نايف أبو عيشه
الحوار المتمدن-العدد: 2095 - 2007 / 11 / 10 - 07:25
المحور:
الادب والفن
-1-
في الانتفاضة الاولى . كان الاضراب الشامل يعم المدينة استجابة لبيان القيادة الموحدة . الحركة مشلولة تقريبا , ولا يرى في الشوارع سوى الجيبات العسكرية , وجنود الاحتلال عند حواجز التفتيش التي اقيمت فجاة على المفترقات الرئيسة للمدينة وخاصة تلك المؤدية للمستشفى , وبعض السيارات التي تمرق بسرعة لاتجاهات مختلفة , محاولة تفادي الحواجز العسكرية والمتاريس والاطارات المشتعلة من قبل الشبان الملثمين , ومن بعيد كانت ترى اعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة من اماكن عدة . تردد بعض الوقت قبل ان يقود سيارته عبر طرقات جانبية ليتفادى نقاط التفتيش الثابتة في وسط المدينة تقريبا . فوجيء بمجموعة اطفال صغار لا تتجاوز اعمارهم اربع سنوات , وقد وضعوا الحجارة وبعض الخردوات في الطريق الضيقة التي تمر من امام بيوتهم . توقف بسيارته وشملهم بنظرة اعجاب وهو يبتسم في قرارة نفسه عندما لاحظ كا منهم يحمل بكفيه الصغيرتين حجارة صغيرة كحبات الليمون , تقدم احدهم نحوه بينما احاط الباقون بالسيارة في حالة تاهب لرشقها بحجارتهم الصغيرة . سال قائدهم الذي وقف ملاصقا بجسده الصغير للسيارة وساله بنبرة آمرة وعلى ملامحه البريئة ارتسم الغضب واضحا " ليث ماثي بثيالتك . مث عالف ان اليوم اضلاب ثامل ؟" رد عليه وهو يكتم ابتسامته من لثغة الطفل المحببة , ويتامله باعجاب " عشان كنت ازور الجريح في المستشفى " ساله الطفل ثانية وكانه لا يقتنع بمبررا اختراق الاضراب " انت ما بتعلف ان المثي ممنوع في الاضلاب الثامل ؟"اجابه وهو يبتسم " معلوم اعرف انه ممنوع يا بطل, لكن انا كنت بالمستشفى ازور واحد تصاوب من الجيش امبارح , مش طالع اشم الهوا " ساله الطفل بعناد كانه لا يقتنع " ايث علفني انك كنت بالمثتشفى , مث طالع تثم الهوا ؟" رد وهو يخرج بعض حبات الحلوى من جيبه ويمدها نحو الطفل " خلص تعال معي بالسيارة ونسال المستشفى اذا الكلام صحيح او لأ . ايش رايك . موافق ؟"ساله ثانية دون ان ينظر لحبات الحلوى القريبة منه " واذا كلامك مث ثحيح , نتثلف حثب التعليمات " رد عليه بنبرة جادة " انا موافق , اعمل انت والابطال اللي معك كيف بدك وحسب التعليمات " استدار ناحية المجموعة المتاهبة لالقاء الحجارة , تهامس معهم للحظات , وعاد ثانية يقول " خلث عمو . هالمرة ثماح لانك كنت في المثتشفى . بث هثه لوح على الدال بثلعة احثن غيلنا ما يثمحوا لك تملق ويمكن يكثلوا لك الثيالة " ازاحوا الحجارة من الطريق بسرعة وقبل ان ينطلق بسيارته حاول ان يعطيهم حبات الحلوى وهو يشكرهم ويشجعهم على تنفيذ التعليمات , الا ان قائد المجموعة رفض اخذ حبات الحلوى وقال بنبرة جادة " مع الثلامة عمو . خلث ما بدنا ملبث ولا ثي , المهم الجع للبيت بثلعة " ابتعد عن المكان وهو يفكر بمستقبل هذا الجيل من الاطفال الابرياء الذين حولتهم الانتفاضة الى رجال مع تفتح الوعي لديهم , ونبتوا في ميدانها كما تنبت حبات اللوز المزروعة بين الصخور الوعرة !
-2-
عندما عاد الى البيت , كانت زوجته تحضر وجبة الافطار , بينما اولاد يشاهدون التلفاز , وحين سالته عن المصاب اخبرها بشكل مقتضب عن حالته , وبعد لحظات من الصمت حكى لها ما حدث معه بالطريق . قالت مازحة " لا تحكي للاولاد بعدين يطلعوا يعملوا مثلهم " . قال بعد لحظات " ما تنسي اليوم الاجتماع عندنا في البيت . بعد الفطور توخذيهم بالسيارة عند اهلك , والعصر ترجعي " هزت راسها موافقة . رن جرس الهاتف فجاة وظن ان احد زملائه يتصل به مؤكدا على الموعد . ردت زوجته متسائلة اكثر من مرة عن هوية المتصل الا انه لم يجب بشيء واغلق السماعة بوجهها . علقت مازحة " يظهر ان اللي بتصل مش عاجبه صوتي . يمكن واحدة ست بدها اياك " رد مازحا هو الاخر " طبعا , ووقت سمعت صوتك خافت وسكرت الخط " . تابع وهو ينادي الاولاد لطعام الافطار " يلا , تعالوا نفطر بسرعة احسن يخلص الاكل وما تلحقوا شيء " . رن الهاتف ثانية , ورفع السماعة , الا ان المتصل لم يعرف عن نفسه وبدا يصرخ سائلا اياه من يكون , وبعد صراخ متبادل بينهما اغلق السماعة بوجهه وشتمه بعصبية . فكر بسرعة , وبدون تردد مزق الورقة التي كتب عليها جدول اعمال الاجتماع الحزبي لقطع صغيرة,والقى بها على الفور في الحمام وسكب الماء عليها , وما ان خرج متجها الى المطبخ لتناول الافطار مع زوجته واولاده , حتى فوجيء بطرقات قوية متتابعة على الباب واصوات الجنود تامره ان يفتح بسرعة .وما ان فتح الباب حتى اندفع ضابط المخابرات في المقدمة يتبعه عشرات الجنود وبداوا يفتشون انحاءالبيت , وحين سال ضابط المخابرات عن سبب هذا الاقتحام المفاجيء , رد عليه " انت معتقل بامر من وزير الدفاع ست شهور اداري في كتسيعوت , تعرفه ؟ " . رد بهدوء وهو ينظر تجاه زوجته واولاده الخائفين " ايوه بعرفه في النقب " . ودع اطفاله وزوجته واوصاها ان تهتم بهم خلال غيابه وان تخبر اهله وبقية العائلة عن سجنه, وخاصة والدته . عند الباب الخارجي فتشه ضابط المخابرات بدقة وعندما لم يجد شيئا قال له " بدل الشتيمة , راح اوصيهم يحبسوك كمان ستة شهور " نظر في عينيه بقوة ورد بنبرة واثقة " انت تافه وغبي " وحين ضربه احد الجنود صائحا به ان يتكلم بادب مع الضابط , صرخ بوجهه " هذا بيني وبين الضابط ولا يعنيك الامر . مفهوم ؟" وجين هجم عليه الجندي ليضربه ثانية صرخ به الضابط بالعبرية " اتركه وشانه . هذا لايعنيك , ولا تتدخل بعملي . بسيدر ؟" تمتم الجندي بنبرة اعتذار للضابط , في حين ساله الاخير وهو يوقفه ممسكا بذراعه بقوة " ليش انا تافه وغبي ؟" رد على الفور " لو كنت مكاني كيف سترد على شخص يرفض أن يعرف على نفسه وهو المتصل على تلفونك كما فعلت ؟" رد الضابط بسخرية " اشتمه واشتم امه واخته كمان واتخلص من المنشورات بسرعة " رد عليه وهو ينظر في عينيه " وهيك انا عملت . وليش بدك توصيهم يحبسوني ست اشهر زيادة ؟" ضحك ضابط المخابرات ورد بسخرية " عن هاي ما راح اقول لك السبب , ولا حتى بالمحكمة يحكوا لك . الى اللقاء يا حلو في كتسيعوت " وحين مرت الجيبات العسكرية قرب الطريق التي اوقفه الاطفال فيها وهو عائد من المستشفى استطاع ان يميزهم وهم يلحقون بها ويرشقونها بحجارتهم الصغيرة التي لم يصل أي منها للسيارات المسرعة . ابتسم في قرارة نفسه , رغم الالم الذي كان يعتصر ساعديه من الكلبشات البلاستيكية التي شنقتهما وراء ظهره , في حين ظل الجنود يتاملونه بنظرات عدائية متحفزة !
بقلم : نايف أبو عيشه
7/11/200
#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟