أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحق طوع - مارستان الجبل .















المزيد.....

مارستان الجبل .


عبد الحق طوع

الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 09:49
المحور: الادب والفن
    



في هذه القرية الجبلية ، الغارقة في محراب الغمام الدائم . المنعزلة عن الرب والهائمة بعشقه . أرواح ساكينها لاينزلون إلى السفح إلامرة في السنة بعد جني خراج سخاء الأرض، لتبادل المشروبات الروحية بالجرر أو بعض الألات الموسيقية أو إصلاح عطبها . مشروبات يخيل لسابح في طعمها وعطرها أن فواكهها زرعت في حديقة جنة مصممها أريج خيال وأن عاصرها يد رب عظيم . . حتى عندما ينزلون لايصولون ويجولون في الكلام مع أهل السفح : وحده الحكيم له شرف الكلام .
والغريب ينزلون بأقنعة تخفي أجسامهم ووجوههم . لاأحد من أهل السفح زار القرية الجبلية . سرها المغلق نبع خوف وقلق : من يدخل لايعود إلى السفح بل حتى هذا اليوم الوحيد والذي لايتعدى إلا ثواني لن ينزل وإن كانت له في السفح شجرة من دم وحبل ذكريات .
هي مكتفية بذاتها لها حكيمها وهو من يتشرف بإعداد الأرواح على التيمم بالحروف والماء . لاأحد من أهل السفح يعرف سببا للموسيقى التي تأتي إليهم كندف ثلج وخصوصا عندما ينتصف الليل وكأن القرية الجبلية في عرس دائم . وهذه الموسيقى تجعل نفس المنصت إليها في حالة سكر دون مدام . وهذا يعرقل سير حياتهم ويربك نظام عملهم . البعض من عبيد المصلحة كان ينظر إلى قرية الجبل بعين الغضب والحقد . و البعض منهم يفكر في الإنتقام من أهلها وإجبارهم على النزول وإغراقهم في هموم حياتهم . لهذا السبب هذا اليوم من زيارتهم السنوية أو الحج .فرضوا قانونهم الجديد عدم التبادل والتعامل في السلع وخصوصا الألات الموسيقية مع سكان القرية الجبلية .
سكارى السفح ينتظرون هذا اليوم بما في الصبر من شهوة ضوء أمل وبما في الرغبة من وحشة وصال.
ومن لايسكر فهو ينتظر نزول حكيم القرية الجبلية ليجيبه عن أسئلة السنة الفارطة . ربما عزلته أخيرا منحته كنز الجواب وفتحت باب السر المغلق .
لاأحد من أهل السفح رأى جمال نساء قرية الجبل ، لاأحد .
كل واحد رسم صورة لهن في خياله وإرتاح إلى صنعه . بل بعض المتطفلين على الشعر والرسم نظم قصيدة طويلة ورسم لوحة لاصلة لها بجمالهن : الروحي .
وحدهم تجار ورجال سلطة السفح يتهيؤون ويخططون لتدمير القرية الجبلية ، الغارقة في محراب الغمام الدائم . المنعزلة عن الرب والهائمة بعشقه .
وقد تم الإجماع على فارس شاب يتيم تربى تحت سقف ملجأ وبعد أن إشتد عوده وعضلاته سلموه إلى قلعة الجنود الأشداء . لا لغة يثقنها إلا الشتم وضرب الأعناق بالسيوف .
أعدوه لهذه المهمة وهو الحافظ على أمن وسلامة عرش الحاكم والحارس الأمين على نعيم الكبار .
وخطته سرية للغاية الإختلاط بسكان القرية الجبلية والكشف عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهم .
طبعا لقد عملوا بوصية حكيم قرية الجبل عندما سألوه في السنة الفارطة :
ـ لنتخيل أنك في حرب ؟
أجاب :
ـ الحرب خدعة ودمار ولامعنى للإنتصار . لكي تنجو إبحث عن نقط ضعف عدوك وجهز عدتك .
و….
وضع القلم وتأمل في الكلمات الأخيرة( الحرب خدعة ودمار و...) وعلى الهامش القصة التي كتب والتي منحها كعنوان مؤقت ( مارستان الجبل )هو يعترف وهذه حقيقة...له....له مشكل مع العناوين وأحيانا يمزق مايكتب لمجرد أنه لم يعثر على عنوان يلخص تعبه .
كتب على الهامش:
غريب هذا الحكيم في نصيحته . من يسلم نقط ضعفه لعدوه إلا الغبي ؟ ربما طيبوبته أعمت بصيرته ؟ أو قد يكون على يقظة مطلقة وذكية على وضعيته وأن مايملكه من حكمة يهزم قوة وحدة السيف .
هل سينجح الفارس الشاب في مهمته ؟
وختم قصته :
لنجلس ونفكر .
لا...
لا أملك حكمة الكبار . لاأملك …هكذا أبحث عن نهاية ماكرة لنجلس ونفكر حل لايثبت إلا عجزي على السفر في أرواح الكلمات .
اللعنة طوال حياتي عشت سجين جبني ، منحت لحياتي أقداما وهي بعد تمرس وصبر أثقنت أخيرا فن الركض . صحيح لم أخلق للمواجهة وهذا عيبي الكبير . أعترف بهذا والإعتراف نصف يقظة الذكاء.
أكيد الأن جالس على غيمة يتأمل تعثراتي وكلما توتر المشهد : يضحك ... يضحك لأنني أتألم . .

نعم !

ينقصني خيال هذا المريض مثلي وهي قصة قرأتها في مكان ما :

( النافذة)

في مستشفى وفي غرفة تحتوي على آسرة عديدة ، يوجد بها أناس لايستطيعون الحركة . وفي نفس الغرفة سرير يحادي النافذة الوحيد . عليه ينام رجل حكيم ووديع ومحب للأخرين طاهر النفس وكبير القلب ومحبا للخير والجمال . في كل صباح كان ينقل لناس وبعد التحية والسلام والفطور ، مايجري خارج المستشفى . ينقل الأحداث عبر النافذة الوحيدة . إلى درجة أن نزلاء المستشفى خلقوا علاقة وطيدة مع العالم الخارجي .عن الطفلة التي ترافق كل صباح أمها إلى المدرسة الدائمة البكاء وعن الرجل العجوز الأعمى الذي يجلس في ركن من الشارع ويشتم الناس وأنهم في قمة العجز عن تغيير سلطة الحكم الفاسدة وعن بائع الكتب الذي لاأحد يشتري بضاعته وعن وعن وعن .
إلى جانب الرجل الحكيم والوديع كان يتواجد الشيخ الحسود الشديد الغضب والمتعصب والمحب لذاته ويرى في الأخر مجرد مهرج لايستحق كل هذا الإهتمام من نزلاء المستشفى وتمنى موته لكي يحتل سريره القريب من النافذة ليكون سيد الحكي .
وذات ليلة وبعد سعال طويل وألم حاد والأخر جار سريره في قمة فرحه ينتظر موته .
فعلا يموت صاحبنا .
في الصباح لم تفتح النافذة . وخيم الحزن في الغرفة بعد أن نقلوا جثمان الرجل إلى المستودع . طلب جاره من
الممرضات أن ينقلوه إلى سرير النافذة ، وكان له ذلك . وقال لمن يشاركه الغرفة :
ـ لاتهتموا أن سأواصل الحكي عن الطفلة وعن الرجل العجوز الأعمى وعن الكتبي وعن ….
عندما فتح النافذة صدمه جدار وفي الأسفل قطط وكلاب ضالة .
قال في نفسه وهو :
ههههههههههه.
إغلق النافذة حبيبي وتأمل واحكي حكاية أخرى تدهشنا بالنهاية ولما لا والبداية .
و...
واصل الكتابة على الهامش :
مع ...
مع مطلع كل صباح وبعد أن يلقي في جوفه أي شيء ، يجلس على كرسي من الإسمنت صنعه منذ كانت له القدرة على الحركة وحمل الأثقال . الأن وإن لم يتجاوز الخمسينيات خانه كل شيء . حتى زوجته الشابة التي عشقت ذات يوم شِعره رحلت وتركته في عزلة ظلمة غرفته الأن وهنا . لقد وعدها بخلود إسمه وإنتشاره وأن بيته سيصبح كعبة لزوار من كل بقاع العالم . الزوجة الشابة تأكدت بموت الشاعر المبكر وأن وعوده وأحلامه : مرض أضفته إلى فقره . ومما أثبت لها نهايته الأخيرة عندما ألقي به في في مارستان الجبل .
إذن ...
الجبل الذي أتحدث عنه في البداية بقولي :
(في هذه القرية الجبلية ، الغارقة في محراب الغمام الدائم . المنعزلة عن الرب والهائمة بعشقه . أرواح ساكينها لاينزلون إلى السفح)
المكان له وجود في ذاكرتي . مكان عشت تحت سقفه ذات يوم بعيد .
القصة عنونتها بِ( مارستان الجبل) .
هل أنا مجنون ؟

أنا أتذكر أشياء عشتها ، معناه لازالت لي القدرة على الشم واللمس وووو
أنا موجود هنا وليس هناك .
هناك لاكلام ولا كتابة ولارسم ...هناك صمت وإستعادة الماضي تأمله والضحك على بطولاته الوهمية .

وأتذكرالأن وهنا قصة لاأدري أين قرأتها ، الذاكرة تماما كزوجتي خانتني برحيلها . نعم لاأدري أين قرأتها، لايهم... الأشياء الجميلة لاتبرح الذاكرة ولامعنى في هذه الحالة للأسماء . لنسمي الكاتب إنسان جميل و وكفى .

(العبقري)

كان يقول للجميع أنا عبقري أنا شاعر وأديب ورسام وموسيقي وووو
شيء واحد يقف ضد عبقريتي : زوجتي
هكذا مرت حياته في تبرير فشله بوجود عائق إسمه زوجته .
وذات ليلة بعد أن ملأ أذان الناس بنفس النغمة الأبدية المملة البئيسة ، عاد إلى منزله وفتح الباب وأشعل فتيل الشمعة وفي ركن من غرفة النوم كانت زوجته في صمت مهيب شبه نائمة إقترب منها ، صرخ في وجهها لكي تهيء له كعادتها المائدة للعشاء ….لم يصدر من مكان نومها : حركة .
صرخ وشتم وكسر كل ما في الغرفة وظلت المرأة على حالها .
إقترب منها ولامس جسدها برفق، ولعلها المرة الأولى يستقبل جسدها لمسة ذلك الحنان .الذي فقد دفء بهائه. بعد أن حلت بالمدينة لعنة الضجر. .
طوال الليل ظل يبكي و يحكي لزوجته قصة رحلة حياته ... من حين لحين يصرخ :
ـ أرجوك لاتتركينني حبيبتي ...أنت هوائي .
أشياء تعرفها لكن جوهر الرحلة تجهلها . وتأكد أن المسافة وحدها تكتب الأشعار الجميلة . بعد أن سكنت تحت سقفه ، ماكتب حرف حب في حقها . مات العبقري في روحه . هي جميلة وكان بإمكانها أن تكون عروسة للأكابر في مدينته ، لكن هي الأخرى لاتدري ! ماالذي عشقت في بوهيميته وهيامه بالكلمات ؟
حرك جسدها وتساقط من ركنه ليلمس وجهها الأرض .
وإليه تنظر بعينين مفتوحتين وعلى شفتيها رسمت إبتسامة ماكرة وكأنها تقول :

ـ ترى ماذا ستقول غدا لناس ؟

أحرق المنزل وجلس صامتا يستدفيء بلهيبه . هو وجثمان زوجته الممدد في حالة خشوع عميق .
عندما لاح الصباح وفي حديقته التي لم تينع أزهارها ، حفر حفرة ووضع جثمانها .
وهو يلقي وردةعلى جسدهاالعاري رسمها في عفوية مطلقة على مزق قماش وأكد لنفسه بعد أن أغمض عيناه أن لعطرها حضوره .قال في نفسه وهويتلمس جرابه بعشق ولهفة ،جراب أودع فيه كتب ، ناي ، وأوراق :
ـ من قتل حبي لها ؟أكيد سقوط الحقائق الكبرى التي معا كنا نؤمن بها ...وولادة زمن جديد إسمه : العبودية .
هناك...هناك سأتعلم كيف أصبح خاويا من القيل والقال . أحتاج إلى كميات من الصمت لأفهم ذاتي .

وأشار بالسبابة إلى تلك القرية الجبلية ، الغارقة في محراب الغمام الدائم . المنعزلة عن الرب والهائمة بعشقه . أرواح ساكينها لاينزلون إلى السفح إلامرة في السنة بعد جني خراج سخاء الأرض ...
قال في نفسه وخطواته تلحس المسافات :
ربما أكون الوجه المعاكس وأذهب ضد فكرة ذلك الفارس الشاب الذي يحلم بتدمير سكان قرية الجبل .
رسالتي العظمى تبدء من هنا .
من يعلم في يوم ما أكتب أشياء ذات قيمة تنفع البشر .
عبد الحق طوع إسبانيا



#عبد_الحق_طوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عين العدم ( كلب الفيلسوف )
- موسيقى
- المرآة
- حلم ليلة الأمس
- ملح الكتابة (1)
- ( تيه ....)
- عين العدم ( أبناء في المزاد العلني )
- فصل من رواية عين العدم ( ليلة إغتصابي ...ليلة موت العالم في ...
- فصل من رواية عين العدم
- مسرحية قصيرة جدا...جدا
- عين العدم ( 3) فصل من رواية
- ( عين العدم ) رواية : الفصل 1 2


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحق طوع - مارستان الجبل .