|
رهانات فاضحة بلا نهايات واضحة
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يمكن لأي مراقب أو محلل متمكّن أن يحدد طبيعة الاستراتيجية الأميركية التي تزداد خطورة وغموضاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، بل وتسجل المؤرخة كاثرين بيرك في كتابها الجديد (من عالم قديم إلى عالم جديد) بعض النتائج المهمة التي كان يدركها الساسة الانجليز منذ خمسين سنة. ولماذا تتصف السياسة الأميركية دوما بالغموض وعدم الكشف عما تريده وترسم له وتخطط من اجله، اعتقد أنها حالة طبيعية لأي دولة كبرى مثلها وعلى غرار من سبقها من الامبراطوريات، ولكن ثمة إجماعا على أنها بدأت هكذا منذ نهايات القرن 18 وحرب الاستقلال والثورة الأميركية حتى امتدادها نحو العراق والشرق الأوسط في بدايات القرن الواحد والعشرين!. دعوني أسجّل ملاحظاتي على تصريحات الجنرال ريكاردو سانشيز القائد السابق للقوات الأميركية في العراق عندما رسم ـ مؤخراً ـ صورة قاتمة لأوضاع العراق، ولكن في الوقت نفسه نقرأ تصريحات مخالفة لما وجهه سانشيز من انتقادات حادة لاستراتيجية الإدارة الأميركية في غزو العراق واحتلاله، اذ وصف المهمة الأميركية في العراق بأنها (كابوس لا نهاية واضحة له). ولا ادري ان كانت له مصداقيته عندما يقول بأن ( السبب هو الأخطاء السياسية التي ارتكبت واستمرت بعد إسقاط النظام السابق في العراق ). كما وصف قادة سياسيين أميركيين (بضعف الكفاءة والفساد). وانهم كانوا سيواجهون محاكمة عسكرية بتهمة (التقصير في أداء الواجب) لو كانوا يعملون في صفوف الجيش. ويخلص بالقول: ان أفضل ما تستطيع القوات الأميركية القيام به في الوقت الراهن هو (ان تتجنب الهزيمة). ان من السذاجة بمكان الاقتناع بتصريحات كهذه، اذ نعلم ان الأميركيين قد عرفوا أكثر من أي آخرين بالحفاظ على مصالحهم القومية ومنظومتهم الاقتصادية والإدارية مهما كان الثمن، فالنظام الأميركي ماكينة تعمل من تلقاء نفسها، وتعرف ليس ما تريده فقط، بل ما تخطط له لسنوات قادمة، أنها ليست من السذاجة بمكان أبدا. بحيث ترتكب أخطاء جسيمة لا تحاول تصويبها، بل ولا تراجع نفسها في تعديل سياساتها في العراق خصوصا بعد مضي قرابة خمس سنوات لهيمنتها عليه. فما هي أخطاؤها في نظر الجنرال المتقاعد سانشيز؟ وهو الذي قاد قوات التحالف لمدة عام ابتداء من 2003، فلقد عّبر عن تشاؤمه حيال الوضع في العراق، بالقول: إن ما يحدث فيه هو نتيجة أخطاء عسكرية ساعدت في ظهور وصعود التمرد المسلح. ومن ابرز تلك الأخطاء حل المؤسسة العسكرية، والفشل في ترسيخ وتقوية العلاقات مع زعماء القبائل، وعدم الإسراع في إقامة حكومة مدنية عقب السقوط، معتبرا الاستراتيجيات الحالية، وبضمنها خطة زيادة القوات بمعدل 30 ألف جندي والتي شرع في تطبيقها في وقت سابق من العام الحالي، أنها (محاولة يائسة) لإصلاح الأخطاء التي وقعت في السنوات السابقة بفعل السياسات المضللة. وانتقد شانشيز بشدة السياسات لعامة للبيت الأبيض، وغياب القيادة القادرة على معارضة تلك السياسات في وزارة الدفاع (البنتاغون). لا احد ينكر تلك الأخطاء ، ولكن أهي أخطاء عفوية أم مقصودة؟ لو افترضناها عفوية، فلقد لاحت في الأفق في الساعات الأولى للسقوط مدى أهمية صناعة الفوضى في العراق، ومدى القدرة على التشهير بأحداث معينة والتعتيم على أخرى، ومدى التراخي في ممارسة المسؤولية في الداخل وخصوصا بإبعاد القوى والعناصر العراقية الكفء لإدارة الشأن العراقي. والقدرة الاعلامية والسياسية الفتاكة التي قسمّت المجتمع إلى تكوينات قومية وشراذم طائفية وزرع هذا الاسفين في قعر العراق، والتبشير بعملية سياسية لا تخدم مستقبل العراق بصناعة قوى وميليشيات وجماعات متصارعة. وإبقاء الحدود مع دول الاقليم مفتوحة من دون أي مساءلة، وحماية وزارة النفط العراقية فقط من دون الوزارات الأخرى، الخ ان العالم سيكتشف يوما ان هكذا (أخطاء) هي التي أصرت الولايات المتحدة على ممارستها ولا تزال تمارسها حتى الآن من دون اي تبديل أساسي او بدائل أخرى، ويصف سانشيز الأوضاع الحالية في العراق بمنتهى القتامة، قائلا ان القوات الأميركية وجدت نفسها في حالة مقيدة، وان أميركا لا خيار أمامها سوى الاستمرار في جهودها في العراق. وردا على تصريحاته، فلقد قيل له ان العراق يحرز تقدما. كما جاء على لسان بتريوس والسفير كروكر، علينا ان لا نعتقد بأن الإدارة الأميركية فقدت قدرتها في السيطرة على انفعالاتها، وانها لم تعد قادرةً على ضبط سلوكها السياسي العام؟ وان كل ما يقال عنها لا أساس له من الصحة. فهي مدركة لكل دقائق الأمور وان خططها بعيدة المدى وأنها مقتصدة في البقاء ضمن استراتيجيتها التي رسمتها للعراق (وربما للشرق الأوسط ). ويمكنني القول، ان منطقتنا ستشهد جملة مفاجآت وأحداث، وخصوصا في العراق، وستتطور الأحداث ضمن خطط مرسومة ووقائع معلومة اندفاعا نحو الانتخابات الأميركية التي ستكون نقطة فاصلة بين مرحلتين، ان الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في أميركا سيحدد مصير العراق لمرحلة قادمة تكثر اليوم عنها كل التكهنات. نخلص إلى ان الأميركيين غير مستعدين للتنازل عن استراتيجيتهم جمهوريين كانوا ام ديمقراطيين، وازعم، ان ما يحدث في العراق هو بداية لما سيحدث في المنطقة عموما، اذ لا يمكن لأميركا ان تتخلى أبداً عن قوتها وسمعتها ومصدر حيويتها. وان أهم بقعة تعد مصدراً أساسياً للطاقة في القرن الواحد والعشرين، وستبقى الإدارة بهذه أو تلك مصرة على مواصلة نهج اتبعته منذ اللحظة التاريخية الأولى وأدى إلى إثارة عواصف سياسية دولية وإقليمية اعتراضاً على خطوات اعتبرت انقلابية على نهج استراتيجيات وسياسات اتبعت في القرن العشرين وخصوصا أيام «الحرب الباردة». فهل لنا القدرة على استكشاف غموض السياسة الأميركية؟ انني لا أعتقد ذلك!.
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسألة الاقليمية وخطورة الحزام الشمالي !
-
أنابوليس محطة صراع للشرق الاوسط !
-
- الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا
...
-
بنازير امرأة تقف بوجه الاعصار
-
- الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا
...
-
- الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا
...
-
الملك فاروق الاول : ملاحظات تاريخية
-
مشروع بايدن: تمزيق العراق لا تقسيمه !
-
المسلسلات التلفزيونية : موديل طفيلي جديد !!
-
انقسام لبنان (من ضمن صراعات المنطقة)... هل هو الثمن؟
-
العراق رواندا جديدة ؟
-
تيار المحافظين الجدد : الانتظار ام الاحتضار !
-
تغيير النهج ام تبديل الوجوه ؟؟
-
معضلة وطن ام مشكلة انسان ؟؟
-
ستبقى تركيا حاضنة للمبادئ الكمالية !
-
هل تنجح الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية ؟
-
نداء من اجل حماية ذاكرة العراق !
-
من الأمامْ سِرْ .. الى الوََراء دُرْ .. !؟
-
المُؤرّخُ محترفََ سياسة ! رؤيةٌ مِهََنيِّةٌ لواقعِ الكتاباتِ
...
-
اللقاء الأميركي - الإيراني الثاني: العراقيون آخر من يعلم!
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|