أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الفارق الجسيم














المزيد.....

الفارق الجسيم


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 649 - 2003 / 11 / 11 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


قادتني المصادفات البحثية، التي تسفر غالباً عن مفاجآت سعيدة، إلى الوقوع على نصّ نثري قصير للروائي الأمريكي الشهير إرنست همنغواي (1899 ـ 1961)، بعنوان "عن الموتى الأمريكيين في إسبانيا"، يعود إلى سنة 1939. وهذا النصّ الوجداني الفاتن، الأقرب إلى قصيدة نثر في الواقع، يرثي 750 من شهداء "لواء لنكولن" Lincoln Brigade، كانوا في عداد 2800 متطوّع أمريكي قدموا من الولايات المتحدة للقتال إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، التي بدأت سنة 1936 وانتهت في تشرين الثاني 1938، وذكراها الـ 65 تمرّ هذه الأيام بالذات.
وكان أفراد ذلك اللواء يمثّلون موشوراً عريضاً يضمّ مختلف شرائح المجتمع الأمريكي، من مختلف المناطق والولايات: بحّارة، طلاّب، عاطلون عن العمل، عمّال مناجم، أساتذة، عمّال فراء، حطّابون، باعة متجولون، رياضيون، راقصون، أدباء، فنّانون... وشكّل هؤلاء أوّل مفرزة قتالية يسارية ـ راديكالية في تاريخ الولايات المتحدة، كما سجّلوا سابقة أولى في التاريخ الأمريكي حين عهدوا بقيادة اللواء إلى أمريكي أسود. وإلى جانب المساعدة العسكرية المباشرة التي قدّموها للقوّات الجمهورية الإسبانية، في جبهة العاصمة مدريد تحديداً، ساهم "لواء لنكولن" في تطوير جبهة عريضة مناهضة للفاشية داخل الولايات المتحدة نفسها.
وخلال الخمسينيات، وضمن سياق المكارثية التي أطلقت ما سيُعرف في التاريخ الأمريكي الحديث باسم "هستيريا العداء للشيوعية"، تعرّض أفراد "لواء لنكولن" إلى حملة تنكيل منظمة شنّتها أجهزة مكتب التحقيقات الفيديرالي، وشملت سلسلة إجراءات زجرية شديدة بينها المحاكمة والتوقيف والطرد من الوظائف. وكان هذا جزاء وفاقاً لمجموعة من أنبل النفوس، ممّن أعطوا بُعداً مختلفاً تماماً للشخصية الأمريكية، وكانوا بمثابة روّاد في إقناع البشرية بأنّ الأمريكي يمكن أن يكون أفضل بكثير من تمثيلاته المألوفة الراسخة في الوجدان الكوني: الكاوبوي، عضو المنظمات العنصرية من نوع "كو كوكس كلان"، أو صانع القنبلة النووية...
ونتذكّر اليوم أنّ تلك الكتائب الأممية التي قاتلت إلى جانب الجمهوريين الإسبان ضمّت أكثر من 40 ألف متطوّع، جاؤوا من 53 بلداً (بينها مصر والمغرب!) للمشاركة في حرب لاحَ أنها ــ لمرّة واحدة على الأقلّ ــ ذات معنى بالنسبة إلى الشعوب التي تدفع عادة أثمان الحروب، وليس بالنسبة إلى القوى الحاكمة التي اعتادت جني ثمار الحروب. "العالم آنذاك كان مرسوماً بالأسود والأبيض فقط، وكانت القضايا واضحة كحدّ الشفرة، وكان الشعور بالتعاضد الجماعي وافراً، وكان الناس يهتمون بأنفسهم كما في أيامنا هذه، ولكنهم كانوا يهتمون بأوجاع الآخرين أيضاً"، يقول الأمريكي إيب أوشروف (89 سنة) مستعيداً تلك الدوافع الذي ساقته إلى الإنخراط في صفوف "لواء لنكولن".
"إنها حرب الخونة والمائعين واللواطيين"، صرخ الشاعر البريطاني اليميني روي كامبل، غامزاً بصفة خاصة من قناة الشاعر الإسباني فدريكو غارسيا لوركا، الذي كان بين أوائل الأدباء والفنّانين ضحايا الفاشية الإسبانية. "إنها حرب الشعراء"، قال العشرات من فقهاء الليبرالية الغربية، الذين لم يجدوا وسيلة ثانية لمداراة ما انتابهم من حرج شديد وهم يتناقلون أسماء المنخرطين في صفّ الجمهورية: رفائيل ألبيرتي، أنطونيو ماشادو، ميغيل هرنانديز، غارسيا لوركا، بابلو بيكاسو، خوان ميرو، بابلو نيرودا، أوكتافيو باث، ألكسي تولستوي، إرنست همنغواي، بول روبسون، أندريه مالرو، سانت ـ إكزوبيري، ستيفن سبندر، لويس ماكنيس، و. هـ. أودن، جورج أورويل، كريستوفر سانت جون سبريغ (سيوقّع باسم كريستوفر كودويل كتاب "الوهم والواقع"، الذي يُعدّ أوّل إسهام معمّق في صياغة علم جمال ماركسي حول مفهوم الشعر)، والعشرات سوى هؤلاء. أكثر من ذلك، أعطتنا هذه التجربة الفريدة عدداً من أثمن الأعمال الإبداعية حول الحرب والسلام والحرية والتعاضد الأممي، مثل قصيدة أودن "إسبانيا"، ونصّ أورويل "تحية إلى كاتالونيا"، ورواية همنغواي "لمن يُقرع الجرس"، ورواية مالرو "أيام الأمل"، فضلاً عن لوحة بيكاسو الأشهر "غيرنيكا".
وأعود إلى مقطع من نصّ همنغواي، يقول فيه: "موتانا جزء من تراب إسبانيا اليوم، وتراب إسبانيا لا يموت. وكما أنّ الأرض لا تموت، فإنّ أولئك الذين استردّوا الحرّية لن يعودوا أبداً إلى العبودية (...) أمواتنا يحيون في قلوب الفلاّحين الإسبان، والعمّال الإسبان، وكلّ الشرفاء البسطاء الذين آمنوا بالجمهورية الإسبانية، وقاتلوا من أجلها. وما دام أمواتنا أحياء في التراب الإسباني، وسيحيون ما حييت الأرض، فإنّ أيّ نظام استبدادي لن يسود أبداً في إسبانيا (...) والذين طواهم الثرى بشرف، ولا شرف أرفع من ذاك الذي قاد أمواتنا إلى الثرى، أولئك هم أهل الخلود".
أيمكن لتلك الـ "أمريكا" أن تشبه هذه الـ "أمريكا" المعاصرة، التي استمعنا قبل أيّام إلى رئيسها وهو يتشدّق زوراً وبهتاناً بالديمقراطية؟ أليس الفارق جسيماً... جسيماً؟
 



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي هامش الدعوة إلى تأسيس حزب ينفي عروبة مصرفكر اصطفائي شوفي ...
- المرتدّ الضحية
- التابعيات العربية في واشنطن: صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون!
- ج. م. كويتزي والصمت الذي ينطق عن التواريخ
- صحبة مهاتير محمد
- الشيخ حسن الترابي طليقاً: هل ينفتح القمقم؟
- الوقوف خلف النفس
- حكمة الشيشان التي تُبقي موسكو في قلب اللهيب
- الاستماع والإقناع
- ينطوي على حال دائمة من المناورة بين سِراطين مستقيمين: السبيل ...
- أحزان وأحقاد
- بعد تحليق طويل في التواريخ واللغات والثقافات: رحيل -الفلسطين ...
- الوزارة السورية الجديدة: هل يُصلح العطّار ما أفسد الدهر؟
- ضمير من عصرنا
- تهتدي بالبربرية النازية أكثر ممّا تستعيد حلم تيودور هرتزل: ا ...
- مهرجانات
- غيفارا وجورج وسوف
- العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية وبؤس الموقف الرسمي العربي
- أفغان العالم يتوافدون إليه خفافاً وثقالاً: العراق بوصفه مستن ...
- محمود عباس أمام انكشاف الجوهر الحقيقي للصراع


المزيد.....




- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الفارق الجسيم