـردِّدُ عاش "الموســاد" هذا يُـنـدِّدُ، هـذا يُـهــدِّدُ
مـا بَـعـدَ الـتـحريـر كســاد هـذا يـلـمَـحُ أن الـدُنيــا
تـعـتـيـمٌ، تـكـذيـبٌ ســـــاد فَوضى، تخريب، ودمار
وسـتـظـهـر أرض المـيعـاد سَتَدور الأحداثُ تباعـًا
بـل تـرسِـمَـهُ بالأبـعــــــــاد خارطة لا تصِفُ الدرب
أرضٌ فـيـهـا الظُـلمُ يعاد؟!! مـاذا تـشـعـر حـيـن تُباد
بـغـدادُ لـيـسـت بغـداد؟؟؟!!! ولـسـانُ التـاريـخ يــقول
* ولنزار قبّاني، قصيدة جميلة في بغداد، مطلعها يقول: (30)
"بغداد في جفني وفي أهدابي"
قبل اللقاءِ الحلوِ كنتِ حبيبتي وحبيبتي تبقين بعد ذهابي
* * *
* * *
يتبع في الجزء القادم وسيكون الثالث والذي يتضمن قصيدة "بغداد " للشاعر سميح القاسم .