يوسف احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ورئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني " اشد" في لبنان
بدأت قصة الفلسطيني مع المخيم ، منذ نشوء النكبة الكبرى عام 1948 وتشريد آلاف الفلسطينيين الى الدول العربية المجاورة ومنها لبنان الذي استضاف عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في خيم سرعان ما بدأت تتحول الى خيم دائمة مع شعور اللاجئين ان وعد الدول العربية بالعودة لن يتحقق قريبا، لتمتد الحكاية 59 عاما وتصبح الخيمة منزلا من الطين الى بناء من اللبن ولتشكل مع بعضها البعض المخيّم الذي غدا وحدة السكن الفلسطينيّ في الشتات المجاور ومنه لبنان، الذي توزع اللاجوؤن فيه على 15 مخيما ينتشرون على مختلف الاراضي اللبنانية من الشمال الى الجنوب، لتبدا حكاية اللجوء الفلسطيني الذي شكل الينبوع الكبير لمسيرة الشعب الفلسطيني حيث تحولت خيمة اللجوء الى خيمة للمقاومة، وشكل المخيم حاضنة حقيقية للحلم الفلسطيني ورمزا من رموز النضال الفلسطيني باعتباره شاهدا على افظع جريمة ارتكبت في هذا العصر وهي نكبة فلسطين.
ورغم المآسي الكبيرة التي حلت بأبناء المخيمات منذ نشأتها إلى اليوم، كالفقر والجوع والحصار والافتقار إلى أدنى شروط الحياة الكريمة في العيش، وان كانت هذه الأمور تتفاوت من مخيم إلى آخر ومن دولة الى اخرى، إلا أن ذلك لم يمنع ان تشكل المخيمات خزان الدم للثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها الأولى، وبسبب ذلك كان المخيم الفلسطيني دائما هو الهدف من قبل اعداء الشعب والقضية الفلسطينية وفي مقدمتهم العدو الاسرائيلي الذي لم يفوت قادة سلاحه الجوي اية فرصة لرحلة عدوانية على الاراضي اللبنانية الا وكان المخيم الفلسطيني هذفا بدءا بتدمير مخيم النبطية عام 1974 وحتى حرب تموز 2006.
لكن وبالرغم من كل ذلك وما تعرض له المخيم من مآسي، من التدمير والقصف والحصار والمجاز، ر لكنه بقي دائما هو المنتصر بشموخه وروحه وانتمائه وتمرده على كل العذابات. وتحمل المخيم طوال سنوات وجود الثورة في لبنان وما بعد خروجها العبء الاساسي في استمرار الكفاح الفلسطيني ومواجهة كل التحديات مهما كانت التكاليف، وقدم ابناء المخيمات الفلسطينية في لبنان مئات والآف الشهداء والجرحى من اجل الحفاظ على المخيم واستعادة حقوقهم التي سلبت بقوة الارهاب الصهيوني.
ولان المخيم، بروحه وانتمائه، ارتبط بحياة الفلسطيني ، واصبح رمزا لهويته وعنوانا لنضاله وحقه في العودة مهما اختلف اسمه، لكنه في المضمون واحد، فالحجارة متشابهة والازقة نفسها واسقف الصفيح هي ذاتها، وعنفوان الثورة والكفاح بين ابناءه واحد . وبالرغم من الظروف المختلفة ما بين مخيم وآخر، الا انه ما من مخيم إلا ودفع ضريبة الانتماء لفلسطين وللقضية الوطنية وقدم التضحيات من اجل انتزاع حق العودة وإعادة الحقوق لهذا الشعب المقاوم، وما من فرق بين ما قدمه اللاجؤون في مخيمات الأردن من تضحيات كبيرة في مواجهة المشروع الصهيوني منذ العام 67، ومخيمات لبنان وسوريا التي حملت على كاهلها لواء الثورة والمقاومة في السبعينات والثمانينات وصولا إلى مخيمات الصمود والانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة التي جسدت صورة الحجر المقاوم وادخلت كلمة الانتفاضة في قواميس اللغات العالمية، ليتجسد بذلك وحدة هذا الشعب التي لم تستطع النكبات والاعتداءات ومآسي المعاناة ان تفتت أو ان تنال منه ولتترجم جدلية العلاقة وتكاملها بين الشتات الفلسطيني في الخارج والداخل بقراه ومدنه ومخيماته.
من هنا ليس بالمستغرب ان ترى امراة فلسطينية من النازحين من مخيم نهرالبارد في طرابلس الى مخيم البداوي تقول لاحدى وسائل الاعلام " انا مستعدة لرفع ركام بيتي المهدم بيدي ... لكن دعوني اعود" وامراة اخرى تقول "انا لا اريد سوى العودة الى المخيم حتى لو اضطررت للعيش في خيمة فوق الركام، لان المخيم يختزل ذكرياتنا وطفولتنا وهو عنوان نضالنا من اجل العودة الى فلسطين".
هذه الجمل والكلمات يرددها آلاف النازحين من ابناء مخيم نهر البارد اللذين لا علاقة لهم بما جرى، وأنهم مع اللبنانيين كا نوا ضحية لأعمال هذه الظاهرة الغريبة عن شعبنا ونسيجه الاجتماعي والوطني، وفي الوقت ذاته لا يخفي هؤلاء النازحين قلقهم وخوفهم على مستقبلهم وعلى مصير المخيم، خاصة عندما يتذكرون ما حل بالعديد من المخيمات التي تدمرت سابقا ومنها تل الزعتر والنبطية وجسر الباشا ومخيم شاتيلا الذي جرى تدميره بشكل كامل خلال عامي 1986-1987، ولم يتم بناؤه حتى هذه اللحظة، مما دفع بأبناءه الى البحث عن منازل بديلة في المخيمات الاخرى او في مناطق لبنانية متعددة، كلها صور لا زالت بذاكرة اللاجىء الفلسطيني ....
ومن هنا ننطلق الى المطلب الاساس لاهالي مخيم نهرالبارد اللذين يصل عددهم لما يقارب ال 30 الف والذين يتمسكون بالعودة الى المخيم والحفاظ عليه، ويتخوفون من مصطلح "المخيم النموذجي"، ليس لانهم لا يريدون مخيما نمودجيا ببنيته التحتية وشوارعه وتنظيم بنائه السكاني، وغير ذلك من التحسينات على بنيته التحتية، التي تشكوا منها معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان، بل ينبع هذا التخوف من ان يؤدي هذا التوجه للبناء النموذجي المجهول المعالم الى قضم مساحات من المخيم والغاء معالمه وضرب نسيجه الاجتماعي وروابطه العائلية والقروية التي حافظ عليها اللاجؤون منذ النكبة وحتى اليوم، لذا فان الحديث عن مخيم نموذجي او تحسين اوضاع بعض المخيمات الاخرى يجب ان يصب في خانة صيانة الهوية الوطنية للفلسطينيين في لبنان والحفاظ على نسيجهم الاجتماعي والسياسي، وبما يعزز صمودهم في مواجهة مشاريع التوطين والتشتيت والبعثرة. وأي مشروع "تنموي" يؤدي بشكل او بآخر الى الغاء المخيمات او قضم اجزاء منها، فسوف يشكل ضربة قوية لواحدة من اهم الركائز التي تستند اليها قضية اللاجئين، وبما يضعف الركائز الثلاث التي تجسد مرجعيتها القانونية والسياسية.
يبقى ان نقول انه لا يوجد من فلسطيني يرغب في البقاء في اي مخيم مهما كانت رمزيته، لانه ينظر للمخيم كركيزة للعودة الى وطنه في فلسطين، الى قراه ومدنه التي هجر منها بقوة الارهاب الصهيوني. والى ان يحين أوان العودة، سيبقى الفلسطيني متمسكا بخيمته ومخيمه، ويتطلع الى جميع الاشقاء والاصدقاء في الدول العربية المستضيفة له ومنها لبنان، لان يكون سندا وعونا لنضاله من اجل العودة، وما يتطلبه ذلك من ضرورة تنظيم العلاقات الفلسطينية اللبنانية قانونيا وسياسيا واقتصاديا وامنيا واقرار الحقوق الانسانية من اجل دعم صمود اللاجئين وبما يعزز موقفهم الرافض لجميع مشاريع التوطين والترحيل والمتمسك بحق العودة وفقا للقرار 194.
#يوسف_احمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟