|
عكس القاعدة
عبد علي عوض
الحوار المتمدن-العدد: 2117 - 2007 / 12 / 2 - 11:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما ننظر الى قواعد اللعبة الديمقراطية و مساراتها العامة في الدول ذات الأنظمة والتشريعات المتطورة ، التي تعمل جاهدةً على صيانة أسس تلك المسارات و دون المساس بها ، بحيث أصبحت شواخص حضارية مقدّسة ، بالرغم من أنّ الكثير من مجتمعات تلك البلدان لاتمتلك جذور حضارية عريقة ، لكنها عوضَت ذلك من خلال سَن القوانين التي أصبحَت مثالاً يُحتَذى به ، لكونها لم تقتصرفي الدفاع عن قدسية الإنسان ، و إنما تعدتها الى الحفاظ على كل ما له علاقة بالإنسان على الأرض والكون . ففي مجال الإنتخابات البرلمانية والسلطة التنفيذية ، تسعى مختلف الأحزاب السياسية ومن خلال برامجها الإنتخابية المُعلَنة إلى الترشيح و عن طريق الدعم المالي الواسع ، والذي قد يصل إلى مبالغ خيالية أحياناً من قِبل مؤسسات مالية و صناعية و تجارية و إعلامية ، شريطة أنْ تَتَسم تلك المؤسسات يمراعاتها للقوانين ، و ألاّ تشوب نشاطها أية شائبة ، تجعلها واقعة تحت طائلة القانون و بالتالي تؤثر على السمعة الجماهيرية لذلك الحزب الذي دعمته . وعندما يصل أي حزب الى سدّة الحكم ، فإنه يعمل جاهداً على مراعاة القوانين و تطبيقها بوضوح دون التجاوز عليها . وبهذا النهج مع تلبيته لحاجات المجتمع ، يستطيع و بثقة عالية أن يخوض الحملات الإنتخابية اللاحقة ويفوز بها ثمّ الإستمرار بالسلطة . و إنْ حصَلَت بعض الخروقات تصل لحد الفضائح ، فإن قيادة ذلك الحزب تعلن إستقالتها ، إحتراماً لمشاعرالناخبين خاصةً والشعب عامةً . والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، فضيحة وزير الدفاع البريطاني في الستينات مع المغنية البريطانية ( كريستين كيلر ) ، فضيحة ووترغيت و إستقالة نيكسون ، إستقالة رئيس وزراء كوريا الجنوبية بسبب الفضائح المالية والذي ظهر يبكي أمام وسائل الإعلام ، إنتحار وزير الزراعة الياباني والذي أدى إلى إستقالة رئيس وزراء اليابان .. والقائمة تطول . وهذا كله يبرهن أنّ سمعة الحزب و رصيده بين الجماهير هي أغلى من السلطة السياسية . إذا خسِر الحزب جماهيره فلن يستطيع العودة ثانيةً إلى ممارسة نشاطه ، بسبب الرفض الشعبي له . أما السلطة فهي موجودة و بالإمكان الوصول إليها من جديد بالطرق القانونية الديمقراطية الصحيحة . أما ما يحدث في البلدان ذات الأنظمة المتخلفة والدكتاتورية فهو عكس ذلك تماماً . إذ تتم عملية الوصول الى السلطة بالقوة ، وهي كوسيلة لبلوغ الهدف المتمَثل بالسيطرة على الموارد الإقتصادية و التحكم بها لصالح الطغمة الحاكمة خارج سلطة القانون . وما يجري في العراق ، هو أنّ الأحزاب الإسلامية المسيطرة على الدولة ، وجَدَت نفسها في مأزق ، إذ أنها تعودت على حل المشاكل التي تواجهها بإحدى طريقتين ، أما من خلال فوهة البندقية أو عن طريق الخُطَبْ و المواعظ الدينية ، وهاتان الطريقتان لا تتماشيان مع مفاهيم و مباديء الديمقراطية . فمن أجل عدم فقدان السلطة وهي ( كوسيلة ) والتحكم بموارد البلد المالية وهي ( الغاية ) ، بَدأت تُطرح مفاهيم غريبة جديدة ، ويصرح بها بعض القياديين من أجل الإلتفاف على العملية الديمقراطية والإستحواذ على ناصية الحكم . فنائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي يدعو الى الفوضى الإقتصادية وتحت شعار ( الإقتصاد الحر ) ، وقائد منظمة بدر هادي العامري يقول بانّ حكومة التكنوقراط هي ليست حلاً للمشكلة . إنّ هذه الطروحات جاءت نتيجة إخفاقات الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في كافة المجالات ، و مطالبة الشعب بضرورة تسلّم التكنوقراط زمام إدارة الدولة من أجل الخروج بها من مآزق الفساد والجريمة والتخريب المتَعَمَد ، ومنع تداخل السلطات الثلاثة وتجاوزها بعضها على بعض . نعم إنّ تلك التصريحات متوَقَعة ، لأنّ الأحزاب الإسلامية لا تضم في صفوفها الأكاديميين ذوي الإختصاصات العلمية العالية ، وإنْ تواجدوا ، فإنهم القلّة القليلة ، وقد أثبَتت التجربة العملية أنّ أداءهم كان ولا يزال محكوم بقرارات ومخططات أحزابهم وليس بمهنية الإختصاص . السؤال الأخير : هو متى تغيّر تلك الأحزاب مفاهيمها و تجعل الوصول الى السلطة بالأساليب الديمقراطية كوسيلة من أجل تحقيق الهدف النهائي ألا وهو بناء البلد وتسخير موارده المالية لرفاهية الشعب و إزدهاره .
#عبد_علي_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بضمادة على أذنه.. شاهد أول ظهور لترامب بعد محاولة اغتياله وس
...
-
بلينكن يعرب لمسؤولين إسرائيليين عن -قلق بلاده العميق- بعد غا
...
-
الجيش الأمريكي: الحوثيون هاجموا سفينة تملكها إسرائيل في البح
...
-
نتنياهو أمر الجيش بعدم تسجيل مناقشات جرت -تحت الأرض- في الأي
...
-
فرنسا دخلت في مأزق سياسي
-
القوات الجوية الأمريكية ستحصل على مقاتلات -خام-
-
7 أطعمة غنية بالألياف تعزز فقدان الوزن
-
مرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس.. كيف ينظر إلى الحرب بغزة؟
-
ناسا تنشر صورة لجسم فضائي غير عادي
-
الدفاع الروسية: إسقاط 13 مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة في عدة
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|