أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟














المزيد.....

هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟


محمد نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 2058 - 2007 / 10 / 4 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


لم تتجاوز عقدها الثالث، تقطن بحي بناه الروس بعد سقوط الجدار بالعاصمة موسكو.ترفض أن يناديها أصدقائها بصوفيا . وبالرغم من أن اسمها مسجل في لوائح السلطات الروسية ،فان هذه الصامتة لا تظهر من عيونها سوى الغرابة. شيء عجيب أن نلتقي بامرأة تكره اسمها حتى النخاع، وتحب أسماء الغير، و تعشق عيونهم المدمرة. تحب رجالا طوقهم الواقع وأغرقهم في عالم من اليأس. وجوههم شاحبة و أيديهم مكَبَّلة ، ينظرون إلى ضوء النجوم و حركة الأشباح . صوفيا تحب بجنون الرائحة التي تنبعث من سيارات موسكو العتيقة ،و ضوضاء تلك الساحة المحيطة بمتحف ألكسندر بوشكين .صوفيا تحب أشياء كثيرة .قد تتخلى عن كل شيء لكنها لن تتنازل عن أقدس مقدساتها : عشق الحياة اللامتناهي.

حاولت أن ألحق بصوفيا عندما انسحبت في هدوء. طاردتني الكثير من الأحلام . توقفت . تركتها تسير لوحدها، أنا المكتوي بنار الفراق و الشوق و كل أنواع الحماقات. كنت أنظر إليها وكأنها قريبة مني. كانت تدخل مسرعة إلى مغارة توجد على الجانب الأيسر من جبل موسكو ،أطلق عليها اسم مغارة الحرية . تدخل مسرعة ثم تخرج ثانية . تكرر هذه العملية مرات عديدة. تصرخ بصوت لا يسمعه أحد. كلهم كانوا هناك، داخل المغارة ،رجال ملتحون ونساء زاهدات،كلهم منشغلون بتعداد نجوم السماء،يحاولون الإمساك بثوب صوفيا الناعم و يديها اللتان لم تلطخا بدم الغير، لكن أشباح الغابة كانت تعيق وصول هؤلاء إلى الهدف. يا للخسارة عندما يتبدد الحلم ويسود الوهم !

غيرت مكاني أكثر من مرة، و حاولت أن أخترق دروب الساحة الحمراء. زرت قبر لينين. بحثت عن معبر أو قناة توصلني إلى صوفيا. لا أريد أن أترك ساحات موسكو الشاسعة، وصمت دروبها الذي يسبق عاصفة غير معروفة. لكنني أحلم برؤية صوفيا ولا أريد التخلي عنها. وجع في بطني يقطع شراييني. أحسست بأنني دخلت مرحلة انفصام جديدة. وبين الحلم بصوفيا و الرغبة في البقاء على هذه الأرض المغتربة ، تمزقت و بدأت أهلوس من شدة التعب . كانت و كأنها قادمة ،بجانبي تحاول الإمساك بما تبقى من شعيرات رأسي . تريد أن تأخذ لي صورة تزين بها غرفتها المظلمة. خاطبتها بصوت صاخب و أصم من الحجر الذي بنيت به مغارة الحرية :
ـ عليك بالعودة. أهتمي بصمتك و بنفسك أكثر، فالنفس قاتلة.
ردت علي صوفيا دون أن تحرك شفتيها العريضتين:
ـ آه، أعتقد في شيء أجمل و أهم من النفس !
ـ غريب...!
ـ إنه العشق الأبدي . عندما نصبح أسرى لرؤية الحبيب ،يتحقق الخلود.
ـ لكن لذة الحب و طعم اللقاء ولو كان قصيرا لا تقدر بأي ثمن !

أحيانا لا نحس بالحياة و لا حتى بلحظات الموت البطيء، لكن بالقرب من صوفيا يصبح للزمن وتيرة مغايرة، تنبض بالعشق الجنوني لشيء اسمه الشغف. لا أريد أن أستفيق من سبات هذه اللحظات التي تدخل فيها صوفيا إلى غرفتي ،بعدما تغادر الجبل والمغارة و نظرات المكبلين اليائسة . نعم، عندما تودع صوفيا مغارة الحرية ،أتحرر من شكي و أدخل مملكة اليقين . كم تصبح الأوهام مطمئنة وموحية بالراحة . صوفيا لا تتخلى عن رجل مثلي ،يكره البحر و ظلمات المغارات والجبال الوعرة. إنها تحب مرافقتي بالرغم من كوني لست من عشاق تلك المغامرات المحفوفة بالمخاطر.

عندما تثيرني رائحة صوفيا و فستانها الأزرق، أتذكر الراحلين و أهوالهم. أصبح مصرا على بقاء صوفيا بالساحة الحمراء ،و أرفض أن تظل أسيرة المغارة وأشباحها . كانت تقدم لي نصف ابتسامتها على طبق من ذهب. أسألها عن السر في وجودها بالقرب مني، ترد علي بعد ثوان:
ـ هناك، كلهم مكبلون، حزينون ،ينتظرون لحظة انعتا قهم. لقد تركتهم لوحدهم و هم على أهبة الاستعداد للخروج. لا تقلق، أنا هنا بالقرب من كل ذكرياتك وأطلالك. أنا أتجاوب مع رنين آهاتك . أستنشق رائحة غضبك و عنفوانك .

صوفيا مازالت بجانبي . لحسن حظي مازلت غارقا في حالة الانفصام ولو أنها اغتالت في نفسي روح التطلع. كم هو غريب أن يكون الانفصال عن الذات متعة مع الغير. أكيد، لو لم تكن صوفيا موجودة لخلقت صورة لها وليقع ما يقع !

صوفيا لم تكن إلا عابرة و كأنها ستعود للأبد . سماء موسكو تدعونا إلى الاستعداد للبرد و الثلج الذي يحول الناس إلى حمقى و نور النهار إلى سراب. بدأت قطرات المطر تسقط على رأسي ووجنتي . نظرت يمينا و شمالا . غادرت صوفيا الساحة الحمراء و تركت لينين في مرقده يتيما. رحلت وتركتني متعبا، لا أقدر على الحركة، أمشي وكأنني محطم الكتفين. أخطو إلى الأمام ثم إلى الوراء . لم يعد للشقراء الروسية أثر هنا و هناك ،لكن ستعود صوفيا و معها أولئك الذين قضوا عقودا من الزمن ،داخل مغارة الحرية ،يبحثون عن الحقيقة ، حقيقة الوجود المسكون بوهم الموجود .
صحافي وكاتب مقيم بموسكو



#محمد_نبيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا موسكو :العمر مجرد كلمة !
- متاهات الحب
- على هامش الملاحقات القضائية ضد صحافيي -الوطن الآن : ...
- طنجة تتغير....طنجة تختنق
- مقدسات ألمانية
- هل ما زال التغيير ممكنا في المغرب ؟
- سيدي علي وحكاية زواج الرجال بالمغرب
- مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
- الراب و الحجاب وأشياء أخرى
- في حوار مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد عزام
- كيف يدفن الموتى العرب بالمقابر الألمانية ؟
- اللاجئات العربيات بألمانيا و حكاية الخوف من المجهول
- علي الضاحك
- عندما تحب كلاوديا
- حلاق للكلاب فقط
- حفار القبور
- لماذا يعتنق الألمان الدين الإسلامي؟
- كيف حضر المغرب في مهرجان برلين السينمائي؟
- من أفلام مهرجان برلين السينمائي : العام الذي ذهب فيه والداي ...
- كيف عاد شي غيفارا إلى أمريكا اللاتينية ؟


المزيد.....




- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...
- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
- عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر ...
- الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟