|
استراتيجية ايران في احتلال العراق
عماد عبد الكريم مغير
الحوار المتمدن-العدد: 2050 - 2007 / 9 / 26 - 03:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ اليوم الاول للاحتلال الاميركي للعراق بدأ الرهان على الدور الذي ستلعبه ايران في ما يحلو للبعض تسميته (العراق الجديد). الا ان الاهتمام لم يتركز بداية على طبيعة التدخل الايراني المحتمل ولا على خطوطه واستراتيجياته، والسبب في هذا الاهمال يعود من ناحية الى الانشغال في كيفية انهاء الحرب والاحتلال اولا وقبل كل شيء، ومن الناحية الاخرى فقد اهتم البعض في القضاء على حزب البعث العربي الاشتراكي وتحجيم دوره للحيلولة دون بزوغه مجددا، وهو المواجه الرئيس للاستراتيجية الايرانية منذ سقوط شاه ايران واستيلاء الملالي على الحكم، ومن ثم البدء ببناء العراق الجديد.
لم يعمل الغرب منفردا لاستثمار الحقد الفارسي الذي تمتد جذوره عبر التاريخ ضد العراق، وانما راحت بعض العواصم العربية تتحالف مع العدوين ضده. لقد رحبت ايران ومن والاها بالعدوان الاميركي واعدته حسب سياساتها المعلنة عقاب العدالة الالهية لما قام به النظام العراقي السابق ضدها عندما كان يدافع عن نفسه ضد الاحقاد المجوسية والاستراتيجية الفارسية، اما نواياها الحقيقية الدفينة فكانت تكمن في التخطيط للانتقام ليس من النصر الذي حققه العراق في الحرب العراقية الايرانية، سيما وان الفرصة اصبحت مؤاتية لها لاستثمار ما يجري في العراق لصالحها للثأر من الانتصارات العربية الاسلامية على الفرس والذي جاء على لسان عبد العزيز الحكيم بان هذا هو انتصارهم منذ 1400 سنة، والذي يقصد فيه بعد هزيمة الفرس في معركة القادسية الاولى.
الحرب العراقية الايرانية لم تكن العلاقات العراقية- الايرانية عموما علاقات تعاون وصداقة وغالبا ما كان يشوبها التوتر لاسباب معروفة لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة. ونتيجة لذلك، ولقيام ايران ببعض الاعمال العدائية ضد العراق سيما بعد تولي نظام الملالي على الحكم في عام 1979 والاعلان رسميا عن ما سمي بمبدأ "تصدير الثورة"، فقد قام العراق بتطهير البلاد من ذوي الاصول الايرانية والذين غالبا ما كانوا يقومون باعمال وممارسات تصب في صالح ايران، وكذلك خشية اشتراكهم باعمال تجسسية لصالح ايران. الا ان هذه الخطوة في مكنونها كانت تصب في مصلحة ايران على المدى البعيداذ انها فرصة لاستغلال هؤلاء البشر في جهودها الحربية في كلا الحربين، حرب السنوات الثمانية، وحرب الاحتلال الاميركي الايراني البريطاني. علاوة على ذلك استفادت ايران من وجود اعداد كبيرة من الاسرى العراقيين لديها بعد ان فضل عدد منهم البقاء في ايران نتيجة عمليات غسيل الدماغ وغيرها من الوسائل المؤثرة المعروفة الاخرى، وبما يتلائم مع مصالحها القومية ومخططاتها الاستراتيجية الموازية للمصالح الاميركية.
عملت ايران على استغلال اولئك البشر من مهجرين واسرى واسست قوات بدر، الجناح العسكري لما يسمى بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، توأم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في ايران، تحت قيادة محمد باقر الحكيم الذي قتل بانفجار في النجف عام 2003 وتسلم اخوه عبد العزيز الحكيم قيادة تلك القوات من بعده. وقد لعبت هذه القوات دورا مهما جدا في تحقيق الاهداف الايرانية قبل الغزو الاميركي للعراق وبعده، وزاد هذا الدور تأثيرا مع عملية احتلال العراق.
عاد معظم من طردوا في زمن الرئيس الراحل صدام حسين ليلعبوا دورا اساسيا في تعزيز النفوذ الايراني داخل العراق واقامة قيادات سياسية ايرانية المنشأ والتربية والتعليم او موالية لها. وما يثير الدهشة والاستغراب ان ايران لم تقطع علاقاتها كليا مع العراق حتى اثناء الحرب العراقية الايرانية طيلة السنوات الثمانية، واستمرت سفارتها في بغداد مشرعة الابواب تؤدي اعمالها دون انقطاع، ويبررون ذلك برغبتهم في استمرار مواطنيهم زيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء. كما ان ايران لم تقطع علاقاتها مع العراق بعد احداث الكويت عام 1990 رغم معارضتها لتلك الاحداث.
الاستراتيجية الايرانية قبل احتلال العراق كانت الاستعدادات الايرانية تجري على قدم وساق لملئ الفراغ السياسي الذي سيخلفه الغزو، فقد ادركت ايران من خلال اجتماعاتها مع الاميركيين والاوروبيين ان الحرب حتمية وهكذا اعدت عدة الغدر للاستحواذ على العراق والانتقام منه ومن شعبه. ومن هذا المنطلق راحت تهيئ معارضي الحكم السابق باتجاهين.
الاتجاه الاول شمل تهيئة رجال الدين الموالين لهم امثال محمد باقر الحكيم وآخرين وشجعتهم على حضور الاجتماعات التي جرت في واشنطن ولندن وفي شمال العراق، وكان هدف ايران من حضور هؤلاء الافراد لتلك الاجتماعات معرفة الخطط الاميركية والغربية المتعلقة بغزو العراق. (الان بدأت الاجتماعات مباشرة وجها لوجه دون الحاجة لحضور جواسيس). وهذا هو الجزء الاكثر اهمية في تقديرنا لما لعبه من دور حيوي في تكريس النفوذ الايراني من ناحية، والقضاء على اي تطلعات عروبية استقلالية من ناحية اخرى. وعموما جعل منطقة جنوب العراق منطقة نفوذ ايرانية لمحاربة العشائر العربية والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وهو ما يحصل الان وسيحصل مستقبلا ما لم نتخذ نحن العراقيون اجراءاتنا ضده.
ركز الاتجاه الثاني على تقوية علاقاتها مع شخصيات علمانية من اصول شيعية (رغم كرهنا لمثل هذه الكلمات) امثال احمد الجلبي ومع القادة الاكراد وهكذا مهد الايرانيون طريقهم لما بعد انهيار العراق.
تقدمت قوات التحالف في محور هجومها على العراق صوب بغداد تاركة الجنوب تحت رحمة الفوضى التي شنتها قوات بدر التي شرعت بتأسيس مواضعها في المدن الجنوبية. وهذا هو الجزء الاكثر اهمية لما تحقق من تعبية ايرانية تهدف الى التدخل في الشؤون العراقية.
وفي الوقت الذي راحت حملات الدعاية والاعلام الايرانية وحلفائها حول حق (الشيعة) لتولي زمام القيادة باعتبارهم الاكثرية طبقا لدوائر الاعلام الغربية، تبنت ايران اساليب تعبوية اخرى تؤكد على ان ما يحدث في العراق هو شأن داخلي لاعلاقة لاحد به. وصورت التدخل الايراني بانه شكل من اشكال المساعدات التي تقدمها ايران للعراق الجديد لغرض تحقيق استقرار سياسي على عكس ما تقوم به الولايات المتحدة. وعندما اختير اغلبية اعضاء الحكومة المؤقتة من الشيعة، ادعت ايران ان مثل هذه المسائل لا تعني لها شيئا.
لم يكن وراء تلك التصريحات الكاذبة سوى نوايا خبيثة سارت باشكال متعددة يمكن توضيحها من خلال رصد بعض ظواهر التغلغل الذي مثل اطار العمل الشامل للتطورات الجارية في العراق، ومنها:
1. التغلغل الرسمي الذي حرصت ايران على ادامته مع القادة السياسيين في العراق والذي حدث امام انظار العالم من خلال الاجتماعات بين مسؤولي البلدين. من الضرورة بمكان ان نشير في هذا المجال الى ان العلاقات الرسمية بين العراق وايران قد وصلت مرحلة تغلغل فيها الايرانيون في المؤسسات الحكومية العراقية، وافضل دليل على ذلك وجود عدد كبير من الاصوات الايرانية التي تجيب على الهاتف اثناء الاتصال باحد الدوائر العراقية الرسمية، وتعامل الكثير من الباعة بالعملة الايرانية في جنوب العراق حيث اصبح هذا الامر متداولا بشكل طبيعي ومألوف. 2. التغلغل الايراني بالعراق من خلال اقامة علاقات حميمة مع القيادات الدينية العراقية حيث عززت ايران من علاقتها الاستراتيجية المعلنة للتأثير على المؤسسات الدينية العراقية بحجة دفع عملية البناء والاستقرار نحو الامام. وضمن هذا السياق لابد ان نأخذ بنظر الاعتبار الزيارات التي قام ويقوم بها مسؤولون ايرانيون مثل وزير الخارجية الايراني الى السيستاني، والى زيارات مقتدى الصدر الى طهران لمقابلة مسؤولين ايرانيين عام 2005 وما قبله وما بعده. وبقاء عبد العزيز الحكيم في ايران بحجة المرض. 3. التغلغل الامني الذي شمل تكوين خلايا امنية تجسسية شكلت داخل تكوينات الميليشيات العراقية التي جاء معظمها من ايران ناهيك عن ما موجود من موالين قدم لهم الدعم اللوجستي بحجة مواجهة الاحتلال او مواجهة الكتل السياسية التي تعمل على تهميش (الشيعة)، حسب ادعاءاتهم. مما لاشك فيه ان طبيعة عمل الخلايا الامنية التجسسية هو العمل السري من خلال زرع قوات بدر داخل المؤسسات والمدن العراقية اضافة الى الميليشيات التي اسست بحجة حماية المناطق والمؤسسات الشيعية.
من الصعوبة التكهن بعدد المتسللين داخل العراق، الا انه من المؤكد ان حالة الفوضى التي حصلت في جنوب العراق وعدم القدرة على السيطرة على الحدود العراقية الايرانية التي تمتد لاكثر من 1200 كيلومترا قد سهلت تسلل المخربين والجواسيس الايرانيين ومكنتهم من الاختباء داخل ملاذات آمنة هيئتها لهم قوات بدر مع من اعيدوا من الاسر قبيل غزو العراق بفترات قصيرة. لقد لعب العامل البشري دورا هاما في دعم الاستراتيجية الايرانية لتدمير العراق واحتلاله. اذ من المؤكد ان ايران عملت على تعزيز اواصر الصداقة والاخوة بين من هجروا من العراق واسرى الحرب وبين اجهزة الامن والاستخبارات. وهنا لابد من الاشارة الى تقرير اصدرته وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة التي اشارت الى ان عدد المهاجرين الى ايران قد انخفض من مليون شخص قبل احتلال العراق الى اقل من 250 الف، وهذا ما يؤكد الى ان اعدادا كبيرة ممن كانوا وكلاء للمخابرات الايرانية قد دخلوا العراق بسرعة واستقروا فيه للعمل وفق توجيهات اسيادهم الايرانيين.
4. ادعاء المساعدات الانسانية والاقتصادية التي تقدمها ايران للعراق، فقد ادعت ايران بانها ستقدم مساعدات بقيمة 100 مليون دولار لاعادة بناء العراق بشرط ان تدفع تلك المبالغ الى الحكومة العراقية مباشرة على شكل بنى تحتية لمشاريع في النجف وكربلاء اضافة الى وعودها في تصدير منتجاتها الى الاسواق العراقية، وهو ما يعود في النهاية لصالح التجار الايرانيين الذين غزت بضائعهم الاسواق العراقية.
في كانون الاول من عام 2006 وقعت ايران اتفاقية تتضمن دفع بليون دولار الى العراق على ان يخصص جزء من هذا المبلغ لدعم ميزانية الحكومة العراقية، اما المتبقي فيصرف لتطوير القطاعات المختلفة اضافة الى تدريب موظفي القطاعات الحكومية، وفعلا استقبلت ايران الافا من المتدربين من دوائر البريد والصحة والتربية والامن.
5. يرتبط الشكل الخامس من اشكال التغلغل الايراني بالاكراد. فقد اقامت ايران علاقات اقتصادية مستقلة مع كردستان العراق ونتيجة لهذا التعاون اغرقت الاسواق في شمال العراق بكميات هائلة من المنتجات الايرانية بملايين الدولارات ، وهذا النوع من السياسة يعني ان ايران لا تتعامل مع العراق على اساس كيان سياسي واحد، وهو ما يمكن ترجمته بقبول ايران بتقسيم العراق. ويمكن التدليل على صحة ما تقدم من خلال النظر الى التعاون الكردي- الايراني في المجالات الامنية واعتراض ما يسمى بحكومة اقليم كردستان على اعتقال القوات الاميركية لبعض الايرانيين في شمال العراق وكان اخرها هذا الشهر (أيلول 2007) اذ طالب رئيس جمهورية العراق، جلال الطلباني، شخصيا اطلاق سراح ضابط مخابرات ايراني.
هدف ايران الحقيقي طورت ايران من نفوذها السياسي باشكال التغلغل الانفة الذكر وقد كانت واثقة كل الثقة من قدرتها على التغلغل في البنى السياسية والاجتماعية العراقية بمباركة المحتل ومن والاه من قوى دولية واقليمية اخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تريد ايران اقامة دولة شيعية في العراق على غرار ايران؟
لو اخذنا بنظر الاعتبار تطور العلاقات بين العراق وايران وهيكل البناء الاجتماعي العراقي لامكننا ان نجزم ان تأسيس دولة شيعية في عراق موحد ليس هدفا استراتيجيا لايران ويعود هذا الجزم لاسباب منها: السبب الاول هو ان المراجع الدينية الرئيسة في العراق لا تؤمن بولاية الفقيه التي هي اساس نظام المؤسسات الايرانية. اما السبب الثاني فهو خوفهم من ان الحوزة الدينية في العراق قد تكون مركز استقطاب القوى الدينية الموالية لايران وبذلك تقصي الحوزة الايرانية وتأثيراتها وهيمنتها. اما السبب الثالث والمهم فهو تأييد ايران لتقسيم العراق تنفيذا لاطماع مجوسية صهيونية باتت معروفة للقاصي والداني. وبهذا التقسيم تحقق ايران ابقاء القوى السياسية، دينية كانت ام علمانية، مرتبطة بطهران لتمنعهم من تغيير مواقفهم وتدفعهم الى التعاون مع القوى السياسية الاخرى وفق سياسات تضعها لهم سلفا وبذلك تقبض بسيطرتها على العراق الى حين. لقد باتت ايران مقتنعة كلية انها اصبحت لاعبا اساسيا في المسألة العراقية وانها قادرة على ادارة الازمات الناتجة عن الموقف الفوضوي في العراق وعليه دأبت على تعزيز تأثيرها في الموقف العراقي دون توقف ويساعدها في ذلك عوامل جغرافية وسياسية واجتماعية ودولية ضمن دائرة قطرها 360 درجة.
#عماد_عبد_الكريم_مغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|