|
القصيدة في نشوء آخر .. قراءةفي شطح الغياب لمهدى بندق
مهدى بندق
الحوار المتمدن-العدد: 2095 - 2007 / 11 / 10 - 07:19
المحور:
الادب والفن
محمد سمير عبد السلام
2007 / 11 / 1
تستنفد القصيدة أدبيتها الخاصة ، و تقع في علاقة معقدة مع المنطق السياسي للهيمنة ، و تكرارها التاريخي ، و الرمزي ، و الحكائي عند مهدي بندق في ديوانه " في شطح الغياب " الصادر عن دار تحديات ثقافية بالإسكندرية . القصيدة في الديوان تحمل معاني الولادة الطيفية من القوة ، و إحداث الانشطار في بنيتها التاريخية بتجسد المهمش فيها كتكوين حي فاعل ، بحيث يسخر من موته الأول ، أو انسحاقه ضمن علاقته بالمركز ، في تكوين آخر ، أو صوت آخر ، أو موت بهيج ، يحتمل استعادة طاقة التدمير الماضية في أداء سياسي غير واع في المستقبل . هذا الأداء يغيب الذات الأولى ، و منطق القوة معا ، و يمثل في الحكاية التاريخية دور القصيدة ، ذات الصوت الأسطوري / الجمعي / الكوني في مواجهة الانسحاق الحضاري المتكرر ، كسياق لا يتمتع بالكلية أبدا ، لكنه ثقافي تفاعلي عابر للذاتية ، و للأدبية معا . هل تتجسد القصيدة سياسيا ؟ إنها رمز للخروج ، و التمرد ، و اللعنة ، و الموت ، و مقاومة الموت معا . تبدأ من اعتراف ناقص بالآلية ، و التهميش ، ثم تتبلور كفاعل دون حدود ذاتية ، القصيدة تعاين موت المتكلم ، و بعثه المتجدد في كون شعري ، و سياسي بالأساس ، لأن قوته تولد الغياب ، و تتجه ناحيته خارج المسيطر ، و المهمش رغم تكرارهما في المشهد . لكن هذا التكرار غير حتمي ، إذ يختلط بقصص للتجاوز ، و التمرد قيد التشكل دائما . و رغم اتفاق الكثير من الدراسات الثقافية ، و الحضارية على دراسة التفاعل بين الثقافات المهيمنة ، و الفرعية ، فقد أضافت رمزية الحكي المتضمنة في التاريخ عند فريدريك جيمسون ، و فاعلية الهامشي عند رايموند وليامز ، و محاكاة القوة كبديل عن أصالتها عند بودريار ، و تداخل النص و الواقع التاريخي عند إيجلتون . هكذا يأتي صوت القصيدة عند مهدي بندق كطيف رمزي سياسي ، يتجاوز القوة من خلال بعث طاقة الغياب في المهمش ، و امتصاصها السياسي لمركزية المركز ، في سياق تحولاته الخاصة خارج الحتمية . فقد استعادت القصيدة أصوات الماضي المتناثرة لتتجاوز الماضي من خلال تفجير خفي للتناثر ، و الاندماج معا بين المجاز ، و عناصر الكون ، و الثقافات الفرعية المختلفة . هذا الاندماج بحد ذاته يناهض الانسحاق ، و مركزية القوة معا في مستقبل آخر .
في نص " أنا آخر الهنود الحمر " تحمل القصيدة في بنيتها المتناثرة تناقضات العالم ، فهي مخرج من أزمة الوجود المهمش ، و جحيم تتولد منه نشوة السلب ، لكنه ليس سلبا مطلقا للذات الحضارية المختلطة للمتكلم ، فهو فراغ ما بعد الحدود ، و ما يتجاوز تاريخ الإقصاء السياسي في استعادته شعريا . إن نشوء القصيدة يعني اتحادها الأول بالصوت الميت في حياته الأخرى التي يتسع فيها فضاء المتكلم ، و يخرج عن سياق اللعنة من خلاله ، فالقصيدة علامة خروجه ، و تفرده في آن . يقول : " و لعلها القصيدة التي ستشطب الحدود / و لعلها القصيدة الجارحة الجريحة / بها تقام للثوى المآتم / فما لكم لا تحتسون قهوة الفضيحة / و الميتون أنتمو / و القادمون للعزاء يضحكون أنتمو / و إنني لآخر المودعين باكيا / رضيت أن تضمني لصدرها جهنم " . القصيدة تخيل تعارضات المفاهيم التعميمية في اتجاه غير أحادي ، إذ تمتزج فيها سطوة العبث و الاحتراق باتجاه التحول لا العدم ، أو الاستسلام . كذلك يستعيد المتكلم إمكانات الانصياع ، و الآلية ، في تكوينه في اتجاه استبدال الصوت الحامل لهوية مكررة ، و معروفة – منسحقة سلفا بالطاقة الأنثوية للقصيدة . يقول : " و أنت يا بوابة الفناء / يا فتاة / تعاقدي معي بالأحرف الأولى / أسمعك يا شقيقتي / أنشودة الهيولي / الحمد للشعر / و ليبق دائما رواقه مأهولا / لولاه لاسترده الطغاة / و ما عرفت أنني ناج من الأشباه / ناج من التكرار " . القصيدة هنا عودة مرحة لغياب الهوية في نشيد كوني متجدد ، يعاد تكوينه في صوت القصيدة الفريد ، هذا الصوت الذي تولد من هيمنة التكرار بانتشار المتفرد في صوت متجدد لانهائي للإمكانية الإبداعية في دال الشعر . و في نص " قيامة الشاعر عماد الدين النسيمي " يسيطر مدلول الغياب ، لكنه يستعاد حاملا قوة طيفية جديدة ، تسخر من آلام التناثر الجسدي ، في صوت حضاري ، أو شعري آخر يتداخل فيه التاريخي ، مع النصي ، في سياق تجاوز حلم العدالة عند النسيمي في الذوبان ، و الاندماج بالعناصر الكونية ، أو الثقافات الطليعية العديدة . يقول : " و اقترب من لهيبك مثل الفراش / فقد تصبح النار بردا / و قد تصطفيك فتشرق قوس قزح ... / و خرجت من القبر القنفد / للدنيا الحرباء / كانت أقنعة الأشياء هي الأشياء / و الأدواء هي الداء / فاقتربت مني الشمس الحسناء / رحت إليها أرنو / و كذلك راحت ترنو / قالت لم لا تنهض لمهمتنا نحن / فقد كلفنا نحن الاثنين بإنقاذ الماء " . لقد تحول ولوج ظلمة العدم في دال اللهيب ، إلى تحول تخييلي لواقعة موت الشاعر ، فصار موته هو استعادته في نطاق تفاعلي جديد خارج التأويل الأول لوجود أحادي ، أو عدم أحادي . صوت القصيدة الممتد من الشاعر لا يقاوم إغواء الاستعادة المخيلة ، في ولادة تبدأ من قوس قزح ، أو ظلمة الماء المتسعة ، أو طاقة النار حيث تذوب الذكورة في أنوثة المادة المتحولة ، فقد تحول لهب العدم إلى توهج ذاتي لصوت القصيدة داخل النسيمي . و قد يتحول التعميم ، و ما فيه من سقوط حتمي ، و حزن و فقدان إلى كتابة جديدة للصوت المتمرد في نص " استقالة من ديوان البشر " . يقول : " كل ما أرتجيه إذن / أن أرى شبح الوجد في المحبرة / فأخط به ظل شعرة / يتفيأها الكبرياء المهيض أمام الضفاف قبل أن يقطع البيد للمقبرة ... / و ليلبس الجميع تحت سترة المراوغات ربطة المفعول / إلا أنا فخرقة المروق عورتي و ملبسي " . ما المروق ؟ هل هو تمرد على الفقدان يحتمل فقدانا آخر ؟ أم أنه تجاوز سياسي طيفي للتعميم ؟ لقد منحت الكتابة المتكلم فاعلية يختلط فيها الخروج ، بفقدان للحتمية ، و التاريخ معا في اتجاه إعادة تكوين الصوت في أثر مراوغ يتجاوز موته خارج اللغة الشمولية للحياة الإنسانية . الأثر هو اللغة التجريبية للقصيدة ، و طيفها الأدائي في تحول الصوت المتكلم فيما وراء حتمياته التكوينية ، و سقوطه الحضاري . و يبلغ الخروج ذروته في نص " في شطح الغياب " حيث ينتقل الفن من التفرد ، و التجاوز إلى التحول الكامل في عوالم اللاوعي و الاندماج الأسطوري و الكوني دون حدود . الارتكاز على معنى التحول في هذا النص يجعل من الغياب دالا ديناميكيا يمكن أن نضع مكانه الوجود برمته ، و الفن ، و التاريخ ، و ما يتجاوزه ، و الخلود ، و التحول اللأسطوري ، أو الحكائي . و بهذا الصدد يرى كارل يونج أن حدس الخلود يرتبط بالطبيعة الخاصة المتجاوزة للزمكانية للاوعي ، و من ثم يتولد الإحساس بالامتداد في الزمان و المكان في معنى التحول ( راجع / كارل يونج / رمزية التحول / ترجمة نهاد خياطة ) . هكذا ينجذب المتكلم في فنائه ، و اتساعه الكوني / الشعري في مسيرة الوعي نحو نهاياته الثورية في اللاوعي . يقول " فلعلني أغدو قطرة ماء / ليست غالبة أو مغلوبة / كي أبتسم و لو مرة / أو أصبح بين فراشات الضوء جنينا / لا يبصره في الرحم الفجرة / فأتاني الشعر و أدخلني من باب الضد / و قال أضعتك فأضعني / لكني ضيعت ضياعي / حتى انبجس غيابي شعرا يمحو بدني " . الولادة تحول للمتكلم في روح القصيدة التي تخيله خارج هويته ، و وعيه ، و زمانه ، و مكانه ، و المجال الجزئي لعلاقات القوة .
http://www.rezgar.com/ - الحوار المتمدن
http://www.rezgar.com//debat/show.art.asp?t=0&aid=113503
#مهدى_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تقوم الحرب بين سوريا وإسرائيل ؟
-
قصيدة : الخروج
-
قصيدة : جاء دوري
-
رشدى
-
حوارات مهدى بندق 7 - مع د.وحيد عبد المجيد
-
كرمة الإدانة
-
قصيدة- ظل الملك
-
سوسيولوجيا المسرح الشعري في مصر الحمل الكاذب والحمل المجهض
-
الدكتور وحيد عبد المجي دمفهوم الليبرالية مختلف عليه وقد استخ
...
-
اللبرالية الجديدة..حل مؤقت لأزمة دائمة
-
المَحْلُ وما أحاط
-
والعكس وما يغشى
-
بعد عرفات سيزيف الفلسطيني يبني بيتاً
-
مطوي بيميني منشور بيساري
-
صفرٌ في الغَلَس
-
وعي بالجهل أم تنمية معرفية ؟!
-
اللغة .. والثقافة الشعبية المظلومة - مصر وتونس نموذجاً
-
تحطيم سرير -بروكروست-
-
ثقافتنا العربية أمام خيارين التحول أو التلاشي
-
مياه الأمن القومى
المزيد.....
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|