تقديم
هذا ملف يضم بعض المقالات والمقابلات التي تسلط الضوء على واقع الانتخابات البرازيلية التي أتت بالرئيس العمالي الحالي للبرازيل لويس إيناسيو دا سيلفا المعروف بلولا، كما على التنازلات الكبرى التي قدمها لولا وجناح الأغلبية في حزبه (حزب العمال) لليمين النيوليبرالي البرازيلي وللمؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وهي تنازلات تمثل تراجعاً لافتاً عن برنامج الحزب التاريخي الداعي إلى قيام ديمقراطية اشتراكية حقيقية في البرازيل، وتشكل خطراً على مستقبل اليسار وتطلعاته في أميركا اللاتينية ككل، إذا لم تحصل تعبئة كافية لحركة الجماهير، ولا سيما من جانب اليسار الثوري البرازيلي، بشتى قواه وتجمعاته، بحيث تجبر لولا وحكومته على إعادة النظر في مسارهما اليميني والاستجابة، على العكس، لتطلعات أوسع الجماهير المفقرة والكادحة والمهمشة في بلد الـ 170 مليوناً الذين، غالبيتهم الساحقة من ذوي المصلحة في تغيير ثوري حقيقي. ونحن إذ ننشر هذا الملف، نوجِّه تحيتنا وشكرنا إلى الرفاق في المغرب الذين بادروا إلى ترجمة نصوص هذا الملف وإعداده للنشر.
التجمع الشيوعي الثوري
- لبنان-
الانتخابات الرئاسية في البرازيل
فوز لولا
تم انتخاب مرشح حزب العمال لولا في الانتخابات الرئاسية، بنسبة %62 من الأصوات .
فاز لولا مرشح حزب العمال، عقب حملة انتخابية إجماعية بشكل بالغ (انظر Rouge عدد 1987).
وبينما تتسع موجة حمراء وسط جماهير عبأتها القاعدة المناضلة لحزب العمال، توجهت قيادة حملة حزب العمال إلى مختلف قطاعات البرجوازية بقصد حفز انضمامها.
يسعى مناضلو حزب العمال ليفرضوا على الجماهير وعلى وسائل الإعلام، بشكل رمزي، اللون الأحمر في المظاهرات وفي شوارع المدن البرازيلية الرئيسية: الكل يحمل اقمصة واعلام ومناديل وأشياء أخرى حمراء رسم عليها شكل بسيط اصفر أو ابيض يتمثل في نجمة حزب العمال. الكل محاط بأغاني الحملة ذات إيقاع السامبا الشبق المرافقة لمئات آلاف الأشخاص الذين يرقصون برشاقة وفرح في الشوارع. هذه الأغاني التي تتكلم عن التغيير لكي يصبح الإنسان سعيدا وعن الحب والحنان ...
وبشكل مواز، أرسلت قيادة حملة لولا إلى حوالي 51000 رجل أعمال "مجموعة تركيبية" kit فاخرة، تتشكل من علبة حمراء تحتوي على فيلم من نوع DVD، ووثائق الحملة، الـخ.
بدأ الدور الثاني بانضمام المرشحين الاثنين اللذين انهزما في الاقتراع الأول. واستمر بإعلان مجموعة من الشخصيات المنتمية لأحزاب سياسية محافظة، ولا سيما قطاعات حزب الجبهة الليبرالية، ومائة وعشرين قائد (زعيم) من الكنيسة البروتستانتية، عن دعمهم للولا. إن السبب الذي دفعهم لاتخاذ هذا الموقف هو واقع أن الحزب يدافع عن إلغاء ضرائب الكنيسة وضرائب معلوف Maluf عمدة ساو باولو Sao Paulo السابق، المعروف بالاختلاس الفاضح للأموال العمومية.
يؤيد لولا "المتفتح" اكثر فاكثر بعض اهتمامات أرباب العمل بتأكيده انه ينبغي على قانون الشغل البرازيلي أن يتكيف مع المقاولات الصغرى والمتوسطة، وانه لن يتم إلغاء ولا وقف المفاوضات التي بدأتها الحكومة السابقة، لا سيما المفاوضات المتعلقة بالاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي. وحتى يضمن استمرارية حكومته، فان الرئيس السابق الماهر، فرناندو هينريك كاردوسو Fernando Henrique Cardoso، اصدر مرسوما في منتصف أكتوبر يجبر خليفته على الموافقة على "ميثاق انتقالي" يجعله في الواقع تحت وصاية صندوق النقد الدولي.
خرج حزب العمال معززا، بحصوله على 91 نائبا فدراليا و14 عضوا بمجلس الشيوخ، ويرتكز على ميزان قوى لم يسبق له أبدا أن حصل عليه في البرلمان .
لقد لعب لولا و قيادة حزب العمال ورقة التنازلات والتحالفات الطبقية، التي يصفها الرئيس الجديد نفسه بـ "تحالف وطني"، كي يحصلوا على أغلبية برلمانية. وبالرغم من هذا الاختيار، فان حزب العمال لم يحصل على هذه الأغلبية. ويتمثل الطرف الآخر في ممارسة الحكم دون أغلبية برلمانية ثابتة، بالاعتماد على التعبئة العمالية.
صوت 115 مليون ناخبا ضد الوضعية الاقتصادية المزرية اكثر مما صوتوا من اجل برنامج بديل. حصل لولا على نسبة %62 من الأصوات، باثنين وخمسين مليون ناخب. انه حدث تاريخي !
من البرازيل ، خواو ماشادو (قيادة الديمقراطية الاشتراكية) و ساندرا ويتاكير .
Rouge عدد 1990 31/10/2002
=========================================================
تحليل حركة العمال القرويين دون ارض للوضع السياسي اثر فوز لولا
عناصر للتفكير في الظرفية السياسية الوطنية
اولا: نصر
1. ثمة نصر سياسي – انتخابي للقوات الشعبية .
2. صوَّت الشعب لصالح التغيير. لكنه يظل غير مسيس ولم تكن ثمة مشاركة حماسية.
3. لم يتطابق النصر الانتخابي مع صعود الحركة الجماهيرية وكان نتيجة فشل النموذج الاقتصادي الذي تبنته النخب (الطبقات السائدة).
4. ستؤدي التحالفات والشكل الذي اكتسته المعركة الانتخابية إلى حكومة يسار وسط.
ثانيا: نظرة شاملة
1. أوصل النموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي اخضع اقتصادنا للرأسمال الأجنبي في تناقضاته الخاصة.
2. لكن النموذج خلق فخين: التبعية للخارج والهشاشة الاقتصادية بوجه المضاربة المالية والنقدية وتبعية الميزانية العمومية إزاء الدين الداخلي.
3. نتجه في المدى القريب نحو تعمق الأزمة الاقتصادية.
ثالثا: آفاق
1. سيواصل الرأسمال الكبير الضغط لمنع التغييرات البنيوية والهامة. وسيواصل اقتراح حل وحيد هو منطقة التبادل الحر بالقارة الأمريكية والمنظمة العالمية للتجارة والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي أي اندماجا اكبر وتبعية للرأسمال العالمي.
2. سيطالب اليمين (وصحافته) الذي انضم إلى حكومة لولا بمراقبة القطاعات الجذرية في حزب العمال ومحاربتها.
3. الحكومة الجديدة ستكون حكومة صراعات وتوترات في سياق مطبوع بالأزمة.
4. ستجر الحكومة إلى التفاوض بشكل مستمر. وباسم القابلية للحكم سيكون اقتراح قطاعات الغالبية بالحزب هو التشاور (الميثاق الاجتماعي) متخلية عن الحقوق التاريخية للعمال.
5. اليسار بوجه عام والقوات الشعبية توجد في وضع مشتت وغير منظم، لسنا في إطار صعود حركة جماهيرية.
6. النضال المعزول دون تعبئة جماهيرية قد يؤدي إلى عزلة سياسية.
رابعا: تحديات بوجه القوى الشعبية
1. وجوب إنتاج مادة تربوية من كل نوع قصد رفع المستوى السياسي للجماهير (أهمية جريدة سياسية وطنية).
2. تكثيف تكوين الكوادر.
3. تطوير الوحدة الشعبية لتفادي العصبوية والانعزال بحيث يكون أساسيا بناء حركة شعبية انطلاقا من اللجان ضد منطقة التبادل الحر بالقارة الأمريكية بما هو عامل وحدة بين كافة القوى.
4. من الضروري، لأجل حفز الحركة الجماهيرية، رغم أن صعودها لا يتوقف فقط على الإرادة السياسية، استعمال البيداغوجية الجماهيرية بشكل خلاق دون السقوط في «ضد كل شيء» لكن أيضا دون توهم أن كل شيء سيجد حلا حاليا.
traduction lagauche
tiré du site rebelión
حكومة لولا : هل ستغـيِّـر أم ستغـيَّـر ؟
ودري شارل أندري
سيتقلد لويس إيناسيو لولا دي سيلفا رسميا وظيفته كرئيس للبرازيل في فاتح يناير 2003. لكن منذ بداية خريف 2002، أقامت المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وكذلك قطاعات البرجوازية التي يمثلها الرئيس السابق فيرناندو اينريكي كاردوسو، آلية تسعى إلى أقصى تقليص لـ« حرية عمل» حكومة مقبلة بالبرازيل برئاسة لولا رمز حزب العمال. وقد جرى تقديم بروتوكول اتفاق مع صندوق النقد الدولي للمرشحين الرئيسيين إلى الانتخابات الرئاسية، ووقعوا عليه بما فيهم – أو خصوصا – لولا.
قامت قطاعات كبيرة من البرجوازية البرازيلية، بين دورتي الانتخابات الرئاسية، بمناورة للتقرب من « نواة حزب العمال الحكومية». لما بدا انتخاب لولا حتميا تحركت النخبة البرازيلية، سيرا على تقاليدها في المناورة، على صعيدين: من جهة الابتزاز بتقويض استقرار النظام المالي ( اقرأ: تهريب الرساميل من طرف كبار المضاربين البرازيليين والمنشآت متعددة القوميات وتكاثر إعلان احتمال التخلف عن دفع الدين البرازيلي...)، ومن جهة أخرى إجراء مفاوضات لتشكيل «حكومة انتقالية» تضمن عناصر استمرار قوية مع النموذج الاقتصادي الذي أُرسي بمناسبة ولايتي كاردوسو الرئاسيتين.
كان تعيين اينريكي كامبوس ميريلس، أول أمريكي لاتيني في رئاسة بنك دولي أمريكي، بنك بوسطن، بالبنك المركزي، يبعث «إشارة قوية للسوق» ( اقرأ: كان يقدم ضمانات لكبار المضاربين – الفاعلين الماليين) ويرسم إطارا يتعين على حكومة لولا المقبلة أن تتقيد به.
لولا و وزراؤه
قدم لولا يوم 23 ديسمبر2002 لائحة 25 وزيراً و8 كتاب دولة في حكومته. كان رد فعل صحف البرازيل سريعا. وهكذا شددت اليومية الكبيرة O Globo على كون وزيرين رئيسيين في حكومة لولا ساندا خوسيه سيرا المرشح إلى الرئاسة، وتلميذ فريديريك إينريكي كاردوسو، علاوة على انهما يمثلان قطاعات اقتصادية وازنة.
يتعلق الأمر أولا بلويس فيرناندو فورلان، الذي أسندت إليه حقيبة «التنمية والصناعة والتجارة الخارجية». إذ أنه شخص معروف بعلاقته الوطيدة بالرأسمال الدولي الكبير. وهو على رأس أكبر شركة مصدرة للدواجن والخنزير واللحم من البرازيل: وهي Sadia SA. وتملك هذه الأخيرة 12 مصنعا كبيرا بالبرازيل، في سبع ولايات. ويوجد فورلان في المجلس الإداري لأمرو بنك برازيل Amro Bank Brasil (البنك الهولندي الكبير متعدد القوميات). وهو مرتبط كذلك بجمعية منتجي السيارات. ونائب رئيس جمعية المصدرين البرازيليين وMercosur European Business Forum وهو عضو أيضا بـBrazil-USA Business Development Council وإدارة Latin American Entrepreneurs Council (CEAL en espagnol).
قام فورلان بتنشيط أحد النقاشات المهمة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير (WEF) الذي احتضنته ريو دي خانيرو في شهر نوفمبر 2002. ووضح فورلان طويلا، أمام جمعية صيارفة الأرجنتين، في أواخر 2001، أهمية تقوية المركوسور، في إطار اقتصاد «تجره الصادرات»، لأجل انتزاع موقع افضل لصالح برجوازيات أمريكا اللاتينية (وجلي أن الأسبقية في ذهنه لبرجوازية البرازيل) في المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية حول إقامة alca (منطقة التبادل الحر من كندا إلى باتاغونيا Patagonie). وفي هذا الإطار ينظر إلى العلاقات مع الاتحاد الأوربي.
وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في ريو دي خانيرو، أكد مجددا على أسبقية الحصول على انفتاحات لصالح منتجات البرازيل في إطار ALCA والمفاوضات مع المنظمة العالمية للتجارة. لا غرابة في الأمر، علما أن ساديا Sadia تصدر منتجاتها إلى ستين بلدا تقريبا وبرقم مبيعات يبلغ 700 مليون دولار سنة 2001.
وأشار فورلان في مقابلة مع المجلة البرازيلية Exame قائلا: «بما أن السوق الداخلية [البرازيلية] تظل منكمشة، فإن السبيل الوحيد للعودة إلى طريق النمو هي الصادرات». يبدو إذن أن وزير «التنمية والصناعة والتجارة الخارجية» هذا سوف يدافع دون شك عن قضية المصدرين الكبار المحليين والدوليين. يا له من برنامج انتقالي جدا بين نموذج فريديريك اينريكي كاردوسو و«نموذج فورلان».
الزراعة و... الإصلاح الزراعي
نجد إلى جانب فورلان، في وزارة الزراعة روبيرتو رودريغيز. إحدى الشخصيات البارزة في بنيات السياسة الزراعية البرازيلية. كان على رأس كل الهيئات المهتمة بالزراعة والصادرات الزراعية. نذكر منها الجمعية البرازيلية للأعمال الزراعية ABAG والشركة القروية البرازيلية SRB. وكان أيضا عضو المجلس النقدي الوطني CMN والمجلس الوطني للسياسة الزراعية والمجلس الوطني للتجارة الخارجية CONCEX والمجلس المنشآتي للمنافسة CEC. وكان كاتبا في إدارة الزراعة بولاية ساو باولو خلال حكومة لويس أنطونيو فلوري فيهو، المشهور بدرجة ضلوعه العالية في الفساد. وعلاوة على صفاته كمدرس، فان روبرتو رودريغيز ملاك عقاري كبير بمنطقة ريبراو بريتو (ولاية ساو باولو) وبمنطقة مارانهاو. ألح دوماً رودريغيز على دور الزراعة المصدر وعلى أهميتها في تكوين فوائض لميزان البرازيل التجاري.
وبجانب وزير من هذا القبيل عُين مسؤولا «للتنمية الزراعية» أي الإصلاح الزراعي عضو باليسار الرسمي لحزب العمال (تيار الديموقراطية الاشتراكية)، ميـغيل سولداتيلي روسيطو. وهو قائد نقابي كان انتخب نائبا فدراليا سنة 1996، ثم وجد نفسه، منذ نوفمبر 1998، في منصب نائب حاكم بولاية ريو غراندي دو سول في لائحة حزب العمال، التي كان على رأسها أوليفيو دورتا. حصل هذا الأخير كذلك على حقيبة وزير المدن في حكومة لولا. انهزم حزب العمال في انتخابات أواخر 2002، بولاية غراندي دي سول، ولكن يبدو أن بعض قادته قد يعيدون تأهيل أنفسهم على المستوى الفيدرالي مع قسم من مساعديهم بكل تأكيد. وليس بجديد، في التاريخ، أن تلازم المؤسسات.... اليسار كظله.
اعتبرت صحف البرازيل تزامن تعيين فورلان، ورودريغيز وروسيطو تعبيرا عن وجود «حكومة متعددة» مقبلة ببرازيل لولا. غير أن بعض الأسئلة تبرز منذ الآن. وفي الواقع من المفروض أن يقود وزير «التنمية الزراعية» روسيطو الإصلاح الزراعي. وللقيام بذلك، تبدو منطقية بما فيه الكفاية ضرورة ارتباطه بقطاعات الفلاحين الصغار والفلاحين عديمي الأرض، الذين تمثلهم حركات منها حركة العمال القرويين دون أرض MST. غير ان وزير الفلاحة رودريغيز كان صاحب اقتراح تبنته حكومة فريديريك إينريكي كاردوسو يطمح إلى منع الإصلاح الزراعي بالأراضي التي احتلها العمال والعاملات الزراعيين الذين تنظمهم حركة العمال القرويين دون ارض MST. وهذا أمر يدعو وزير الإصلاح الزراعي روسيطو إلى التفكير. لأن قانونا من ذلك القبيل يبدو إعلان الحرب على الفلاحين الفقراء بالبرازيل... الذين يفوق عددهم عدد كبار ملاكي الأراضي المصدرين الزراعيين.
وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية، عين لولا سيلزو لويس نونيس أمورين، سفير حكومة فريديريك إينريكي كاردوسو بلندن. وكان أيضا سفيرا بمنظمة الأمم المتحدة وفي هذا الإطار عضو لجنة مجلس الأمن. وهو ليس بقادم جديد.لأنه كان وزيرا للشؤون الخارجية بحكومة إتمار فرانكو خلال1993- 1994.
من المساومة إلى التخلي ؟
تشكل إرادة التغيير بوجه الكارثة الاجتماعية التي سببتها سياسة فريديريك اينريكي كاردوسو النيوليبرالية أساس فوز لولا الانتخابي. وسترتسم خلال الشهور القادمة – انطلاقا من جملة قرارات ملموسة متعلقة، ضمن مسائل أخرى، بالحد الأدنى للاجر والإصلاح الزراعي – مختلف الخيارات: السير نحو إصلاحات بنيوية مهمة (تركز الثروة وملكية الأرض والنموذج القائم على التصدير، ضمن مسائل أخرى)، أو هل تطبع المساومات مع المؤسسات المالية الدولية والمجموعات الكبرى الخاصة البرازيلية ومتعددة القوميات سياسة حكومة لولا؟
في هذا الإطار العام يطرح السؤال التالي على«يسار حزب العمال»: هل ينسجم تقلد «مناصب الثقة» (ثقة من؟) في الحكومة مع المشاركة الطليعية في التعبئة الاجتماعية؟ تشكل هذه الأخيرة الضمانة الوحيدة – في إطار المواجهات الاجتماعية الحتمية – للدفع بتغييرات حقيقية، أي الحصول على كرامة أساسية بالنسبة للأغلبية الواسعة من سكان البرازيل. لقد باتت «النواة الحكومية لحزب العمال» منخرطة في إحدى الطرق. أما «يسار حزب العمال» فهو في ملتقى طرق زلق. فمن الصعب جدا التحكم بالسير في منزلق، لا سيما عند افتقاد عجلات ملائمة وتحكم بالمقود.
Udry Charles-André ، 26 ديسمبر 2002
انعطاف الرئيس يمينا
بقلم جيمس بيتراس
باعتماد اغلب المقاييس الاقتصادية كان نظام كاردوسو أسوأ أنظمة القرن 20 والقرن 21 بالبرازيل. غير أن إحدى نتائج انهياره الإيجابية تمثلت بإحداث منعطف كبير للناخبين باتجاه اليسار. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر سنة 2002، حصل لويس إنياسيو «لولا» دا سيلفا، مرشح حزب العمال للانتخابات الرئاسية على رقم قياسي وصل إلى 52 مليون صوت، أي 61,4% أمام خوسيه سيرا PSDB، خلف كاردوسو، الذي حصل على 38,6%.
كان انتخاب لولا انعكاسا لظروف الاقتصاد البرازيلي المرعبة وللتطلعات الكبيرة لدى الطبقة الكادحة والفلاحين في أن تحقق هذه الحكومة إعادة تقسيم عميق للثروة والأرض، وأن تحسن الخدمات الاجتماعية، وأن تقدم إمكانيات فرص عمل ولكي تؤمم الصناعات الإستراتيجية.
ورغم واقع أن بعض قطاعات الطبقة الرأسمالية البرازيلية قد ساندت لولا، فإن المراقبين يعتبرون أن أكثر من 80% من الأصوات التي حصل عليها أصوات فقراء المناطق الحضرية والقروية الذين يأملون تحقيق تغييرات اجتماعية أساسية والقطيعة مع النموذج النيوليبرالي الحالي.
غير أن الرئيس الجديد لم يعد مرشح اليسار كما كان في السنوات الماضية. إذ أنه عين قبل الانتخابات نائبا له أحد أقطاب صناعة النسيج، خوسيه ألنكار، المنتمي لحزب يميني، وهو الحزب الليبرالي PL. ثم أقام تحالفات مع مجموعات إنجيلية ونقابات يمينية، مما أثار احتجاجات رجال الدين الكاثوليك التقدميين وكونفدرالية العمال (المركزية الوحيدة للعمال CUT). ووقع لولا كذلك على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعد فيه بمواصلة تسديد الدين، ونهج سياسة ضريبية متشددة وتحقيق فائض يعادل 3% في الميزانية التي سوف تخصص للالتزامات المتعلقة بالدين. ووافق أيضا على مواصلة المفاوضات حول منطقة التبادل الحر ببلدان أمريكا ZLÉA التي دفعت بها واشنطن ورفض تأييد تنظيم استفتاء لا شكلي حول ذلك الموضوع اقترحته الكنيسة والحركات الشعبية.
يقف برنامج لولا أساسا في المركز، مادام يتعهد بتخفيض سعر الفائدة بالنسبة للمستثمرين على قاعدة 1) التمييز بين الرأسمال «المنتج» والرأسمال «المضارباتي» و2) تمويل البرامج لكي يحصل الفقراء على ثلاث وجبات في اليوم و3) إصلاح برامج التعليم والصحة العمومية و4) حماية الصناعات المحلية و5) نهج برنامج إصلاح زراعي في أجل محدد.
إن انعطاف لولا باتجاه يمين الوسط أبعده عن برنامج تغييرات بنيوية لكن لا مفاجأة في ذلك . ففي المؤتمر الأخير لحزبه، كان أكثر من 75% من المندوبين من مهنيي الطبقة الوسطى والموظفين العموميين إلخ، و25% الباقية تضم نقابيين ومجموعة من قياديي الحركات الاجتماعية. قبل عشرين عاما، كان حزب العمال يرتكز على مندوبي المعامل، ومناضلي مدن القصدير، وحركات قروية و«الجماعات القاعدية» للكنيسة التقدمية.
ليس «انعطاف» لولا «باتجاه اليمين» مجرد انعكاس لتحول تكتيكي قصد كسب دعم انتخابي، بل أيضا انعكاس لتحول بنيوي داخلي في تركيبة حزب العمال.
ثانيا : شهدت بنيات الحزب الداخلية تغيرا عميقا. كان حزب العمال خلال سنواته الأولى مرتبطا مباشرة بالحركات الإجتماعية، ولكنه تغير في بداية سنوات 1990، وتحول إلى آلة انتخابية، منفصلة عن الحركات، أما أعضاؤه المنتخبون، سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الوطني، فقد كانوا مرتبطين بالبنيات المؤسسية.
بسبب هذا التحول، بدأت قدرة القاعدة الشعبية على التأثير في برنامج الحزب تقل باطراد ،وتحول الأعضاء المنتخبون تدريجيا إلى سياسيين عاديين، بل إن بعضهم قام بخوصصة الخدمات العامة ونسجوا تحالفات مع نخب عالم الأعمال.
كان تغير لولا مسبوقا بانعطاف العديد من الحكام والعمدات ومنتخبين آخرين محليين ينتمون لحزب العمال نحو اليمين. أشهر مثال هو أنطونيو بالوتشي، أحد أهم مخططي حملة لولا الانتخابية، الذي كان أول من عين في حكومة لولا (وزيرا للاقتصاد). لما كان بالوتشي عمدة بريبيرايو بريتوRibeirao Preto، بولاية ساو باولو، قام بخوصصة الماء وشركات التلفون البلدية وتحالف مع بارونات السكر ألد أعداء العمال القرويين. ويشكل دخول بالوتشي إلى البلدية سمة إضافية لقصور «إنعطافه إلى اليمين». فبعد سبع سنوات من الوظيفة، لم تعد المدينة تعالج سوى 17% من مياهها المستعملة، وتزايد معدل البطالة والجريمة وكذلك ساعات الانتظار في المستشفيات.
إن الإمكانيات المتاحة للولا لتحسين مستوى حياة فقراء البرازيل تحسينا جوهريا، وتمويل إصلاح زراعي وانعاش التشغيل والنمو الصناعي على نطاق واسع، محدودة جدا وذلك بفعل تحالفاته قبل الانتخابات والاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمها.
بادئ ذي بدء، تعني اتفاقيته مع صندوق النقد الدولي أنه سوف يتوفر على القليل جدا من الأموال بمجرد ما يدخر فائضا يعادل 3% من الميزانية لتسديد الدين العام.
ثانيا: كانت أسعار الفوائد بنسبة 23% في ظل حكم كاردوسو ترتكز على ضرورة مواصلة جذب الرأسمال الأجنبي لإيقاف التضخم.
وتعني موافقة لولا على هكذا جدول أعمال «مناهض للتضخم» أنه سيكون عاجزا عن خفض جوهري لأسعار الفوائد لأجل حفز الاستثمار المحلي «المنتج». وبالنظر إلى اتفاقات لولا المتعلقة بالميزانية وعلاقاته مع نخب عالم الأعمال، سوف يكون على الأرجح عاجزا عن تلبية حاجات العمال في زيادة الأجور، بما في ذلك الزيادة في الحد الأدنى للأجر. وفي حالة استجابة لولا جزئيا للرغبات الشعبية، يمكن توقع وقف صندوق النقد الدولي للقروض. وإذا خفض أسعار الفائدة لحفز الاستثمار المحلي، سينسحب المستثمرون الأجانب، مما سيؤدي إلى رفع نسبة التضخم. ورغم أن التحكم بالتضخم قد يكون أداة سياسية إيجابية، فمن الأرجح أن يؤدي ذلك إلى إدراج لولا في اللائحة السوداء للمؤسسات المالية الدولية والبنوك المحلية المخوصصة. إن واقع ارتباط لولا بتوجه نيوليبرالي سوف يجعله يلقى صعوبات للدفع ببرنامجه، بما في ذلك البرامج التي وعد بها حلفاؤه الجدد ضمن نخب عالم الأعمال. ولكن الخطر يكمن في دفع الرئيس الجديد لاتخاذ تدابير قمعية لاحتواء المتطلبات الشعبية داخل حدود مفروضة من صندوق النقد الدولي والحزب الليبرالي. وعد لولا خلال الحملة الانتخابية باستعمال كل قوة نظامه لمنع الاستيلاء غير الشرعي على ملكيات الأرض الكبرى، أي برامج منظمات العمال عديمي الأرض. كان كاردوسو قد استعمل كذلك تدابير قمعية مماثلة إثر اتفاقيات سابقة للانتخابات مع الملاكين العقاريين الذي يتحكمون بحزب الجبهة الليبرالية PFL . لا شك أن لولا ورث وضعا اقتصاديا كارثيا: تضخم طيار، وحوالى 20 مليار دولار سنويا لتسديد الدين الخارجي، وعجز ميزان الأداءات، ومعدل نمو سلبي (قياسا بعدد السكان) وعملة في هبوط، وتهريب الرساميل، ولا مساواة عميقة ونسبة أكبر فاكبر من البطالة والفقر.
ولكن، ثمة رأيان حول الأزمة البرازيلية.
يعتبرها المنظور التقدمي فرصة لتغيير البلد ويدافع عن كون انهيار السياسات الليبرالية والتحالفات مع اليمين هي بالضبط ما يستلزم قطيعة واضحة مع الماضي وانعطافا يساريا لإعادة توزيع الثروة وإنعاش الاقتصاد المحلي، وإعادة تأميم الصناعة والمؤسسات المالية، ومنع خروج ريع الاستثمارات من البلد وخلق فرص عمل، وكذلك تحقيق إصلاح زراعي يحفز الاستهلاك القروي للمنتجات الصناعية وتقليص استيراد السلع الغذائية.
أما التصور المحافظ – السائد في نظام لولا – فيستنتج أن الأزمة الداخلية تستلزم المطابقة مع النموذج الحالي لأجل «إضفاء الاستقرار» على الاقتصاد و«إعادة إنعاشه»، وهو ما سيتيح تحقيق الإصلاحات الاجتماعية بمجرد التغلب على الأزمة.
بنظرنا لن يؤدي التصور المحافظ سوى إلى تأبيد، وحتى تعميق، الأزمة وسيكون عائقا أمام الإصلاحات الهامشية. لا يمكن حل مسألة «تقليص الفقر» إلا بالقضاء على تركز الثروة الذي يسبب الفقر ويديم اللامساواة. وترتكز الطريقة الأنجع لمنع تهريب الرساميل على تغيير أشكال الملكية وعلاقات الإنتاج.
إن النظام الجديد حصل على تفويض من أكثر من 90% من 52 مليون برازيلي من المصوتين للولا لأجل تحقيق تغيير اجتماعي. إذا تخلت حكومة لولا وقدمت تنازلات لإدارة بوش ولقروض صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وأدارت ظهرها لمتطلبات الأغلبية الطامحة إلى تغييرات اجتماعية أساسية، فإنها لن تخيب ظن ملايين الناس فحسب، بل ستبعد تطور البرازيل إلى جيل آخر.
بعد ثلاثة أسابيع من انتصاره الساحق، قدم لولا إشارة واضحة عن اتجاه نظامه.
دعا إلى اجتماع يضم قادة النقابات العمالية وقادة العمال القرويين ومستخدمي وموظفي الحكومة لمناقشة «ميثاق وطني». وجرت مناقشة «إصلاح الشغل» الذي سيزيد سلطة أرباب العمل في مجال تشغيل العمال وتسريحهم وتجميد الأجور وإلغاء الضرائب على أرباب العمل التي تمول البرامج الاجتماعية، والتنازل كذلك لأرباب العمل لتمكينهم من التفاوض مجددا حول اتفاقيات تلغي الامتيازات الاجتماعية المضمونة للعمال بمقتضى القانون.
بينما تعطي الحكومة الأسبقية للموافقة على شروط أرباب العمل، رفض لولا رفع الحد الأدنى للأجر فورا بنسبة 50 دولاراً شهريا ووعد بدراسة زيادة تعادل حوالى 10% (5 دولارات) في أواسط 2003.
جلي أن لولا، مثل سلفه كاردوسو، قدم إشارات يسارية قبل الانتخابات ثم انعطف يمينا، بدل تمثيل منتخبيه العمال. رفضت المركزيتان النقابيتان الرئيسيتان، نقابة المركزية الوحيدة للعمال CUT والقوة النقابية، علاوة على حركة العمال القرويين دون أرض MST، اقتراحات لولا جملة وتفصيلا مؤكدين بذلك استقلالهم عن الحكومة الجديدة.
إن الشراسة التي سيفرض بها لولا برنامجه المناسب لرجال الأعمال هي من يحدد اللحظة التي ستحدث فيها القطيعة بين نظامه والمركزيات النقابية.
ديسمبر 2002
مقرَّر صادر عن التنسيق الوطني لاتجاه
«الديمقراطية الاشتراكية» بحزب العمال
1- تمثل نتائج انتخابات أكتوبر 2002 تحولا كبيرا لميزان القوى في المجتمع البرازيلي. حصل حزب العمال على رئاسة الجمهورية بانتخاب لولا بـ 61% من الأصوات واصبح حزب العمال الحزب الرئيسي في الجمعية الفيدرالية بانتخاب 91 نائبا منه وحصوله على 14 مقعدا بمجلس الشيوخ. كان انتصار حزب العمال انتصاراً شعبياً وهزيمة كبيرة للنيوليبرالية. لقد حفز حزب العمال ولولا، انطلاقا من مسار تماثل مع الدفاع عن المصالح الشعبية، إرادة التغيير. وأعطت هذه السيرورة من جديد الحياة بين السكان لفكرة أن الانتخابات قد ترتبط بمعركة حول بدائل لأجل البلد.
هذا فضلا عن أن الدور الثاني في مختلف الولايات (البرازيل دولة فيدرالية) أفضى إلى نتائج هامة: انتصارات في ولايات Acre وMato Grosso do Sul وPiaui(لمنصب حاكم الولاية ). وخسرنا في ولاية Rio Grande do Sul. وفاز حزب الاشتراكية الديمقراطية البرازيلية وحزب الحركة الديمقراطية البرازيلية بمناصب حاكم الولاية في أغلبية الولايات الرئيسية بالبلد.
لكن تبدل ميزان القوى الذي يعبر عنه انتصار حزب العمال محدود بالتحالفات مع قطاعات اليمين وبالمساومات حول تأمين استمرار عناصر أساسية من السياسة الاقتصادية التي أفشلت في صناديق الاقتراع. وقد قبلت تلك المساومات، وان بانتقادات، من طرف لولا وأغلبية قيادة حزب العمال على أساس «طابع محتوم» مزعوم للحفاظ على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات القريبة منه.
ويكمن وجه آخر هام في غياب تعبئة شعبية دالة خلال الحقبة الأخيرة حتى ولو أن الحملة أفضت إلى تعبئة واسعة على الصعيد السياسي.
2- تفتح الانتخابات وضعا سياسيا جديدا بالبرازيل. فمن جهة نواجه ظرفية دولية غير مؤاتية مطبوعة باستمرار السياسات النيوليبرالية وانحسارا اقتصاديا عالميا وتناميا للنزعة الحمائية ببلدان المركز ونزعة تدخلية واحادية الجانب لدى الولايات المتحدة الأمريكية وانتشارا للنزعات القومية اليمينية. وقادت النيوليبرالية بلداناً عديدة نحو أزمات عميقة كما تعبر عن ذلك في أعلى مستوى الأرجنتين وتوضع النيوليبرالية بشكل متزايد موضع سؤال على الصعيد الدولي.
ونواجه على مستوى آخر النتائج المتراكمة لعقد من تطبيق السياسات النيوليبرالية في البلد مع عواقب اقتصادية واجتماعية كارثية وارتفاع الاستياء الشعبي والتفكك النسبي لتنظيم النخب خلال هذه الفترة الذي يعبر جزئيا عن كون الثروة الوطنية انتقلت من يد إلى يد ونزع عنها الطابع الوطني وأخيرا مع تفكك للكتلة الملتفة حول حكومة فيرناندو اينريكي كاردوزو.
تم الانتخاب في سياق أزمة مفتوحة ناتجة عن إنهاك النموذج الليبرالي وستستمر هذه الأزمة الوطنية العميقة خلال المرحلة المقبلة. انطلاقا من هزيمة النيوليبرالية تحارب مختلف القطاعات ذات المصالح المتباينة للخروج من الأزمة دون تحديد مسبق لمخرجها. إن منظور دوام الصراعات القائمة في المجتمع البرازيلي والقدرة الكامنة المتجددة في تعبئة القطاعات الديمقراطية والشعبية تحدد أفقا ملائما لتوطد اليسار الاشتراكي. لقد تلقت الهيمنة التي بسطتها منذ أمد بعيد الطبقة السائدة صدمة ولدينا شروط عمل افضل لأجل بناء بديل ديمقراطي وشعبي .
3- ثمة في الطور الحالي مجاهيل كبيرة حول طابع حكومة لولا. فقد جرى انتخاب هذا الأخير انطلاقا من أمل كبير جدا في تغيير البلد وكتجسيد لمعارضة حكومة كاردوزو. لكن في الضفة الأخرى تسير التحالفات خلال الحملة والقرارات التي أضرت بالديمقراطية داخل حزب العمال والتصريحات التي كانت ترمي إلى إعطاء ضمانات للنخب و«للسوق» في اتجاه استمرارية مثيرة للقلق في ما يخص القيادة السياسية للبلد. وقد سبق أن عبرنا عن هذه المخاوف خلال الحملة.
سيحدد طابع حكومة لولا خلال سيرورة معارك سياسية واجتماعية. وستواجه إدارة حزب العمال سؤالا: كيف يمكن ضمان أغلبية برلمانية واجتماعية للشروع في تغييرات انطلاقا من نقطة بدء ميزان القوى الذي أرسته نتيجة الانتخابات والنضال السياسي. لكن ابعد من مبادرات تكتيكية ستتم خيارات استراتيجية: إما تعزيز القاعدة الاجتماعية للمعسكر الديمقراطي والشعبي لأجل تطبيق برنامجنا للإصلاحات البنيوية وإما القيام بمساومة مع خصومنا وإما الحكم مع قاعدة ديمقراطية بالمشاركة أو الحكم بنمط تقليدي، إما التقدم في بناء هيمنة جديدة أو البقاء على نحو خطير وسط المَعْـبـر مع موقف هجين عرضة لتراجعات. يتمثل تحدينا في بناء اختيارات من شأنها أن تتيح تجاوز الحدود المرسومة حاليا للحكومة الجديدة.
4- ستخاض معارك مركزية حول مستقبل المجتمع البرازيلي في الحقبة المقبلة. لقد اصبح البلد جروحا جدا إزاء الحركات المضاربية للرأسمال المالي، الوطني والدولي، وإزاء وصاية صندوق النقد الدولي الرامية إلى تمديد هذا الوضع بإبقاء الحكومة رهينة «للأسواق».
يجب أن يشكل انتزاع استقلال للعمل الحكومي عن الأسواق وإرساء شروط ممارسة السيادة أهدافا استراتيجية أساسية. ويجب السعي إليهما على كافة الجبهات: بتعميق تغيير ميزان القوى بالتعبئة الاجتماعية والسياسية وبإرساء آليات ديمقراطية بالمشاركة وأدوات عمومية لمراقبة حركات الرساميل وبمواجهة وضع الوصاية الذي توجد فيه اليوم الدولة البرازيلية.
لقد باتت جملة مسائل استراتيجية مطروحة على الحكومة الجديدة: الإصلاح الزراعي، وتأكيد السيادة الوطنية بوجه اتفاق منطقة التبادل الحر بالقارة الأمريكية ZLEA، ومواجهة الخضوع لصندوق النقد الدولي، وتنظيم النظام المالي لا سيما علاقة البنك المركزي بالحكومة الجديدة، ومسألة الضرائب، على سبيل الاكتفاء بسرد بعض العناصر.
من خلال هذه المسائل يوجد على المحك الدفاع عن الديمقراطية والسيادة الوطنية بوجه التنازلات عن السلطة لصالح الدولة الإمبراطورية الأمريكية الشمالية والرساميل المضاربة التي تنعت بـ«الأسواق».
من اللازم مواجهة ذلك بمراعاة الشروط السياسية الجديدة المتاحة بفعل فوز حزب العمال. ولا يمكن أن تؤول هذه المسائل ببساطة إلى مجال الحكومة؛ إنها مسائل تنتمي للمجتمع برمته مما يستتبع سيرورة تتحول فيها أغلبية انتخابية إلى أغلبية سياسية قادرة على إضفاء شرعية وتأمين طريق ديمقراطية وسيادية للبلد. إن الدفاع عن السيادة الوطنية دفاع عن شروط ممارسة سيادة شعبية وديمقراطية جوهرية.
5- ظهرت فكرة عقد اجتماعي جديد، الحاضرة خلال اللقاء الوطني الأخير لحزب العمال في ريسيف (ديسمبر 2001)، كموضوع مركزي في الحملة الانتخابية. وقد جرى تقديم هذه الفكرة في شكل نداء إلى كل قطاعات المجتمع لوضع ميثاق لصالح الإنتاج والنمو الاقتصادي وتنمية السوق الداخلية.
لقد انتقد حزب العمال على الدوام اقتراحات المواثيق الاجتماعية التي قدمتها لحد الآن مختلف الحكومات البرجوازية، وهي مواثيق تناسب اقتراحات خضوع الاغلبيات الوطنية، أي إخضاع الصراع الاجتماعي لعقلانية حكومية مزعومة أو التي قد تتم المطالبة بها. إن ما يمكن ويجب أن ندافع عنه هو أن يستند ميثاق اجتماعي جديد إلى الديمقراطية بالمشاركة وإلى وجود فضاءات ديمقراطية للمفاوضات والحلول للصراعات التي ستترتب على وجوب إقدام الحكومة الجديدة على وضع حد نهائي للتهميش التاريخي الذي تعرضت له مصالح الأغلبية الشعبية. وهذه سيرورة قد تعطي بعدا اجتماعيا لفكرة الأمة.
6- تنخرط الحركة الديمقراطية والشعبية في تجربة تاريخية غير مسبوقة وحاسمة، من زوايا النظر كلها، لمستقبلنا. ويقف اتجاه الديمقراطية الاشتراكية في حزب العمال بالكامل كجزء لا يتجزأ من هذه السيرورة متبنيا التحديات المطروحة على حزب العمال وعلى اليسار البرازيلي. إننا سنتدخل في السيرورة الجارية كي يربط حزب العمال هذه التجربة الحاسمة بالنضال لأجل تجاوز العولمة النيوليبرالية واستبداد الأسواق وطفيلية الرأسمال المالي والتفاوتات وأشكال الإقصاء والمظالم التاريخية التي تطبع المجتمع البرازيلي. ويتمثل منظورنا في دمج هذه التجربة في سيرورة يكون افقها تجاوزاً للرأسمالية عبر اشتراكية ديمقراطية وأممية.
7- يمثل تشكيل حكومة لولا تحديا نسعى، من خلال تدخلنا في هيئات حزب العمال، إلى مواجهته بكيفية ديمقراطية بالانطلاق من قاعدة تجارب الحزب الأكثر تقدما. لقد توطد حزب العمال وهو يمثل اليوم العامل السياسي الرئيسي في المجتمع البرازيلي ويجب أن ينعكس هذا عضويا في سيرورة تشكل حكومته الفيدرالية.
وفي نفس الوقت نرى لازما، في المرحلة القادمة، تنظيم دفاع متجدد عن المقررات المصادق عليها خلال اللقاء الوطني الأخير لحزبنا والتي تعيد التأكيد على الأفكار الأساسية للقطيعة مع النموذج النيوليبرالي وللتنمية المرفقة بالسيادة الوطنية وتوزيع الثروة والسلطة، وان تجربة حكومة لولا قد تساهم في إعادة القيم الاشتراكية إلى جدول الأعمال. وستعكس هذه الأفكار قدرة الحزب على صياغة وجهة نظر استراتيجية قادرة على توحيده عشية تغييرات سياسية كبيرة. ويمثل تعزيز هذه القدرة أحد أهم الأمور في هذه الحقبة التاريخية الجديدة.
8- تغير النتيجة الانتخابية نوعية علاقة حزب العمال بالدولة وتمس كامل سيرورة بناء الحزب. حزب العمال ينمو لكنه أيضا يتحول إلى تجمع سياسي اكثر تنافرا، ونقاشاته موضوع متابعة من طرف كافة قطاعات المجتمع. إن كانت مسؤوليات الحكومة تستتبع حذرا في كيفية القيام ببعض النقاشات فيجب مع ذلك ألا تختزل سيرورات النقاش والقرار الديمقراطية. سيتدخل اتجاه الديمقراطية الاشتراكية في نقاشات حزب العمال بتطوير مواقفه بشكل مسؤول لكن أيضا بوضوح، وعيا منها بأن التنوع من شأنه ويجب أن يكون عنصر قوة في بناء حركة تتموقع كمرشح للمعركة لأجل السلطة في كافة مجالات المجتمع البرازيلي.
عندها تكتسي العلاقة الأوثق بين البرلمانيين المنتخبين من الحزب والحركة الاجتماعية الدينامية أهمية استراتيجية في هذا البناء بتزامن مع الدفاع عن استقلال الحركات بوجه الحكومة. إن كان حزب العمال خلال الحملة الانتخابية قد تعرض لضغوط قوية من جانب النخب الحاكمة ومن جانب الأسواق وحكومات بلدان المركز ولا سيما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الضغوط لا يمكن إلا أن تتضاعف بوجه حزب في الحكومة الفيدرالية. لكن من الأكيد أيضا أن الانتداب المنبثق من صناديق الاقتراع يعطينا شرعية لتحقيق تغييرات عميقة في المجتمع البرازيلي.
ساو باولو ، 3 نوفمبر 2002
إلى شعب البرازيل وإلى الرئيس لولا
نداء من التنسيق الوطني لحركة العمال القرويين دون ارض
كواروا ، بيرنامبوكو (نورديست) نوفمبر 2002
حركة العمال القرويين دون ارض (MST) تخاطب شعب البرازيل والرئيس لولا للتعبير عن موقفها من الوضع ببلدنا والنضال لأجل الإصلاح الزراعي .
يحدونا الأمل والثقة بان برازيل أخرى ممكنة، برازيل يكون فيها للرجال وللنساء وللأطفال وللشباب وللمرضى الحق في حياة كريمة وسعيدة.
1- عانت البرازيل طيلة ثماني سنوات من نموذج نيوليبرالي طبقته حكومة فيرناندو اينريكي كاردوسو، ولم يؤد ذلك سوى إلى مفاقمة بؤس الشعب وسبب آلاما مبرحة لكل الذين يعيشون بالقرى رجالا ونساء، من قبيل تنامي الفقر واللامساواة والهجرة والبطالة والإفادة من الأرض.
2- شعب البرازيل قال لا لذلك النموذج الاقتصادي والزراعي. وصوت بشكل جماهيري لصالح التغييرات وانتخب لولا رئيسا. انه انتصار للشعب. وهزيمة للنخب ولمشروعها.
3- حاربت حركة العمال القرويين دون ارض ذلك النموذج ولذلك تعرضنا للاضطهاد والإهانة. وادينا ثمنا مرتفعا: مذابح وسجناً وافتراءات ممنهجة وطرد اسر دون ارض. وانخرطنا في كل الحملات الانتخابية منذ 1989 لأجل تحقيق تغييرات.
نحن الآن فخورون مع شعور بالنصر لانتخاب لولا رئيسا.
4- إن الملكية الزراعية الكبرى والنموذج النيوليبرالي هما مصدر الجوع والبطالة والفقر والأمية ونقص التنمية بالوسط القروي.
5- نحن على يقين بإمكان تقويض نظام الملكية الزراعية الكبرى بفضل تنظيم الشعب وبفضل الإرادة السياسية للحكومة الجديدة. العدو بالنسبة لنا هو الملكية الزراعية الكبرى. وستقوم حكومة لولا بدور أساسي لدمقرطة ملكية الأرض بالبرازيل.
6- نحن بحاجة لبناء نموذج زراعي جديد يمنح الأسبقية للسوق الداخلية ولإنتاج الأغذية ولتوزيع الريع [الدخل الزراعي]. لا غنى لأجل ذلك عن الدفع بالزراعة الأسرية وبالتعاونيات وبنزع المركزة عن الصناعة الغذائية وجعلها قابلة للحياة. يجب على الدولة أن تعود إلى القيام بدورها في الزراعة وأن تضمن حق المزارعين في إنتاج بذورهم وتطوير التقنيات المحترمة للبيئة ولجودة الأغذية.
7- من اللازم ضمان التعليم العمومي لجميع السكان بالوسط القروي بما هو شكل للظفر بالكرامة وبالتنمية.
8- يتمثل دورنا، بصفتنا حركة اجتماعية، في تنظيم فقراء المناطق القروية بتوعيتهم بحقوقهم وتعبئتهم للنضال لأجل التغيير. وسنحافظ على الاستقلال الذي لا غنى عنه إزاء الدولة لكننا سنساهم قدر الإمكان إلى جانب الحكومة الجديدة لتتمكن من القيام بالإصلاح الزراعي الذي طالما حلمنا به.
9- بإمكاننا في هذه اللحظة إنجاز المهمة التاريخية المتمثلة في إصلاح زراعي حقيقي لأجل دمقرطة الإفادة من الأرض والقضاء على الجوع والبطالة والمظالم الاجتماعية.
10- إننا ندعو كل العمال وكل العاملات والمجتمع البرازيلي برمته إلى تنظيم الصفوف والتعبئة ومساعدتنا على إنجاز الإصلاح الزراعي. إن برازيل اكثر عدالة ومساواة ممكنة.
لقد آن الأوان!
برازيل الرئيس لولا وتحديات اليسار الاجتماعي
ريكاردو انتونيس
في 27 أكتوبر 2002، أعلن فوز لولا في الانتخابات الرئاسية التي صوت فيها نحو 52 مليون ناخب وناخبة لصالح مرشح حزب العمال. تصدر هذا الحدث العناوين الرئيسة لصحف العالم. أما ما نشر حتى اليوم من تعليقات على الحدث، فيمزج تحليلات حول التحولات الاجتماعية السياسية بالبرازيل، المحتملة إلى هذا الحد أو ذاك، وتنامي الاستقرار الاقتصادي والسياسي ببلدان أمريكا اللاتينية برمتها. وتشكل مساهمة انتونيس عنصرا في تفكير يتجاوز التقديرات المقتصرة على الجانب المؤسسي.
ريكاردو انتونيس أستاذ علم الاجتماع في جامعة ولاية كامبيناس Campinas (اونيكامب UNICAMP) بمنطقة ساو باولو، ومتعاون مع حركة العمال القرويين دون ارض MST ومع نقابة المركزية الوحيدة للعمال CUT، من مؤلفاته :«العمل النقابي الجديد في البرازيل» و«الطبقة العاملة والنقابات والأحزاب في البرازيل» و«العمل ومعانيه».
هيئة التحرير
إننا إزاء فوز سياسي مهم للولا في الانتخابات الرئاسية في البرازيل. إذ يعبر عن فشل مختلف بدائل الرئيس كاردوسو الذي تكبدت حكومته هزيمة نكراء في الانتخابات. رغم حدوده الكبرى، يمثل فوز لولا واليسار [بمعناه المتعدد سواء داخل حزب العمال أو خارجه في شكل حركات اجتماعية ومنظمات مثل حركة العمال القرويين دون ارض، الخ] فرصة مواتية قد تغير تاريخ أمريكا اللاتينية الحديث.
من الرئيس كولور إلى الرئيس كاردوسو
من المهم إذا الإشارة إلى أن فوز لولا يمثل قبل كل شيء هزيمة للسياسة النيوليبرالية التي دمرت كل بلدان أمريكا اللاتينية، بالأقل منذ بداية سنوات 1980. وإذا كان طور النيوليبرالية الأول في البرازيل قد تجسد في ظل حكومة فيرناندو كولور دو ميلو Fernando Collor de Mello، فان حكومات فيرناندو اينريكي كاردوسو [الذي تقلد منصب الرئيس منذ 1995] هي من اتخذت مجموعة من الإجراءات النيوليبرالية في الواقع. ونتج عن كل ذلك تحولات عميقة سببت تدمير البلد وفاقمت آفاته الاجتماعية. وكما في أمريكا اللاتينية برمتها، تنامت البطالة وإضفاء الهشاشة على العمل والإقصاء الاجتماعي ومختلف أشكال الهمجية.
فاز ف. س. كاردوسو في الانتخابات سنة 1994، بعد المرحلة الكارثية للرئيس كولور، وأعيد انتخابه سنة 1998. ولو لم ينجح كاردوسو مع حكومته الأولى في إثارة بعض الانشراح في بعض الأوساط، لما دخل أبدا تاريخ البرازيل كحاكم بتلك الدرجة من الشؤم. ولكن كان لانتخابه مجددا دلالة الجمع بين الحاجيات الاجتماعية وإعادة إنتاج الرأسمال وكذلك أضاليل اتباع حزب الاشتراكية الديموقراطية البرازيلية PSDB، حزب كاردوسو. وها هو اليوم ينهي بحزن فترة حكمه (الفاشلة) المأساوية.
ماذا حدث خلال تلك المرحلة؟ علينا أن نشير أولاً انه جرى تفكيك البنية التحتية الإنتاجية للبرازيل بقوة. وشهد البلد نقصاً حاداً في الطاقة وتدميراً للصناعة في قطاعات عدة واندماجاً في «النظام العالمي» من خلال تفكك اجتماعي.
وانتشر الفساد في الدوائر الحكومية كلها تقريبا، من شراء الأصوات الانتخابية إلى تقديم رشاوى خلال عمليات الخوصصة التي طالت عدة وحدات إنتاجية متقدمة كانت مؤممة. وظلت الرقابة والقمع السياسيان شديدين، وفي سماتهما الأكثر فظاظة يصعب التمييز بين الضربات الموجهة لحركة العمال القرويين دون ارض وتلك المستهدفة لمهربي المخدرات.
تقدم تفكك العمل ومعه الطبقات الشعبية بشكل كبير، وانفجرت البطالة، وجرت خوصصة القطاعات الإنتاجية «التابعة للدولة» [حيث تتدخل الدولة]. وتزايد النمو الخارجي وغدا البلد اكثر هشاشة. وتبين الأزمة الحديثة وقابلية تطاير سعر صرف الريال-الدولار كون البرازيل يخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي والإمبراطورية الأمريكية الشمالية. كما يتعرض لنتائج الأزمات المالية الدولية إلى درجة تشعرنا أن تفكيك البلد في ظل حكومة كاردوسو وصل حجما مستعصيا على الفهم وربما لا رجعة فيه. أكيد أن ذلك ما استخلصه كاردوسو من شعار الرئيس خوسلينو اوليفيا [رئيس البرازيل من 1956 إلى 1960]: «على البرازيل أن تحقق نمو خمسين سنة في ظرف خمس سنوات». لكن كاردوسو فهم هذا الشعار على الشكل التالي: تدمير منجزات خمسين سنة في ظرف خمس سنوات.
في الوقت الذي بلغ فيه الوضع الدولي أحد أسوأ مستويات تدهوره خلال العقود الأخيرة، وفي الوقت الذي يخضع فيه العالم كليا للمنطق الادواتي [عبر منطق أعمى] وتتحكم فيه السلعة والمال، وفي الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة الأمريكية وسلطتها المدمرة سياسة إمبراطورية عدوانية وأحادية الجانب واستعمارية جديدة، وفي الوقت الذي تنامت فيه تبعية البرازيل إزاء الأزمة الاقتصادية المالية الدولية، بينت حكومة حزب الديموقراطية البرازيلية بقيادة ف. إ. كاردوسو ما بوسعها فعله. وبإمكاننا اليوم مشاهدة ما تبقى من هذا البلد التابع والتائه. فما جرى تصوره كطريق لاندماج للبرازيل في الاقتصاد العالمي على نحو متجه للخارج [خلافا لتنمية «متمركزة حول الذات»] كان في الحقيقة سبيلا لتدمير كلي متجه نحو الداخل. وغدت البرازيل، بعد مراحل حكم كل من كولور وكوردوسو، بلدا آخر اشد ضعفا واقل مصداقية واكثر عرضة للإهانة. كيف يجب إذن، في هذا السياق، فهم دلالة فوز لولا وحزب العمال بالنسبة للبرازيل وكذلك لأمريكا اللاتينية؟
تجدر الإشارة أولا إلى انه خلال مواجهة انتخابية، اشهرا قليلة قبل بداية الانتخابات، في برازيل دون تقاليد ديموقراطية، جرى تغيير قواعد النظام الانتخابي لصالح المرشح الرسمي.
ويذكِّر هذا شيئا ما بتاريخنا البروسي* نوعا ما. بعبارة أخرى، بقدر ما تتحدث الطبقات المالكة عن التغيير، بقدر ما تكون نواياها المحافظة أقوى. وكلما كبرت مخاطر تناوب، يصبح من الضروري للغاية أن تظل الأمور على حالها.
تلك سمة مكونة لتشكيلتنا الاجتماعية البرازيلية، التي يجعل فيها القادة السياسيون الرئيسيون من المساومات في القمة علامة قوية على حذقهم السياسي وعلى آلية نظام هيمنتهم. ويطمحون اليوم مرة أخرى إلى تطبيق ذلك. مع ذلك لم تكن الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية [إمكانية تحالف الأحزاب] في صالح أحزاب النظام. إذ كان للنزاعات والانشقاقات وسط الأحزاب المساندة لمشروع ف..إ. كاردوسو تأثير على السياق الانتخابي ويتعين أخذها بالحسبان لفهم فوز لولا.
ورغم قوة أصحاب المصالح المساندين لخوسيه سيرا، غرق الأخير مع نيوليبرالية ف..إ. كاردوسو (الموصوفة بشكل غريب بالليبرالية الاجتماعية) والتي تغازل الطريق الثالث لطوني بلير. وعجزت الحكومة عن إنجاح المرشح سيرا وكذا وقف صعود لولا وحزب العمال واليسار البرازيلي. وفي هذه الظروف فاز حزب العمال و مرشحه.
الرمز والدينامية الاجتماعية
كانت الظرفية مواتية لفوز اليسار اكثر مما كانت سنة 1989 لما واجه لولا كولور.
غير أن حزب العمال - وهذا أمر ينبغي أن نشدد عليه - قدم تنازلات عديدة في سياسته الانتخابية متحالفا مع الحزب الليبرالي وهو حزب صغير محافظ. وأدى ذلك إلى تضايق في قاعدة حزب العمال وبين العاملات والعاملين في الحركات الاجتماعية والنقابات الطبقية وحركة العمال القرويين دون ارض الكفاحية. وقد اعتبرت هذه السياسة التي أملتها قطاعات الأغلبية المهيمنة في حزب العمال حتمية لأجل انتصار سياسي وانتخابي.
وخلافاً لما دافع عنه طوال تاريخه من قيم، فرض تيار الأغلبية المسيطر على حزب العمال هذه السياسة المسماة «واقعية» متحالفا مع الأعداء السابقين لحزب العمال وللطبقات الكادحة.
ولكن وبموازاة لهذه السياسة التوفيقية، لم يسبق أبدا أن كانت قوة لولا الانتخابية بهذا المقدار من الوزن، وفي اللحظة بالذات التي أمكن فيها افتراض انهزام لولا للمرة الرابعة في الانتخابات، اتسعت قوته الانتخابية والسياسية باتجاه القطاعات الشعبية التي لم يسبق أبدا أن ساندت انتخابيا حزب العمال والقوى اليسارية.
وبما أن البرازيل بلد مطبوع بنزعة محافظة وأخرى نخبوية سائدة، قامتا دوما باتخاذ مبادرات لمنع قيام تغييرات ضرورية لصون كرامة شعبنا المهان للغاية، فان لفوز لولا، في آن واحد، معنى حقيقياً وآخر رمزياً، يتجاوز سياسة تحالفاته بكثير. يكفي القول إن الأمر كان يتعلق، للمرة الأولى، بفوز مرشح من اصل عمالي، ربما الأهم في التاريخ الاجتماعي للبرازيل، بمنصب رئيس الدولة. إلا انه ينبغي على ممثلي حزب العمال واليسار البرازيلي بعد فوزهم انتخابيا أن يعيدوا رسم خياراتهم، وأن يسعوا على النحو ذاته إلى التعبير فعلا عن التطلعات الشعبية وتمثيل الطبقات التي تحصِّل معيشتها ببيع قوة عملها، بكل تنويعاتها، والتي تضم الذين واللواتي يتوفرون على عمل وكذلك العاطلين عن العمل، الرجال والنساء والشباب والشيوخ والبيض والسود والهنود. و باختصار، أغلبية الذين يتوقون إلى تغييرات أساسية وحقيقية، مثل حركة العمال القرويين دون ارض وحركات اجتماعية أخرى مثل النقابات اليسارية المنضوية تحت لواء نقابة المركزية الوحيدة للعمال CUT، والذين لا يخشون إبراز يساريتهم. إن الوقوع تحت إغواء برجوازية متعددة القوميات لم يسبق أن عبرت يوما عن وقاحتها الطبقية على نحو ما تفعل حاليا، والتي تقربت من لولا دون بديل انتخابي، أمر لن يقدم لحزب العمال ولا للولا السند الضروري للقيام بالتغييرات التي لا غنى عنها والتي لن تتحقق سوى بحفز وقوة القطاعات الاجتماعية الشعبية.
إعادة بناء ضد التفكيك الناتج عن التصحيح الهيكلي
يتيح هذا السياق الجديد ارتقاب انتعاش النضالات الاجتماعية بالبرازيل في السنوات المقبلة في مستوى أرقى من الوضع الراهن. ومن المهم جدا، لهذه الغاية، أن يوضع، باستحضار المكانة المركزية لعالم الشغل في بعده اليومي وكذا الحركات الاجتماعية وأحزاب اليسار، بديلٌ واضح المعالم ضد النظام يعارض منطق الرأسمال المدمر الذي سار على هدى البرامج الصارمة والضارة لصندوق النقد الدولي بكامل وصفاتها. لذا يكمن التحدي الأكبر في تطوير برنامج ٍ بديل، مخالف للنموذج السوسيواقتصادي الراهن، انطلاقا من وجهة نظر عالم الشغل، برنامج ٍ قادر على الاستجابة لمطالبه الآنية والعاجلة لكنه يقدم أفقا مجتمعيا اشتراكيا أي بعبارة أخرى برنامج ٍ لا يغذي أوهاما حول الطابع المدمر والاقصائي لمنطق الرأسمال. وجلي أن هكذا تقدما لن يتأتى إلا بالاستناد إلى جملة قوى اجتماعية منحدرة من عالم الشغل (وكذا تلك التي أقصاها المنطق المدمر للرأسمال).
وتتمثل نقطة أساسية في خوض معركة لأجل إلغاء فرط استغلال العمل المميز لرأسمالية أمريكا اللاتينية - وكذا رأسمالية البرازيل - والذي يشكل جزءا لا يتجزأ من القسمة الدولية المتفاوتة للعمل وللرأسمال والتي تضر بشعوب ما يسمى بالعالم الثالث حيث تصل المداخيل (الأجور) الدنيا مستويات بائسة، وهذا رغم وجود قدرة إنتاجية مهمة (زراعية وصناعية) كما هو شأن البرازيل. ويتعين على هذا المشروع، في خصائصه الأساسية، أن يقوم بتفكيك نظام التراكم الرأسمالي الراهن عبر جملة إجراءات متعارضة مع العولمة والدمج المدمر - المفروضين معا بمنطق الرأسمال المعولم ومتعدد القوميات، نظام التراكم هذا الذي يدمج البرازيل في الخارج [في الحاجات الاقتصادية لبلدان المركز] ويفكك البرازيل في الداخل. وعلى حكومة لولا أن تدعم المستوى التكنولوجي للبرازيل انطلاقا من عناصر ملموسة، آخذة بعين الاعتبار العلم والتكنولوجيا المتقدمة المطورة ببلدنا، وساعية إلى التعاون مع بلدان ذات مميزات مماثلة للبرازيل وحيث تكون قوة التطور التكنولوجي والعلمي خاضعة لأولوية الاستجابة لحاجات سكان بلدنا الكادحين.
هكذا يجب عليها أن تواجه هيمنة الرأسمال المالي وتحد من أشكال توسع ومضاربة الرأسمال المالي. وعليها بالمقابل أن تدفع قدما الإنتاج المستجيب لحاجات السكان الكادحين الاجتماعية، أي إنتاج «الأشياء» النافعة اجتماعيا، منخرطة على هذا النحو في النضال ضد «تسليع» العالم الذي يشكل موضوعا للحركات المناضلة من اجل عولمة أخرى. وتشكل عمليات تملك الأرض واستغلالها المنظمة من طرف حركة العمال القرويين دون ارض أمثلة هامة ويتعين مواصلتها وتعميقها في البرازيل برمته، عندما يؤخذ بالاعتبار «العالم الزراعي» بالبرازيل وإمكاناته.
وفي طور التمرد الهام والترقب هذا البارز في أمريكا اللاتينية برمتها- كما نشهد في الأرجنتين، وكما نشهد مع هذا التمرد الصاعد من اسفل المتخذ أشكالا عديدة في الاكواتور وفنزويلا وكولومبيا والاروغواي والمكسيك- سيكون لما ستقدمه حكومة لولا من إجابات تأثير يتخطى حدود البرازيل.
ويتمثل اكبر تحدٍ نواجهه في اتخاذ إجراءات أولى لصالح مجتمع يتجاوز الرأسمال ونؤكد من جديد أن الأمر مستحيل دون مشروع راسخ في حركة اجتماعية وسياسية جماهيرية وازنة. وانطلاقا من ذاك المنظور تقديم ردود على الهمجية التي تكدر الحياة اليومية للعمال ولمنزوعي الملكية. وسيتأتى مشروع من هذا القبيل بتطوير أعمال منطلقة من عناصر ملموسة من الحياة اليومية ومن شأنها أن تنطوي على قيم كونية قادرة على تبين ما يمكن أن تكون عليه حياة ذات معنى مبني داخل عالم الشغل وخارجه انطلاقا من سير الحياة اليومية.
يجب أن يكون أفقنا، اكثر فاكثر على الدوام، البحث عن نظام جديد للتغيير الاجتماعي، كما يقول ماركس، يتوخى إنتاج أشياء نافعة وقيم استعمالية وليس قيما تبادلية. ونحن نعرف أن بإمكان البشرية العاملة إعادة إنتاج نفسها اجتماعيا، على النطاق الشامل، ملغية المنتجات المدمرة ومستهدفة بشكل مركزي المنتجات النافعة اجتماعيا. غير انه إذا كنا حسب الظاهر بعيدين جدا عن تلك البنية الاجتماعية، فعلى قارتنا أمريكا اللاتينية أن تتمرد وان تقول لكل الذين يرغبون في الإصغاء إليها إنها لم تعد تقبل تدميرا من هذا الحجم ولا إنسانية وهمجية على هذه الدرجة من القوة.
إذن من هذا المنظور ليس هدف مجتمعي بديل واشتراكي بعيدا قدر ما يراد الاعتقاد. هي ذي الرسالة الأقوى الخارجة من صناديق الاقتراع والتي يعززها انتصار لولا. ولذلك السبب، تشكل المعركة الراهنة الجارية في البرازيل، جزء مكملا ومكونا للنضالات الاجتماعية والسياسية لشعب أمريكا اللاتينية برمته، ونضالا لأجل رد الاعتبار لكرامته وخلق بشرية تصبح اجتماعية بالفعل.
لولا رئيسا
رومان شينسانسكي (مناضل من تيار «اشتراكية عالمية»)*
لمصلحة من سيعمل لولا المنتخب رئيسا في أكتوبر 2002: حركات بورتو اليغري الاجتماعية أم أسياد الاقتصاد في دافوس؟
خلق صعود هذا الرئيس ذي الشعبية الكبيرة إلى السلطة أملا كبيرا لدى عمال بلده وأمريكا اللاتينية التي تشهد حاليا صدمات اجتماعية حادة.
يقاس ذلك الأمل بمكيال الوضع الاقتصادي والاجتماعي لشعب البرازيل والصورة الشعبية التي يجسدها الرئيس الجديد. يجب استحضار كون البرازيل، القوة الاقتصادية التاسعة في العالم، بلداً يعاني ثلث سكانه، أي 54 مليون نسمة، الجوع، ولا يملك 50 % من سكان البرازيل الأكثر فقرا سوى 01% من ثروات البلد. وتفوق الـ 10% الأكثر غنى الـ 10% الأكثر فقرا ثمانين مرة. هذا مع الإشارة إلى أن هذا الإحصاء يتطور لغير صالح الأكثر فقرا منذ ستينيات القرن الماضي. وفي منطقة نورديست يعيش 50% من السكان بأقل من ثلاثين دولارا في الشهر.
هذا الوضع المرعب هو ما التزم لولا بحله. «إذا لم يبق ثمة برازيلي واحد يعاني الجوع عند انتهاء مدة رئاستي فسأكون قد أديت مهمتي». إن هذا التصريح كغيره من وعود لولا الشعبية يجد وقعا صحيحا في آذان الجماهير البرازيلية بقدر ما أن لولا نفسه منحدر من وسط فقير جدا. «لم آكل فعلا سوى عند بلوغ ست سنوات، أما قبل فلم تكن أمي تعطيني غير قليل من ماء والطحين صباحا». لولا عامل تعدين سابق ونقابي سابق وهو مؤسس حزب العمال عام 1980 لما كانت البرازيل لا تزال تحت نير الديكتاتورية. وقد جسد بهذه الصفة صوت العمال لأمد طويل.
البرازيل والديون وصندوق النقد الدولي
ومن جهة أخرى كانت الحملة التي شنتها عليه الأوساط المالية الدولية، لا سيما الأمريكية، قد جعلت البرازيليين يرون في ترشيحه الكفيل اكثر من غيره بمقاومة المطامع الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية. وفعلا هدد الرأسماليون المستثمرون بالبرازيل، طيلة الحملة الانتخابية، بالانسحاب وبالتالي هدم البلد، إذا تم انتخاب لولا، ممارسين بذلك ابتزازا مخزيا على سيادة شعب البرازيل. وتم بلوغ أوج هذا السلوك بوضوح من طرف جورج سوروس (عملاق صناديق المعاشات الأمريكية) لما صرح في يونيو 2002 قائلا: «إبان الإمبراطورية الرومانية لم يكن يصوت غير المواطنين الرومان وفي ظل الرأسمالية المعولمة وحدهم الأمريكيون يصوتون لا البرازيليون».
يكمن تفسير سلوك الرأسماليين الأمريكيين هذا بكون الكثير من الرساميل مستثمرة في البرازيل من طرف القوى الاقتصادية الغربية.
ويبلغ دينه العمومي 240مليار دولار أي 45% من دين أمريكا اللاتينية الإجمالي و57% من النتاج الداخلي الإجمالي للبرازيل مقابل 30% عام 1994. أصبحت البرازيل تابعة ماليا للمقرضين الأمريكان لكن هؤلاء يتعسفون بكل جلاء في استعمال سلطتهم. في الواقع تكبر مخاطر الإفلاس (أشرفت عليه البرازيل في أغسطس الماضي) مع القروض – التي ارتفعت بنسبة 45% في عشر سنوات لتبلغ 288 مليار دولار عام 2002: يبدي المستثمرون إلحاحا اكثر للتحكم باستثماراتهم أي التحكم بميزانية البرازيل. وتجعلهم تبعيتهم الخاصة إزاء المبالغ الطائلة المستثمرة من قبل عدد منهم اكثر فاكثر حرصا وتدخلا.
ويفرض صندوق النقد الدولي سياساته الخاصة بالتصحيح الهيكلي التي لا تخدم غير المستثمرين وتمثل جوهر أسباب بؤس شعب البرازيل.
يفترض القرض القياسي الأخير من صندوق النقد بمبلغ 30 مليار دولار في أغسطس 2002 أن يستخرج البلد كمقابل فائضا بالميزانية بنسبة 3.75% من النتاج الداخلي الإجمالي. إنه إجراء فوق ليبرالي بشكل كاريكاتوري مقارنة بمعايير ماستريخت وامستردام (التي يعتبرها الجميع دوغمائية جدا) التي تنص على عدم تجاوز الاتحاد الأوروبي نسبة عجز 3%. باختصار وجد لولا عند وصوله إلى السلطة الوضع الاقتصادي التالي: بينما تجتاز القارة بكاملها تقريبا أزمة اقتصادية مقتفية اثر الأرجنتين، يتعين على البلد كل سنة سداد فوائد خارقة للدائنين الدوليين، الذين يقررون سياسته الاقتصادية أي التقشف في الميزانية لتأمين سداد الديون.
هكذا فالوضع السياسي شديد التقاطب. يتعين إذن على حكومة لولا، الواقعة بين ناري تطلعات شعب بائس بشكل واسع وأطماع الرأسماليين الدوليين المالية، أن تقوم باختيارات سياسية أساسية وتتخذ قرارها بكامل الوضوح.
ولا تدفع الأشهر الأولى من رئاسة لولا إلى الاعتقاد انه يتزود بوسائل سن سياسة لمصلحة العمال أي مواجهة الطبقة السائدة.
انعطاف سياسي
لأجل ذلك تتعين العودة إلى حملة حزب العمال الانتخابية وإعادة التوجيه النظري التي قام بها: «أصبحنا فصاعدا حزب يسار الوسط وليس حزبا يساريا» حسب قول خوسيه ديرسو رئيس حزب العمال الساعي على هذا النحو إلى طمأنة الأوساط المالية. أراد لولا هذه المرة، بعد أن هزم في ثلاث انتخابات رئاسية، الفوز بالانتخابات في الوسط. وقد تحالف من جهة أخرى مع حزب يميني ليبرالي بجلاء للوصول إلى الأغلبية. وعلى هذا المنوال تركت «الثورة الاجتماعية الحقيقية» المكان لـ«مرحلة انتقالية» قد تطول. ورغم انتقادات نواة حزب العمال الصلبة، تحترم سياسة لولا الواقعية الجديدة الملكية الخاصة وتستبعد فكرة إعادة تأميم المنشآت الكبرى. «لا نريد إفزاع البنوك» يقول غيدو مانتيغا المسؤول عن برنامج حزب العمال الاقتصادي. خوفا من منافسة أمريكية شمالية قوية في حال قيام منطقة تبادل حر بالقارة يبدي بعض رجال الصناعة البرازيليين تثمينا خاصا لـ«النزعة الوطنية الكامنة في الرؤية الاستراتيجية» التي اقترحها لولا خلال الحملة الانتخابية. وقد دفع النقابي السابق تلك النزعة القومية إلى حدود غير منتظرة يوم 13 سبتمبر الأخير في المدرسة العسكرية العليا، لما احتفى به 400 ضابط، منهم خمسة وزراء في عهد الديكتاتورية (1964-1985) التي سجنته خلال سنوات 1970، وقدم نفسه كـ« نصير للدول القوية والعادلة اجتماعيا» موضحا انه سيبذل قصاراه «لتصبح البرازيل محترمة من جديد بفعل قدرتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية» وانتقد أمام العسكر المبتهجين مصادقة البرازيل على اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية معتبراً «انه عديم المعنى ما دامت البلدان المالكة لأسلحة نووية لم تدمرها لكنه ليس في الوضع الراهن غير عقبة بوجه التطور العسكري للبلدان الأكثر فقرا».
الحكومة التي شكلها لولا يمينية للغاية، شأنها شأن مسؤولي المؤسسات الاقتصادية المعينين من الحكومة. وهكذا فوزير الاقتصاد بالوتشي ومدير البنك المركزي البرازيلي مايريليس، الممسكان بصُلب السلطة الاقتصادية، منتميان لحزب الاشتراكية الديمقراطية البرازيلية PSDB أي حزب الرئيس السابق. يمثل هذا الحزب البرجوازية (انتخابيا ومن زاوية السياسة المطبقة) وله علاقات وثيقة مع أرباب العمل والأوساط المالية على الصعيدين الوطني والدولي. وقد صرح مايريلس، المدير السابق لبنك بوسطن، انه متفق تماما مع سياسة سلفه. ويدافع بالوتشي علانية عن فكرة أن السياسة الاقتصادية البرازيلية مستندة إلى أسس علمية غير قابلة للتجاوز.
وستتعزز السلطة الاقتصادية التي ستكون بأيدي هؤلاء الليبراليين بفعل المشروع الحكومي الرامي إلى منح البنك المركزي استقلالا عن السلطة السياسية وهو أمر يندرج في عقيدة إيمان الليبراليين المألوفة (انظر مثلا اتفاق ماستريخت بالنسبة للاتحاد الأوروبي) ويمثل واحدا من متطلبات صندوق النقد الدولي حاليا.
وطبعا ينعكس الوضع السياسي المتقاطب على النقاشات داخل حزب العمال وبالتالي على تشكيل الحكومة. فاتجاه الديمقراطية الاشتراكية المنتمي للأممية الرابعة ينتقد بحدة التوجهات اليمينية والوسطية للحزب. لكنه قبل دخول أحد أعضائه ميغل روسيطو إلى حكومة لولا وزيرا للإصلاح الزراعي للدفاع عن رؤيته للإصلاح الزراعي كما تتمناه حركة العمال القرويين دون ارض (MST ).
الثوريون
يتطلب إنجاح هذا الإصلاح الاستناد إلى عمليات الاستيلاء على الأراضي التي تنظمها حركة MST من جهة واستخلاص الاعتمادات المالية الكافية من جهة أخرى. رغم أولوية هذا الإصلاح لن تجد الحكومة، إن خضعت لأوامر صندوق النقد الدولي، تلك الاعتمادات المالية. فعلى سبيل المثال لن يكون بمتناول الإصلاح الكبير المسمى «صفر جوع» سوى 500 مليون دولار من 5 مليارات دولار اللازمة حسب المراقبين. إن روسيطو يخاطر بمواجهة استحالة إرضاء العمال القرويين دون ارض الذين سيحتلون الملكيات الزراعية: فهل سيطلب من الشرطة طردهم؟ أم سيحاول الطعن في متطلبات صندوق النقد الدولي؟
وكون روسيطو عضواً في اتجاه الأممية الرابعة يثير أسئلة داخل حزبه طبعا وحتى داخل الرابطة الشيوعية الثورية (الفرع الفرنسي للأممية الرابعة) حول ملاءمة هكذا مشاركة في حكومة إصلاحية على رأس دولة بورجوازية.
تتمثل إحدى حجج المدافعين عن المشاركة بكون الحكومة ستحقق بوجود وزير راديكالي بالأقل إجراء قويا لمصلحة العمال. وهذا تعام ٍ عن كون سياسة الحكومة تندرج في منطق إجمالي لإرضاء مصالح الطبقة الحاكمة.
يتمثل خطها اليوم في تأسيس الإصلاحات في البرازيل على توزيع الثروات المتولدة في إطار رأسمالي بقبول إكراهات الرأسمالية المعولمة الراهنة. يتمثل الهدف إذن في جذب رساميلها الوطنية والدولية ويعني جذب الرساميل إتاحة مردودية كافية (افضل مما بالبلدان الأخرى) وتأمين قابلية الرساميل المستثمرة للحياة. يؤدي هذا من جهة إلى التقشف في الميزانية كما يريد صندوق النقد الدولي ومن جهة أخرى إلى خفض كلفة الإنتاج إلى أدنى حد ممكن لا سيما كلفة العمل. وكل ما يتعارض مع هذه الضرورات سيلقى المحاربة: إصلاح الضمان الاجتماعي وإصلاح الضرائب والإصلاح الزراعي كل هذا سيواجه خصوما شرسين في الأوساط الاقتصادية والمالية وداخل الحكومة؛ وان للذين يمولون الدولة البرازيلية تأثيراً يبطل إرادة وزير هو من جهة أخرى معزول جدا داخل الحكومة.
مأزق الإصلاحية
وعلاوة على ذلك تقدم هذه المشاركة كفالة للإصلاحية. والحال أن المراهنة على الإصلاحية ارتكاب لخطأ حول آفاق تطور الرأسمالية. فعلى المدى البعيد يصعب دوما على الرأسماليين استخلاص ربح من إنتاج العمال. ولعلاج هذا الميل إلى انخفاض معدل الربح سيضطرون لمحاربة العمال للنيل من مكاسبهم (تشريع العمل، معاشات التقاعد، الضمان الاجتماعي...) التي تحد من فائض القيمة مصدر أرباحهم. وهكذا فان أي مكسب تنتزعه البروليتاريا مهدد: أحيانا قد يكون الدفاع عنه اصعب من نيله.
وهذا السعي إلى إفقاد العمال ما كسبوا ميل دائم. ويتوقف إلحاح الرأسماليين وحاجتهم إليه على السياق الاقتصادي. والحال أن سياق البرازيل كما وصفناه آنفا يجبر الرأسماليين على تصعيد حربهم على العمال إلى درجة حادة. وتتوقف قدرتهم على ذلك على ميزان القوى بين الطبقات. فان كان العمال منظمين بقوة سيصعب عليهم ذلك جدا. يجب إذن تفادي رؤية خطية للإصلاحات: مفيد أن يحصل روسيطو على إصلاح زراعي وفق ما تريد حركة العمال القرويين دون ارض. لكن السؤال الرئيسي يكمن في معرفة كيفية العمل ليكون هذا الإصلاح نهائيا. يعني هذا انه من الأفضل التفكير في خلق شروط انتصار، أي إطاحة نظام السيطرة من طرف العمال بدل التورط في حكومة معادية للعمال بوجه الإجمال مع الاعتقاد بوجود حظ في اتجاه إنجاح إصلاح بينما عشرة حظوظ أخرى في الاتجاه السيئ.
لذا فان دور الثوريين في البرازيل لحظة رئاسة لولا يتمثل في دعم النضالات الاجتماعية ومنحها منظورات سياسية.
ويتمثل الفاعل الرئيسي في هذه النضالات في حركة العمال القرويين دون ارض. تستولي هذه الحركة على أراضي كبار الملاكين الزراعيين للمطالبة بتوزيع اكثر عدالة، وهي بذلك تنتهك قانون الملكية الخاصة. كيف ترد الحكومة؟ فضل حزب العمال، خلال الحملة الانتخابية، عقد اتفاق مع حركة العمال القرويين دون ارض مؤداه ما يلي: تكفون عن عمليات الاستيلاء على الأراضي تفاديا لإفزاع الطبقة الحاكمة والحلفاء الانتخابيين وفور الفوز في الانتخابات سننظم إصلاحا زراعيا. الآن تراجعت الحكومة عن المس بالقانون الرامي إلى منع الاستيلاء على الأراضي ما عدا الأراضي البائرة(الموات)!
وقد فسر لولا بوضوح طريقته الخاصة للتقدم في الإصلاحات قائلا: «يجري التغيير بواسطة الحوار والتفاوض دون تدافع ولا تسرع... يجب وضع ميثاق اجتماعي حقيقي وتحالف يوحد بصلابة العمل والرأسمال المنتج، خالقي الثروات الأساسية...» وقد سبق أن وعد البرازيليين المبتهجين المحتفلين بفوزه في شوارع ساو باولو وريو دي خانيرو ومدن أخرى بـ«دعوة كل المجتمع، كل رجال ونساء الخير، أرباب العمل والنقابيين والمثقفين والعمال القرويين لبناء بلد اكثر عدالة واخوي ومتضامن». إنها إذن حكومة مستندة إلى الشرعوية (التقيد بالقانون) والتوفيق بين الطبقات لأجل كبح الحركات الاجتماعية.
لذا فان مكان الثوريين ليس في هذه الحكومة التي يرجح أن تحبط آمال شعوب أمريكا اللاتينية بقدر حجم الأمل الذي خلقت، بل إلى جانب تلك الشعوب في بناء تحررها النهائي.
من موقع www.anticapitalisme.org
عودة إلى حكومة لولا
أورلاندو فانتازيني محام مناضل دفاعا عن حقوق الإنسان منذ عشرين سنة. وهو من نواب حزب العمال الفيدراليين، مفوض من اتجاه «الديموقراطية الاشتراكية» بحزب العمال، حيث يناضل مناضلو الأممية الرابعة. وافق على الرد على أسئلة موفدنا الخاص.
- ما هي انطباعاتك حول الوضع بالبرازيل، بعد فوز لولا؟
أورلاندو فانتازيني – يشكل فوز لولا نتاجا لسخط المجتمع على النيوليبرالية، لكنه أيضا نتاج للممارسة السياسية التي طورها حزب العمال في السنوات الأخيرة للوصول إلى الحكومة. فإذا فزنا بمنصب الحكومة الفيدرالية فإن السلطة الاقتصادية مازالت في قبضة النخب، شأنها شأن التحكم بوسائل الإنتاج والمواصلات. مازال أمامنا طريق طويل لبلوغ التحكم الكامل والفعلي بالبلد. وقد قرر أعضاء اتجاه «الديموقراطية الإشتراكية» التعاون مع الحكومة، دون التنازل عن مبادئهم.
- ما هي آفاق السياسة الخارجية؟
أورلاندو فانتازيني – على المستوى الدولي، يسمح تعيين لولا لسفير محترف في منصب وزير الشؤون الخارجية، بالاعتقاد أنه يود قيادة سياسة البلد الخارجية بنفسه، بإعطاء أهمية كبرى لنصف القارة الأمريكية الجنوبي. فقبل فاتح يناير سافر إلى الأرجنتين. وأعرب سابقا عن رغبة البرازيل في أن يكون لها دور ملموس وفعال بخصوص النزاع بكولومبيا المتواصل منذ 40 سنة. وعلى النحو ذاته، يعتزم لولا، بالنسبة للوضع في فنزويلا، نهج سياسة خارجية موجهة نحو اندماج بلدان أمريكا اللاتينية.
- ما هي ردود فعل عمال البرازيل بخصوص الوزراء المقترحين؟
أورلاندو فانتازيني – عندما تقدم وزير العمل Jacques Wagner باقتراح إلغاء 40% من صندوق الضمان التي يتعين على أرباب العمل الذين يسرحون عمالا دفعها، حدثت موجة احتجاج في مختلف القطاعات. وهناك كذلك اقتراحات أخرى نرفضها، على سبيل المثال اقتراح وزير الاقتصاد، بالوتشي، المتعلق باستقلالية البنك المركزي والذي وجدنا صعوبات كبيرة في الموافقة عليه. ونحن لا نعتقد بوجوب منح الاستقلال للبنك المركزي. بالعكس يجب خلق الأدوات لمراقبته، لأنه مستقل بشكل مفرط، وقد شاهدنا ذلك في ظل حكومة فيرديناند اينريكي كاردوسو عندما استدان البنك المركزي "22 مليار ريال" (حوالى 7 مليارات دولار) لإنقاذ ثلاثة صيرفيين.
وهكذا، توجد بحزب العمال توجهات مختلفة.
- ماذا ينوي منتخبو حزب العمال القيام به في حالة حدوث تناقضات بين الحزب واقتراحات الحكومة؟
أورلاندو فانتازيني – يمثل فريق منتخبي حزب العمال، الفريق الرئيسي بالكونغرس الوطني (مجلس النّواب والشيوخ ). وقد عقدنا اجتماعا، وقررنا ألا نكون ضمانة لقرارات الحكومة. إننا نريد أن يكون لنا حق المشاركة في النقاشات، وحق التدخل، وإبراز خلافاتنا.
في هذه المرحلة، ليس بيننا اختلافات عميقة، لأننا مازلنا إجمالا بجانب الاقتراحات. وإذا رفضنا مشروعات بعض الوزراء، فهي لم تتحول بعد إلى اقتراحات ملموسة. وقد كان المنتخبون واضحين جدا بهذا الصدد. نريد مشاركة فعالة في النقاشات حول المقترحات.
- هل هناك آفاق نضالية وسط السكان؟
أورلاندو فانتازيني – تعلق الجماهير أملا كبيرا على حكومة لولا. لقد انتخب بعد أن حصل على 60% من الأصوات. وفي ديسمبر 2002، بيَّن استطلاع للرأي أن أكثر من 76% من البرازيليين يؤيدون انتخاب لولا. سوف نحتاج إلى دعم السكان لمواجهة النخبة. لذا يخطئ الذين يعتقدون أنه من واجب الحركات الشعبية أن تنتظر. يتعين علينا إذا المساهمة حتى تتمكن هذه الحركات من أن تتنظم وتتطور، وحتى يكون المواطنون أكثر إلحاحا بصدد حقوقهم ووضعهم، الخ. يجب ألا نرتكب نفس خطأ تشافيز، الذي كان الدعم الشعبي له غير منظم تماما.
- هل لديك رسالة تريد نقلها للأمميين ؟
أورلاندو فانتازيني – هناك أسباب للتشبث بالأمل. لأن أغلبية الوزراء من مناضلي حزب العمال. يمكن لهذه الحكومة أن تغير جذريا – في الظروف الحالية – الإطار الديموقراطي للبلد، كي تتحول إلى حكومة ديموقراطية وشعبية، وتغدو حكومة اشتراكية للغاية.
من البرازيل
لقاء أجراه بياتريس ويتاكير
Rouge 16/01/2003
حكومة لولا
ساعة الاختيارات
يمثل تشكيل حكومة لولا انعطافا للوضع السياسي بالبرازيل وأمريكا اللاتينية، ونصرا للطبقات الشعبية ضد الإمبريالية وضد الطبقات المسيطرة بالبرازيل. يشكل فوز لولا أملا كبيرا جدا بأمريكا اللاتينية برمتها. وهو يشكل انتصارا لحزب العمال، ذلك الحزب الذي يمثل، منذ حوالي عشرين سنة، التعبير العضوي لنضالات النقابات والحركات الاجتماعية، رغم أنه غير ناتج عن تعبئة اجتماعية.
وتمارس الطبقات المسيطرة وكذا المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، في ظل موازين القوى الحالية، ضغطا رهيبا على السلطة الجديدة ببرازيليا، يتجلى في احترام التزامات البرازيل إزاء صندوق النقد الدولي، وتسديد الدين، والتفاوض حول اتفاقية التبادل الحر لبلدان أمريكا Alca (Zlea) ومحاربة التضخم. أما تعيين إينريكي كامبوس ميرليس، أول أمريكي لاتيني ترأس بنكا أمريكيا، واليا للبنك المركزي، وتعيين بعض الوزراء الذين يميلون إلى تقبل إملاءات صندوق النقد الدولي، فلا يسيران في الاتجاه الصحيح. وهكذا فإن حكومة لولا حكومة سوف تدير أعمال الطبقات المسيطرة، ولكن في سياق مطبوع بحضور قوي للحركات الجماهيرية، وخصوصا النقابات وحركات عديمي الأرض. فهي تمثل حكومة الأزمة. وهي توجد حاليا في مفترق الطرق. هل ستتجه صوب القيام بإصلاحات بنيوية هامة- على مستوى الإصلاح الزراعي وتركز الثروات، الخ؟ أو أن المساومات مع المؤسسات الدولية والمجموعات الكبرى الخاصة البرازيلية ومتعددة القوميات سوف تؤثر على سياستها؟ تتوجه «النواة الصلبة» لحكومة لولا حاليا نحو سياسة المساومات تلك. ولكن الفريق البرلماني بات يقاوم المشروع الحكومي حول استقلال البنك المركزي. وفي ولاية سيرتاوو، احتل فلاحون عديمو الأرض بنوكا لفرض منح قروض خاصة لتمويل الأراضي التي يحتلونها. في تلك الوضعية المتناقضة، يساند رفاقنا في تيار الديموقراطية الاشتراكية (اتجاه داخل حزب العمال، وعضو الأممية الرابعة) الحكومة، بل أن أحد أعضائه، ميـغيل روسيطو، عين وزيرا للإصلاح الزراعي. وقد رحبت حركة العمال القرويين بوجه خاص بتعيينه ونددت به كل جمعيات الملاكين العقاريين. تطرح المشاركة بالحكومة جملة مسائل، ولكننا لسنا مقدمي دروس، وعلى رفاقنا البرازيليين طبعا أن يقرروا توجههم. لا سيما أنهم شركاء في تأسيس هذا الحزب وتنشيطه، وأنه من الصعب إذن عدم تحمل تلك المسؤوليات.
عبرت أغلبية واسعة جدا عن تأييدها للمشاركة في حكومة لولا، أولا لأن الأساسي من تيارات حزب العمال، لا سيما يسار حزب العمال، يشارك في الحكومة، ثانيا بسبب دينامية الدعم الشعبي لهذه الأخيرة وضرورة خوض غمار تجربة الحكومة مع الحركات الاجتماعية. وبالعكس جرى التعبير عن موقف مساندة كل «خطوة إلى أمام» تتخذها الحكومة، دون المشاركة فيها لان تنازلات قيادة حزب العمال للضغط الليبرالي لا تتيح مشاركة حكومية.
وبصرف النظر عن مواقف هذا وذاك، يظل الأمر الحاسم متمثلا في ما ستنهجه الحكومة من سياسة.
تحقيق الإصلاح الزراعي أو الاستسلام للملاكين العقاريين؟ القطع مع اتفاقية التبادل الحر ببلدان أمريكا Alca أو تقبل إملاءات صندوق النقد الدولي؟ مساندة المطالب الشعبية أو التكيف مع الضغط الليبرالي؟ الذهاب إلى بورتو أليغري أو إلى دافوس؟ لا بد من الاختيار. لذلك يتعين على الثوريين في هذه المعركة - وميـغيل روسيطو واقف مسبقا بجانب الفلاحين عديمي الأرض - القيام بكل شيء للدفع بالحركة الاجتماعية وتطويرها وفرض الاستجابة للمطالب الشعبية. ذلك هو مفتاح الوضع.
فرانسوا سابادو
Rouge 2001 23/01/2003
« الخوف هو المنتصر »
مقابلة مع إلويزا هيلينا
مقدمة
الويزا هيلينا عضو بحزب العمال البرازيلي. انتخبت بمجلس شيوخ جمهورية البرازيل الفيدرالية. وتمثل به ولاية ألاغـواس الصغيرة بشمال شرق البرازيل. وإلويزا هيلينا عضو أيضا في اتجاه الديموقراطية الاشتراكية، الذي قبل أحد أعضائه منصب وزير الإصلاح الزراعي (ميغل روسيطو Miguel Rossetto)، في حين أعطي منصب وزير الزراعة لرودريـغيز ممثل رجال أعمال الصناعة الغذائية. ابتعدت مواقف إلويزا هيلينا، مرات عديدة، عن مواقف قيادة حزب العمال ولا سيما "النواة الصلبة" الحكومية، ومنها عند تعيين ميرييل - المدير العام الدولي السابق للبنك الأمريكي بنك بوسطن - بالبنك المركزي البرازيلي.
كانت إلويزا هيلينا امتنعت، قبل الانتخابات، عن السعي إلى الترشيح لمنصب حاكم الولاية لكون قيادة حزب العمال أرادت أن تفرض عليها، كمرافق في القائمة الانتخابية لمنصب نائب الحاكم، ممثل الحزب الليبرالي، الحزب اليميني الذي ينتمي إليه خوسيه ألينكار رجل صناعة النسيج الكبير ومرافق لولا في القائمة الانتخابية الرئاسية ونائب الرئيس الحالي.
نشرت لافولها دو ساو باولو La Folha de Sao Paulo في عددها ليوم 4 فبراير 2003 مقالا بعنوان: «ديرسو وخينينيو يستعدان لطرد" راديكاليي "حزب العمال». وديرسو هذا هو الوزير الأول وأما خينينيو فهو رئيس حزب العمال. كانت إلويزا هيلينا عرضة لإجراءات تأديبية بسبب تغيبها عن مجلس الشيوخ لكي لا تصوت لصالح خوسيه سارنيي رئيسا لذلك المجلس، طبقا لما فرضته قيادة حزب العمال على كل ممثليه بمجلس الشيوخ. كل ذلك يؤكد عناصر أبرزناها في مقالنا بتاريخ 26 ديسمبر 2002 تحت عنوان «حكومة لولا المتعددة».
عنوان «الخوف هو المنتصر» هو عنوان مقتبس عن المجلة الأسبوعية بيخا Veja.
وفي الواقع، كان لولا قد أعلن عشية فوزه في الانتخابات الرئاسية أن: «الأمل انتصر على الخوف».
بيخا - انتقدتم كثيرا قرارات حزب العمال في الحكومة. ما هي علاقاتكم الحالية بالحزب؟
إلويزا هيلينا – قطعت وعدا على نفسي بمناسبة السنة الجديدة، وسأبوح لكم به. قال لي أحد رفاقي: «إلويزا، هذه الموجة كبيرة بالنسبة إليك، لأن شعبية الرئيس هائلة، وكل الصحف تؤيده، لا يمكنك أن تقاومي تلك الموجة. فغوصي واهدئي». وقلت له: «موافقة! سأغطس. لكن ما العمل إذا وجدت نفسي أمام القرش الأبيض المتمثل في ضميري؟» وهكذا فإن وعدي بمناسبة السنة الجديدة هو كالتالي: لن أغطس.
بيخا – ما شعور الإنسان عندما يصبح حزبه عدوه السياسي؟
إلويزا هيلينا – الأمر مؤسف للغاية ومقلق جدا. أدرك كل ما كرسته لحزب العمال. فمن السهل حاليا على الإنسان التجول والنجمة الصغيرة على صدره (نجمة حزب العمال)، وأن يصبح من أنصار لولا الجدد ومن أنصار حزب العمال الجدد، الآن وقد أصبح الرئيس نجما شعبيا وغدت الصحافة تساند الرئيس بشكل كبير. ولكنني أنا التي تعرضت للضرب، وُقصف بيتي بالرشاش وكسرت أسناني، هذا الحزب لي.
بيخا - ناقشتم مع الوزير خوسيه ديرسو بمناسبة المصادقة على تعيين رئيس البنك المركزي، هينريك ميريليس. هل مازلتم في نزاع معه؟
إلويزا هيلينا – عبر لي أناس كثيرون عن اشمئزازهم من ذكره لي، في التلفزة، واصفا إياي بـ«تلك الفتاة». إذن، فيما يخص ذلك الصبي، المؤهل للغاية، أقول فقط إنني أتمنى أن ينجح في تشريف مسار حياته. ويدرك كل الناس حاليا في حزب العمال سهولة إقناعي بالحجج! لكن الضربات واستعمال القوة أسوأ الوسائل لإقناعي. وعندما ترمي القوة إلى فرض نفسها دون تأييد من بنية الحزب، أو أسوأ من ذلك، عندما لا تُستدعى هيئات الحزب سوى لإضفاء الشرعية على عمل الحكومة، يصبح الأمر اشد صعوبة.
بيخا - هل تفكرون في مغادرة الحزب ؟
إلويزا هلينا: من بين الأمور التي سأكرس لها كل قدراتي على النضال وعلى العمل مساعدة حزب العمال على تذكر خطاباتنا الحماسية المعارضة لفيرناندو اينريكي كاردوسو.
لكني لست مازوخية وأنا أدرك دوما أن كوني عضواً بمجلس الشيوخ وضع عابر. أما اليوم، الذي سيجبرني فيه العمل السياسي على الجلوس حول الطاولة مع لصوص ُيتسامح معهم، مع الذين يرتكبون كل ما يعاقب عليه القانون الجنائي، وُيستقبلون مع ذلك بابتسامات وأبواق في صالونات المجتمع الراقي، ذلك اليوم سأذهب لأكل الطبشور في حجرات الدرس. سأعود بكل فرح للتدريس في جامعة ألاغواس الفيدرالية. بالنسبة لي، إما الحار أو البارد أما الفاتر فيثير غثياني. وفضلا عن ذلك ليست علاقة الحب والهوية التي تشدني إلى الحزب مرتبطة بالرمز. وإذا لم يبق غير الرمز سأنصرف، ولو أني سأبكي وأنا اقبل نجمة حزب العمال، وآنذاك تبقى منه الذكرى.
بيخا- سوف يبتهج كثيرون لذلك.
إلويزا هيلينا- أعرف ذلك جيدا. حسب وتيرة الأمور الحالية، قد أتحول إلى ذكرى مرة بالنسبة لهم. لكن الأحزاب تولد وتموت. وتبقى أحيانا على قيد الحياة من وجهة نظر القوانين الانتخابية، لكنها مدفونة فيما يخص مبرر وجودها. أتمنى ألا يغدو الحزب بسرعة ذكرى تاريخية. سنشهد ذلك خلال هذه السنة. إنها أهم سنة في تاريخ حزب العمال.
بيخا - لماذا؟
إلويزا هيلينا – إنها سنة مناقشة الميزانيات والسياسة الاجتماعية، والبت بالقبول أو الرفض في أمر الفائض الذي يطلبه طفيليو صندوق النقد الدولي. وسوف تكون أيضا سنة المعارك الثلاثة الأساسية وهي: إضفاء المرونة على قانون الشغل، وتغيير قوانين التقاعد، واستقلالية البنك المركزي. ليس ثمة أي تنازل ممكن في ما يتعلق بتلك المسائل الثلاثة. على أي حال، لن يكون أي تنازل من جهتي.
بيخا - عارضتم مشروع توحيد أنظمة التقاعد الذي تقدمت به الحكومة. كيف يمكن، بنظركم، ضمان مستقبل أنظمة التقاعد؟
إلويزا هيلينا – يثور غضبي عندما يشرعون في الحديث عن مستقبل معاشات التقاعد، لأن ذلك يخفي سر الحكومة نفسها، التي لا تمد صناديق التقاعد باشتراكاتها، وتحول مجرى الموارد التي يجب أن تعود إليه، بطريقة غير قانونية ولاأخلاقية ورسمية. إن حكاية مستقبل معاشات التقاعد هذه أغنية وقحة وخادعة.
بيخا - هل تعتبرين نفسك متشددة، كما يصنفك رفاقك في حزب العمال؟
إلويزا هيلينا – ليس الأمر مسألة تشدد، ولا فكرة متسلطة. لا أحترم الفكرة المتسلطة سوى لدى أناس يعانون من مشاكل صحة عقلية. المسألة مغايرة تماما. تصوروا: شاركنا في استفتاء ضد تسديد الديون الخارجية. وصادقنا على قرار يدين بشدة الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولي وعواقبها – وذلك في الملتقى الوطني لحزب العمال، أعلى هيئات ديموقراطية الحزب. وطالبنا بتشكيل لجنة تقصًّ برلمانية للتحقيق في هوية الصيرفيين الذين حققوا أرباحا بنسبة 1000% باستعمال معلومات سرية. كيف يمكننا حاليا ترك أولئك الأشخاص، المشاركين في تلك السيرورة من موقعهم في بنيات البنك المركزي، في وظيفتهم بإدارة البنك المركزي؟ فإما أن نعتذر لأولئك الأشخاص الذين اتهمناهم، ولأسرهم وللمجتمع، أو نشرع في إجراءات تحقيق داخل بنية الحكومة نفسها.
بيخا - هل تقصدين حالة تيريزا غروسي (مديرة الضرائب بالبنك المركزي تحت إشراف أرمينيو فراغا، التي أعفيت من وظيفتها بعدما اتهمت في فضيحة بنك ماركا)؟
إلويزا هيلينا – هل من مبرر لحماية السيدة تيريزا غروسي؟ إن افتراض البراءة ضروري. لكن لا يمكن للناس قبول تلك المهزلة. فإما أننا كنا نمارس الديماغوجية السياسية، بتسلية النظارة عندما كنا نقول ذلك في منصة الكونغرس، وكذلك عندما كنا نطالب الناس بالتصويت لصالحنا خلال الحملة الانتخابية، وإما انه علينا حاليا تقديم توضيحات.
لأن ما لا يحق فعله هو الاستيلاء على الحركات الاجتماعية للحصول على أصوات، ثم تكييف الخطاب مع المستمع. هذا ما لا أقبل به ولن أقبل أبدا.
بيخا - هل تعتقدين أن لولا خان برنامج الحكومة؟
إلويزا هيلينا – أفضل أن لا أرد على ذلك السؤال. واعتقد أن التركيز عليه مناف للصواب.
بيخا - هل تحدثتم مع الرئيس بعد تقلد وظيفته؟
إلويزا هيلينا – لا. وقد أتفهم أن مهامه كرئيس اكبر من ذلك. ولكن لا أعتقد أن ما يحصل ناتج عن خطأ الرئيس، لا تتعلق المسألة بسوء نية فردية. إن ما يجري إظهار غير مقبول لضعف الحزب، ناتج عن عدم انتهاز لحظة تاريخية مواتية جدا للقيام بالتغييرات العميقة التي تحتاج إليها البرازيل والتي وعد بها حزب العمال في برنامجه. من المحزن جدا قول ذلك، لكن أعتقد أن الخوف انتصر على الأمل.
بيخا – أي نوع من ردود الفعل تثيره هذه الانتقادات؟
إلويزا هيلينا – ثمة من يقول إنني أضرب في حديد بارد. أدرك جيدا أن الأمر غير ذلك. حتى لو لم أجد مرافقا غير نفسي ستكون الرفقة جيدة. نصحني كثير من أحبائي بعدم إجراء هذه المقابلة الصحفية، وبالكف عن الحديث وعن اتهام حزبي. وأعتقد أنه من السهل اكثر الخلود إلى الهدوء، بإخفاء ما أفكر فيه. عندها قد أكون منشغلة بتقسيم ثروات السلطة بولايتي وتعيين مدير ما على رأس مؤسسة ما. لسُت ثمة وحسب بل أعرف أنهم كانوا يقولون هنا وهناك أن لائحة تدعمها إلويزا هيلينا اضمن وسيلة للبقاء خارج الحكومة. أما من الناحية الانتخابية فكل ذلك سيئ بالنسبة لي. لأن مركز الشخص، وكل تلك الأشياء الرمزية، لهما أهمية كبيرة في السياسة.
بيخا - وفي حزب العمال أيضا؟
إلويزا هيلينا – طبعا. تحدثت عن الوقاحة وعن نفاق من أسميهم أنصار حزب العمال الجدد، ولكن كيف لي أن انتقد أناسا يعلنون أنفسهم بشكل انتهازي أنصارا لحزب العمال بالمناصب، في حين نرى غالبا أن السلطة تغري أشخاصا داخل حزبنا نفسه؟
بيخا – كيف يجري ذلك الإغراء؟
إلويزا هيلينا – السلطة شيء مرعب. وعلى الناس أن يتدربوا يوميا على مقاومة إغرائها. انتم في المطار وتجدون أنفسكم في قاعة خاصة بالشخصيات المرموقة جدا، وُتدعون للسفر إلى الخارج، وتنشأ حولكم بنية كاملة من التملق، وتنفتح أمامكم كل الإمكانيات بسبب وظيفتكم. لذلك أقول لأبنائي في البيت: لا تهتموا بحكايات القاعات المخصصة للشخصيات المرموقة وحكايات «أنا ابن عضو بمجلس الشيوخ». أسكن شقة وظيفية، حيث الأريكة هناك للجميع. لذلك لا يحق لأبنائي انتعال أحذيتهم فوقها. (...)
الأحد 9 فبراير 2003
• تقرؤون هنا القسم الأكبر من المقابلة التي أجرتها بيخا. تلك المجلة الأسبوعية توزع على نطاق واسع في البرازيل. نشرت المقابلة في عددها 1787 الصادر بتاريخ 29 يناير 2003.
«لا أوهام لدينا» مع انتخاب لولا
مقابلة مع سيرجيو أنطونيو غورجين، أحد مؤسسي حركة العمال القرويين دون أرض بالبرازيل.
جيزوس راميريز كويباس، مازيوسار
تشكل حركة العمال القرويين دون أرض MST أهم حركة اجتماعية بالبرازيل حاليا. عبأت هذه الحركة طيلة 20 عاما آلاف العمال القرويين دون أرض لمحاربة الظلم في المجال الزراعي في أمة حيث تستولي نسبة 1% من الملاكين على 43% من الأراضي. استعادت الحركة إلى حد الآن الأرض لمصلحة أكثر من 350 ألف أسرة. كما كسبت حركة العمال القرويين دون أرض MST، المنظمة ديموقراطيا في القاعدة، وباستقلال عن الأحزاب، مواقع في المجالات المؤسسية. وأمام فوز لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان حليفها التاريخي، تواجه حركة العمال القرويين دون أرض MST تحدي مساندة حكومته دون التخلي عن التعبئة والنضال. لذلك صرح أحد قادتها سيرجيو غورجين:« فزنا بالحكومة، ولكن ليس بالسلطة».
ترتبط حياة سيرجيو أنطونيو غورجين، وهو رجل دين فرانسيسكاني اختار النضال مع الفقراء، بتاريخ حركة العمال القرويين دون أرض MST التي كان من مؤسسيها. وقد سبق أن عينته الحركة للمشاركة كمدير للإصلاح الزراعي بحكومة أوليفيو دوترا بولاية ريو غراندي دو سول. وهو حاليا نائب لحزب العمال بتلك الولاية. زار قبل أيام قليلة المكسيك وأجرى حوارا مع مازيوسار، تطرق فيه لمسار تلك الحركة الاجتماعية التي تمثل إحدى أهم الحركات في القارة.
تشهد البرازيل أحد تركزات ملكية الأرض الأكثر أهمية في العالم: حيث أن 1% من الملاكين يملكون 43% من أرض البلد. لذلك طبعت النضالات لأجل الأرض القرن العشرين. سعى الفلاحون إلى إعادة تملك أراضي الدولة، لكن عندما نفذت هذه الأخيرة شرعوا في الاستيلاء على الملكيات الزراعية الكبرى [لاتيفونديوس].
يوضح سيرجيو أنطونيو غورجين كيف قمعت الديكتاتورية العسكرية عام 1964 حركة الفلاحين واغتالت العديد من قادتها أو أجبرتهم على اللجوء إلى المنفى. لكن عام1975، في ظل النظام العسكري، أسست مجموعة من الأساقفة والقساوسة التابعين للكنيسة الكاثوليكية لجنة لاهوتية رعوية1 للأرض. ساندت تلك الهيئة نضالات الفلاحين عديمي الأرض والفلاحين الصغار.
في عام1979 استولت مجموعة من الفلاحين لأول مرة على أراضي بولاية ريو غراندي دو سول. ويتذكر الراهب الفرانسيسكاني قائلا: «رغم المضايقة العنيفة من العسكر، دافعت الكنيسة الكاثوليكية عن الفلاحين القرويين دون أرض الذي انتصروا في الأخير في معركتهم، ومن هذا المعسكر انبثقت حركة العمال القرويين دون أرض قبل 24 سنة» ويضيف «كان ذلك في البداية داخل اللجنة الرعوية ثم أعلنت لاحقا استقلالها، لكن حافظت على علاقات جيدة مع رجال الدين».
مذاك تطورت حركة العمال القرويين دون أرض MST في البلد برمته. ويضيف غورجين «كفت عمليا النضالات بالمدينة التي كانت مهمة خلال الثمانينيات بسبب الأزمة الاقتصادية والبطالة والضغوط على النقابات. وأتاح ذلك بروزا كبيرا لحركة العمال القرويين دون أرض في وسائل الإعلام وفي المجتمع البرازيلي. وأيضا عندما قمعنا من طرف كبار ملاكي الأراضي»...
وجرى اغتيال 19 فلاحا دون أرض بدورادو دي كارخاس بولاية بارا عام 1996. «أثار ذلك انتفاضة وطنية. ونظمت حركة العمال القرويين دون أرض MST مسيرة طويلة من ساو باولو إلى برازيليا (2500 كيلومتر). وكنا بدخولنا للعاصمة أكثر من 100 ألف شخص. كان لذلك تأثير كبير على الصعيد الوطني. وتعززت الحركة ووسعت حضورها في 22 ولاية من ولايات الفيدرالية السبع والعشرين.
تمكنت حركة العمال القرويينMST من تأمين إقامة وإعادة إسكان ما يفوق 350 ألف أسرة مزارعين من بين 5 ملايين أسرة دون أرض بالبلد.
الفقراء يمارسون السياسة
كتب دارسي ريبيرو أحد اشهر علماء الإناسة(*) بالبرازيل أن حركة العمال القرويين دون أرضMST تشكل «اقتحام المقصيين الأول للسياسة الوطنية وبركانا انفجر فجأة».
قال سيرجيو غورجين بهذا الصدد إن «السياسة في حركة العمال القرويين دون أرض MST من فعل فقراء ومواطنية شعبية». وعلى عكس الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب اليسار «حيث يهيمن مثقفو الطبقات الوسطى على السلطة الداخلية، فإن حركة العمال القرويين دون أرض بناها ويديرها العمال القرويون عديمو الأرض أنفسهم».
ويواصل غورجين حديثه قائلا: «تلقى آلاف الفلاحين خلال سنوات قليلة تكوينا سياسيا هاما». و«ينذهل المجتمع عندما يرى فلاحين بسطاء يناقشون مع الرئيس والموظفين والنواب أو المثقفين. على هذا النحو سوف تدخل الطبقات الشعبية المسرح السياسي».
أمكن هذا كله، حسب قائد الحركة، لان MST منظمة غير ممركزة. فكل مخيم يقرر شكل تنظيمه السياسي والاقتصادي والجماعي communautaire. إن شبكة توطدها الديموقراطية في القاعدة هي التي تتمفصل في بنية على صعيد الولاية وعلى الصعيد الوطني».
لكن تنامي الحركة، يضيف غورجين، أجبرها على «إدراك أن التعبئة لا تكفي وأنه لا غنى عن مزاوجة النضال الاجتماعي المباشر والبحث عن مساحات أهم في المؤسسات للرفع من قدرة الحركة على التأثير على مراكز القرار».
لذلك تقدم حركة العمال القرويين دون أرض مسؤولين وعمدات ونوابا وأعضاء في مجلس الشيوخ «للدفاع عن مواقفها في الساحة السياسية» حسب غورجين. كما تقدم حركة العمال القرويين دون أرض موظفين لحكومات اليسار عندما تريد تطبيق برامج لها «أهمية إستراتيجية بالنسبة للحركة، مثل الإصلاح الزراعي».
إدراكا منه للمخاطر الناجمة عن ذلك، يشير غورجين إلى «أنها طريقة جديدة لممارسة السياسية متعارضة مع الترسيمة الكلاسيكية. وبنظر حركة العمال القرويين دون أرضMST يجب ألا تكون الحركات قناة لتمرير قرارات أي حزب من الأحزاب وبالأحرى الدولة، بل عليها أن تحافظ على استقلالها، ومن ثم التفاوض حول مطالبها. ولا يعني وجود أعضاء من حركة العمال القرويين دون أرضMST في أحزاب أو كنواب أو موظفين احتواء للحركة. لأن هؤلاء لا يُعاملون كرفاق بل كأطر للدولة. وذلك أمر جديد تماما».
«إقامة رقابة شعبية على السلطة الوطنية»
منذ انتصار لويس إناسيو لولا دا سيلفا الحليف التاريخي لحركة العمال القرويين دون أرضMST، تواجه هذه الأخيرة معضلات عديدة. «شكل لولا الحكومة بعد تحالفه مع قطاعات ليبرالية ومن أرباب العمل». لم يشكل ذلك مجرد انتصار لليسار. ويحذر غورجين قائلا: «رغم أن حركة العمال القرويين دون أرض MST ساندت حملات لولا الأربع، فإنها لن تتخلى عن التعبئات».
«ليس نضال حركة MST موجها ضد الحكومة بل ضد بنية البرازيل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أي لملكية الأرض. وسنواصل الاستيلاء على الأراضي وتنظيم مسيرات. فالضغط الشعبي هو أيضا جزء من الديمقراطية».
ويشير غورجين إلى أن أحد التناقضات التي تعترض حركة العمال القرويين دون أرض MST تكمن في «أن اليسار شهد تقدما كبيرا مع لولا لكنه لن يتمكن من تطبيق ما وعد به في البداية من تغييرات جذرية نظرا لضيق هامش تحركه. إنها مفارقة: نحن في الحكومة لكن لسنا في السلطة. ليس لدينا أي وهم».
ويؤكد غورجين أن «الديموقراطية في إطار النيوليبرالية تهريج» ويضيف «رغم أننا انتخبنا رئيسا، فإن الذين يقررون هم البنك العالمي والشركات الكبرى عابرة القارات». لذلك تسعى حركة العمال القرويين دون أرض MST إلى إقامة رقابة شعبية على السلطة الوطنية. ليس المقصود الوصول إلى الحكومة للقيام بنفس ما قام به دوماً الآخرون. ويتمثل اقتراحنا في تكوين فضاءات قرار خاضعة لرقابة ديموقراطية من السكان.
ويشير سيرجيو في هذا الإطار إلى أن الإصلاح ليس مسألة اقتصادية وحسب بل يستلزم أيضا الدفاع عن نمط حياة هو الزراعة القروية. وهو في نفس الآن شكل آخر للسلطة لأن الحشود الفلاحية تستولي على الأرض التي كانت بيد كبار ملاكي الأراضي.
وباختصار يختم قوله «هذا ما تدافع عنه الحركات مثل حركة العمال القرويين دون أرض والسكان الأصليين في تشياباس: إننا نقترح بدائل ديموقراطية ومقاومة منظمة ضد نموذج اقتصادي يقصي الفقراء. ذاك هو التحدي الذي نواجه حاليا».
مقتبس من روبليون Rebelion 20 مايو 2003
انزلاق اجتماعي- ليبرالي
بعد مضي 100 يوم الأولى من عمر حكومته، أدار لولا ظهره لالتزاماته دافعا بجملة أولى من الإصلاحات الليبرالية.
يتساءل البعض، بعد أربعة أشهر على تقلد لولا منصب رئيس الجمهورية، إن لم يكن الخوف قد انتصر على الأمل، عكس شعار الحملة الانتخابية الذي وعد بانتصار الأمل على الخوف.
يتفق أغلب المتتبعين على أن مواصلة لولا لسياسة فرناندو اينريكي كاردوسو المنتقدة سابقا بشدة غلبت بوضوح الميول الضعيفة نحو القطيعة. إذا كانت معارضة برلمانيي حزب العمال قد أجبرت الحكومة على تأجيل إضفاء الاستقلال الرسمي على البنك المركزي، فإن الرأسمال المالي حصل على ما هو أساسي من خلال تعيين ميريليس على رأسه ومن خلال الأرثوذكسية المالية لوزير الاقتصاد بالوتشي المهووس بتحقيق تضخم مالي بنسبة 8% مهما كانت الكلفة الاجتماعية لتلك السياسة. هكذا استحقت الحكومة مدائح سلطات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، بل إن مدير هذا الأخير، هورست كولير، ذهب إلى حد اعتبار لولا «رجل دولة القرن الواحد والعشرين»! وفي الواقع تحظى الحكومة حاليا بدعم أشبه بوحدة وطنية ممتدة يمينا إلى تحالفات أوسع من تحالفات الحملة الانتخابية.
اللامساواة
الإصلاحات خجولة جدا على المستوى الاجتماعي. وقد جرى السكوت عن برنامج «محاربة الجوع»، الذي كان راية حزب العمال خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، وذلك لانعدام تمويل. نفس الشيء بالنسبة لملفات الأجور أو الإصلاح الزراعي. إذ لا يمكن من جهة الالتزام باستخلاص فوائض مالية وتجارية للوفاء بأداء خدمة الدين كاملا وفي الحال، والاستجابة من جهة أخرى للتطلعات الاجتماعية لبلد من بين اكثر البلدان لامساواة في العالم. يبرز هذا التناقض التفجري في مشروع لإصلاح أنظمة التقاعد يحكمه منطق عام شبيه بمشروع رافاران- فيلون، إلى جانب التدابير التقنية أو الضريبية المقترحة باسم عدالة أفضل بين القطاع العام والقطاع الخاص كما بفرنسا. وهو بوجه خاص يمدد بسبع سنوات مدة مساهمات أجراء الوظيفة العمومية. إن هذا الإصلاح الذي حظي بموافقة جميع حكام الولايات، من اليمين واليسار- وهذا استثناء- هو من نوع الإصلاحات التي بذل كاردوسو قصاراه طيلة ولايته التي دامت ثماني سنوات لأجل تمريره لكن دون جدوى. انه السيناريو الكلاسيكي: تكليف يسار الوسط بتطبيق تدابير تقهقر اجتماعي من شأنها تفجير الوضع الاجتماعي إذا طبقها اليمين.
وجلي طبعا أن مسار الحكومة الاجتماعي-اللبرالي الصريح في المجال الاقتصادي والاجتماعي يخيب آمالا ويثير مقاومات وسط الحركات الاجتماعية كما في صفوف حزب العمال. وتعارض النقابة المركزية الوحيدة للعمال إصلاح أنظمة التقاعد معارضة واضحة. وتتعبأ حركة عديمي الأرض وقد حدثت اشتباكات في بعض الولايات مع الفرق المسلحة التابعة للمالكين الكبار. وتعلو انتقادات في أوساط المثقفين، ولدى اقتصاديي اليسار وبين برلمانيي الحزب. ويستدعي فرض هكذا انعطاف وما يستتبعه من إجراءات لا شعبية تسييد النظام في صفوف الحزب وتحويله إلى آلة لتمرير السياسة الحكومية. ذلك معنى الإجراءات التأديبية التي أعلنتها قيادة حزب العمال التي قررت في أواخر مايو، بـ 13 صوتاً مقابل 7، تقديم ثلاثة برلمانيين (عضو مجلس الشيوخ إلويزا هيلينا المنتمية إلى تيار الديموقراطية الاشتراكية والنائبين لوسيانو خينرو وبابا) أمام لجنة تأديبية (المسماة طبقا للمناخ الجديد لجنة أخلاق)، وإيقاف لوسيانو خينرو ونائب آخر فورا من المجموعة البرلمانية، لإقدامهما على نشر شريط مسجل عام 1987 كان لولا يحارب فيه نقطة بنقطة الإجراءات التي يطبقها حاليا.
محاكمة رأي
سبق لإلويزا هيلينا أن رفضت التصويت لصالح رئاسة ميرليس للبنك المركزي ولصالح رئاسة الأوليغارشي سارنيي المرتبط بمافيا شمال شرق البرازيل لمجلس الشيوخ. صرح أولئك النواب الثلاثة المتهمون بأن مشروع إصلاح أنظمة التقاعد مناقض لتوجهات مؤتمر حزب العمال الأخير (ديسمبر 2001) ومناقض للسياسة المتبعة ضد مشاريع كاردوسو ولا يمكن التصويت عليه في هذه الحالة. إن تهديدهم ما هو في المرحلة الراهنة غير محاكمة للرأي وللنوايا. إن معناه واضح. يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كان حزب العمال سيحتفظ بحرية التعبير والفعل بصفته حزبا مستقلا عن الحكومة أم سيصبح مجرد أداة لتمرير قرارات الحكومة وسط المجتمع المدني على حساب مصداقيته الاجتماعية.
ارتفعت أصوات عديدة ذات وزن ضد محاكمة "الراديكاليين الثلاثة"، منها أصوات عضو مجلس الشيوخ إدواردو سوبليسي ودوبلينيو سامبايو (ممثل القطاعات المرتبطة بالكنيسة) والصحفي أمير صادر وعالم الاجتماع تشيكو دو إوليفيرا أو الفيلسوف باولو أرنتيس. وحسب استطلاع للرأي أجرته جريدة فولها دو ساو باولو واسعة الانتشار (في 21 مايو) يرى 57% من الأشخاص المستجوبين أن موقف "الراديكاليين" شرعي ووفي لموقف لولا عام 1987، بينما يرى 8% فقط أنهم تجاوزوا الحدود. وبشكل مواز، يعارض اقتصاديون مشهورون، مثل ماريا دا كوسيسيو تافاريس، السياسة الاقتصادية للحكومة وتسائلها شخصيات عن موقفها من مشروع اتفاقية التبادل الحر لقارة أمريكا.
استنكار
في هذا السياق، تشكل مسطرة الطرد المحركة ضد الثلاثة امتحانا. هكذا صرحت رفيقتنا إلويزا مؤخرا أنها لن تقبل التخلي عن موقفها حول إصلاح نظام التقاعد، لأنها حسب قولها "من أنصار جان دارك وليست من أنصار غاليليو" ( أنظر جريدة لوموند الصادرة في 25 مايو).
إن كل الذين عايشوا ولادة حزب طبقي بالبرازيل وساندوه سوف يصدمون بالسرعة التي أدارت بها القيادة ظهرها لمبادئها والتزامها. وسيستنكرون أخلاقيا وسياسيا تهديدات التطهير ضد المناضلين الراديكاليين ويعلنون تضامنهم الكلي معهم.
دانييل بنسعيد وفرنسوا سابادو روج 29 مايو 2003