|
تفاح العجم
محمود يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 09:23
المحور:
الادب والفن
الى الروح المستبصرة:حاتم نعيم قصة قصيرة من زمان ...من زمان انسابت سحابة فضيّة مكوكبة من درب التبانة .انسابت بعيداً،بخفة واشتياق ،قاصدة اهوار المحبة،ونزلت فيها قطرة..قطرة،ممتزجة بالزلال المشع كاللازورد. سكنت هنا تأريخ ألفة ووئام طويل..حتى حمل هذا الزقاق اسمها..حمله بفتنة وإعتزاز الى الابد. ومن زمان ايضا،رَحَلَ اهله..رحلوا واحداً.. واحدا،ليألف نفسه في آلاخر وحيدا في بيتهم المفتوح كالبراري الى السماء. كل صباح تفتح زوجته باب البيت،ترفع الستارة السميكة من خلفه،وتقوده على كرسيه المتحرك الى الزقاق،يتهافت الاطفال نحوه يقودونه بترفق الى ظلال شرفة بيت (فلاح النجار).يتفيأ ظلال هذا البيت حتى تعلو الظهيرة.يمرح حواليه الصبيان ...يلعبون،يتخاصمون،ويأتلفون،ثم يغرقون بالسكون... ومن اول اليوم،تنثال التحايا الى حضنه مغروقة بالنعاس،يلمّها بخدر من الشرشف الابيض الذي يستر ساقيه المحزونين،ويغرزها في اصص الروح .تحايا منوعة، لكنها بلون زهري واحد وشذى مسك مصطفى فواح،يلمّها بشغف وسنّ ٍ ضاحكة..وطيلة سحابة اليوم،ينثر ودّه وراء الناس مردداً: - صباح الخيرات. - اهلا ماء عيوني. - اهلا ياقلبي . - كيف احوالكم. - مساء الخير. ------------------- وحيث تدور مرايا الشمس،يدفعه الاطفال بكرسيّه الى حائط (صبيحه العلوية)المقابل. وجوار جذع شجرة قديم ممدود على طول الحائط،يحتشد الاطفال جنبه ثم لا يلبثوا حتى يخلون المكان الى الكبار عند اوبتهم من العمل... من اول الصباح حتى اخر المساء،يرضع لذة الزقاق قطرة..قطرة.هذا الزقاق الطويل النحيف،الذي تتلاصق بيوته ..تتلاصق حد التهامس، وتتشابك اياديها،وتستند اكتافها..كتفا الى كتف مثل جوق كبير يغني بتوهج هادىء نشيدا خالداً!.. يتوقف الكبار عنده غالباً.. يودعونه اخبارهم،ويبثونه اشجانهم.. يتوقفون عنده ويخالطونه بأخلاص متناهٍ،وهو يفيض شعوراً..يفيض فرحاً ويفيض الماً..فيروزاً يضيء وقتاً ويغيم وقتاً اخر..لكنما روحه ،ورغم كل ذلك ،تظل تشع حبوراً..تشع ما بين شرفة (فلاح النجار) و حائط (صبيحه العلوية). ويركس قلبه في كوز النشوة طاسة، تمتد اليها ايادي الاطفال الغضة لترشف منها كل حين!.. غبطة سرية راسبة في احشائه، تحرك اوتار قلبه وتدرس شتات الهموم انى تشتجر، يتهلل وجهه الصبوح،وينشرح صدره،ويصفو مزاجه لمداعبات اصدقائه،ويرتج جسده النصفي من حين الى اخر ضاحكاً لمجون النكته.. ضحكة تنزل هادرة من تفاح خديه حتى اصابعه الممتلئة وهي تشير الى المتحدث العابر ملوحة خلفه بكلمات فاضحة: - لعنة على قلبك.. لعنة على قلبك!.. انه لأمر فوق كل تصور ،ان يفعَم وينوَر الزقاق بكل هذا الابتسام الحقيقي الصادق.ومن الواضح ان السنوات قد رسخت جذوره واستحال شجرة فيحاء وارفة تضج بسقسقات العصافير التي لا تبارحها.. واذ صادف ان غاب يوما ما،فأن عشرات الاسئلة تتفجر مدهوشة.. اسئلة لاتغلقها علامات الاستفهام، فسرعان ما تجد الجواب على شفاه الاطفال. وكل يوم..في اخر المساء ،يلتف الاولاد حوله بسكون، يراقبون جارهم الحمال يغسل قوائم حصانه الملوثة بالوحل والسيان.. ويظل هو الاخر يراقب ذلك..يراقبه دون ان تخالجه في أي وقت من الاوقات فكرة انه بحاجة الى مثل تلك القوائم!.. وحال انتهاء الحمال،ينفض الجميع ،ويدفع الاطفال كرسيه الى بيته.. يقودونه الى بيته في غمرة احساس بالحرج والتواضع، احساس يؤسره و يشعره بأنه سيبقى محمولا على محفة الدلال والتبجيل ، فيغمض عينيه ويعض على شفته. في الآونه الاخيرة.. صارت ترده رسائل اخيه الاكبر من بلاد الغربة .. تصل تباعا، ملفعة بحرير الاحلام. يجلس اصحابه على جذع الشجرة يطالعونها بتمعن ، ويحسدونه علناً على هذا الفضل واللطف. عرض عليه اخوه، ان يأخذه الى هناك .. الى تلك البلاد السعيدة مؤكدا له بأنه سينعم بالرفاه. ليس ذلك وحسب بل اقسم له انه سيغرز له ساقين يمشي بهما مثل كل الناس!.. قرأ كتب اخيه بسرور غامر،وشكره كثيرا،وكان اصحابه يحفزونه للاستجابة الى هذه النعمة، غير انه يرفض في نهاية المطاف. وكلما الحّ عليه اخوه ومن ثم اصحابه، كان يرفض بأصرار لا يريم. وأخيرا سسًقرر ان يحسم هذا الامر معهم فكتب رسالة الى اخيه جاء في نهايتها: (..وانا اعرف ايضاً، ان الطرق اليكم سهلة ،ليست وعرة، وأعرف اني سأنام على فراش الهناء الوثير، وأعرف انك سوف تصنع لي ساقين امشي بهما.. اعرف اكثر من ذلك.. ولكن بعد كل هذا النعيم الطافح ،يااخي العزيز، من اين ستأتيني بشرفة (فلاح النجار) في الصباح؟.. ومن اين ستأتيني بحائط (صبيحه العلوية) عند المساء!.. من أين؟..)
-------التوقيع------- لشعب سعيد يرفل بالحريه و وطن حر يجب ان نتوحد :ARB:
#محمود_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتباس
-
الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره
-
أللوز ..من ذلك ألجبل أ لبعيد
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|