أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف














المزيد.....

نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 655 - 2003 / 11 / 17 - 04:40
المحور: الادب والفن
    


  توفي رسول حمزاتوف - الشاعر الذي عاش أشهر من وطنه وكان وطنه الصغير " داغستان " الواقع في القوقاز بجنوب روسيا ينسب إليه ، فيقال في العالم  " داغستان حمزاتوف " . ومع ذلك لم يعشق  حمزاتوف أرضا كما عشق أرض بلاده الصغيرة الجبلية التي فتحها العرب في القرن السابع وظلت الثقافة العربية تسودها نحو ألف عام . يقول حمزاتوف في إحدى قصائده عن بلده التي لا يزيد تعداد سكانها عن مليوني نسمة :

" نجوم كثيرة .. وقمر واحد ..

نساء كثيرات .. وأم واحدة ..

بلاد كثيرة .. ووطن واحد " .

     ولد حمزاتوف عام 1923 في قرية بين أحضان الجبال ، وكان والده شاعرا ينظم الشعر باللغة العربية وباللغة " الآفارية " القومية . ويروي أن والده كان يكتب كل قصائد الغزل في النساء الأخريات باللغة العربية لكي لا تفهمها أمه إذا عثرت عليها . ورث حمزاتوف عن أبيه موهبة شعرية خارقة استوعبت كل أساطير الجبال العملاقة وبساطتها وحكمتها . ومكنته دراسة الأدب في موسكو من الإلمام بتراث الشعر العالمي وقوالبه فصب فيه خبرته الخاصة التي لا تتكرر ، دون أن يفقد بكارة تجربة بلاده ، ولا تاريخها ، ولا صراعها الذي دام ضد القياصرة ثلاثين عاما متصلة كانت الرصاصة خلالها أعز على القوقازي من جرعة الماء ورغيف الخبز . ولمع اسم حمزاتوف مع صدور أول ديوان له عام 1943 ، ثم واصل اسمه رحلة الصعود ، إلي أن حصل على جوائز دولية وسوفيتية عديدة وترجمت قصائده ودواوينه وكتبه التي تربو على الأربعين كتابا إلي أغلب لغات العالم . وكان رسول حمزاتوف أحد الذين آمنوا بالاشتراكية بصدق ، فلما انهار الاتحاد السوفيتي ، وراحت الطعنات توجه إلي كل ما مضى من تاريخ وإنجازات وسلبيات ، وقف حمزاتوف يدافع عن نفسه وتاريخه قائلا : " لم تكن قصائدي عضوا في الحزب الشيوعي " . وفضل في سنواته الأخيرة أن يقيم في محج قلعة عاصمة بلده داغستان في بيت صغير من طابقين مع زوجته فاطمة . وكان أبناء وطنه إذا اقتربوا من الشوارع المحيطة ببيت حمزاتوف يشرعون في الحديث بصوت منخفض ، فإذا ارتفع صوت أحدهم ، نهره الآخر قائلا : نحن بالقرب من بيت الشاعر . وكان حمزاتوف شخصا بسيطا جدا ، محبا للمزاح . المرة الأولى التي زرته فيها في شقته بموسكو قدم لي زوجته قائلا : فاطمة . ثم قدم لي ابنته الكبرى قائلا : فاطمة . فلما أقبلت ابنته الثانية سألته : فاطمة أيضا ؟ . فقهقه قائلا : لو كانت تلك هي الأخرى فاطمة لكنت قد أصبحت أستاذا في العلوم الفاطمية ! . رحل حمزاتوف عن عمر يناهز الثمانين عاما . وكان يبدو أنه شخص لا يرحل ، أولا يجوز أن يرحل ، أو لا يصح أن يرحل ، لأن رحيله يحدث خللا شديدا في موازين الخير والشر في العالم . وكان يكفيني -  في شوارع موسكو البيضاء من الثلوج والقاسية – أن أتذكر أن رسول حمزاتوف يعيش ويتنفس في روسيا لكي أحس أن ثمة شيئا طيبا في هذا العالم ، وأن العالم لابد أن يصبح أفضل وأكثر دفئا وإنسانية . وكانت كل أحاديثه اليومية شعرا .. منثورا . سألته مرة : تعيش في داغستان عشرون قومية مختلفة بعشرين لغة .. متى توجد لغة واحدة لداغستان ؟ فابتسم قائلا : هل يصبح العالم أجمل إذا نحن جمعنا كل النجوم في شمس واحدة كبيرة ؟ . لماذا تبحث عن لغة واحدة ؟ فلتكن هناك عشرون لغة !

      في سنواته الأخيرة توفيت زوجته فاطمة ، وكانت سيدة جميلة ورقيقة . وتزايدت عليه وطأة مرض عصبي كالشلل الرعاش ، ولكنه لم يفقد روح المرح والحكمة والنبل . في آخر حديث لي معه قال لي : " ظهرت لدينا في روسيا الآن ما يسمى بالسوق ، ودخلنا مرحلة من حرية الجوع الوحشية أصبحت فيها أسعار الطماطم أغلى من البشر ، وأصبح ممكنا شراء كل شيء في روسيا : الضمير والبطولة ، الموهبة والجمال ، الشعر والموسيقى ، الأرض والأمومة أحيانا . وقد بدل الكثيرون من مواقفهم . ربما يمكن للمرء أن يبدل قبعته ، ولكن لا يمكن لشخص شريف أن يبدل رأسه . 

     توفي شاعر عظيم . وكم أحس بالأسف لأنني لا أستطيع أن أنقل للقارئ شيئا من عظمة ذلك الشاعر الذي كان يسخر من كل أشكال العظمة قائلا : " الحمد لله لا أحد يقول لي إنني عبقري لأن العباقرة هم أولئك الذين يفعلون ما يعجز الناس عن فعله "  وقبل أن يموت بأيام قليلة قال حمزاتوف : " حياتي مسودة كنت أتمنى لو أن لدي الوقت لتصحيحها " . ترى كم من البشر يتاح له أن يحيا مسودة عظيمة كتلك ؟ كل لحظة فيها شعرا خالصا ومحبة للعالم ؟ 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
- المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
- اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
- السياسة أقوى من الحداثة أو الحكايات المختلقة
- نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن
- إسرائيل من الحرب إلي الثقافة
- ذكرى ناجي العلي
- حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري
- وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية
- الخوف من الكتابة
- هــمـوم قــبـطــيـة في أحـزان بـلـدنـا
- بغداد التي في خاطري
- حكايات ألف ليلة وليلة للرئيس جـورج بـوش
- شموع على كف حوار متمدن
- 1948 الفرصة الضائعة
- الرئيس الأمريكي يعلمنا كيف نحيا
- الوطنية والديمقراطية في العراق


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف