في قلب مقاطعة روكوم، في الغرب الفقير من النيبال، يبدو ماويو الميليشيا الشيوعية في معقلهم. هنا الجبال المعزولة عن العالم والمأهولة بكثافة فوق كل ذلك في حالة من البؤس الجحيمي. والأطفال، جلد على عظم، بعضهم انتفخت بطونهم نتيجة سوء التغذية، ثيابهم أسمال. وهنا لا كهرباء ولا مياه شفة، ولا أية طريق ولا أي طبيب إلا على مسافة يزيد على يومين سيراً. وفي الغالب ليس امام المريض سوى احتمالين: فإما أن يستعيد صحته من تلقاء نفسه، وإما أن يموت. وقد أنشئ المعسكر الأول لإعادة التأهيل في نيبال الماوية في عمق وادٍ بعيد في مزرعة "رأسمالي" مطرود. ويوضح "الرفيق ساغالماتا" الذي لا يكاد يبلغ الثامنة عشرة من العمر أن "هذا المرابي كان يستغل إحدى عائلات المزارعين وقد اجبرها على العمل مجاناً لكي تسدد ديونها. ولقد طردناه ". ثم يشير الى احد الشباب: "هذا حفيد الرأسمالي، ويحق له البقاء، فهو بريء. فقط يتوجب الرحيل على من يرتكبون الجرائم في حق الشعب". ثم يشير ساغالماتا الى حقول الأرز المقطعة في محيط المكان. "هذه الأراضي باتت اليوم ملك الحزب وتستفيد منها الجماعة بأكملها، حتى أننا بنينا طاحونة". هذا ما لا بد للمتسكعين من ارتضائه. والتحديد الماوي لكلمة "رأسمالي" يبقى مطاطاًً، فالأراضي المصادرة لا تتجاوز مساحتها بالهكتارات ما يتجاوز عدد أصابع اليد. فهنا بضعة أمتار هي دليل رخاء. بعض شباب الميليشيا وبعض الأولاد غارقون في العمل في فناء هذه المزرعة التي حولت معسكراً لإعادة التأهيل... وبلغته الخشبية يوضح ساغالماتا: "نهاراً يعمل السجناء في الحقول وليلاً يتعلمون، وفق مبادئ الماركسية اللينينية الماوية، على السلوك الجيد في المجتمع الجديد. لقد جرت محاكمتهم في محكمة تشكلت من مقاتلين ومن رجل واحد على الأقل من الذين يعرفون القانون". كان معظم السجناء مأذونين لزيارة عائلاتهم. سجينة واحدة بقيت لكنها لخوفها رفضت ان تتقدم بشهادتها. يتابع رجل الميليشيا: "إن بعضهم يفرون خلال المأذونية، لكن ليس بالامكان سجن جميع الناس بشكل دائم كما في سجون الرجعيين. ولدينا هنا قتلة ولصوص وأزواج عنيفون ومدمنو كحول". وقد حظر الماويون الخمر في دولتهم البديلة بسبب حالات العنف العائلي الكثيرة. كما اعتقل أيضاً شبان أقاموا علاقات جنسية قبل الزواج ومن بينهم مقاتلون ومقاتلات. وهي "جريمة" يعاقب عليها هنا بـ"السجن ما بين 5 و8 سنوات". والمتمردون، وثلثهم من النساء، وتنسب اليهم الشائعات أعمالاً شائنة، يعتبرون أنفسهم أبرياء. أما المراهنون الذين يختلسون الأموال في المركز فهل يحكم عليهم بالسجن؟ وبفظاظة يبتسم ساغالماتا مجيباً: "كلا، فنحن نكتفي فقط بإجبارهم على أكل أوراق اللعب". ثم يفك منديل رقبته وقد طرزت عليه عبارة: "تحيا الماركسية اللينينية الماوية البراشاندية". براشاندا "القوي" هو الاسم المستعار للسيد بوشبا داهال رئيس الحزب الشيوعي الماوي النيبالي (CPN-M). وقد أنطلق المتمردون في "حربهم الشعبية" في شباط/فبراير من العام 1996 ونفذوا هجوماتهم الأولى في منطقة "رولبا" على بعد 300 كيلومتر من كاتماندو بهدف اطاحة النظام الملكي الدستوري(1). ومنذ بداية التمرد قتل حوالى 000 8 شخص، وبحسب المنظمة النيبالية غير الحكومية "إنسك"، سقط ثلث الضحايا على يد الماويين، والثلثان على يد القوى الأمنية(2). وتؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كاتماندو أن "العنف الماوي انتقائي يوجه ضد أهداف محددة". تقوم سيطرة الميليشيا الماوية على الشعب على الاكراه كما على الدعم الشعبي الفعلي، كون الاجراءات ترضي الأكثر ضعفاً، من النساء، المعجبات بحظر شرب الكحول والمراهنات، وبالمساواة في حقوق الميراث وبوضع حد للزيجات الاجبارية، الى الأقليات الاتنية الذين يشكلون 35 في المئة من الشعب وقد وعدهم الثوريون بمنحهم الحكم الذاتي، الى الطبقات الدنيا، مثل هذه المجموعة من المرذولين التي تشهد بكل حرية معبرة عن رضاها من دون ان يكون للماويين وجود في المحيط: "لقد وضعوا حداً للاذلال الذي كان يلحق بنا". ومع ان نظام الطبقات ألغي رسمياً في العام 1963 إلا أنه لا يزال ساري المفعول في هذه المملكة الهندوسية. ففي الواقع أن المرذولين في المناطق الريفية (يشكل الداليت 21 في المئة من السكان) لا يحق لهم دخول الهيكل ولا الاستقاء من البئر ولا بيع منتجاتهم ولا لمس غذاء الآخرين . واحياناً هناك منهم من يتعرض للتعذيب بتهمة "الشعوذة" على يد قرية بأكملها. "إذا ما أساء أحد البراهمة معاملتنا فان الماويين يوسعونه ضرباً". ويعبر الداليت عن سرورهم : "إنهم يتحدثون عن المساواة بين الناس. يمكننا الآن الذهاب الى الهيكل. وهم يعطون دروساً مجانية لمحو الأمية، للصغار كما للبالغين". وماذا يتعلمون؟ "القراءة والكتابة والحساب لكي لا يتعرضوا للسرقة على يد التجار، كما يتعلمون التاريخ السياسي، والاشتراكية..." ياداف، العجوز الذي التقيناه في إحدى الضيع وقد أقعده البؤس يقول متهكماً: "إن الناس يريدون التغيير السياسي، وهذا ما يستفيد منه الماويون، فهم يزدادون قوة ويمتصون دم الشعب مثل العلق. فالماويون والدولة هما مثل صخرتان تتصادمان وتسحقان الشعب في ما بينهما. حسناً، إن الماويين بنوا الجسور ورصفوا بعض الطرقات بالحجارة. وهم يساعدون المزارعين في الحقول ويعاقبون المعلمين المتغيبين ويطردون المرابين. إلا أننا شبعنا من عنفهم، فنحن خائفون ونحن نريد السلام" (3). وهذا ما يقر به القرويون حوله وتنفك عقد الألسنة. يتدخل المعلم: "انا عليّ أن أدفع الضريبة الثورية. وقد غيروا المناهج المدرسية ويقولون ان الدين هو افيون الشعوب." وهذا ما لا يفهمه هؤلاء القرويون المشبعة حياتهم اليومية بالديانة الهندوسية. وهم يصمتون عندما ظهور متمردين شباب بالخناجر التقليدية، الكوخري، على خصورهم. والذين يذهلهم نجاح ميليشيا شيوعية عقائدية في العام 2003 ما عليهم الا الالتفات قليلاً الى الوضع الاجتماعي في النيبال. ففي هذه الدولة المحرومة الموارد الطبيعية يعيش 71 في المئة من السكان في حالة الفقر المدقع. ويعتمد 80 في المئة من الشعب على الزراعة لتأمين عيشهم او للصمود في الحياة. ويوضح لوران شازي، الخبير في البنك الآسيوي للتنمية في كاتماندو: "إن معدل نمو بنسبة 2.2 في المئة سنوياً ليس كافياً. فالمزارع الواحد لا يملك غالباً سوى ثلث هكتار، وهي مساحة أقل بثلاث مرات من المساحة اللازمة لتأمين العيش". وحالات التفاوت الاجتماعي عميقة جداً، إذ إن 46.5 في المئة من المداخيل هي في يد 10 في المئة من الشعب. وفي المقابل فان مئات الآلاف من الناس، والأطفال ضمناً، يعملون في تكسير الحجارة على طول الأنهار ليبيعوا الحصى الذي يحصلون عليه يومياً بنصف دولار. وعمالة الأولاد أمر شائع، فمنظمة "سوين " CWIN النيبالية غير الحكومية أحصت 127000 ولد يستغلون في العمل يتقاضى الواحد منهم غالباً 4 دولارات شهرياً، وتشدد على أن 90 في المئة من الحالات تتفلت من عملية الاحصاء(4). فما بعد التعليم الابتدائي، وكما في العناية الصحية، فان التعليم مكلف جداً حيث أشكال من البذخ ليست في متناول الغالبية. والنتيجة أن نيباليين اثنين من ثلاثة يبقيان أميين وتموت كل ساعتين امرأة أثناء الوضع. أما موازنة الدولة فتموّل بما يزيد على 25 في المئة من أموال المهاجرين وبنسبة 50 في المئة من المساعدات الدولية(5). والفساد مستشرٍ، فبحسب مصدر موثوق به أن 3 في المئة فقط من المساعدات تصرف في ما خصصت له، أما الباقي فيجري اختلاسه، فطبقة النخبة تبني تفكيرها على أساس الطبقات التراتبية والمغلقة ولا يهمها الالتفات الى الطبقات الدنيا. إن ما في هذه الدولة من إهمال وتعجرف يتقزز له قلب رجل الشارع. ومن الأمثال على ذلك أن آخر أشكال "الرق" لم يلغَ الا في تموز/يوليو عام 2000، حين "حرّر" 226000 من "الكامياس" مع عائلاتهم، وهم عمال زراعيون نصف عبيد. لكن في غياب أي متابعة اجتماعية هم من وقتها يعيشون من دون مأوى وبدون موارد ومهمَلين. والموازنة التي اقرت في تموز/يوليو عام 2003 لم تمنحهم سوى نصف دولار...سنوياً. وإذا كانت الديموقراطية البرلمانية التي طبقت في العام 1990، بعد حركة نضالية شرسة، قد نجحت في النهاية في فرض حرية التعبير، إلا انها كرست سيطرة الوجهاء المحليين على السياسات شبه الاقطاعية، حيث الفساد والتمييز على أساس الطبقة أو الاتنية، والربا والتعسف... وقد تعاقبت على الحكم أربع عشرة حكومة في ثلاثة عشر عاماً. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2002 عطّل الملك جياندرا البرلمان وقاد حكومة "تحت أمرته". وقد كتب بعض علماء السياسة النيباليين: "إن النخبة المحافظة، وحتى اليسارية منها، تماهي ما بين رفاهها وبين الحفاظ على البنى التقليدية والعلاقات الاجتماعية. وفي غياب أي رقابة من الدولة فان الانتخابات قد تحولت تبارياً في زيادة الثروات"(6). وفي المناطق الريفية يختصر وجود الدولة في دفع الضرائب، بدون أي تقديمات في المقابل، في ظل تعسف شرطة فاسدة، وبأوراق نقد تحمل صورة ملك استبدادي وفاقد شعبيته، هو جياندرا الذي تولى السلطة بعد مجزرة حزيران/يونيو عام 2001 (7). ففي 7 تموز/يوليو الماضي نظّم في غوراهي استعراض لمناسبة عيد ميلاد الملك، ولم يكن هناك حتى مشاهد واحد بالرغم من أن المدينة هي تحت سيطرة الجيش. والى ذلك فان هذه الدولة العاجزة قد انطلقت في العام 1992، بتشجيع من المؤسسات المالية الدولية في مسيرة خصخصة نيوليبيرالية قاضية بذلك على الخدمات النادرة المتوافرة، فأصبح توفير مياه الشفة والأمن من فرص اقتصاد السوق. وإذا كانت طبقة جديدة من المستهلكين قد ظهرت عندها إثر مرحلة وجيزة من الانفراج الاقتصادي، فان الفساد قد أدى الى هروب أوائل المستثمرين. وفي ظل هذه الظروف لا يبدو من المستغرب أن تلجأ شريحة من الشعب الى العنف لتغيير ظروف وضعها الاجتماعي. فمنذ العام 1992 وفي إشارة الى "الدرب المضيء" تكهن المراقبون ان يقوم في النيبال "سيناريو شبيه بما حدث في البيرو". فقد لفتت السيدة ريتا مانشاندا، العضو في "المؤتمر الجنوب آسيوي لحقوق الانسان " (SAHRF) والصحافية في مجلة "فرونتلاين " البريطانية الى أن "الناس الميسورين في كاتماندو يتحدثون عن الارهاب الماوي بدون أن يتنبهوا الى ان الميليشيا تتمتع بقاعدة اجتماعية حقيقية". ومن جهته أيضاً يخلص رمال ماداف كومار، مدير المجلة الأسبوعية "سبوتلايت" الى أن "بروز الماويين هو مئة في المئة وليد الفساد وعجز السلطة". وهناك كلمة تتكرر باستمرار على لسان كل من عناصر الميليشيا وهي "التنمية". فالمتمردون يريدون أطباء وطرقات وجسوراً وكهرباء وسدوداً وقدرة على تصدير محاصيلهم... هم، بكل بساطة، يريدون التخلص من البؤس. فكوادر الحزب الذين التقيناهم في الأدغال هم من الطبقات الرفيعة، إنهم شبان تمكنوا من تحصيل العلم، درسوا في المدينة وشهدوا الثروات التي تحققت بفعل الفساد والخصخصة والسياحة . وإذ سدت في وجوههم آفاق المستقبل فقد وجدوا في الكفاح المسلح فرصة أساسية للترقي الاجتماعي عبر إقصاء الميسورين واحتلال امكنتهم. ويتذكر ياداف، المزارع العجوز في روكوم أنهم "بدأوا يهاجمون الشرطة بالـ"كورخي" وبالمذاري. ثم استولوا على أسلحة القتلى من رجال الشرطة".فالحرب الشعبية بدأت من سبع سنوات وها ان عشرة ملايين من أصل 23 مليون نيبالي يعيشون حالياً في النيبال "المحررة". وبأسلوب لا يخلو من السخرية تكتب الصحافة في كاتماندو أنه يوجد هنا، كما في الصين وتايوان، "دولة واحدة بنظامين". وحركة التمرد هي حركة وطنية صرف، لا تتلقى أي مساعدة من الهند أو من الصين. فالدعم الخارجي الوحيد يأتيها من "الحركة الثورية العالمية " (MRI) وهي منظمة ماوية مركزها لندن وتضم من بقي من "الدرب المضيء" من الميليشيا "الناكسالية البنغالية"، والأحزاب البنغالية والسري لانكية والتركية وحتى الأميركية(8). هذه الحركة الثورية العالمية حضت الحزب الشيوعي الماوي النيبالي على رفض خيار الانتخابات وعلى اللجوء الى الأدغال. وبحسب ملحق عسكري غرب معتمد في كاتماندو فان الدوادر الماوية قد تلقت تدريباً جيداً في الهند على الناكساليين، وفي البيرو على يد جماعة "الدرب المضيء". يضاف الى ذلك أن قدامى العسكريين الذين عركتهم الحرب هم كثيرون في النيبال من قدامى "الغوركا" نخبة المرتزقة في الجيش البريطاني الى قدامى "القبعات الزرق"، وكلهم لم يتوانوا عن تقديم المال والتدريب لعناصر الميليشيا. بدأت الثورة بترهيب أو قتل الوجهاء المحليين وبتدمير البنى التحتية النادرة للدولة. ثم سد المتمردون الفراغ في السلطة عبر لجان "المواطنين المعنيين" التي نظمت الحياة الاجتماعية وبالتالي أعمال الوشاية... فالمعارضون الناشطون والمخبرون (أو من يفترض كذلك) والمزارعون الذين يرفضون إطعام المتمردين يتعرضون للضرب أو للقتل. كما يجري ابتزاز الموظفين والتجار وحتى بعض المنظمات غير الحكومية. فالكوادر الماوية الشابة، يجمعهم ما بين الهيبة الاجتماعية التي تؤمّنها التربية وبين التهديد بالسلاح وبالانجازات الاجتماعية الأكيدة يقنعون المزارعين المترددين والاميين بحسنات ثورتهم. وفي هذا يقول سوبود راج بياكورال، رئيس المنظمة غير الحكومية للدفاع عن حقوق الانسان (INSEC) متنهداً: "إن الماويين يأتون بحلول بسيطة لمشكلات معقدة . يقولون للمزارعين: إن الملاك بحاجة اليكم، اما أنتم فلستم بحاجة اليه. اطردوه وإذا ما عاد اقتلوه?. وفي حسابات الكولونيل أن.أس. بون، المفاوض باسم الحكومة سابقاً، أن الميليشيا تضم ما بين 000 10 و000 12 مقاتلاً محنكاً و000 15 مقاتلاً طور الاعداد ". وإذا كانت أعمال التجنيد الاجباري في صفوف المراهقين قد تكاثرت فان اللجنة الدولية للصليب الاحمر تنفي اللجوء المكثف الى تجنيد الأطفال. وفي مواجهة هؤلاء هناك 000 77 شرطي و000 45 جندي تنقصهم الحوافز والتجهيزات، فيما رجال الأدغال المتكيفون مع الأرض والسريعو الحركة يحققون بسرعة النصر تلو الآخر. ويعتبر الملحق العسكري المذكور سابقاً أن "كاتماندو لم تأخذ الخطر على محمل الجد." ويضيف هذا الديبلوماسي السابق أنه "بالنسبة الى النخب فانها كانت تاريخياً تعتبر أن النيبال هي كاتماندو وواديها، وقليلاً ما أقلقها فقدان السيطرة على الجبال في العمق". وعلى غرار استراتيجيا ماو تسي تونغ القاضية بمحاصرة المدن من الريف، فان رجال الميليشيات لم يكتفوا بمهاجمة مراكز الشرطة في المناطق الريفية مرغمين الدولة على الحد من وجودها في المدن الكبرى، بل أنهم حاصروا أيضاً الثكنات العسكرية في المدن، كما حدث في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 في غوراهي عاصمة مقاطعة دانغ حيث قتل 14 جندياً و23 شرطياً ونهبت المصارف. ويذكر احد الشهود أن "بعض المقاتلين من أهل الجبل البؤساء، كانوا يرون السيارات للمرة الأولى في حياتهم". كان هجوماً واسع النطاق أدى الى إعلان حالة الطوارئ، وفي ظل ظروف ما بعد 11 ايلول/سبتمبر، الى التدخل المتزايد من الولايات المتحدة وبريطانيا تحت شعار "الحرب ضد الارهاب". وقد بلغ الأمر بالسفير الأميركي الى الربط بين انتفاضة الجوع هذه وتنظيم القاعدة والخمير الحمر. وفي تحليل لأحد الديبلوماسيين أن "الولايات المتحدة تريد الاستقرار في المنطقة كما تريد تفادي تحول النيبال "دولة هالكة" بين الصين والهند". ومذاك قدمت واشنطن 35 مليون يورو كمساعدات عسكرية وتنموية ولندن 17.5 مليون يورو، بينما زادت الهند من اعمال المراقبة على الحدود. وقد بات الجيش النيبالي، الذي يتلقى تدريبه على يد حوالى خمسين مستشاراً أميركياً، يمتلك 000 14 بندقية قتالية من نوع أم-16 قدمتها واشنطن وطائرتي هيليكوبتر روسييتين من نوع ميغ-17 دفعت لندن ثمنهما. وقد سقط حوالى 000 5 قتيل في العام 2002، وما بين التعذيب والتشويه والمجازر، فان القوات النظامية والثوار يتنافسون في ارتكاب الفظاعات(9). وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي أدرج الحزب الشيوعي النيبالي- الماوي على لائحة المنظمات الارهابية الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية مما جعل المتمردين يتهيبون الموقف ويقتنعون بتوقيع اتفاق لوقف اطلاق النارفي 29 كانون الثاني/يناير عام 2003 وفي عمل مقابل لحسن التعامل أعلنت النيبال في تموز/يوليو عن إرسال 900 جندي الى العراق. إلا أن الهدنة قد خرقت في 27 آب/اغسطس من جانب الماويين بسبب رفض الحكومة القبول بمطلبهم الأساسي، وهو اعتماد دستور جديد في المملكة. لم تعد الحكومة تسيطر الا على المدن وفي النهار على محاور الطرق. وفي كاتماندو نفسها بات رجال الميليشيا يبتزون التجار والوكالات. وهم يوجهون ضرباتهم في قلب وسط المدينة، ففي كانون الثاني/يناير الماضي تمكنوا من قتل قائد الشرطة كما قتلوا بعد سقوط الهدنة أحد الكولونيلات. كما ان عشرات الأشخاص "تقدموا بدعاوى" الى المكتب الذي فتحه لفترة الحزب الشيوعي الماوي في العاصمة. فبما أن القضاء الرسمي بطيء ومكلف فان البعض يفضلون عليه أساليب الماويين الراديكالية. ففي كاتماندو كما في الجبال تحل سلطة الثورة الناشطة مكان سلطة الدولة المنهارة. وخلال المفاوضات طالب الثوار بأن يحصر انتشار الجيش في دائرة حول الثكنات لا يتجاوز شعاعها الخمسة كيلومترات. غير أن مطلبها الأساسي قد تركز على إجراء انتخابات لاختيار مجلس تأسيسي . وهو مطلب يفتقر الى الواقعية كون الناخبين الذين يعيشون في المناطق "المحررة" لا يتمتعون بأي حرية تعبير. أما التزام الحزب الشيوعي الماوي مبدأ التعددية الحزبية فيعود الى الحاجة الى التواصل، فما من مؤشر حالياً في خطاب رجال الميليشيا ولا في ممارساتهم الاستبدادية مع الشعب، الى بداية سلوك ديموقراطي. وقد رفضت ذلك السلطة في كاتماندو مشترطة أولاً نزع سلاح المتمردين. وفي الأفق السياسي فان انحراف الحزب الشيوعي السابق (UML) الى الوسط، بعد أن اختار النيوليبيرالية، يوسع المجال على اليسار أمام الحزب الشيوعي الماوي. وقد تضاعفت خلال هذا الصيف اعمال خرق وقف اطلاق النار، من الخطر على المنظمات غير الحكومية الأميركية الى التجنيد الاجباري الى تصفية "المخبرين" الى تبادل اطلاق النار بين الجيش والمتمردين وحتى الى محاولة اغتيال رئيس وزراء سابق. واثناء المفاوضات، وبينما كان الجيش الذي تعيد واشنطن بناءه، يضغط على الحكومة كي تحد من تنازلاتها(10)، وجه الثوار انذارات نهائية لم يتمسكوا بها، فهم حتى قبل سقوط الهدنة كانوا يستعدون لمعارك ضارية. وبحسب احد المصادر الطبية في وقتها فانهم كانوا "يتمونون بالمورفين لمعالجة الجرحى". اما القصر الملكي فكان من جهته يتوقع الأسوأ، ففي اوسط آب/اغسطس تقدم 27 من أفراد العائلة المالكة بطلبات فيزا الى أوروبا. ويبقى كل فريق مقتنعاً بقدرته على سحق خصمه. فالجيش الملكي يراهن من جهته على الدعم الأميركي وعلى عزلة الشيوعيين عالمياً، بينما يقدر الثوار أن من شأن حالات الفشل الأميركي في العراق وأفغانستان أن يبعد اي خطر بتدخل مباشر من البنتاغون في حملايا. كما انهم يراهنون على "مناعة " استراتيجيتهم في تطويق المدن. فمن الناحية التكتيكية لا يعتبر وادي كاتماندو حصيناً، فيكفي الاستيلاء على طريقين وعلى المطار وخزان بنزين لكي تسقط العاصمة وبالتالي البلاد بأكملها. في 29 آب/أغسطس تظاهر في كاتماندو حوالى 000 10 آلاف شخص لحض الماويين والحكومة على استئناف المفاوضات. لكن ان يكون الشعب معترضاً على استئناف القتال فهذا من آخر هموم "الطليعة البروليتارية المتنورة" كما الجيش الملكي وحلفائه في واشنطن.
--------------------------------------------------------------------------------
*صحافي.
[1] اقرأ:
Jean-Luc Racine, "Au Népal, les maoïstes gagnent du terrain", Le Monde diplomatique, juillet 2003.
[2] راجع على الانترنت: www.insec.org.np
[3] في العام 2001 كان 4 في المئة من النيباليين أساساً يرغبون في حل عسكري للنزاع. راجع:
State of Nepal, Kanak Dixit & Shastri Ramachandaran, éditions Himal book, Latitpur, Népal, 2003.
[4] وردت في صحيفة "ذو هملاين"، كاتماندو، في 6/8/2003.
[5] المصدر السابق: State of Nepal, op.cit ومن حوار مع موظفين في البنك الآسيوي للتنمية.
[6] المصدر المذكور آنفاً: State of Nepal
[7] في الأول من حزيران/يونيو عام 2001 وأثناء تناول طعام العشاء، اغتال ولي العهد ديبندرا العائلة المالكة ثم انتحر. وقد عزا الشارع ذلك الى مؤامرة مدبرة من جياندرا، الشقيق المتهم للملك القتيل بيرندرا من اجل الاستيلاء على السلطة.
[8] اقرأ:
"Un monde à gagner", revue, en Français, des maoïstes du Mouvement révolutionnaire international: www.awtw.org/french/mri/index.htm
[9] من تقرير صادر في العام 2003 عن المنظمة غير الحكومية للدفاع عن حقوق الانسان "INSEC" في كاتماندو.
[10] اقرأ:
Steven C. Baker, universitaire conservateur du Center for Security Policy, Frontpage, Los Angeles, juillet 2003 (www.frontpagemag.com/Articles/ReadArticle.asp?ID=9090)
ويعتقد المؤلف أن قيام نظام شيوعي في النيبال سيحولها كوريا شمالية أخرى وحتى قاعدة محتملة لتنظيم القاعدة.
جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم