|
( تيه ....)
عبد الحق طوع
الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 07:10
المحور:
الادب والفن
إلى صديقي عثمان بنعليلا . ( كنا أنا وطفلتي نراوغ ساعات النهار الثقيل خطوها نعد حبات الرمال. طفلتي..... كانت وحيدة ...ووحيدا كنت......أكيد واحد من كان غائبا ...واحد منا كان يفكر في غياب الأخر ويحلم بعودته ذات يوم قريب .. معا كنا أنا وطفلتي ننظر إلى سراب ماء يلمع في الأفق......أفق ينام بين السماء والرمال . شبق لقاء وديع آهاته . نغمة فريدة قادت عمالقة الموسيقى إلى مارستان . حراسه لايعاقبون نزلاء المقام إن أخطؤوا ، بل ترقص لأخطائهم فقط ليعلو النغم . زاروا المقام وما أفلحوا في القبض على ظل ظل : هـ ر و ب هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هي... هي الثعبان الذي يلدغ ديله ويصفع الديل الفم الأنف العين ...أما الأذن....مزمار المروض لا يطربها . هي... هي الأصل والجحيم . وهل بيضتة عتبة بداية ؟
ومعا ننظر إلى سراب ماء يلمع في أفق.... أفق ينام بين السماء والرمال . وتذكرا معلمتهما الرسامة الإغريقية وهي تؤكد وبشهوة الإكتشاف : إذا أردنا أن نحصل على اللون الأخضر : نمزج اللونين الأصفر و الأزرق . وتخيلا شجرة هناك . جذورها في القلب والذاكرة )
( إظلام )
ينفتح..... ينفتح..... ينفتح مشهد الحلم على : صنبــور ينـزف مـــــــــــــــــــــــاء . قطرة قطرة جدول.... كثعبان متعب أعمى يزحف . قد تكون هذه القطرة الخجولة لفريق من الناس ، مصدر سعادة وخير عميم . وقد تكون الشر الوبيل . الماء !!! لاشيء يقف ويذهب ضد الماء ساعة تدفقه . وهو يتدفق يخلق له أمكنة جديدة . فكرة تأليه الماء ، فكرة نبيلة وذكية . وما من عقيدة مقدسة إلا وله عرشه المطلق والأبدي في تعاليمها :
* وجعلنا من الماء كل شيء حي *
تحتل...
تحتل صورة نزيف الماء : فضاء العين ....وقد أطبقت أهذابها ...وتسافر وحاملها ممدد على سرير من الإبر مع سلسبيل حلم .
الحلم !!!! هذه.... هذه الآلة العجيبة ساعة نوم المعدم المقعد تحوله إلى عصفور . يخفق بجناحيه ويحلق بعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا . متخطيا تباث الزمن وهو يراقص حركة الكواكب السابحة والمذنبات وجحيم مهزلة نعلة الحدود . وحده الإنسان يفسد تباثه ويعاقب نفسه بالشيخوخة . هذه الآلة العجيبة تدخله إلى بهو القصور ، تجلسه العروش ويأكل في أطباق الملوك . يهدم السجون ويحرر جمال نفوس من ويلات ذل العصور . ويحلق بعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا . وفي كثير من الأحيان تصبح هذه الآلة العجيبة قلعته الوحيدة وسط صحراء وتحت الرمال .
تتراجع....
تتراجع عين الكاميرا وتعطينا صورة عامة للمكان : محطة قطار مهجورة . وتنتقل عين الـ....... تلتقط بحركة بطيئة وتنزلق على أشياء المحطة : أبواب ونوافد مكسـرة ، جدران متسـخة يظهر جـلــدها الأصـلي ومشـوهة يزعج تنافر وقتامة لونـها النفس كراسي مقلوبة ومعطوبة القوائم ونفايات يتصاعد منها دخان رمادي اللون متناتر، يميل الى وعكة بياض . تنزلق الكاميرا وتتركز على ساعة حائطية دائرية الشكل وكبيرة الحجم .... بدون عقارب . صوت قطرات الماء..... يرافق عين الكاميرا مع كل إنزلاق وتركيز. جســــــــــــــــــم . جســــــــــــــــــم لف في مئزرواضح البياض وملثم الوجه ...ولاشعرة واحدة تظهرأوعطر رائــحة تأتي من الكائـــــن الـــغريب . يستحيل تحديد جنسه ولا عرقه ولا........ذكرني مسخه هذا بفيلم عودة المومياء . إلى جانب الجسم وعلى يمينه حقيبة سفر سوداء . وعلى يساره جلسا طفل وطفلة في عري مطلق . في وضعية تقابل . يلعبان لعبة : المقص ، الورقة و الحجر .
فجأة !!!
يقف قطار وكأن عجلاته تدوس الهواء في سكون صمت .وحده صوت قطرات الماء من الصنبوروضحك الطفلين يطغيان على مشهد الخراب . يصعد الجسم الملفوف في السواد ، تاركا الحقيبة على الرصيف . تتركز عين الكاميرا على الطفلين وهما يواصلان لعبة : المقص ، الورقة والحجر . يتحرك القطار ويبتلعه دخان رمادي اللون متناتر. ينتبه الطفل لغياب الجسم الملفوف في البياض ويسأل طفلته : ـ أين أمنا ؟ تجيب الطفلة وهي تلتفت في كل الجهات . تقف نافضة التراب عن ملابسها : ـ بل قل أين هو أبونا ؟ يحتج الطفل : ـ بل أمنا ......أمنا . يتوجهان نحو الحقيبة . وبعد تأمل وحيرة : ـ ماهذا ؟ تبتسم الطفلة وبصوت السخرية : ـ رمل..... رمل وكتاب . رمل من الحقيبة المفتوحة تدفقت حباته كسيل عارم وتراكم على الرصيف. نفضت الطفلة الحقيبة من بـــاقايا الرمل ، ووأعادت إغلاقها . في حين الطفل وبملامح جادة يتصــفح الكتــــاب : خربشات ســوداء وخــرائط لمواقع مدن وجحيم . وهـــــــــي ... وهي تنظر إلى الرمل المتراكم ، لمعت في ذهنـــها فـكرة وركضـت نحو الصـنبور وإرتفع صـوتها بالتـهاليل .يغلق الطفل الكتاب المطلسم ، يضعه تحت إبطه ويتحرك نحو طفلته . يضعان سطلا وجلسا ينتظران . ..........................
في البداية شكل الطفل من الرمل المبلل جسما . إبتسم وقال : ـ أمنا . قالت الطفلة ويديها في إنشغال تام بشكل عجينها الذي يرمز إلى شجرة وحية تتسلق فروعها . ـ بل قل أبونا . ـ بل أمنا ( وأشار إلى .....) ويداها ممدودتان في الهواء وهوت بغضب على الشجرة والحية . ـ بل أبونا ( ووضعت شيئا إلى حيت أشار الطفل ) غضب الطفل ودمرالجسم .
وبعد...
بعد لحظة صمت وهذ وء وهما يمرران الرمل المـبلل بين الأصابع ، يتلذذان بتـسرب العــجين البارد ، بدأت معالم قصر تلوح ..... وانغمسا في إتمام صروحه . قال الطفل : ـ رأيته في حلم . قالت الطفلة : ـ سكنته ذات يوم بعيد . وكان إسمي شهرزاد . وجعلت الطفلة من شعرها الطويل نقابا وحركت عجيزتها وهمست ضحكا : ـ بلغني أيها الملك السعيد ، أن الطفلة والطفل بعد أن خرج القصرمن بين أصابعهم المدماة وفي أحسن تقويم سمعا صوت مناد ينادي : أدخلــــوه آمنيـــــــــــــــــــــــــــــــــن . وحرك الطفل رأسه دلالة على الحيرة : ـ وكيـــــــــــــــــف ؟ قال المنادي : اغمضا أعينكما وليكن الخيال مرشد طريق . بساطكم السحري ولكم فيه مآرب أخرى . و.................... وفي.................. في بهوه الفسيح فضاؤه ...................... ركضا في كل زواياه وقد سكرا بخمرة الفرح والنشوة . ومن حـين لــحين يقفزان في مكانهما وهما يتلــمسان وبإهتمام بالغ أشياء القصر العجيبة والمــدهشة كمــلابس الأمير والأميرة ، مع الضــغط على زر من أزراره تنساب نغمة فريدة ....لم يرتديه إنس ولاجان . يتسـع ويضيق ، يطول أو يقـصر حـسب الجسم الذي يغـطيه . يمحي عيوبه ويضـــفي عليه روعـــة الحـــسن والدلال . يأخد لون النفس والفصول ، يســكر الفؤاد ويـــحير العقول .وكل من يرتديه لا يؤديه حر المصيف أو كرب الخريف أو برد الشتاء . أو... كوردة الخلود التي إقتطفتها الطفلة من حديقة سابحة في الهواء . وقد كتب على أوراقها بماء الدهب :
* من شرب من رحيق عطرها قطرة واحدة .....لن يظمأ أبدا *
* إن سقطت قطرة في الصحراء حولت شراسة رمالها إلى واحات وبسـاتين لاينضـب نعيمها أبدا . ومن ملأ بطنه بخراجها لن يجوع أبدا أو يشيخ *
وهما.... وهما يركضان شد إنتباههما لافتة....توقفا واقتربا من اللافتة دقت فوق باب مغلق وبإحكام . قرأ الطفل بصوت عال : ـ لكما... لكما كل الأبواب . إلا هذا . لاتطرقوه ولاتدخلوه . الداخل مفقود والخارج مولود ليس .....ليس لجراحاته حكمة أو دواء . لادعوات الفقيه ولا سفريات العراف فوق صهوة النجوم ولاتعازيم الكاهن أو يقين الطبيب لحزنه الأسـود الرجيم الغريب بخبير أوبصير . مفقــــــــــــــــــــــــود مفقــــــــــــــــــــــــود مفقـــــــــــــــــــــــود ............................. .............................
وكما تعـلـمون سـيدي ومـولاي أيها المـلك العزيز السـعيد أن الإنسـان فـطم على الفضول. إكتشـاف المـدهش والغريب من الأمور . وهنا تكمن محنته وشقاوته وإن شئتم سعادته . وفجأة مولاي ارتفعا صوتهما بالبكاء والصراخ : ـ إفتــــــــــــــــــــــــــــــح ..... وقال صوت :
ـ عـــــــــــــــــــــــــــــراة ... عـــــــــــــــــــــــــــــراة تدخلون .
وضع الطفل أولا الكتاب على يمين الباب . وضعت الطفلة وردة الخلود على يساره . و..... تجردا من ملابس الأمير والأميرة . وفتح الباب !!!!!!!!!!!!!!!!!!
نعم أيها الملك السعيد.أعرف جيدا أن النفس طبعت على الفضول وأعرف أنكم لفي شوق وعطش لمعرفة بقية الحكاية : ترى مالذي يوجد وراء الباب .؟ غير... غير أن مايضيء هذه العتمة وهي كخلاصة لسفرهما الطويل والطويل :
* أن اللذة تعاش ولا تحكى *
وأن كل حكي ماهو إلا حـفر في الذاكرة وكل حـــفر في الذاكرة خلـخلة للجرح وإنفتـاحه الواسع على النــدم . والندم هو عدم التفكير لحظة الصدمة ....دليل على عدم خلق مسافة . لادعوات الفقيه ولا سفريات العراف فوق صهوة النجوم ولاتعازيم الكاهن أو يقين الطبيب لحزنه الأسـود الرجيم الغريب بخبير أوبصير . مفقــــــــــــــــــــــــود مفقــــــــــــــــــــــــود مفقـــــــــــــــــــــــود ......................... ........................ وطلع الصباح وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح . ومع... مع هبوب نسيمه الندي الرطب البارد . فتح الطفل والطفلة أعينهما ووجدا أنفسهما أمام البحـــــــــــــــــــر . وبالرغم من طعمه الذي لايساغ شرابه ، ركضا وبجنون نحو ماءه والعطــش كشفرة حلاقة تجز الحلق وكلما حاول الإقتراب من الماء ، كلما تباعد الماء . إلى أن هدهم التعب وتأكدا أن البـحروهج سراب... وأن الحقيقة الجارحة أنهما في صحراء قاسية مترامية الأطراف . جلسا وتبادل نظرات ملؤها الدهشة . شعرات بيضاء توزعت في حقل الرأس . وقالت الطفلة/المرأة وهي تشير إلى بطنها المنتفخ : ـ ما هذا ؟ كيف ؟ متى ؟ ونظر الطفل/ الرجل إلى البطن المنتفخ وقال : ـ من يكون.....؟ قالت الطفلة/المرأة : ـ وهل أنا أمه ؟ قال : ـ لو كان معنا الكتاب لوجدنا الجواب أو على الأقل تدلنا خرائطه على العودة إلى نقطة البدء . المحطة...المحطة المهجورة على الأقل ثمة ماء وأمل . قالت : ـ وتركنا أيضا الوردة العجيبة التي تخرس كلب الجوع والعطش . وثياب الأمير والأمـيرة على الأقل تــحمينا من سعير حرهذه الصحراء . ومع ذلك لامعنى للعودة إلى هناك . أبونا قد رحل . قال الطفل/ الرجل غاضبا : ـ يكفينا تلاعبا بالألفاظ . اختلفت الأسماء والجسـم واحد . إذا كان أبونا أين هي أمنا ؟ وإذا كانـت أمـنا أين هو أبونا ؟ في .... في الحقيقة أنا لايهمني وجوده الأن أو عدمه . مادام لم يتدخل في حياتنا طوال الطريق . صمت لحظة وأضاف : ـ لماذا لانصنع من الرمل قصرنا القديم ونعود إلى سديمه . قالت : ـ أين الماء ؟ قال : لنبحث عن واحة ، لا توجد صحراء دون واحة . قالت : ـ الشيء الذي أحمله في بطني لايساعدني على الحركة . وإذا ذهبت لوحدك قد لاتعود أبدا . قال وهو يشير إلى شيئه : ـ ولماذا لا........؟؟؟؟؟ قاطعته : ـ سائلك وسائلي وسائل محمولي لن يسقي حفنة من هذه الرمال الجائعة . ـ مالعمل إذن ؟ ـ لنجلس وننتظر .
#عبد_الحق_طوع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عين العدم ( أبناء في المزاد العلني )
-
فصل من رواية عين العدم ( ليلة إغتصابي ...ليلة موت العالم في
...
-
فصل من رواية عين العدم
-
مسرحية قصيرة جدا...جدا
-
عين العدم ( 3) فصل من رواية
-
( عين العدم ) رواية : الفصل 1 2
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|