|
من حكايات قريتنا
هشام بن الشاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 09:50
المحور:
الادب والفن
1
الشمس كئيبة في سماء خريفية غائمة، تنحدر مؤذنة بمغيب شاحب يطوق القرية
.. على جنبات الطريق الزراعية المتربة رجال بدو بوجوه لفحتها السنون والأسى، وجلابيب صوفية شحبت ألوانها .. ومن البيت المجاور المنعزل عن مساكن بلون التراب، ينبعث عويل نساء .
2
لاح لهم (بــَرْكـَــنّي)، الشيخ السبعيني متوكئا على عصاه، يبتعد مذعورا حين انتشله من شروده نباح مباغث و الكلبة الراقدة محتضنة جراءها بالقرب تنقض عليه ناهشة سرواله الفضفاض من تحت .. سأله أحد المعزين :
- حفظك الله أعـْـزيزي ؟
- ماكاين ما حفظ الله .. " لمْــواعــن" مـْـشاوْ على بــُونــْــت. . !!
ارتسمت ابتسامات على الشفاه المتيبسة .. كادت أن تنفجر قهقهات، والعجوز حزين، وقد أوشكت أن تحل بنصفه السفلي كارثة !
تندروا بأغنيته عن اللوعة :(شي ما دِرْناه غير القليب عذبناه)، و ولعه بتلك (الشيخة) التي أنفق عليها كل ما يملك .. فتغنى بها (يا العــورة (العوراء) ردي لي فلوسي .. عمر داود ما يعاود) .
3
في جماعة أخرى ...
ابن أخيه الزموري، الرجل الأربعيني يحدث فتية يصغون إليه مفتعلين الوجوم قائلا أنه مرة ضرب كلبا مسعورا بمذراة فارتمى في حضنه يعانقه، وداس بحصان الريح (دراجته الهوائية) على قط حتى صا : (ميييــووو).
- لم تكن سوى قارورة زيت فارغة !
همس أحدهم في أذن جاره ..
يعرفون أنه ثرثار لكنهم يجدون في أكاذيبه مؤانسات من نوع آخر ..
4
وسط خيمة العزاء جلس عبد اللطيف مادا رجليه فوق الحصير،داعيا الحضور للتبرع من أجل مأتم أخيه الغزواني .
سرى همس ..
بعضهم شكر مواقفه النبيلة وتدينه وحبه للخير، فهز أبوه رأسه في صمت وتأثر أمام مجالسيه ..
قريب حكى لرفاقه ما قاله - عبداللطيف - لأقرانه .. أبناء خالاته وأعمامه وهم يتشاورون في ما سيأخذون معهم في رحلتهم إلى بنمعاشو .. تباهيا بزاد الرحلة، وضحكوا حتى دمعت أعينهم وهو يقول بلا استحياء:
- غا نجيب معاي كأسي وخبزي .
و روى ما حدث في مولاي عبدالله بعد عودته من خيمة أخيه الأكبر، تفقد نقوده، تذكر أن درهما وقعت من جيبه في الخيمة أثناء تناوله وجبة العشاء، وقال متحسرا وهو يعد نقوده مرات ومرات :
- العشاء تقام علينا بدرهم .
فلعلعت قهقهاتهم وهم يشيعونه بنظراتهم .. متخيلين قطعه لمسافة طويلة لاسترداد درهمه ..
5
هتف رشيد مخاطبا ابن عمه الأكبر سنا : " أنسيتم أنك منعتم عنه بئر الدوار رغم أنه ليس غريبا عنكم، فحفر مع بناته بئره بعتاده البسيط .. بئره لا يتعدى عمقها خطوات وحلو ماءها .. عكس بئركم التي حرمتموها عليه ؟ هل نسيتم أنكم لم تحركوا ساكنا حين أنكر (بو بيضة) أن الغزواني أخاهم عندما طالب بنصيبه من إرث أمه ؟
ألا تعرف أنه تحايل على أمه الساذجة قبل موتها بأشهر، مستغلا حبها له، و جعلها توصي بأكثر من نصف حقها من إرث أبيها الحاج ؟ هل تعرف كيف استولى على أموال اليتامي .. أبناء أخته ؟؟
أرجوك، دعني صامتا !!.. " .
6
حسب شهادات الآباء، تزوجت الأم في أحد الدواوير، وطلقت بعد شهر، ثم تزوجت في نفس الشهر رجلا آخر، وطلقت مرة أخرى، وعادت إلى بيت أبيها حاملا، وأنكر طليقيها ابنها الغزواني، فتبناه الجد ..
"أنت لست أخانا، هات ما يثبت عكس ذلك !
كان يردد هذه الجملة في أيامه الأخيرة محدثا نفسه في قيامه وقعوده .. منكسرا غادر بيت زوج أمه، وفي الحلق غصة .. أصغر إخوته أنكره، و أخواله منعوه من الاقتراب من البئر حين قاطهم لرفضهم الإدلاء بشهادة حق ..." .
تردد أرملته مستحضرة أيامه الأخيرة وهو يعود من عمله - ليلا - مكتئبا مرهقا .. غير قادر على تصديق أنه صار مثل دخيل بين أقاربه ..
7
بأسى فصيح يروي أحد الأقارب تفاصيل الحادث دون أن يكل من سردها لكل من يصافحه :" انعذطف الغزواني يسارا نحو الطريق المترب، كانت دراجته النارية بلا أضواء، والظلام يخيم على المكان والضباب كثيف .. من كانوا بالقرب رأوه عندما لطمت دراجته النارية سيارة قادمة من ورائه ... فوقع أرضا، ولم يستطع أن يستوي واقفا، فراح يحبو فوق الإسفلت محاولا النجاة بنفسه .. لكن سيارة الأجرة القادمة من الاتجاه المعاكس ......." .
لاذ بالصمت، وقد تحشرج صوته بالدموع، و مشهد فظيع لا زال نابضا بالدم والصراخ المكتوم .
عقب أحد الرجال المسنين أن الضوء الخلفي بالدراجة النارية مهم .. فروى الزموري حكايته مع الشرطي الذي سأله عن الضوء الخلفي، فقال له : (واش حنا غادين القدام والاّ اللــّوْر)، فابتسم الشرطي وأمره بالانصراف ..
8
- لم لا ترد ؟ ألأنه زوج أختك تسكت عن الحق ؟؟ ..
لاذ القريب بالصمت، انسحب من أمام رشيد، ثم التفت على صوته وهو ينادي عليه :
- التجاني، اعطي هاذ البركة لشفار البيض !
وبحركة بذيئة وجه يده نحو ......
أزمور 2007
هشام بن الشاوي
http://awra9.ahlamontada.com/index.htm
#هشام_بن_الشاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النصف الآخر (10)
-
عصفور الشرق ينقر العيون الزرق
-
خطايا بيضاء
-
النصف الآخر (9)
-
رسالة أخيرة
-
النصف الأخر (8)
-
النصف الآخر (7)
-
النصف الآخر 6
-
النصف الآخر (4-5)
-
النصف الآخر (3)
-
النصف الآخر
-
مثقل بنشيج الروح ..
-
أعلنت عليكم الحب بطريقتي
-
سوتيان _ مشاهد من حياة مخبولة جدا
-
قصتان قصيرتان جدا
-
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
-
ق.ق.ج
-
بيت لا تفتح نوافذه …
-
الشياطين تخدع أحيانا
-
!أسعدت حزنا.. أيها القلب
المزيد.....
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|