أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد ساحلي - الأخ الذي يشبهه كثيرا














المزيد.....

الأخ الذي يشبهه كثيرا


خالد ساحلي

الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 09:10
المحور: الادب والفن
    



لم يكن مضطرا ليشرح لهم استيائه من وضع معين ، لا يمكنه الإفصاح عما يضايقه ، برغم تكتمه الطويل و انطوائه على نفسه ، لم يكن يرى في هروبه من الناس و اتساع الوحدة التي تحتضنه غير خلاص يحميه . تشرده في عالم الأفكار والأخلاق يشعره بحقارة حلقة راهنه المطوقة له ، يتسلى في حديقة عالمه الخاص الذي أوجده ، جدران وهمية فاصلة بناها تجنبا لسعار صامت قادم من كل الجهات ، سيل جارف ، لقد جعله مصنفا في الألوان الممنوعة الدالة على الحتف و الفناء . الهلاك يتربص به دائما، الأخطار المحدقة به لا تظهر إلا في حدود الثوران الهائج لانفعالاته ، لم يحتـّج يوما على الله ، بل روح الأديان كلها تسكنه ، لا يفرق بين الأنبياء ولا بين الأقوام ، هو لا يحتاج لواعظ يقتات من خطب المنابر ليصلح حاله ولا لتعويذة دجال ، يرفض يد السياسي المبشر بالجنة على الأرض . كم رأى في الباحث عن الملك صورة شيطانه تسكن الزجاج المصقول ؟ تساءل كم مرة إن كان الناس حقا يرون صورا أخرى غير صورهم ، كان يهزأ بالصور الخفية الناظرة في مرآة البشر وهي تحسّـن من مظهرها ثم تمضي بمساحيق تمارس مهنتها القديمة القذرة .
قبل تحويل الفكرة إلى فعل لم يكن مضطرا لإخبارهم باختياره الفرار إلى جحر لإدراك مسؤوليته على الحياة المتبقية ، الجحر الذي كان قد تمناه . استمتع بهروبه من شاهق زهد إلى شاهق متعة، مؤانسة برحلة دائمة لشاهقات شامخات تبعده عن الإبر الواخزة. ولكي لا تستحيل حياته إلى مشرحة عذابات .
كان قليلا ما يظهرإلى العلن ، يعيد نفس الجملة لكل من كلـّمه في طريقه ، لا يخرج للناس و لا يلتقي بهم إلا نادرا ، كان الناس يحيونه ، يضطر ليرد عليهم بأن ذاك الاسم هو اسم أخيه الذي دفنه من سنين عديدة ، و بأنهم مخطئون فأخوه يشبهه كثيرا، لم يكن مرغما على أن يحكي لهم كيف تمكن المرض من أخيه، كيف غيـّر له شكله وهدّ أعصابه ، لم يكن من أحد ليغيثه أو يسعفه ، كان يعتقد سابقا أن الأصوات المنبعثة من كل الجهات تستطيع حمايته كما أظهر له الناس الآخرين كذلك . كان واهما يوم صدّق الأبواق الشبيهة بصفارات الإنذار، واهما بقرع أجراس الاستراحة لصلاة وطمأنينة، اليوم لم يكن ليسمع المؤذنين بالخلاص و المسعفين يؤذنون للإنقاذ.
تفرقت الأصوات ، اختفت أمكنتها ، انمحت آثارها ، جفّت مصادرها ، كان أخوه يصارع الخوف وحيدا ، حتى خيالات الأصوات لم يعد يتوهمها.
قبل موته وحيدا كان يسأل و يهذي بأسماء أعتقد روح الملائكة تسكنها ، لم يكن المرض غضب الرب فهو يعرف الله ورحمته حين فر إليها ذات مساء كان قد قرر فيه وضع حدٌ لحياته ، لكن كلـّّمه الله بآية لبست صورة طائر جميل حط على مقربة من الجسر وراح يغني بصوته الرخيم ، لقد كان استدعاءً لباقي العصافير التي حطت على مقربة منه وراحت بدورها تقفز هنا وهناك منشدة شاكرة الخالق على هذا المساء المفعم بالدفء وعلى هذه الشمس الراحلة مع شفق الغروب بمنظر ساحر يبث رهبة في النفس .
قبل أن يموت أخاه وحيدا، حضرت الأرواح المسكونة بالشر و الشيطان، الشيطان الذي باع و أشترى معه العداء. الأرواح تتركه الآن ينام بسلام ، لم تفسد عليه رحلته الجديدة ، لم تصنع له لحن القول في لسانه حتى يوصي بما يشاء فلا أحد يسمعه ،الحقيقة التي لطالما قيدوها على لسانه ستموت على لسانه كما خلقت .
دفن أخاه الذي يشبهه كثيرا لكن مع هذا ترك له إرثا، لا يستطيع إظهاره. أخذ عنه أسرارا أخفاها و أخفى معها جرحا كبيرا و كحولا حارقة. حزن كثيرا لفراقه. انتهت حياته أو قد تنتهي هكذا بدا له الأمر، ربما قلّ حظه من الذكاء لذا قرن استمرار الحياة لأجل حكمة ما لم يصل تفكيره لفهمها.
كلما حيـّاه الناس يرد عليهم بأنه ليس المعني، إنما ذلك الاسم كان اسم أخيه الذي دفنه من سنين وكان سببه طاعون حلّ بالمدينة ولم يصب غيره.

خالد ساحلي



#خالد_ساحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبح منتصف الليل
- قفازان قصص قصيرة جدا
- مع الأميرة في منتصف الليل
- x قصص قصيرة جدا
- تمثال الجندي المجهول قصة قصيرة جدا
- صاحب الوجه المرن قصة قصيرة
- الأصبع و الذباب قصة قصيرة
- الرجل الصالح
- المهاجر قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا الحكواتي
- ورثة البخيل
- قصص قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا دعاء
- الحذاء
- المسمار ( المتقادم في الزمن )


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد ساحلي - الأخ الذي يشبهه كثيرا