وسام اللحام
الحوار المتمدن-العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10 - 11:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا بد لي ان أستهل كلامي هذا بتقديم الشكر لهيئة التحرير الكريمة التي اتاحت لي هذه الفرصة القيمة لكي اتكلم عن واقع اليسار وما آل اليه في هذه الفترة العصيبة من تاريخ لبنان والعالم.
ليس اليسار موضوعا يمكن التطرق اليه في بضعة سطور هي لا محالة غير كافية ومقصرة عن الاحاطة به من جوانبه المتعددة. لكنني سأحاول من خلال هذه المداخلة المتواضعة تقديم وجهة نظر مغايرة بعض الشيء بهدف اغناء البحث الموضوعي وتمكين القارئ من سبر أغوار القضية بشكل محْكم ومتين, عبر طرح رأي بديل لا يهدف الى مهاجمة اليسار بشكل متعصب ولا ينمّ الا عن حقد عقائدي لا يعتد به, أو مصلحة آنية وذاتية مجردة من كل تحليل منطقي وسليم, بل عبر اظهار مكامن الخلل بغية اصلاحها وتجاوزها.
نحن في أمس الحاجة في لبنان الى يسار ينتشلنا من بؤرة الطائفية التي ما برحت تفتك بجسم الوطن وتزرع البغضاء والشحناء بين المواطنين, فتحول هؤلاء من افراد متساوين في الحقوق والواجبات الى مجرد أرقام تضاف في عديد هذه الطائفة أو تلك.
نحن بحاجة أيضا الى اليسار الذي يقف في وجه الرأسمالية المتوحشة المتفشية في بلدنا, والتي وجدت في الطبقة السياسية الاقطاعية ضالتها المنشودة لكي تتحكم بكل أواصر الدولة. والغريب ان الرأسمال في لبنان لم يهدف الى القضاء على الاقطاع حسب ما تفترضه النظرية الماركسية التقليدية, بل على العكس لقد نسج هذا الأخير مع العائلات الاقطاعية تحالف لم نتمكن حتى اليوم من تحطيم قيوده وفك أغلاله التي تحتم علينا القبول بالنظام والخضوع له دون أي أمل بالتغيير. وقد وصل الأمر الى حد تبني بعض الاقطاعيين الشعارات الاشتراكية مع محافظتهم على أغلبية امتيازاتهم التي توارثوها عبر القرون. ان هذا الحلف المتناقض الذي يدفع الى الاستغراب والتعجب الشديد لا يمكن تفسيره الا عبر النظام الطائفي المتأصل في النفوس الذي منع من جهة البورجوازية الكبيرة من التخلص من الطبقة الاقطاعية, والذي فرض من جهة أخرى على رجال الاقطاع التأقلم والتكيف مع الواقع الجديد, فتخلوا عن بعض امتيازاتهم مقابل محافظتهم على سيطرتهم المعهودة, وتنعمهم بفوائد سلطة المال الفاحش. لذلك كانت الدولة ومؤسساتها المتعددة مجرد انعكاس لهذا الحلف المستتر الناجم عن تلاقي مصالح متضاربة في الشكل لكنها تلتقي في الجوهر. وهكذا يمكن تفسير الدستور اللبناني الذي يقر من جهة النظام الاقتصادي الحر, ويرسي من جهة أخرى قواعد النظام الطائفي الذي ما زلنا نرزح تحت وطأته حتى يومنا هذا.
ان كل ما تقدم قد يدفع القارئ الكريم الى الاعتقاد بان كاتب هذه السطور هو يساري من الصميم. ولكنني لست كذلك. والسبب هو ان ما قلته لا ينبع من عقيدة متجذرة في الذهن أو من قناعة ذات أبعاد ايديولوجية, بل هو مجرد توصيف لحالة لا يمكن لأي شخص يدعي الموضوعية الا أن يعترف بها. ان اقراري بهذا الواقع, واستخدامي لتعابير "يسارية" لا يضعني حكما في الخانة "الحمراء", ويضفي علي صفة "الرفيق". تبعا لذلك نستطيع الأن أن نذكر بعض الملاحظات على اليسار اللبناني بالتحديد.
أصبح اليسار في لبنان حالة رفض قائمة على الاعتراض السلبي والبلاغة الكلامية. أصبح اليسار ضربا من ضروب الترف الفكري حيث يقوم عدد لا بأس فيه من محازبيه بوظيفة المثقف الذي وصل الى الحقيقة والتنوير الداخلي, بينما الاخرين هم في ضلالة تمنعهم من التمييز بين الخطأ والصواب, فيحتاجون تبعا لذلك الى من يرشدهم الى الطريق القويم والصراط المستقيم. من جهة ثانية, يعمل اليسار بشكل عام حسب مقولة الشافعي: "كلامي صواب يحتمل بعض الخطأ, وكلام الأخرين خطأ يحتمل بعض الصواب".
نقول هذا, ونحن نعلم انه لا يجوز التعميم, لكن هذا الأمر أصبح ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها. لذلك على اليسار أن يدرك نسبيته, أي عليه أن يتخلى عن اعتقاده انه الوحيد الذي يملك الحقيقة, وان كل شخص غير يساري (أو شيوعي بشكل أخص) اما يعاني من القصور الفكري أو هو من طبقة السلطة المستبدة والقمعية.
على اليسار أن يعلم أن وصوله الى السلطة عبر الانتخابات الديموقراطية لا يعني ان "الثورة" حسب مفهومه قد بدأت, لأن اليسار ليس الا مجرد خيار بين خيارات متنوعة, وبالتالي عليه أن يلتزم بقواعد اللعبة وأن يعلم جيدا انه في المستقبل قد يخسر الانتخابات. لذلك على اليسار أن يتخلى عن ايديولوجية أفكاره وليس عن طروحاته. فالايديولوجية المتحجرة كالدين, تجعل من كل منتقد كافر, وكل مخالف مرتد. فهل يعقل أن يحررنا اليسار من سطوة الدين لكي يضعنا تحت رحمة ايديولوجية ليست الا دين جديد يستبدل الله بعقائد سامية, والانبياء بماركس ولينين, والاكليروس بالفلاسفة وعلماء الاقتصاد والاجتماع.
نريد يسارا لا يكون مجرد ردة فعل تبرر الشعور الانهزامي وتدفع المرء الى حقد طبقي أعمى.
نريد يسارا يسمح للفرد العادي أن يؤيده في الانتخابات ليس لأنه يساريا, بل لأنه مجرد مواطن مقتنع بالبرنامج الانتخابي الذي يتبناه ويروج له.
نريد يسارا متجددا تخلص من عقدة انهيار الاتحاد السوفيتي, يسارا ليس أسير مجموعة من الشعارات التي أكل عليها الدهر وشرب.
ان العبئ الملقى على عاتق اليسار-اليسار الحقيقي وليس اليسار المزعوم الذي تحالف لا بل خضع الى رجال المال والاقطاع- هو جسيم جدا لأننا في لبنان لا خيار أمامنا من أجل التخلص من الطبقة التي تتحكم بنا منذ عهد الامارة سوى اليسار العلماني.
أكثر من 80 عاما, واليسار لم يحقق هذه الاهداف, لذلك على اليسار أن يعيد النظر باساليبه وأن يدرك ان التغيير ينطلق من الشعب وليس من ندوات الترف الفكري والجدالات البيزنطية التي تهدف الى المماحكة الثقافية أكثر من ايجاد الحلول للمشاكل التي يرزح تحتها الشعب.
#وسام_اللحام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟