حرب الشيشان حرب تحرير وطني و ليست حربا دينية

نرين طلعت حاج محمود

الحوار المتمدن-العدد: 647 - 2003 / 11 / 9 - 06:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

 ( إننا مستعدون للتحالف مع الشيطان كي نتخلص من الروس )
حين ذَكرتُ لفتاة  مسلمة من جمهورية كباردينيا الواقعة في شمال القفقاس بأن فتاة من مدينتي تزوجت بشاب تلتقي معه في الجد الثاني , قالت الكباردينية مستهجنة الأمر :إن ّهذا  مشين و محرم ,  كسفاح القربى , لا يجوز الزواج ممن يحملون دماء الأم أو الأب , هذا عار كبير في العرف القفقاسي .
فقلت لها :ألست مسلمة ,  إنَّ الرسول (ص) لم يحرم الزواج من أبناء العم أو أبناء  الخال
فاتهمتني باني لا أعرف شيئا عن دين الإسلام و لا عن الرسول (ص) .
و حين شعرت باني سأسبب لها تناقضا لو اثبت لها أنَّ الدين الإسلامي لا يمنع زواج الأقارب , فضلت الانسحاب من الحوار .
و حين سأل أحد أصدقائي إمام جامع في إحدى القرى التابعة للعاصمة نالتشك : كيف تبارك زواج فتيات قريتك  المسلمات من شبان مسيحيين من القرية المجاورة.
أجاب مفتى القرية القفقاسي بكل بساطة: أليسوا جميعا قفقاسيين, و حين يتزوجون من بعضهم ,ألن ينجبوا أبناءأً قفقاسيين أيضا .
و حين كنت أجادل شاب شيشاني في عدم جدوى رفع الشعارات الإسلامية في حرب التحرير الشيشانية ,طلبت منه أن يثبت لي من خلال آية قرآنية عن حق شعب بالجهاد إذا كان في حال شبيهه بحالتهم , فتردد ثم قرأ لي بعربية ركيكة بضع عبارات من آية الصمد , دون أن يفقه شيئاً من معناها . فقلت له : لا يوجد ما يثبت دعوة القرآن لهم بالجهاد.
 فأجاب محتدا: نحن مستعدون للتحالف مع الشيطان كي نتخلص من الاحتلال الروسي .
يلتحق طلاب الثانوية من شبان و شابات الشيشان بالمقاتلين ,و دافعهم إلى ذلك القهر الروسي و  الرغبة بالحفاظ على شعبهم أمام التذويب السلافي  و شعورهم أنّ كرامتهم ستتحقق فقط حين يتم الاستقلال .
حين استعصى على جوهر دوداييف منع جنوده من تناول المشروبات الروحية في ساحة القتال و لم ترق لهم  فكرة أنّ الرسول (ص) حرم شرب الخمر اضطر لإصدار أوامر عسكرية لمنعهم على الأقل من تناولها في خطوط المواجهة مع الروس خلال العمليات العسكرية .
 مفارقة كبيرة جدا أن يرفع الشعارات الإسلامية أبناء هذه الثقافة .
و المفارقة الأكبر كيف انقلب  المناضلون القوميون إلى رافعين للشعارات الإسلامية خلال بضع سنين,مابين سنوات حرب تحرير الأبخاز في (92-93) م  و حرب تحرير الشيشان التي بدأت في 1994.
حين أعلنت أبخازيا ذات الأغلبية المسيحية  استقلالها أسوة بكل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق قامت جورجيا باحتلالها عام  1992 م , و قام الشعب الابخازي بتجميع قواته و شن الهجوم على المحتلين لتحرير الأرض الابخازية و وقفت إلى جانبهم شعوب شمال القفقاس و ذهب المتطوعون الشركس و الشيشان  إلى أبخازيا و حاربوا الجورجيين على ترابها و لم تثير أية غرابة بالنسبة للثقافة القفقاسية أن يحارب المسلمون من الشيشان و الشركس إلى جانب إخوانهم الأبخاز المسيحيين , بسبب الإحساس العميق  بالوحدة القومية و الثقافية التي لا تدع فرصة للاختلاف الديني ليمزق هذه الوحدة , و استشهد الكثير من الأبطال الشركس و الشيشان في حرب التحرير الابخازية و أقيمت عليهم الصلوات المسيحية في أبخازيا و بعد إعادة جثمانهم إلى ذويهم في  الشيشان وفي دول الشرق الأوسط أقيمت عليهم الصلوات الإسلامية , و لم يكن أيا  من هذه التقاليد غريب على مجتمعات نادرا أن يُسأل فيها  شخصا ما عن ديانته .
فكيف تحول المقاتلون الشيشان بعد ثلاث سنوات أو أقل من الحرب التي خاضوها إلى جانب الأبخاز المسيحيين من أجل تحقيق الاستقلال , و لم يتساءلوا فيها كثيرا أو قليلا  هل سيكون مصيرهم النار أو الجنة و هم يحاربون إلى جانب شعب مسيحي ,ثم تحولوا  في سنوات الحرب الشيشانية إلى رفع الشعارات الإسلامية و شيئا فشيئا تعلموا  تصريحات منظمات الإسلام السياسي و أطلقوا على المحتلين  الروس اسم الكفار ( بالعربية ) , و دون أن يطلقوا على أبناء قوميتهم المسيحيين  من القبرتاي الشركس أو الأبخاز هذه التسمية لأنهم لا يشعرون  بالتفرقة الدينية فيما  بينهم .
و تنجلي هذه المفارقات حين نتذكر  أن حرب الأبخاز بدأت في الوقت الذي لم تكن فيه منظمات الإسلامي السياسي قد تغلغلت و اكتشفت حاجات تلك الشعوب كي تستغلها أحسن استغلال , إضافة إلى أن موقف أبخازيا كان اقوى في حربها مع جورجيا و استطاعت تحقيق انتصار حاسم و نيل الإستقلال  خلال عام  ,  أما  موقف تشاشينيا كان اضعف بحربها مع روسيا و لعب المناضلون القوميون فيها بالنار  و أرادوا أي حليف أمام صمت الدول الأوربية تجاه إعلانهم الاستقلال منذ عام 1990 ,  هذه الدول التي دعمت استقلال شعوب أخرى بالاتحاد السوفييتي  و صمتت أمام استقلال الشيشان.
 و لكنّ  الذي أتى على البيت الشيشاني بعد نيل الاستقلال عبث منظمات الإسلام السياسي و أعمالها  المخالفة لأهداف الشعب الشيشاني . 
                                                                                                                 

#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات