|
مجزرة الوعي العراقي ...
حسن حاتم المذكور
الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 11:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اصـدق البعض’ ان العراق عظيم بجغرافيتـه وثرواتـه وبيئتـه وتاريخـه العريق واسهاماتـه الحضاريـة ’ وكذلك بمفكريـه ومبدعيـه ومقدرتـه على التقدم والتطور وتحقيق الأنجازات الوطنيـة والأنسانيـة ’ كـل هـذا لا اختلف حولـه مـع احـد ’ لكـن ما علاقـة كل ذلك مـع جيـل صنعـه البعث وشتت ولاءاتـه ومزق هويتـه على امتداد 44 عامـاً تقريباً مـن تاريخـه الحديث بلغت فيـه اخطار افات الجهل والفقـر والأوبئـة والرذيلـة مستويات مخيفـة ’ موزع الأنتماءات ظلالـة يقاتـل ذاتـه ويدمـر بعضـه خلف شعارات وخزعبلات وخرافات وشعوذات لرمـوز وبيوتات وعشائر وتكتلات طائفيـة وعنصريـة تدعـي خبثاً واحتيالاً حـق الوساطـة بينـه وبين اللـه والوطـن ’ استورثت مـن البعث صناعـة وتطوير بيئـة الفساد والأختلاس وأكـل المال الحرام وسرقـة وتهريب ثروات الوطن وارزاق الشعب وترسيخ اخلاقيـة المحسوبيـة والمنسوبيـة والشلليـة وزراعـة اسباب الفرقـة والبغضاء والكراهيـة وتدميـر الآخـر والغاء دوره ’ وتفريـخ قيادات ورمـوز سياسيـة واجتماعيـة ودينيـة وقوميـة تصفـي بأنتظام وفعاليـة كـل مظاهـر الخير والمحبـة والتسامح وتجفيف منابـع الوعي والمعرفـة واشغال المواطن حـد الأنهاك ردحـاً عقيمـاً داخـل البيئـة المظلمـة للقيـم السوداويـة . ما علاقـة العراق ان كان يومـاً عظيمـاً ’بقيادات ورمـوز وعلى جميـع المستويات والأتجاهات تواصـل بهوس ولا مبالات خـداع وتضليل الجماهير الواسعـة وتجهيلهـم وحرفهـم عـن قضاياهـم المصيريـة المباشرة والمستقبليـة ’ دمـرت بصيرتهـم حـد العمـى ’ لا يميـزوا بين جمال الأخلاق الوطنيـة والقيم الأنسانيـة وبين قباحـة العمالـة والتبعيـة والسمسرة الوقحـة على حساب سيادة وكرامـة الوطن وحاضـر ومستقبـل الملايين مـن اهلـه ... ؟ ايـن هـو الجديد فـي مقبـرة الوعــي والمعرفـة وفساد الأخلاق فـي وطـن تتحكـم في مصيره وتحدد افاق كارثتـه قـوى اميـة جاهلـة انانيـة متخلفـة مخادعـة لا تحسن الا صناعـة الأحقاد والفرقـة واشعال الفتـن البغيضـة لتستأثـر هـي بمـا تبقـى مـن اشلاء الوطـن جاهـزة فائضـة عـن متسع كروشهـا للمكاسب المنقولـة وغيـر المنقولـة ’ وشعب لا تتجاوز وظيفتـه وصنعتـه الا ترديد ( عـوافـي عليكـم سادتنـا ) ويصب الماء لتطهيـر اياديهـم مـن بقع اثار عافيتـه المنهوبـة ’ ويهتف سذاجـة مقرفـة خلف هـدا ضـد ذاك او مـع ذاك ضـد هـذا ويردح رعونـة علـى اضلاع وطنـه وحاضـره ومسقبـل اجيالـه .... ؟ اي عـراق جديـد هذا الذي يلفظ فيـه الوعـي الجمعـي آخــر انفاسـه فـي مسلـخ المحطات الفضائيـة المؤدلجـة واعلام مرتش قلب الطاولـة على رأس العراق ومـزق هويـة الأنتماء اليـه وتـوج الطائفة والمذهب والقوميـة والعشيرة بديلاً فـي عيون الناس وضمائرهـم ووجدانهـم بعـد ان جعـل منهـم زيتـاً جاهـزاً لحـرق الذات فـي نار الفتنـة المستوردة او المصنعـة محليـاً مـن جهـل المحترقين طـوعــاً ... ؟ اذا كان رب البيت فـي الدف .......... فـي عراقنـا الجديد ’ فكيف نلوم اهلـة على شيمتهـم الغبيـة فـي رقصـة موتهـم اليومي وعذابات وطنهـم ... كيف نلومهـم ونجرمهـم ذنبـاً ارتكبـوه فـي غيبوبـة وعيهـم ’ بـل ارتكبوه وابتلعـوه موسـاً قاسيـاً مـن اجـل عيـون رؤسائهـم وكبارهـم وقادتهم ومراجعهـم وهيئآتهـم ومقلديهـم وممثليهـم فـي الدنيـا قبـل الآخــرة ’ والناطقين بأسمهـم والمحتذين مـداس ثقتهـم واصواتهـم والمتربعين علـى جماجـم شهدائهـم مـن الجهلـة الأميين فـي الضميـر والوجـدان والأخلاق والسريرة والممارسات بكـل ما للمواصفات البعثيـة مـن رداءة المعنـى..؟ العـراق الجديد الذي كان مفروضـاً ان يكون جميلاً بعـد سقوط النظام البعثي البغيض فـي 09 / نيسان / 2003 ’ وفعلاً فـي زيارتـي للعراق فـي الأشهـر الأولى للسقوط ’ وجدتـه جديداً جميلاً فـي عيون اهلـه وقلوبهـم ووجدانهـم وسلوكهـم ’ كانوا يسابقون الزمـن لطـوي الصفحات المشينـة للتاريـخ البعثـي ومعالجـة الجروح التي سببتهـا فـورة الحوسمـة والفرهـدة المعيبـة بعـد السقوط مباشرة ’ واعادة خياطـة هويـة المواطنة وثقافـة الأنتماء المشترك التي مزقتها وشوهتهـا عفـونــة العقائـد العفلقيـة. اكـرر ... كان مفروضـاً ان يكون العراق جديداً وجميلاً ’ غيـر انـه كانت هناك ثمـة ارادات اخرى محليـة واقليميـة ودوليـة ابت ان يكون العراق كذلك بديمقراطيتـه وتعدديتـه وفدراليتـه ووحـدتـه وحريـة الأنسان وكرامتـه فيـه ’ وان يكون ايجابيـاً مـع ذاتـه والآخرين وانسانيـاً فـي دوره وانجازاتـه وحسـن جـواره ومواقفـه فـي نصـرة الحق والعدل ومستقبـل الأنسان فـي المنطقـة والعالـم ’ استكثروا على العراق ذلك الحق المشروع فأعادوا فصالـه على مقاسهـم وخيطوا عليـه رقـع رثـة متهتكـة متناقضـة الألوان مخدشـة للذوق مثيرة للأشمئزاز’ ابتداء التشويـه الأول مـع رقعـة مجلس الحكـم الموقت ’ فكانت الرصاصـة الأولى لنهـج التحاصص أصابت العراق مقتلاً فأردتـه مشوهـاً طائفيـاً ومذهبيـاً وعنصرياً فاقـداً لبقايـا جمالـه مرتدياً السواد القديـم لثقافـة البعث في الفساد والأختلاس والرشوة والتبعيـة والعمالـة وسقوط القيم الوطنيـة والأعراف والتقاليد الأجتماعي’ فكان الأمر مجزرة بشعة للوعي وروح البناء والتقدم الحضاري . تلك الرقـع التـي ابتداءت مـع مجلس الحكم الموقت تواصلت وترسخت عبـر عمليتين انتخابيتن مرتجلتين وبهلوانيـة للأستفتاء علـى الدستور ’ اصبحت في الواقع المضحك عصيـدة كريهـة الطعم والرائحـة فـي مجلس النواب ومجلسي الرئاسـة والوزراء ومؤسسات الدولـة الأمنيـة والعسكريـة والعمرانيـة والأعلاميـة ومشاريـع ولجان المصالحـات والتوافقات والصحوات’ اعادت العراق ــ والمفترض ان يكون جديداً وجميلاً ــ الى اسطبـل العقائد والثقافات والأخلاقيات والممارسات البعثيـة ’ وانتهت بـه ملطخـاً بأوحال التطرف الطائفـي القومي المذهبـي وضيـق الأفق الفئوي العشائري والتحجـر الأيديولوجي ’ لا يستطيـع الخروج عـن مأزق الخيارين بين ما قبل او بعـد 09 / نيسان / 2003 وايهمـا الأسواء . من اجـل تشويـه الجديد الجميل في مظهـر العراق ’ والعودة بـه او الأبقاء عليـه قديمـاً قبيحـاً ’ ارتكبت فيـة مجـزرة الوعـي وعلى نطاق واســع ومزقت وحدتـه وهويتـه خناجـر الأعلام الطائفـي القومـي وفرض الحصار على رواده فهجـر وهاجـر مـن يحمله فـي رأسـه وقلبـه ووجدانـه حبـاً مثاليـاً للوطـن والناس ’ وحوصـر مـن تبقـى داخلـه مليشياتيـاً وفرق موتـاً وزمـر مخابراتيـة مسعورة ’ وفتحت ابواب التبعيـة للجـوار لتتدفـق الأموال والمخدرات ومنظمـات التكفيـر واجهزة المخابرات للوعيـد والترغيب ’ كـل ذلك مدعومـاً معنوياً ولوجستياً بفيالق مـن اجهزة ومؤسسات وفضاءيات وعلام محليـة واقليميـة ودوليـة . فـي مجـزرة الوعـي سقـط الوعـي .. سقطت القيـم الوطنيـة والأنسانيـة واصبـح العراق مسلخـاً يعاد فيـه ذبـح الوعـي ’ والجلاد ساخـراً شامتـاً وقحـاً منتفعـاً يجتـر وسائل الخداع والتضليل والتجهيل والأستغفال والكذب علـى اللـه والوطن والناس ’ وتشويـه وتحريف وتخريف التعاليم السماويـة والقيم الوطنيـة ليبسقهـا عفونـة طائفيـة عنصريـة بوجـه العراق واهلـه . ان من تسلطوا بغياب الوعـي على مصير الناس وذاقـوا طعـم التسلط والجاه والوجاهـة والثروة وتفرجـوا على القناع الدنيوي الملمع لصورة الحاكـم واقتنعـوا انهـم عظمـاء ’ لا يرغبون ان يتخلوا عـن واقعهـم الجديد وسيتشبثون بـه حتى النفس الآخير وبكـل ما يملكون مـن وسائل التضليل والشعوذة والخداع والألغـاء والقمـع الوحشي ’ هـم يعلمون جيداً ان مصيرهـم سيحسم فـي معركتهـم مـع الوعـي الجمعـي للناس ’ لهـذا تراهـم وبكل السبل والوسائل بما فيهـا غير المشروعـة يستهدفون الوعـي فـي عقول الناس ويعملون علـى تدميره ’ لهذا نـرى فـي الحالـة العراقيـة الجديده ( العمليـة السياسيـة الراهنـة ) التي كان مفوضـاً ان تحقق الجماهير عبرهـا عراقـاً جديداً بالوسائل والأدوات الديموقراطيـة ’ ترتكب يوميـاً مجازر بشعـة للوعـي العراقي وتفتـح لـه مقابـر جماعيـة داخـل مراكز الأعلام والعبادة والشحـن القومـي ’ تخطط لهـا وترتكبهـا مكونات العمليـة السياسيـة الراهنـة وبشكل خاص متطرفـي الأحزاب الأسلاميـة والقوميـة الـى جانب المنظمات والمؤسسات والأحزاب المنفلتـة بغضـاً وحقـداً والتي تشكلت على ارضيـة الأختراقات الأقليميـة والدوليـة . آخـر ما نستطيعـه الآن ’ هـو ان نتسـائل ... هـل فـي العراق الآن بقايا نفس من الوعـي يمكن للتاريـخ ان يعيد بهـا بنـاء الشخصيـة العراقيـة ويكون الوعـي سيداً سائداً فـي الواقـع العراقي ’ وفيـه وعلى اساس المعارف والكفاءات والتجرد الأنساني والنزاهـة تعيـد الدولـة العراقيـة بناء مؤسساتهـا المدنيـة والعسكريـة والأمنيـة ’ ويصبـح القانون والعدل جداراً مانعـاً يحمـي المجتمـع مـن اخطار الـردة والجهـل والتطرف والمغامرات الظارة للعنصرين والطائفيين حيث التراجـع والفتنـة اشتعالاً يتفحـم فـي حريقهـا الناس والوطـن . ان الحالة العراقية الراهنـة لا يمكن لهـا ان تستمـرعلى اساس فوضى التحاصص والتوافق وتقاسم الوطـن اسلاباً الا اذا رافقهـا تدميراً منظماً لوعـي الناس ’ وهـذا ما تحرص عليـه رمـوز وكيانات العملية السياسية الراهنة ومنها بشكل خاص احزاب الأسلام السياسي والتطرف القزمي ولا يمكن للعراق ان يتجاوز مأزقه ويقف على قدميه معافا وعياً ومعارفاً وانجازات وسلوكاً ديموقراطياً’ الا اذا استعاد المثقف العراقي روحه ودوره الوطني الأنساني من تحت جلـد السياسي ’ واشترك شجاعـاً مضحيـاً فـي معركـة الوعــي المصيريـة . هـل فـي الأفق تياراً وطنيـاً انسانيـاً يليق فـي العراق ويستحقـه ... ؟ اعتقـد .. نعـــم .. لكـن اما لـم يولـد ( يتشكل ) بعــد او انـه لا زال يحبـو . 16 / 10 / 2007
#حسن_حاتم_المذكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا عيد مية هله ....
-
الكرد الفيلية : استغاثة في دموع ام رشدي ...
-
اقتسموا العراق ويتباكون على وحدته ...
-
الوهابية : مشروع ابادة جماعية ...
-
يا هلي ...
-
الأستقلالية : موس في بلعوم المستقلين ...
-
تكنوقراط خراب البصرة ....
-
مغتصبة ....
-
كانت يوماً معارضة ... ؟
-
راح بوش ... وجانه بوش ...
-
ايها القائد شكراً ..
-
عنواني الجنوب ...
-
هل من نهاية لمظلومية الجنوب ... ؟
-
الكورد : واقع ومستقبل ...
-
الحوسمة الأنفجارية ...
-
من قتل الأزيديين... ؟
-
غريب بروحي ... موش انه ...
-
ثقافة الغدر ...
-
ايجوز هذا ... ؟
-
بين مطرقة الأسلامي وسندان العلماني ... ؟
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|