|
الحرب إذا ما شنتها تركيا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 12:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا لم تُحَلْ الأزمة الجديدة (المتفاقمة) بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (الكردي) الذي يتحصَّن قسم كبير من مقاتليه في الجبال الوعرة في شمال العراق على مقربة من الحدود مع تركيا بما يُقْنِع أنقرة (وأنقرة العلمانية ـ القومية في المقام الأوَّل) بانتفاء الحاجة إلى عمل عسكري كبير يقوم به جيشها هناك فإنَّنا سنشهد عمَّا قريب مساهمة كردية في نشر مزيدٍ من "الفوضى البناءة" على المستوى الإقليمي، وليس في داخل العراق وتركيا فحسب.
لقد اقترح رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، والذي فيه من سلطات وصلاحيات وخواص "الدولة" ما يجعله "حُكْماً ذاتياً" في الشكل ليس إلاَّ، ما يشبه الحل؛ ولكن اقتراحه وَقَعَ على أسماع تركية لا تشبه سمعه. كان اقتراحه، الذي رفض فيه رفضا باتا تسليم أي عضو من أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى السلطات التركية، يقوم على منع مقاتلي الحزب من القيام بأعمال عسكرية عبر الحدود ضد تركيا، فإذا قاموا يقوم بـ "طردهم" من الإقليم. وكان ممكنا أن يكون اقتراحه إيجابيا أكثر (بالمعيار التركي على الأقل) لو أنَّه ضَمَّنه استعدادا لـ "التفاهم" مع حزب العمال الكردستاني على نقل قياداته ومقاتليه من تلك المناطق الحدودية الجبلية الوعرة الحصينة إلى مناطق من الإقليم بعيدة عن الحدود مع تركيا، وأن يصبحوا في أحوال تَحُول بينهم وبين القيام بأعمال عسكرية ضد الجار التركي. وقبل هذا الاقتراح أعلن البرزاني، وغيره من القيادات الكردية، أنَّ "البشمركة" ستقاتل الجيش التركي، دفاعا عن إقليم كردستان، إذا ما أُرْسِل إلى شمال العراق للقضاء على الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني في حصونه الحصينة هناك. ومن الوجهة العسكرية الصرف، لا يستطيع الجيش التركي الوصول إلى حيث يتحصَّن مقاتلو "الحزب" من غير أن يحاصرهم في تلك الجبال الوعرة؛ ولا يستطيع القيام بهذا الحصار من غير أن يُخْضِع لسيطرته مناطق مجاورة تسيطر عليها الحكومة الكردية.
وإذا حَدَث ذلك، واحتلَّ الجيش التركي أجزاء من إقليم كردستان، توصُّلاً إلى القضاء على الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني هناك، فإنَّ هذا "الاحتلال الجديد" سيكون لأراضي دولة (العراق) يحتلها حليف تركيا وهو الولايات المتحدة. أمَّا عاقبة هذا الاحتلال التركي فقد تكون تفجير صراع جديد بين تركيا وأكراد العراق، مع احتمال تَفَجُّر صراع في داخل تركيا نفسها بين الحكومة (والأتراك) وبين نحو 15 مليون كردي (هُم غالبية الشعب الكردي) يقطنون منطقة جنوب شرق تركيا ذات الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية. ثمَّ أنَّ مدينة كركوك ذات الأهمية النفطية الاستراتيجية يمكن أن تكون هدفا من الأهداف غير المعلَنة للحملة العسكرية التركية.
وإذا بدت الولايات المتحدة، مع المجتمع الدولي، غير قادرة على فعل شيء لمنع أنقرة من القيام بمثل هذا العمل العسكري الكبير مع ما يمكن أن يتمخَّض عنه من نتائج فإنَّ طهران يُمْكنها، مستقبلا، أن تحارب "المتمردين" من أكرادها، والذين أسَّسوا وجودا لهم في داخل الأراضي العراقية، في الطريقة التركية ذاتها.
في محادثاته المهمة مع الرئيس بوش في البيت الأبيض في الخامس من تشرين الثاني المقبل قد يتنازل أردوغان عن مطلب تسليم أعضاء من حزب العمال الكردستاني إلى السلطات التركية؛ ولكنَّه لن يتخلى عن شروط أُخْرى للعدول عن خيار الحرب، فهو سيُصِرُّ على إبعاد مقاتلي "الحزب" عن معاقلهم الجبلية القريبة من الحدود، وعلى التزام الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان منع مقاتلي "الحزب" من القيام بأي عمل عسكري عبر الحدود ضد تركيا، وطردهم من الإقليم (ومن العراق عموما) إذا هُم لم يلتزموا، وعلى قيام قوَّة عسكرية مشترَكة من الولايات المتحدة والعراق وإقليم كردستان ببسط سيطرتها على حدود العراق مع تركيا.
لقد قاتل الأكراد (في العراق وتركيا وإيران) زمنا طويلا؛ ولكنَّ معظم قتالهم لم يكن من أجل قضيتهم القومية العادلة، وإنَّما من أجل أهداف تكمن فيها مصالح إقليمية ودولية، فذهبت قضيتهم تلك، غير مرَّة، ضحية زّجِّهم بأنفسهم في معارك ليس لهم فيها ناقة أو جَمَل.
ولعل خير دليل على أنَّ حليفهم الدولي الأكبر (في العراق) وهو الولايات المتحدة لا يقف معهم إلاَّ بما يوافِق مصالحه وأهدافه الإقليمية فحسب هو أنَّ هذا الحليف يُقِرُّ لأكراد العراق بأنَّ لهم الحق في أن يؤسِّسوا لهم شبه دولة، ضارباً صفحا عن حقيقة أنَّ غالبية الشعب الكردي تعيش في داخل تركيا بوصفها أقلية قومية لا تتمتَّع بشيء يُذْكَر من حقوقها القومية، وكأنَّ قدر هذا الشعب الذي يعيش منذ القدم في وطنه المُقْتَسَم بين الدول المجاوِرة أن يظلَّ دون سائر الشعوب لجهة حقِّه في أن تكون له دولته القومية المستقلة، فهذه الدول العاجزة عن أن تكون أوطانا مشترَكة لقوميات مختلفة، متساوية في الحقوق، تقف، على تضارب مصالحها، متَّحِدة ضد حقِّ الأكراد في أن تكون لهم دولة قومية مستقلة، وكأنَّهم قومية تعيش في أرض ليست بجزء من وطنهم القومي التاريخي.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة أردوغان في شمال العراق!
-
ثرثرة في -عرس انتخابي-!
-
ثورة -الإلكترون-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره بحث: سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
عندما يُبَشِّر بوش ب -حرب عالمية ثالثة-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره موضوع: الأرض ليست -كروية- في القرآن.
...
-
الأرض ليست -كروية- في القرآن.. وإليكم الأدلَّة!
-
-الوثيقة- في شكل -عمود فَقْري-
-
كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
-
كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ
...
-
ال -فَوْفضائي- Hyperspace
-
الأيَّام الصعبة!
-
بعض من الجدل الذي أثارته المقالة: أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- ا
...
-
أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- الدكتور زغلول النجار؟!
-
الفساد غير السياسي!
-
بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر
...
-
نظرية -البعرة والبعير.. الأثر والمسير-!
-
-خريطة- عباس
-
-الاتِّفاق- الذي ينهي -النزاعين- معاً!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|