|
المنهجية الديمقراطية إستراتيجية لم تبلغ بعد مداها .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرف المغرب ــ خلال العقد الحالي 1998 /2007 ــ حراكا سياسيا بالغ الأهمية همّ بنيات الدولة وأسس النظام الملكي . واستطاع الملك محمد السادس ، عقب توليه الحكم ، أن يضع أسس تجربة سياسية تتوخى من جهة ، تحقيق المصالحة مع الفئات التي طالها القمع والظلم والتهميش ؛ حيث بادر إلى اعتماد مدونة للأسرة تقطع مع فقه البداوة وثقافة التبخيس وتؤسس لقيم العدل والمساواة والمواطنة ، فضلا عن تبنيه ــ الملك ــ لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة . ومن جهة ثانية ، تتوخى تجربة الحكم تحقيق الديمقراطية التشاركية عبر الانفتاح على القوى السياسية والاجتماعية خاصة تلك التي عانت التهميش والقمع خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني ، بغرض إشراكها في إدارة الشأن العام . إذن ، الموضوعية تقتضي الإقرار بوجود انفتاح سياسي وحقوقي هام ( توسيع هامش الحريات العامة والفردية ، الترخيص لحزب البديل الحضاري رغم مرجعيته الدينية ، رفع الحصار عن مرشد جماعة العدل والإحسان ، عودة المنفيين وفي مقدمتهم عائلة بنبركة ومومن الديوري الخ). طبعا لم تصل التجربة حدود النضج الكامل ، لكنها حققت قفزات نوعية تحتاج إلى إنضاج وإشاعة ثقافة سياسية تواكب هذا الانفتاح وتُنَظِّر للتغيير . فمن جانب النظام الملكي ، لا ينكر عاقل طبيعة التغيير الذي مس أسلوب الحكم وسعيه إلى إرساء دولة القانون والمؤسسات ( إشراك الأحزاب في صياغة مقترح الحكم الذاتي عبر تقديم مقترحاتها التي للأسف ــ وكما أسرَّ لي زعيم حزب سياسي ــ لم ترق إلى مستوى النضج المطلوب ، إسناد مهمة وضع مدونة الانتخابات للأحزاب الممثلة في البرلمان بالإضافة إلى قانون السير ومدونة الشغل ، تراجع الدولة عن نهج صناعة الخارطة السياسية الخ ) . كما أن التغيير هم بالأساس طبيعة الخطاب الملكي ومضمونه الذي قال عنه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي الأستاذ محمد اليازغي ، في استجواب مع أسبوعية الأيام) إننا نجد في خطب الملك ما ناضلنا من أجله لعشرات السنين(. وهذا دليل على قدرة الملك على اعتماد منهجية التغيير في الخطاب وأسلوب الحكم يتوخى القطع مع عهد الاستبداد والانفراد بالقرار . إلا أن هذا التغيير على مستوى الحكم لم تواكبه حركة فكرية / سياسية داخل المجتمع بمثقفيه وأطره السياسية والمدنية والإعلامية . ذلك أن المناخ العام السائد يفيد بتواطؤ جماعي على الاستقالة . أي اعتزال العمل السياسي في مستوييه التنظيري والتنظيمي ،والتنصل من كل مسئولية وطنية وأخلاقية إزاء ما يتهدد الوطن أو ما يتطلع إليه المواطنون . ذلك أن مهمة المثقف العضوي لا تقتصر على تفسير الوقائع وتحليل الظواهر الاجتماعية ، بل تتعداها إلى تأطير العمل السياسي وتوجيهه والارتقاء بالوعي لدى عموم المواطنين . فالمثقف هو المؤهل لتزويد القيادات السياسية والحزبية بما يكفي من النظريات والتحليلات التي تضع أمام هذه القيادات معطيات أوفر وفرصا أضمن لاتخاذ القرارات الصائبة . الأمر الذي يبعث على الاعتقاد الجازم أن الأحزاب المغربية وعموم المثقفين لا تنشط فاعليتهم التنظيمية والتنظيرية إلا في ظل أجواء الصراع مع الدولة والقصر . بمعنى أن منسوب العطاء الفكري والتنظيمي للمثقفين والأحزاب يرتفع مع حدة الصراع السياسي لدرجة أن معظم الأسماء البارزة في مجال الفكر والسياسة تستند إلى رصيدها النضالي وتستمد منه "إشعاعها" و رمزيتها . إن ثقافة الصدام والرفض التي هيمنت على العقول طيلة العقود الأربعة الماضية باتت استبدادية وأشد تحكما ، عبر جهاز مفاهيمي متخشب ، في نَظْمِ العلاقة مع النظام وتحديد الموقف من الدولة . أما أجواء الديمقراطية التشاركية فلا توفر مجالا لانتعاش ثقافة الصدام وميولات المواجهة التي لا زالت لم تتخلص منها التنظيمات الحزبية . إنها السمة البارزة التي تطبع الحياة السياسية والحزبية في المغرب . وبسبب استقالة المثقف وتراجع دوره الطلائعي ، تاه الفاعل السياسي بعد ما تعطلت داخله قيم النضال والتضحية وفقدت فاعليتها أمام هيمنة النوازع الشخصية والتكالب على المناصب . إن النضال من أجل المصلحة العامة كما يكون عبر المواجهة والتضحية بالروح والحرية استشهادا أو اعتقالا ، يكون كذلك عبر التضحية بالذاتي للصالح العام . ومن يسترخص حياته دفاعا عن استقلال الوطن وحرية الشعب ، من المفروض أن يسترخص نوازعه الذاتية حماية لهما . لكن الوقائع تشهد خلاف هذا . إذ لما تعلق الأمر بترشيح الكفاءات لترجمة الشعارات السياسية إلى مشاريع تنموية ، تعطلت المبادئ وطغت النوازع . وحسبنا هنا شهادة الأستاذ اليازغي التالية ( لنكن صرحاء، لقد اقترحت بعض الأحزاب السياسية بعض الأسماء التي يرفضها الجميع لشغل منصب وزير• ولقد ناقشنا كحزب هذه النقطة بالضبط، متسائلين عمن سنشتغل في الحكومة معهم• أظن أن خطأ هذه الأحزاب يتمثل في عدم القيام باختيار صائب دائما• يكون الوزير الأول المعين في مواجهة إشكاليات تحمل هذا الحزب أو ذاك مسؤولية قطاع معين، ويقترح الحزب الاسم الذي يريد لشغل هذا المنصب• وهنا تتجسد مسؤولية الأحزاب التي عليها استحضار الكفاءة اللازمة لتحمل مسؤولية القطاع المعني• لقد لجأ السيد عباس الفاسي في النهاية إلى التحكيم الملكي ) . إذن نحن أمام إشكالية حقيقية : هل تعطيل المنهجية الديمقراطية يتحمل وزرها الملك وحده ؟ لقد أعطى الملك ما يكفي من التوجيهات لكي يرفع من وتيرة عمل الحكومة ويحسن أداءها . وكان آخرها الخطاب الذي افتتح به الدورة التشريعية الثامنة يوم 12/10/2007 ، حيث جاء فيه ( فعلى الجميع أن ينكب على تحقيق ما هو أهم بالنسبة للمواطن. ألا وهو، بكل بساطة، عيش حر كريم قوامه: وطن موحد.أمن واستقرار. تعليم جيد. تربية صالحة. شغل منتج . اقتصاد تنافسي. سكن لائق . تغطية صحية. إدارة فعالة ونزيهة. قضاء عادل ومستقل. كرامة موفورة. ومواطنة كاملة، حقوقا وواجبات) . إنها رسالة ملكية صريحة تنتقد تهافت الأحزاب على الكراسي والحقائب الوزارية حتى أنساها حبُّ الذات وإرضاء الأقارب مسئولياتها السياسية والوطنية ووعودها الانتخابية . فجاء الخطاب الملكي يذكّر بأن ( النيابة عن الأمة ليست امتيازا، أو ريع مركز، أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام ). وطالما ظلت الأحزاب والفئات المثقفة دون انشغالات الشعب وتطلعاته ، فإن المسار الديمقراطي لن يخلو من تعثرات تؤجل بلوغ مرحلة النضج . الأمر الذي يزيد من حالة التذمر الشعبي وفقدان الأمل في أي عمل سياسي جاد . وهذا الوضع سيغذي حتما اتجاهات التطرف والإرهاب والعدمية . لهذا فإن أمن المغرب وكرامة المواطنين أمانة ومسئولية يتقاسمهما الملك والأحزاب السياسية . إذ لا منجاة لأحد إذا تعرض المركب للخرق أو الغرق لا قدر الله .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأحزاب السياسية ورهان الملكية الدستورية .
-
أية ديمقراطية لأية ملكية ؟
-
هل أحزاب الأغلبية تحترم -المنهجية الديمقراطية- ؟
-
الأخ الحنفي : الشمس لا يحجبها الغربال .
-
المنهجية الديمقراطية كل لا يتجزأ .
-
فوز الهمة وفشل بن جلون أية دلالة ؟
-
بين إدريسين يتشكل المغرب الجديد
-
الأوصياء على الدين أول من يخرق تعاليمه.
-
تداول الأدوار أم تغيير المواقف؟
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(2)
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(1)
-
هل يمكن أن يصير العثماني أردوغان المغرب ؟
-
هل ستكون الأحزاب في الموعد الذي حدده الملك ؟
-
حوار لفائدة موقع إسلام أون لاين
-
لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب
-
بريطانيا تذوق السم الذي طبخته
-
العدل والإحسان تداري عن الفضيحة بادعاء الفضيلة
-
أوهام المراهنة على التحالف أو الإدماج السياسي لجماعة العدل و
...
-
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|