أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باسم الخندقجي - ثقافة زيتونة رومية















المزيد.....


ثقافة زيتونة رومية


باسم الخندقجي

الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ليل احدى القرى التي تشارك في موسم الزيتون كل عام ، كان (علي) جالساً فوق سطح بيت عائلته البسيط ، يتأمل النجوم بعد أن أنهى إمتحانات الثانوية العامة و أحرز مجموع يؤهله لدخول كلية القانون التي كان يحلم بالدراسة فيها من أجل أن يصبح محامي ، ويخفف عن عائلته بعض همومها وأعبائها .
كان يتأمل السماء ويفكر كيفية الدخول إلى الجامعة ، ومن أين سيأتي بأقساط الدراسة ؟
هو الإبن الأكبر لعائلته مكونة من أبيه وأمه وثلاث أخوات وطفل صغير ،والتي تعتمد على موسم الزيتون لسد رمق فقرها وأحتياجاتها ، وبالكاد تكفيهم تلك الكمية التي يخرجون بها من الموسم ، فمن أين سيأتي بالقسط الجامعي ؟ وهل سيأتي موسم الزيتون هذا العام في صالحه ؟ وهل ستكون كمية الزيت أكثر مما كانت عليه في المواسم السابقة ؟..
هو يعلم والده وعده بإرساله للجامعة مهما كلف الثمن ،فمن عادة الفلاحين أهل الريف أنهم يفعلون المستحيل في سبيل تعليم أبنائهم في الجامعات ، مهما كانت حالتهم وأوضاعهم المعيشية السيئة ، ليعود الأبناء بعد فترة ومعهم شهادات مفعمة بالنجاح والتفوق ، فخورين بأهلهم وبشجرة الزيتون التي ساعدتهم وربتهم .
(علي) كانت عائلته تملك أرضا كبيرة في الجهة الشرقية من القرية ، ولكن جزءا كبيرا منها استولى عليه الاحتلال وأقام عليه مستوطنة ، كان صغيرا وقتذالك ، وعائلته لاتقوى على فعل شيئ مثلها مثل سائر العائلات التي استولى الإحتلال على اراضيها .
كبر (علي) الأن ، والمستوطنة ماتزال جاثمة على جسد أرضه ، وما يزال هو يفكر من أين سيأتي بالقسط الجامعي ، ومتى ستزول تلك المستوطنة حتى تعود الأرض لأصحابها ؟
أسئلة كثيرة وكبيرة طرقت أبواب عقل علي ، مالبث أن طردها حين قال لنفسه :
غدا أول ايام الموسم الذي سيكون مختلفا عن المواسم التي سبقته ، وسأعمل بجد وقوة هذا العام من أجل مستقبلي ومستقبل عائلتي ..
xxx
إنه موسم الزيتون الذي له حصة كبيرة في تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني ، ففيه تبتهل الأرض ، وتغني فرحا بساكنيها الذي يأتونها في مثل هذا الوقت من السنة ، كي يحققوا من خلال زيتوناتها أمالهم وأحلامهم التي كانو يخططون لها قبل بدء الموسم .
كل عائلته تجهز نفسها جيدا وتستعد بكامل أفرادها من الرجال والنساء والأطفال ، كي يذهبو إلى أراضي الزيتون التي لها ألقاب ومسميات مختلفة إكتسبتها على مدار التاريخ والزمن ،وترى الفلاحون حين يرددون ويتكلمون بأسماء وألقاب الأراضي أثناء تحضيرهم للموسم ، كأنهم يتكلمون عن أبائهم وأجدادهم ، فالعلاقة التي تربطهم بهذه الارض وزيتوناتها ، هي علاقة تاريخية مفعمة بدماء أسلافهم التي إختلطت بالتراب وروته كي تنمو هذه الزيتونات وتزدهر ، وتصبح تلك الأم الحنون المعطاءة التي تمنح أبنائها الخير والستر كل عام .
في الموسم تسمع الفلاحون يغنون تلك الاغاني الشعبية التقليدية ، أثناء قطف الزيتون في جو من الإبتهاج والفرح والسعادة كأنهم في حفلة عرس ، وما أشهى أصناف المأكولات التي تتسم بالطابع الفلاحي الأصيل حين تطبخ على نار الحطب تحت زيتونه يجتمع أفراد العائلة في ظلالها لتناول الطعام ، وأخذ قسط من الراحة .
بدء موسم القطاف إذن ....
والأرض التي تملكها عائلة (علي) بسيطة ومتواضعة ، لا يستغرق قطافها العشرة أيام أو أقل ، ولقد كانت العائلة تعمل بجد ونشاط في جو مليئ بالتعاون والمحبة مرت الايام ، وفي اليوم قبل الاخير بدأت ملامح الكمية التي قطفتها العائلة من الزيتون تتضح ، كان (علي) يقطف حبات الزيتون عن أغصان زيتونة روميه تعتنق الاصالة والانتماء للتراب،واخذ يتكلم معها كأنها امرأته وحبيبته قال لها برجاء وتوسل :
إمنحيني المزيد ... فالكمية لاتكاد تكفي لسد إحتياجات العائلة ، فكيف ستعطيني قسط الجامعة ؟ أيتها الزيتونة الرومية ساعديني فلا أمل سوى أنتي في تحقيق حلمي وحلم عائلتي .
كادت لهجته في الكلام تشرف على البكاء والنحيب ، فهو كان على يقين منذ اليوم الأول للموسم ، أن الزيتونة الرومية التي يتكلم معها مطالبا إياها بالمزيد ،أصبحت كأنها امرأة تبكي على حال عاشقها لأنها لاتملك الطريقة التي تسعده بها وعائلته سمعت أم علي إبنها وهو يخاطب الزيتونة ، فإقتربت منه وقالت له محاولة إخفاء الحزن الذي يملأ وجهها بإيتسامة .
علي يا ولدي .. كم اتمنى أن أتحول إلى زيتونة رومية مليئة بحبات الزيتون التي لا تنتهي ولا تندثر ،كي تقطفها مني لتحقق حلمك وحلمنا ..
لم يتمالك (علي) نفسه فأحهش في البكاء وإرتمى في أحضان أمه ، وأخذ يبكي بألم على حاله وحال عائلته ، هو الذي أنهى دراسته الثانوية ونفسه مليئة بالأمل والإرادة أليس من المبكر عليه مواجهة هذه الحياة وتحدياتها ؟هاهو يدفن حسرته في أحضان أمه ، التي تحلم في أن يذهب إلى الجامعة كي يعود يوما ليضع بين يديها شهادته الجامعية ، يعود محاميا يحميهم من ألم الزمن ومعاناته كان والده يراقب الموقف دون أن يقوى على قول كلمة واحدة ، هو الذي قطع على نفسه عهدا ، ووعد إبنه بالجامعة مهما كان الثمن ، وجدَ الحال على أرض الواقع يختلف ، فالكمية التي سيخرج بها من الموسم قد لاتكفي لإطعام عائلته هاهو كسير الجناح لا يدري ماذا يفعل او ماذا يقول لولده .
توقف علي عن البكاء ،وقال لامه بلهجة تنكر انه كان بيكي منذ لحظات :لايا امي ...لن اسلم امري لهذا الواقع ...يجب ان اتحداه ....
لم تدرك الام ماذا يعني ولدها في كلامه ،خاصة بعد تلك اللهجة التي توحي بالتحدي ،ذهب باتجاه والده وقال له:
سرقوا الارض الكبيرة منا يا ابي ،وتركوا لنا بقايا ارض ،انظر الى حالنا ومعاناتنا ،لو ان هؤلاء الاوغاد لم يأتوا كي يحتلوا وطننا ويستوطنوا ارضنا لما كان حالنا هكذا الأن ..
قال والده محاولاً تهدئته:
ولكن ياولدي هذا قدرنا ...ماذا باستطاعتنا ان نفعل ...
لا ليس هذا قدرنا ...وارض "عرقان الصقور"يجب ان تعود لأصحابها ...ساد جو الصمت ،تحولت فيه نظرات علي المليئة بالغضب والتحدي نحو (عرقان الصخور)التي تجثم فوق جسدها مستوطنة الظلم والظلام ...والزيتونة الروميه التي كان يخاطبها هي الوحيدة التي فرحت وفهمت ماذا يعني بتلك النظرات.....

الاسير باسم الخندقجي
سجن جلبوع
قيادي في حزب الشعب الفلسطيني
الحكم مدى الحياة
منتدى غسان كنفاني






#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزجاج الفاصل
- وجهة نظر فرنسية
- ثمة إنسانية … ؟
- هل تعرفون البرش ؟!
- تفتيش !!
- سجن صحراوي الإنسانية
- يوميات إنسانية معطوبة
- حلم من وراء القضبان ... منتدى غسان كنفاني الثقافي
- فرحة الأشياء الصغيرة
- ثمة عالم لنا؟! الأرض المُختلة
- رسائل أهل
- أهازيج فلافل
- أسئلة وجودية ؟! هكذا تحضر الإنسانية
- شقراء مجازاًًً
- زيارة ... ولكن !
- الكتلة التاريخية بأيديولوجية مُتجاوِزةٌ
- حبة اكامول !!
- عندما يرقص المطر
- على هدير البوسطة
- شكرا على مؤبداتكم


المزيد.....




- تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم ...
- روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
- مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا ...
- السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
- بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
- إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
- السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
- إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ ...
- حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات ...
- واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باسم الخندقجي - ثقافة زيتونة رومية