|
- العولمة - الأميركية قيد التطبيق .. العراق مثلاً
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ انتفاء حالة الثنائية القطبية الدولية ، وا ستيلاء الولايات المتحدة الأميركية ، الدولة االأعظم اقتصدياً وعسكرياً على مركز القطبية الأحادية ، ارتد العالم إلى مرحلة الفتوحات الاستعمارية ، وا ستبيحت الكيانات الوطنية الأضعف ، وباتت خرائط الكثير من دول العالم عرضة لإعادة النظر فيها ورسمها من جديد ، حسب المخططات والمصالح الاستعمارية الأميركية الجديدة . وقد تمثل ذلك بالإجهاز على هيكلة الكيان السوفييتي المنهار ، لاحتواء ، وإخضاع معظم الجمهوريات السوفييتية السابقة للتمدد الأطلسي شرقاً ، ولحصار روسيا ، ا ستباقاً ، لمنعها من النهوض كقطب دولي مرة أخرى . ومن ثم تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، للقضاء على آخر كيان أوربي مستقل ينهج الاقتصاد الموجه ، ومعوق لهيمنة الاحتكارات الكبرى المطلقة على أوربا . ومن ثم الانقضاض على الشرق الأوسط ، ووضع اليد الحديدية عليه ، للسيطرة على ثرواته البترولية ، وتصفية القضية الفلسطينية ، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي لصالح دولة إ سرئيلية عظمى لها دور الشريك الأهم في إعادة بناء ومصيرالمنطقة وا ستخدام موقعه - أي الشرق الأوسط - الجيو سياسي المتوسط للقارات الكبرى الأهم ، فيما يتعلق بالمساحات وعدد السكان والثروات الطبيعية والأسواق الاستهلاكية ، بحيث يستحوذ المستعمرون الجدد في البيت الأبيض على أقوى قوة عسكرية ضاربة براً وبحراً وجواً في العالم ، وعلى أضخم الثروات والرساميل المالية ، وأعظم مصادر الطاقة البترولية ، وأكثر المواقع الجغرافية ا ستراتيجية ومحورية ، لإحكام السيطرة الأميركية على أوربا وآسيا وأفريقيا ، لاسيما حوض المتوسط الذي يشتمل على معبر البوسفور الذي يربط دول البحر الأسود بحراً بمعظم دول العالم ، ومعبر قناة السويس مابين أوربا وآسيا ، ومضيق جبل طارق الذي يفتح حوض المتوسط على المحيط الأطلسي والأميركيتين اللاتينية والشمالية
لهذه الأهداف الاستعمارية الكونية ، سارع المستعمرون الجدد في البيت الأبيض لإيجاد الغطاء الأيديولوجي والسياسي والإعلامي الذرائعي لزحفهم غير المقدس على العالم . وحركوا آليات مطابخهم الجامعية والبحثية والإعلامية لامتهان وا ستخدام القيم النبيلة ، التي أبدعها الانسان عبر تاريخه الطويل لبناء حياة توفر له الكرامة والعدالة والوفرة ، وفي مقدمها الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير والحرية . ا شتغل " المفكرون " على " صراع الحضارات " و" نهاية التاريخ " والتبشير بعالم جديد تحت قيادة أميركا والرأسمالية الدولية بمثابة حتمية مطابقة لحركة التاريخ . وا شتغل السياسيون على الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وعلى السيطرة شبه المطلقة ، على الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي ، لتقييد تطلعات الشعوب نحو المستقبل حسب معاييرهم ، وامتلاك " الشرعية الدولية " و " القرار الدولي " ، ليأخذ الفعل الاستعماري الجديد طابعاً " حضارياً " و " وضرورياً " و " شرعياً " . وا شتغل الإعلاميون على فبركة وتضخيم الأكاذيب الذرائعية ، وتقديمها حيثيات مسوغة لاستخدام القوة ، لفرض الاستعمار الجديد على الشعوب المستهدفة المقاومة
وقد سمي المسار الاستعماري الجديد نفاقاً ب " العولمة " الحضارية . ومن أسف شديد ، كان هناك الكثير من الذين تلقفوا هذه " العولمة " وقاموا بالجري نحو سراب فردوسها الموعود ، مكتفين بأخذ الشعارات التي طرحها المستعمرون الجدد حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ، دون التمعن بأن الولايات المتحدة الأميركية الرأ سمالية الإمبريالية هي .. هي .. لم يجر أي تبديل في بنيتها الرأسمالية الاحتكارية ، وفي بنيتها السياسية كدولة عدوانية ا ستعمارية عريقة وحليفة للكيان الصيوني ، وفي دورها الرئيس في وجود ودعم الأنظمة الرجعية والديكتاتورية ، وفيما آل إليه وضع المجتمعات والشعوب المفوتة من بؤس وأوبئة وفقر حتى الموت عطشاً وجوعاً ، بل وسار البعض مع هذه " العولمة " إلى ماهو أبعد من ذلك ، وانخرط في المؤامرات والمؤتمرات والأنشطة تحت قيادة المستعمرين الجدد ، على خلفية الخلاص من الأنظمة الاستبدادية بأي ثمن
وعلى هذه الخلفية الاستعمارية .. ومن أجل تحقيق مخططاتها في الهيمنة على الشرق الأوسط والعالم كان احتلال العراق وما جرى وماسيجري للعراق . أما الذرائع التي طرحت كمسوغات لهذا الاحتلال ، مثل أسلحة الدمار الشامل والنووي .. ونشر الديمقراطية .. فقد تساقطت حتى من أفواه مخترعيها ومروجيها ومستخدميها على كل المستويات ، بما فيهم بوش وكولن باول والدكتورة كوندي ، وتساقط معها الرجاء الأجوف ، بأن أميركا الإمبريالية ستنشر العدالة والديمقراطية والسلام بين الشعوب
وعلى هذه الخلفية أيضاً .. صوت مجلس اليوخ الأميكي في 26 الجاري على تقسيم العراق ، على أساس طائفي وعرقي ، من منطلق أنهم ، جمهوريون وديمقراطيون ، سادة العالم الذي لم يعد بالنسبة لهم سوى ساحة عمليات لفتوحاتهم الجديدة . الأمر الذي يضع العراق على شفير حرب أهلية طائفية عرقية قد تمتد عشرات السنين ، ويعرض دول الجوار تحديداً إلى ذات المصير الاحتلالي التقسيمي المدمر
وما يجدر الإشارة إليه بهذا الصدد ، هو أن قرا تقسيم العراق وبلدان عربية أخرى مستهدفة ، قد اتخذ من قبل المستعمرين الجدد منذ أن وضعوا ا ستراتيجية غزو العراق والشرق الأوسط . ولايتطلب التأكيد على ذلك كبير جهد ، وإذا ماعدنا إلى الطروحات الأميركية والإسرائيلية السياسية والإعلامية قبل وبعد احتلال العراق فإننا نجد الكثير من المشاريع المعدة ، حتى بأدق التفاصيل والمسميات ، لتقسيم السعودية ومصر وسوريا ولبنان والعراق والسودان والأردن ، كجزء رئيس من مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، لتأمين السيطرة التامة الأميركية الإسرائيلية على كيانات المنطقة الجديدة الهزيلة ومقدراتها الكثيرة الثمينة في المستقبل . ما أعاق حركة الدومينو لهذا المشروع الاحتلالي التقسيمي ، هو تداعيات الحرب الكارثية في العراق والمقاومة والقوى الوطنية الرافضة له على الساحة العراقية ، وفشل حرب تموز الإسرائيلية على لبنان ، والتكلفة الباهظة ( 600 مليار دولار ونحو .400 قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمشوهين ) وا نسداد آفاق مضمونة لانتصارات سريعة ومريحة
على أن ما يثيره قرار تقسيم العراق هم تصميم الطبقة ا لرأ سمالية السياسية الأميركية الحاكمة على البقاء في العراق عسكرياً وبالتالي سياسياً واقتصادياً ، ومتابعة برنامجها الاستعماري بالنسبة للبلدان المستهدفة في مخططاتها الشرق أوسطية وإن بأشكال أقل غطرسة وتدميراً . كما يضع أمام القوى الوطنية الديمقراطية على اختلاف أطيافها أكثر من اي وقت مضى ضرورة الاستفادة من الدرس العراقي الدامي الكارثي المرير ، بالقطع المطلق مع حلم " العولمة " الأميركي ، بل واتقاء شروره وكوارثه ، بإقامة أمتن وأوسع التحالفات الوطنية والقومية ، لمواجهة المصير المفتوح على صراعات طاحنة ، تتطلب وضوح الرؤى وإرادات موحدة قوية .. تتطلب حشوداً مليونية في الشارع السياسي وفي خنادق الدفاع عن الوجود الوطني والقومي وحق تقرير المصير
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة حرب معلنة في غزة
-
إشكالية الدستور واقتصاد السوق والتغيير الديمقراطي
-
الرد الأقوى على الاختراقات والتحديات
-
الحركة النقابية بين قيود السلطة ومطالب الطبقة العاملة
-
إنها لحظة انتزاع المبادرة ..
-
الجديد في - انتخابات - اللاتجديد
-
من هنا تأتي المعارضة
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
-
أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
-
نداء شهداء معبر رفح
-
استحقاقات عودة الزمن النقابي
-
صفقات شيطانية
-
هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
-
اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
-
مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
-
من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
-
الجواب على سؤال الهزيمة
-
السلطة والثروة في الصراع السياسي
-
التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
المزيد.....
-
مشاهد توثق انفجار أجهزة -البيجر- اللاسلكية في عدد من المتاج
...
-
مصادر عسكرية رفيعة: تناقض شديد بين الجيش ونتنياهو ونخسر حرب
...
-
ألمانيا تتعهد بتقديم 100 مليون يورو إضافية لأوكرانيا في الشت
...
-
مصرع 4 أشخاص وإصابة 40 جراء حرائق الغابات في البرتغال
-
وزير القوات الجوية الأمريكية: روسيا ستواصل تهديدنا بغض النظر
...
-
قيس سعيد: جهات أجنبية تسعى لإفشال حركة التحرر الوطني في تونس
...
-
البرلمان الجورجي يتبنّى مشروع قانون حظر الدعاية للمثلية وتغي
...
-
مالي: مسلحون يهاجمون مقرا للقوات المسلحة في العاصمة والجيش ي
...
-
عاجل: عدد من الإصابات في حدث أمني غير واضح في الضاحية الجنوب
...
-
تطوير صمام قلب جديد لتفادي مشاكل عمليات استبدال الصمامات
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|