|
عودة الملف السوداني إلى واجهة السياسة المصرية
خالد الكيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19 - 10:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الزيارة التي بدأها صباح أول أمس ( الأربعاء ) كل من أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري، وعمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية إلى جوبا عاصمة الجنوب، ثم العاصمة السودانية الخرطوم في محاولة لإنهاء الأزمة الحالية بين شريكي الحكم في السودان حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان عقب تجميد الأخيرة مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية نهاية الأسبوع الماضي ربما تكون مقدمة لعودة الملف السوداني إلى الواجهة في السياسة المصرية، ومن المقرر أن يلتقي المبعوثان المصريان مع السيد سلفا كير ميارديت رئيس حكومة جنوب السودان رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان والنائب الأول للرئيس السوداني ثم يتوجه أبو الغيط وسليمان بعد ذلك إلي الخرطوم حيث يلتقيان مع الرئيس السوداني عمر البشير وعدد من المسئولين السودانيين، وكانت الخارجية المصرية قد أعربت عن قلق مصر الكبير تجاه تصاعد حدة التوتر بين شريكي اتفاق السلام وخطورة هذا التوجه علي مستقبل الاستقرار والسلام الشامل بالسودان وأكدت استعداد القاهرة لتقديم كل أشكال الدعم من أجل تجاوز الأزمة الحالية. وكان الرئيس السوداني قد استبق الوساطة المصرية وأصدر قرارا جمهوريا أمس (الأربعاء) أقال بموجبه عددا من المستشارين والوزراء، وذلك بالتشاور مع نائبه الأول سيلفا كير، وجاءت هذه التعديلات بعد تسلم البشير قائمةَ مطالب من الحركة الشعبية لتحرير السودان التي قالت إن اجتماعا سيعقد في غضون اليومين القادمين بين زعيمها سيلفا كير والرئيس البشير وتعد هذه الزيارة الثنائية للمسئولين المصريين هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة تباعدت فيها السياسة المصرية أو تقاطعت مع الشأن السوداني، الذي كان يعد هماَ مصرياَ - لأسباب تتعلق بالأمن القومي المصري في عمقه الاستراتيجي من ناحية، وفي قضية تأمين مصادر المياه من ناحية أخرى - من الدرجة الأولى، فقد شهد الاهتمام المصري بالشأن السوداني تذبذباَ بين الصعود والهبوط منذ استقلال السودان عن الإدارة المصرية بمبادرة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1956 الذي أعلن منذ الأيام الأولى لقيام ثورة 23 يوليه 1952 في مصر موافقته على إجراء استفتاء عام في السودان من أجل تقرير المصير، و"ذلك في إطار السودان الموحد شماله وجنوبه"، عندما أدرك أن هذه رغبة الأغلبية الساحقة للشعب السوداني. ثم اعترفت مصر بالجمهورية السودانية المستقلة في الأول من يناير(كانون ثاني) 1956. وفيما يتعلق بمشكلة جنوب السودان التي نشأت في ظل الحكم الثنائي الإنجليزي المصري على السودان [1898 ــ 1956], فقد آثرت مصر مبدأ عدم التدخل، أو التورط عسكرياً، في الحرب الأهلية في الجنوب، على أساس أنها مشكلة داخلية، وأن أطرافها أبناء شعب واحد، وأنها مشكلة يجب أن تُحل سلمياً في إطار وحدة السودان. لذا وقفت مصر أمام أي محاولة لتدويل المشكلة وإخراجها عن نطاق المواجهة الثنائية بين الطرفين، محاوِلة الحفاظ على علاقاتها مع كل من الحكومة السودانية وأطراف المعارضة مشددة على أنها لن تقبل فكرة تقسيم السودان أو العبث بوحدته كما رفضت فكرة قيام دولة في الجنوب، انطلاقاَ من قناعة مفادها أن أي عبث بوحدة السودان يؤثر إستراتيجياً على مصر والمنطقة العربية لذا رفضت مصر "ميثاق الخرطوم"، الذي وقعته الحكـومة مع بعض الفصائل الجنوبية في شهر أبريل 1997، كما تحفظت على بعض مواقف التجمع الوطني التي تبنت مبدأ حق تقرير المصير، وشككت مراراَ في نوايا الجيش الشعبي لتحرير السودان، وأعلنت تخوفها من تداعيات الحل العسكري سواء في الجنوب أو في دارفور، والذي تؤيده قوى دولية وإقليمية كثيرة. إلا أن الخلافات السياسية بين مصر والسودان إبان حكم جبهة الإنقاذ، والمحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 والتي اتهمت فيها الحكومة السودانية، بالإضافة للحساسيات التاريخية المترسبة لدى بعض فئات الشعب السوداني والمتمثلة في الخوف من هيمنة مصرية "متوهمة" على أقدار السودان، كل هذا جعل مصر بعيدة على حد كبير عن القضايا السودانية، ومع الانهيار الكبير للعلاقات المصرية السودانية خلال العقد الأول من حكم الرئيس البشير تداخلت مصر إلى حد كبير في تفاصيل أزمة جنوب السودان، فحاولت استيعاب بعض مفردات المشكلة في مواجهة المد الأصولي في السودان، الذي بدأ يهدد أمنها القومي بصورة مباشرة من خلال الدعم "اللوجستيكي" الذي كانت تقدمه الحكومة السودانية في النصف الأول من التسعينيات للحركات الإسلامية المعارضة للحكومة المصرية، مما اضطر مصر إلى تقديم بعض المساعدات للحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها العسكري الجيش الشعبي لتحرير السودان في سياق المواجهة مع النظام السوداني الذي أوصل العلاقة مع مصر إلى حالة العداء السافر والمعلن، كما استضافت القاهرة بعض المنابر الإعلامية التي كانت الحركات المعارضة للنظام السوداني (شمالية وجنوبية) تستخدمها بكفاءة في مواجهة النظام السوداني. ولكن بعد توقيع اتفاقية "مشاكوس" في يوليو عام 2002 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، التي نصت بصورة قاطعة على حق تقرير المصير وإجراء استفتاء شعبي على ذلك بعد فترة انتقالية عمرها ست سنوات، اكتشفت مصر متأخرة أنها في سياق المواجهة مع السودان مررت أجندة ربما تصبح الخطوة العملية الأهم نحو انفصال الجنوب، وهو الأمر الذي يهدد وبقوة الأمن القومي المصري ويطعنه في مقتل. ولكن ذلك لم يكن كل شيء، فقد تم إسناد ملف السودان منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إلى الدكتور يوسف والي وزير الزراعة وأمين عام الحزب الحاكم الأسبق، تماماَ كما تم إسناد ملف ليبيا إلى وزير الإعلام الأسبق الأمين الحالي للحزب الحاكم صفوت الشريف، وقد فشل الرجلان في الملفين فشلاَ ذريعاَ، وأصبحت مصر هي أخر من يعلم في كل ما يتعلق بالجارتين المهمتين، وقد كان أداء الرجلين في الملفين يثير قلقاَ كبيراَ لدى وزارة الخارجية وجهاز المخابرات المصري خاصة بعد استبعاد مصر تماماَ من أي دور في حل مشكلة النظام الليبي مع الغرب، ومشكلة النظام السوداني في الجنوب. وقد كانت هناك محاولات مصرية للحاق بقطار قضية جنوب السودان تمثلت في المبادرة المصرية الليبية المشتركة التي قدمتها الدولتان بديلا لمبادرة الإيجاد الأفريقية ولكنها فشلت هي الأخرى في استدراك خطأ الإستراتيجية المصرية في قضية جنوب السودان، وأصبح واضحا أن هذه الإستراتيجية تحولت إلى محاولة لاستيعاب الأمر الواقع. بالمقابل فإن الأفارقة والأجانب نشطوا في مبادرات حل الأزمات السودانية سلمياً، بدءاً من دور إثيوبيا في تحقيق اتفاق أديس أبابا للسلام في الجنوب عام 1972، مروراً بمبادرة نيجيريا للسلام عام 1991، ثم مبادرة الإيجاد عام1993، ثم مبادرات تشاد ونيجيريا والاتحاد الإفريقي لمعالجة مشكلة دارفور منذ تفجرها في عام 2003. وبخلاف المبادرات العربية تكللت المبادرات الإفريقية بنجاح متفاوت ولقيت دعماً دولياً وقبولاَ سودانياَ. والآن وقد عاد ملف السودان إلى مكانه الطبيعي في جهاز المخابرات ووزارة الخارجية مع ملفي الجارتين الأخريين ليبيا وإسرائيل، هل تستطيع مصر إصلاح ما أفسده الإهمال والدهر.
#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية: لست مرشحاَ لرئاسة الوزر
...
-
بعد إخفاق حرية الصحافة ... حرية الإبداع أمام القضاء مجدداَ
-
دعهم يعلقون ... أو يفضفضون
-
وداعاَ رجاء بلمليح - رجاء التي عرفتها
-
قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 2/2
-
قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 1/2
-
الفرق بين رد القضاة ورد المحكمين في القانون المصري
-
دستور 1971 ... هل يصلح لمصر الآن؟بين ضرورة التغيير ومخاطره
-
الدستور المصري بين التعديل والتغيير
-
هموم مصرية - لماذا جرى ما جرى؟
-
عاشق أصيلة
-
حوار مع رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن
-
دستوركم ياسيادي
-
مش كفاية!!
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|