شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 11:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مكثنا أكثر من نصف قرن، ونحن العرب نُدِّد بالعدوان الإسرائيلي على فلسطين، دون جدوى، ودون أن نُبعد إسرائيل قيّد شعرة عن تحقيق أهدافها السياسية والتوسعية. فلم يكن تنديدنا يُجدي نفعاً.
ومكثنا أكثر من نصف قرن، ونحن العرب نتوعّد إسرائيل بالثبور وعظائم الأمور حيناً، ونسالمها حيناً آخر، فلم ينفع وعيدنا لها ومسالمتها، في لجمها عن مزيدٍ من التوسّع وبناء دولتها، على حساب الشعب الفلسطيني، وأرضه المسلوبة.
ومكثنا أكثر من نصف قرن، ونحن العرب ننظمُ عظائم القصائد، وعيون البيان الخطابي، ونكتب القصص القصيرة، والروايات الطويلة عن فلسطين، وعذاب شعب فلسطين، دون أن نحصل على ذرة تراب واحدة مما نأمل به، أو نطمح إليه.
ومكثنا أكثر من نصف قرن، ونحن العرب والأحزاب والقبائل الفلسطينية والعربية تتناحر فيما بينها على خيار الحرب والسلام، دون أن نربحَ حرباً، أو ننالَ سلاماً.
وجاءت جهودنا كلها في القضية الفلسطينية بمزيد من الخسائر لنا والأرباح لإسرائيل. فلو استعرضنا ما كان بيدنا وما كان بيد إسرائيل في عام 1948، وما أصبح بيدنا وأصبح بيد إسرائيل، لرأينا بأننا خسرنا الكثير الكثير، وربحت إسرائيل الكثير الكثير بالمقابل.
ليس بالهجاء وسحر البيان وحدهما ننتصر
دون الرجوع إلى الماضي، واستعراض كافة الخطوات السياسية والعسكرية الخاطئة، التي ارتكبناها نحو السعي إلى حلِّ القضية الفلسطينية حلاً عقلانياً واقعياً موضوعياً قابلاً للتنفيذ من قبل الطرفين المتخاصمين الفلسطينيين والإسرائيليين، أصبح معظمنا مقتنعاً، بأن الأسلوب العاطفي السياسي المتشنج، والعنتري المجاني، والهجاء الإعلامي، ودعوة المنجمين والمشعوذين السياسيين إلى التنبؤ، واستطلاع الحُجب، وإقناع الرأي العام العربي بانهيار دولة إسرائيل القريب، وانهيار الإمبراطورية الرأسمالية الأمريكية المحتوم، هو الأسلوب الذي أُتبع طيلة أكثر من نصف قرن، دون أن نجلس إلى أنفسنا، ونفكر تفكيراً شجاعاً منتظماً نخرج منه بقرار شجاع وحكيم وواقعي، نتألم له ساعة، لكي نتفادى ألم كل ساعة، كما نتألم الآن وباستمرار، منذ أكثر نصف قرن مضى.
تيه القرار العربي بين النتيجة والسبب
منذ أكثر من نصف قرن مضى، دارت معظم الأدبيات السياسية العربية حول مقولة واحدة أصبحت راسخة في الذاكرة السياسية العربية، وهي أننا:
أولاً، ضحايا مؤامرات الدولة الأجنبية الاستعمارية. فلولا هذه المؤامرات لما كان حالنا على ما هو عليه الآن. ولذا، فنحن نتصرف سياسياً دائماً بمنطق الضحية، وليس بمنطق سوء التقدير والتدبير.
ثانياً، أننا أصبحنا مقتنعين قناعة تامة بأن احتلال فلسطين واحتلال العراق واحتلال جزء من سوريا (الجولان والإسكندرون) من قبل تركيا وإسرائيل، واحتلال جزء من المغرب (سبتة ومليلية وجزيرة ليلى) من قبل اسبانيا واحتلال جزء من دولة الأمارات العربية المتحدة (جزر طُمب الكبرى وطُمب الصغرى وأبو موسى) من قبل إيران.. وكل أنواع الاحتلال الأخرى للعالم العربي هي سبب الخيبة العربية الحالية، وليست بسبب هذه الخيبة. وأن ما يجري في السياسة العالمية هو ما تقول به الأمثال السائرة العربية ومنها أن : "المال السايب يُعلّم الحرامي السرقة"، وأن "الحيط الواطي منطٌ للجميع"، وأن "من يهُن يسهُل الهوانُ عليه".. الخ. وهو ما يعني أننا بعقولنا الخرقة، وبتصرفاتنا الغشيمة، جلبنا المصائب لأنفسنا.
فالاستعمار العثماني الذي حلَّ بنا في بداية القرن السادس عشر (1517) لم يأتِ لولا أننا رحبنا به على أبواب حلب بهواننا وفرقتنا. والاستعماران الفرنسي والبريطاني لم يكن ليستولي على العالم العربي غداة الحرب العالمية الأولى لولا أن رأى فينا مرتعاً خصباً وآمناً لخرافِه ونعاجِه. وإسرائيل لم تصبح بهذه القوة وبهذه السطوة لولا أنها واجهت عالماً عربياً ممزقاً وضعيفاً وكارهاً لبعضه بعضاً. واحتلال العراق لم يكن له أن يقع لولا وجود صدام حسين في الحكم وفعله ما فعل طوال مدة حكمه.
إذن، ما أصابنا من ويلات وكوارث واستغلال كان من صنع أيدينا، وكان نتيجة لما نحن فيه من انحطاط وتخلف وانقسام واستغلال واستبداد.. الخ. وليس ما نحن فيه نتيجة لما أصابنا من استعمار واحتلال ونهب وسرقة لثرواتنا من قبل الاستعمار وليس من قبل الحكام كما تقول معظم الأدبيات السياسية العربية في الماضي والحاضر وما زالت تكرر هذا حتى الآن.
العرب والانسحاب الأمريكي من العراق
قلنا سابقاً أن للعراقيين والعرب مصلحة في بقاء القوات الأمريكية في العراق لأسباب كثيرة منها، أن لا دولة عربية أو أوروبية قادرة على كسر شوكة الإرهاب في العالم العربي. وأن الدولة الوحيدة القادرة على ذلك أمريكا التي استطاعت أن تحقق الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية. وبما أن ظهور الإرهاب نتيجة حتمية لما نحن فيه من عيوب ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، ولو لم يظهر اليوم لظهر فينا غداً، فقد كان من حسن حظنا أن استُدرجت أمريكا عسكرياً إلى أرض معركة الإرهاب في الشرق الأوسط لكي تقضي عليه بقوة المال والسلاح والعلم. ولولا استدراج أمريكا إلى العراق بفضل "قاعدة بن لادن" (فشكراً ابن لادن، كما قال له سيّد القمني في كتابه "شكراً ابن لادن") لما أمكننا من اكتشاف خلايا الإرهاب العربي- الإسلامي على هذا النحو. ولو بقيت أمريكا تحارب الارهاب داخل حدودها فقط، لابتلع تنين الإرهاب العربي الدولة العربية القائمة الآن، وما وصلت إليه من أدنى حدود الحداثة، وأدنى بناء اساليب الحكم الديمقراطية، ولانهار هذا الشيء القليل الذي حققناه في كافة المجالات بعد الاستقلال حتى الآن. ورغم أن من يتصدى للارهاب هي القوة العظمى الوحيدة في العالم بكل امكاناتها المختلفة إلا أن الارهاب استطاع أن يصمد أكثر من أربع سنوات حتى الآن، فما بالك لو لم يكن يواجه مثل هذه القوة العظمى؟
دعوة حق أريد بها باطل
العالم العربي اليوم من أقصاه إلى أقصاه ينادي بضرورة انسحاب أمريكا من العراق. وهي دعوة حق مشروعة ولكنها تخفي باطلاً واضحاً. وجود القوات الأمريكية الآن في العراق هو ضمان القوة العسكرية الوحيدة لعدم قيام حرب أهلية في العراق بين الطوائف الشيعية والسنيّة المتنازعة، والتي لا يحول الجيش العراق الضعيف والبوليس العراقي الذي يخشى من نفسه من عدم قيام هذه الحرب. وكأن العرب بقضهم وقضيضهم يقولون لأمريكا:
اتركي العراق غداً لكي يُتاح له ممارسة الحرب الأهلية، التي تقفين أنتِ عائقاً أمامها بجيشك الجرار وميزانيتك المالية الضخمة وأسلحتك الفتاكة.
دعي العراق وشأنه. وشأنه هنا تعني أن ينحر العراقيون بعضهم بعضاً بشكل كلي كما ينحرون بعضهم بعضاً الآن بشكل جزئي.
إذا كان العرب – حقاً – حريصين على الانسحاب المبكر لأمريكا من العراق فطريق هذا الانسحاب معروفة، وهي بكل بساطة وسذاجة أيضاً، مساعدة الدولة العراقية على بناء جيشها الوطني، وحماية حدود العراق من دخول الإرهابيين إليه، وفتح سفاراتهم في بغداد، ومدِّ يد العون الأمني والعسكري للدولة العراقية الجديدة، واعتبار الإرهاب في العراق هو إرهاب للعالم العربي بأكمله. وبدون ذلك لن تنسحب أمريكا (الجمهورية أو الديمقراطية) قريباً من العراق، قبل تصفية جيوب الإرهاب فيه، وفي العالم العربي كذلك، قبل أن يصل إليها في مستقبل الأيام.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟