|
أزمة شريكي نيفاشا- محصلة طبيعية لبداية وحسابات خاطئة
أحمد عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2078 - 2007 / 10 / 24 - 08:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ بروتوكولات ماشاكوس، كنا ضمن قلة من الحادبين على مصلحة الوطن أبدوا تحفظات واضحة عليها إنسحـبت لاحقـاً على إتفاقيـة نيفاشـا نفسهـا المعروفة بإتفاقية السلام الشاملة بالسودان، دون أن نعارض إيجابيات وقف الحـرب والتمـهيد لإمكانية النضال من أجل تحول ديمقراطي لاتكفله الإتفاقية بذاتها بأي حال من الأحوال. ولقد لخصنا تحفظاتنا وملاحظاتنا التي تراكمت في مايلي:
1. تمت هندسـة الإتفاقية على أساس صراع متمحور شمال/جنوب مع إعتماد المؤتمر الوطني ممثلاً للشمــال والحركـة الشعبيــة ممثلاً للجنوب، مما أدى إلى معالجـة تبنت خلق دولـة هجين علمانيـة في الجنوب ودينيــة في الشمال وفقاً للقسمة بين شريكي الإتفاقيـة. هذا الخلل الجوهري أدى إلى أن تكون الحقوق المكفولـة بموجب الإتفاقيـة حصراً على الجنوب في حين إسـتأثر المؤتمــر الوطني بالشمــال يشـرع لـه حسب فهمـه الإسـتبدادي للشريعـة الإسلاميــة وفقـاً لدسـتور نيفاشـا الذي كـرس الشريعــة الإسلاميـة كمصـدر للتشـريع الفيـدرالي في شمال البلاد. وبالتالي أصبحت الإتفاقية مجرد صفقة بين جنوب تحرر من قبضــة المؤتمر الوطني وشمـال ترك لمصيره تحت حكـم الإستبداد المتـأسلم. لذلك ومنذ البداية جاءت نيفاشا مشروعاً لدولتين تنكرتا في شكل دولة واحدة بقدرة قادر.
2. وضـع الصفقــة أعلاه، يجعـل التطورات الإيجابيــة في الشمـال تظهر بمظهر المنـح من المؤتمـر الوطني لأن حدوثها عرضي لا أصيل يحفزه تواجد ممثلين للحركة بالحكومة المركزية والحفاظ على رمزيـة الشراكـة والإلتزام تجاه المجتمع الدولي الضامن للإتفاقيـة، ولاتظهـر كحق مكتسـب لجماهير الشعب السوداني في الشمــال، وهي الجمــاهير التي ظلمهـا التجمـع الوطـني بتوقيع إتفاقيــة القاهـرة الهزيلــة- مـن مـواقع الإلتحـاق بصفقــة نيفاشـا- والتي لم ولن تنفــذ على ضعفها إلا في النقـــاط التي تكـرس إحـتواء المؤتمر الوطني لمعارضيـه الشمالـيين مـثل إستيعـابهم تعيينـاً بالبرلمانـات الوهميــة الراهنــة. وليس من المـستغرب أن يقـول الأسـتاذ/ التيجاني الطيب أحد موقعي إتفاقيــة القـاهرة أنـها "راحت شمار في مرقـة" لأن هذا المآل كان مـنظوراً منذ لحظـة توقيعها للإلتحـاق بركب نيفـاشا من مواقع متخلفــة. تقييم قوى التجمـع الوطني الديمقراطي الخاطئ لإتفاقيــــة نيفاشـا الذي دفعـه للتهافت وتوقيع ماسمي بإتفاقيـــة القاهرة، نتج عنه تداعيـــات مريعــة مثل مشاركـة بعض قواه في الحكومــة ودخول قوى أخرى برلمانات معينة لاسلطة فعلية لها لهيمنة المؤتمر الوطني عليها، وجعل من نيفاشا نصـاً مقدســاً إستخدمه الشريكان في إبتزاز هذه القـوى، بإشتراط الموافقــة عليــه لتسجـيل الأحزاب، وأصبح عائقاً أمام حلحلـة النزاعـات الأخرى بإعتباره سقفــاً لايمس في أي مفاوضات مع الحركــات المسلحة.
3. إتفاقيــة نيفاشـا حـددت معـالم الدولـة الهجين الخرافيــة، ولكنهـا لم تتعرض من قريب ولا من بعيد لبرنامج حكومـة الشراكـة المسمـاة حكومـة الوحدة الوطنيـة لاحقاً، فهي لم تعالج الأزمـة الإقتصادية، ولاخاطبت الإفقــار المنظم، ولم تعالج مسألـة الفساد، ولا مجانية التعليم والعلاج ولا قضايا الإصلاح الإداري ومشكـلات المفصولين تعسفياً ولا آليـات ضمـان إسـتقلال القضـاء حـيث تركت هذه الأمـور لجهد الشريكين أو لمفوضيات لاحول لها ولاقوة. وبكل أسف لم تكن للحركـة الدراية الكافية للمطالبـة بأن يكون لحكومـة الوحدة الوطنيـة بيان وزاري يشكل برنامجهـا ويعرض بعد إتفاق الشـريكين عليـه على البرلمـان المزعوم للإجازة ليصبح برنامجاً مجازاً وملزماً. ولهذا كان من الطبيعي أن تجد نفسها تنفذ برنامج حكومة المؤتمر الوطني دون زيادة أو نقصان.
4. راهـن المؤتمـر الوطني منذ البدايــة على غموض الإتفاقيــة والتزاوج غـير الصحي بـين نقيضين (الدولـة العلمانيـة والدولـة الدينية) مع غياب برنامج حكومي ملزم حال و آني التطبيق، بالإضافة إلى دائرة الفساد المرعبـة التي خلقتها دولـة الإنقاذ، وضعف خبرة الحركة في الحكم بشكل عام وإنعدامها في الحكـم المـركزي، مع أغلبيـــة مريحــة في البرلمانـات المزعومــة، لينـتقل من إقصــاء الحركــة ومحاربتها إلى إستيعابها وإحتوائها والعبث بوحدتها ومن ثم إفقاد المواطن الثقـة فيها بإفراغ الإتفاقيـة من جوانبها الإيجابية تمهيداً للنكوص عنها.
5. نجـاح المؤتمر الوطني في إقناع الحركـة الشعبيــة والمجتمع الدولي بأنـه الوحيد القادر على توقيع نيفاشا وتنفيذها، مما جعـل الحركــة تدير ظهـرها لحلفائهـا في التجمـع وتصـدر تصريحات من بعض قيادييهـا برفـض التحـالف معهم في الإنتخابات النقابيــة ( إتحـاد المحامين كمثال). فالحركــة توهمـت أن إطـلاق يدها جزئياً بالجنوب، مؤشـراً يسمح للجـنوبيين لاحقـاً بممارسـة خيــارهم في الإنفصـــال، وأن المؤتمر الوطني جاد في تطبيق الإتفاقيـــة في هذا الجانب لـذا آثرت عدم إستفزازه في قضايا تهم الشمال بالأســاس تحت دعاوى أنه ليس المطلوب منها أن تناضل نيابـــة عن الشماليين. ولكنها نسيت أنهـا لديهـا إتفاقيـــات مع قوى التجمـع الوطني سابقــــة لنيفاشـــا للنضـــال معـــاً مـن أجــل ســـودان جــديد حــر وديمقــراطي، كما أنها نســيت أن النضـال من أجل التحول الديمقراطي هو شرط تطبيق الإتفاقيــة التي لن يطبقهــا المؤتمــر الوطني إلا تحـت ضغط جمــاهيري شمالي وجنوبي فاعل وليس بموجب ضغط دولي تسعى إليه الحركــة ويعرف المؤتمر الوطني سقوفـه وحدوده. ويبدو أن الحركة قد فات عليها أن عدم تطبيق المؤتمر الوطني لماهو أقل من الإستفتاء للإنفصال، مؤشر لحتمية عدم تطبيقه للإستفتاء.
6. أخطــأت قوى التجمع الوطني الديمقراطي، حين روجت لإتفاقيـــة نيفاشا بإعتبارها وثيقـة للتحول الديمقـراطي، وذلك لأن الوثيقــة لاتجاوز حالــة كونها أداة لخلق إنفراجـة وهامش ديمقـراطي يسمـح بنضال أوسع من أجل التحــول الديمقراطي، نتجت عن صفقـة بين شريكين وفقاً لتوازن القوى بينهما وشـروط المجتمع الدولي. فهي قد حافظت على الدولــة الدينية في الشمال، وأعطت المؤتمر الوطني اليد العليا في الحكومــة والبرلمانات الوهميــة، ولم تضع آلية فاعلــة لإستقلال القضـاء بوصفه شرطاً أســاسياً للتحـول الديمقـراطي. ولانظن بأن نصها على الإنتخابات المزمع عقدها يخرجها من تصنيفنا لهـــا كمجرد أداة إنفراج ناتجـــة عن صفقـة، وذلك لأن هذه الإنتخابـات تتـم في ظــل دســتور غـــير ديمقراطي كرس الدولة الدينية في الشمال، كما أنها مرهونة بإرادة الشريكين اللذين يستطيعان إلغائها وفقـاً لمشيئتهمـا المشتركـة إذا فضلا إستمرار شراكتهمـا دون هزات محتملـة فيمـاإذا تمـت إنتخـابات نزيهــة إستعدت لهـا كل القوى.لذلك كان على قـوى التجمع الوطني الديمقراطي، أن تنـأى بنفسها عن تسويق الإتفاقية كوثيقة للتحول الديمقراطي، وأن تناضل من أجل سقف أعلى يضمن تحولاً ديمقراطياً حقيقياً من خارج مؤسســات نيفاشــا وليس من داخلهــا. فدخـول هـذه المؤسســات حتى وإن كـان مـن مواقع المعارضــة في البرلمــانات كمــا فعل الحزب الشيوعي، كان خطـأً جسيماً جعل من هذه القوى جزءً من تطــبيق الإتفاقيـــة، وتضــلـيلاً للقــوى المعنيـــة بالإصــلاح الديمقراطي الفعـــلي، وإهـداراً لجـهد كبير في مؤسسات غير ديمقراطية لانفع فيها.
7. أخطـأت قـــــوى التجمـع الوطني الديمقراطي حين اعتـبرت أن تجـاوز الحركــة للتجمـع وقبـــول المفاوضـــات الفردية وصولاً لتوقيع إتفاقية منفردة، أمراً طارئاً نتيجة لتوازن الضعف بينها وشريكها وتدخل وضغـوط المجتمع الدولي، فممارسات الحركـة بعد الوصول للسلطـة توضـح أن هنـاك تيـاراً سائداً يعالج المسألـة السودانيـة وفقاً لمفهوم جنوب/شمال لابإعتبارها أزمة كل السودانيين في مواجهة نخبـة الرأسمال الطفيـلي الحاكمـة. لذلك كان من الخطـأ التعامـل مع الحركـة بإعتبارها فصـيل مـعني بقضايا قوميـة وتأجيل الصراع معها حول قضايا الديمقراطية وإنقاذ الوطن بوصفها شريك أصيل في السلطة.يلاحظ أن جميع القوى السياسيــة المعارضـــة ليس لها تقييم علمي للحركة الشعبية التي ألغت برنامجها الإستراتيجي (المانفستو) منذ العام 1995 وبشرت ببرنامج جديد لم ير النور حتى تاريخه، وتعاملت مع مقررات أسمـرا كبرنامج مرحلي سرعان ماتخلت عنه لمصلحـة نيفاشا المقدســـة لديها، وهي أيضاً لا تمتلك برنامج لحكومـة مركزيـة، وأضعف من أن تسيطر على الجـنوب وتنجز برنامج تنموي به، كما أنها تحتوي على تركيبة إجتماعية معقدة قابلة للإنفجار.
8. أخطأت قوى التجمع الوطني- وخصوصاً الحزب الشـيوعي السوداني الذي أطلق المصطلح- حين بنــت حساباتهـا على ما أسمتــه توازن الضعف دون أن تحسـب مســتوى هـذا الضـعف وتصـــل إلى أن ضمـن هذا التوازن المحكـوم بمتغــير دولي، يظـل المؤتمـر الوطــني أقوى من الحـركـة الشعبيــة وقوى المعارضــة المشتتـــة وغيـر الموحــدة. والغريب في الأمــر أن هـذه القـــوى ركـنت إلى هــذا التحـــليل الصحيح في عمومياتـــه في لحظــة تاريخيـة سابقة، دون أن يكون لها تقييم لإنقسام الجبهة الإسلاميــة أسـبابــه ونتـائجـه ومآلاتــه، مـثلمـا أن الحـركــة الشعبيـــة تـركــن إلـى المـجتمع الـدولي متناسيــة أهميـــــة المؤتمــر الوطني في حرب الولايات المتحدة على التنظيمات الإسلامية الأصولية وفي تطبـيق روشتـة صـندوق النقـد الدولي والمؤسسات الماليـة الدولية داخلياً بعنف وإقتدار وشراسة غير مسبوقــة. فالعامل الدولي المؤثر بالفعـل، لايدفع في إتجــاه إسقــاط المؤتمر الوطني بل في إتجاه الضغط عليه لتنفيذ ماتبقى من أجندة تخدم الجهات الخارجيـــة المعنيــة، لم ينفذها الحزب الحاكم حتى الآن، وتعـتقد تلك الجهـات – وهي محقــة في ذلك- أنه ليـس هنـالك من هو أقدر منه على تنفيذها.
لماتقدم من أسبـاب وأخرى غـيرها لايمكن أن نحصرها في هذه العجالـة، جاءت الأزمـة الراهنـة بين شريكي نيفاشـا كمحصلـة طبيعية لبداية وحسابات خاطئة، مما يبشر بحدوث أزمات أعمق لاحقاً. ففي تقديرنا أن هذه الأزمـة سوف تسفر عن إصلاحات شكليـة لإعادة الحركـة الشعبية لمقاعدها بالحكومة المركزيــة، توطئـة لإنجـاز التحالف الإنتخـابي المرغوب دوليــاً لخوض الإنتخابات القادمــة، والذي يتكون من المؤتمر الوطني والحركـة الشعبيــة وجبهـة الشرق وحركات دارفور بعد إدخالها طوعاً أو كرهاً في إتفاقيــة مهندســة دولياً، وهو تحالف سيكون شعاره حكومـة منتخبة تنفذ الإتفاقيات المبرمة، وأداته تخويف القوى الموقعـة على الإتفاقيات بأن قوى المعارضة غير معنية بتطبيق الإتفاقيات لأنها ليست طرفاً فيها، وأنها لاتستطيع التنفيذ حتى وإن رغبت لضعفها.
#أحمد_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|