|
زيف عدالة الاحتلال
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 04:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ افتضاح أمر التعذيب و التنكيل بالمواطنين العراقيين في سجن أبو غريب أجرى الجيش الأمريكي محاكمات لنفر قليل من الأفراد ، إما لأن صورهم ظهرت ضمن صور فضائح أبو غريب ، أو لأن أسماءهم عرفت كمشاركين بالتعذيب و التنكيل . ثم تبع ذلك محاكمات لبعض المتورطين في مجازر التقطت الصحافة قصتها ، أو ظهرت صورها في أشرطة تلفزيونية و بالتالي لم يعد بالإمكان التستر عليها ، و تحاط هذه المحاكمات بضجة إعلامية كبيرة حيث تغطيها أشهر المحطات التلفزيونية و تكتب عنها الصحف الشهيرة أعمدة رئيسية . و آخر هذه المحاكمات محاكمة الكولونيل ستيفن جوردان الضابط الأمريكي الوحيد الملاحق في فضيحة التعذيب بسجن أبوغريب . يراد لهذه المحاكمات معاقبة المتورطين في المجازر التي فضحتها بعض وسائل الإعلام المحايدة ، أو تم تسريبها بسبب الصراعات داخل أطراف الإدارة الأمريكية ، يراد بها الإيحاء أن هذه الأفعال يقوم بها أفراد معزولون ليس لهم امتدادات داخل السلم القيادي ، بل إنهم يخالفون الأوامر العسكرية التي تحرم مثل هذه الجرائم . و بالتالي يريد الجيش إدانة بعض الأفراد كي يبرأ ساحته ، و كأنه يقول إن الجيش الأمريكي نظيف و أخلاقي ، و أن نظام الاحتلال لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجرائم ، بل هي محض أفعال فردية شاذة قام بها أفراد سينالون عقابهم . لكن هل حقاً إن هذه الجرائم تعبر عن سلوك فردي شاذ ؟ أم أنها سياسة عامة في الجيش الأمريكي ؟ هل يمكن أن يكون إبادة مليون عراقي و تهجير أربعة ملايين من بلدهم سلوكاً فردياً شاذاً لا غير قام به مجموعة من الشاذين أو المختلين أو المريضين نفسياً ؟ إن عقلية الإبادة و التعذيب و تدمير الآخر هي جزء من بنية الإدارة الأمريكية، بل هي جزء أساسي من بنية أي نظام استعماري ، فكل مستعمر في تاريخ الغرب ارتكب الإبادة و القتل و التدمير و التهجير ، و كل المستعمرين حاولوا القول إن ذلك تم بيد أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم ، و كل مستعمر حاول الإيحاء أنه بالإمكان أن يكون المستعمر جيدا و لطيفاً ، لكن بعض الأفراد يشوهون تجربته ! إن التجربة الاستعمارية تعني استعباد شعب لآخر ، و لا يمكن لهذا الأمر أن يتم إلا عبر العنف ، أما درجة هذا العنف فتحكمها الظروف المحيطة ، والقدرة على استخدام أدوات العنف ، و مقاومة الشعب المستعبد ( بالفتح ) لمحتليه، و قبل كل ذلك كمية الثروات المتوقع الحصول عليها بعد استعباد شعب ما . فكلما زاد عائد النهب الاستعماري المتوقع ازدادت شراسة المستعمر ( بالكسر ) ، كما ازداد استعداده لارتكاب الجرائم بلا حدود ، و بلا وازع ، أو ضمير . و في الحالة العراقية يمكننا أن نتوقع أن المحتل الأمريكي مستعد لارتكاب كل أنواع الجرائم ، و لو تطلب الأمر إبادة الشعب العراقي عن بكرة أبيه لما توانى المحتل عن ذلك لأن حجم الفريسة النفطية كبير و عليها يتوقف مصير القرن الحادي و العشرين ، الذي يريدونه قرناً أمريكياً، و مفتاح ذلك السيطرة على نفط العراق . إن العنف و التعذيب و العنصرية و الإبادة جزء أصيل من بنية الاستعمار ، ولا يمكن فهم الاستعمار دون إمكانية التعذيب ، أو الاغتصاب و القتل . إن العلاقة بين المستعمر و المستعمر علاقة قائمة على العنف و من الطرفين ، فالمستعمر (بكسر الميم ) يستخدم العنف ليخضع الشعب المستعمر ( بفتح الميم ) و ينهب ثرواته ، و يكسر إرادته ، و يدمر مقاومته ، أما المستعمر ( بفتح الميم ) فيستخدم العنف ليتحرر من مستعمريه ،و ليسترد إنسانيته المهدورة بحذاء الجندي المحتل ، و كي يسترد ثرواته ، و يقرر مصيره ، و بالتالي يبني إنسانية جديدة . فلا مجال لعلاقة لا يسودها العنف بين الطرفين إلا بزوال الاستعمار . و إن الذين يتكلمون عن المصالحة مع وجود الجيش الأجنبي على أرض الوطن متواطؤون مع المحتل ، إنهم أدوات للاحتلال ، فأية إمكانية للمصالحة و للسلام في علاقة قائمة على العنف ،في معادلة صفرية لا حل لها إلا بزوال طرف من طرفيها! إن الاحتلال يلجأ لتجميل وجهه القبيح عبر التضحية ببعض أفراده عبر محاكمات صورية ، كما أنه يلجأ لهذه الحيلة ، حيلة المحاكمات، من أجل ذر الرماد في عيون بعض الأوساط الليبرالية و الديمقراطية في البلد المستعمر ( بالكسر) ، فهو يقول لهم . أرأيتم ؟ نحن بلد يحترم حقوق الإنسان ، و دليلنا أننا نعاقب من ينتهكها و لو في حالة الحرب . و لأن كثيراً من هذه الأوساط هشة خلقياً و إنسانياً و سياسياً ، و ليبراليتها و مناداتها بحقوق الإنسان لا تتعدى قشرة تزينية صغيرة الحجم تخفي جوهرها الفاشي ، فهي ستنام قريرة العين ، هانئة البال ، مرتاحة الضمير دون أن تفكر أن أصل المشكلة هو الاحتلال ، و أنه لا يوجد احتلال جيد و احتلال قبيح ،و أن الحل ليس بمحاكمات صورية لبعض الأفراد ، بل بمحاكمة حقيقية للنظام الاستعماري كاملاً . إن هؤلاء الأفراد الذين تتم محاكمتهم هم أصدق من الجميع لأنهم بارتكاباتهم و جرائمهم و تنكيلهم بالعراقيين يظهرون جوهر الاحتلال واضحاً، فهم لا يكذبون و لا ينافقون عندما يمارسون القتل و التعذيب بل يعبرون بصدق لا مثيل له عن جوهر الاحتلال ، فكل احتلال هو حالة عنصرية ، فاشية ، لا إنسانية ، و الحل الحقيقي يكون بإنهائه لا بهذا التهريج ، الذي يأخذ شكل محاكمات فردية . فلا يمكن فهم الاستعمار دون إمكانية التعذيب ، أو الاغتصاب ، أو القتل التي ترافقه . إن التنكيل بالآخر شرط من شروط العلاقة بين المحتَل و المحتلة أرضه. لكن أكثر ما يدهش في الأمر أنه رغم أهمية محاكمة بعض الأفراد لتجميل وجه الإحتلال عبر تحميلهم وزر جرائمه ، و لإرضاء الجماعات الليبرالية و المناصرة لحقوق الإنسان في الغرب ، كما ذكرنا . رغم كل ذلك يفشل النظام العنصري الفاشي في إيقاع و لو عقاب بفرد من هؤلاء الأفراد ، فالضابط ستيفن جوردان أسقطت عنه نصف التهم فور بدء المحاكمة لما قيل إنه نقص في الإجراءات القانونية ! ثم أسقط عنه النصف الآخر في سياق المحاكمة ، فلم يبق سوى تهمة وحيدة ، و هي تسريبه ما جرى في أبو غريب عبر رسالة بريد الكتروني ، فانتهك بذلك أمراً عسكرياً يحظر مناقشة تفاصيل الاستجواب ، و عوقب على ذلك بالتأنيب !و اكتفى نفس القضاء بتوجيه التأنيب للجنود المشاركين في مجزرة حديثة !و هذا يثبت أن الفاشية و العنصرية الأمريكية قد بلغت طوراً غير مسبوق في تاريخ الغرب العنصري نفسه .
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعم أمريكا امبرطورية آفلة ، لكن هناك من لا يصدق
-
تجارة الخوف أحداث لندن كمثال
-
مؤتمر شرم الشيخ : على أمريكا تغيير المسار
-
المريض الأمريكي و العلاجات الوهمية
-
أشباح فانون
-
معنى صعود ساركوزي الأمريكي في فرنسا
-
العراق ليس قصة نفطية فقط
-
أوهام الفكر الطائفي الأزلية
-
في مديح البرتو فرنانديز
-
تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية
-
عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ
-
عزمي بشارة ونووي كوريا الشمالية
-
تصريحات بابا روما من زاوية أخرى
-
مساخر فكرية سورية
-
هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه
...
-
التفجع على خمسينيات القرن العشرين
-
خمس قوى في مركب واحد
-
معنى استعادة قناة المنار لنشيد -الله أكبر فوق كيد المعتدي -
-
المقاومة تعيد الاعتبار للإنسان أمام الآلة
-
الفرق بين الصيد في المياه العكرة و المياه الصافية
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|