|
الاحتلال والنظام العشائري في العراق
سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 12:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قام النظام العشائري كتنظيم اجتماعي في المراحل الاولى من تقدم المجتمع البشري لتنظيم علاقات الانتاج ما قبل الراسمالية ولاسيما الاقطاعية . التي تربط بين ملكية وسائل الانتاج الارض والسلطة بصورة مباشرة. فمالك الارض هو الشيخ المهيمن على العشيرة المغلقة لحماية ممتلكات شيخ العشيرة والدفاع عنها والعمل على توسيعها واعلاء شأنها وهيبتها بين العشائر. ورغم تطور علاقات الانتاج الراسمالية في تركيا التي كانت تهيمن على العراق في مطلع القرن الماضي، فقد حافظت على العلاقات العشائرية في العراق لتسهيل جباية الضرائب من العشائر العراقية من خلال شيوخها فضلا عن مقاومتها لتغلغل الشركات الراسمالية البريطانية والالمانية والفرنسية المتنافسة على اختراق امبراطوريتها المتهالكة. ولعبت الحرب العالمية الاولى ومن ثم ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى دورها الكبير في تطوير وعي الشعب العراقي الوطني والاجتماعي وكان لبعض رؤساء العشائر دور بارز في مقاومة الهيمنة البريطانية على بلادهم التي جاءت نتيجة انتصار الحلف البريطاني الفرنسي على الحلف التركي الالماني وفقا لاتفاقية سايكس بيكو في تقاسم الامبراطورية العثمانية بين الحلفاء. وقاد بعض قادة العشائر ثورة العشرين التي ارغمت بريطانية على استبدال الاحتلال المباشر للعراق بحكم ادوات محلية : ملك ودستور وبرلمان ينفذون هيمنتها ومفتشون وخبراء يشرفون على سير اعمالهم ومعاهدات تتحكم بها . ورغم ذلك لم تجد بدا من الاستفادة من النظام العشائري لضمان التحكم بالجماهير وضمان تبعيتها وخنوعها من جهة وتفرقة صفوفها وولاءاتها بل وتناحرها واقتتالها بافتعال مبرراتها بعمليات القتل واخذ الثائر. فاصبح العديد من رؤساء العشائر ومعظمهم من الاميين اعضاء في البرلمان يوافقون على مقرراته وهم نائمون برفع الايدي. ومع تطور الحركة الوطنية وتغلغل نشطائها بين العشائر ولاسيما تطور الحركة الفلاحية وجمعياتها والمنظمات الاجتماعية بما فيها رابطة المرأة تطور وعي العشائر وتغلغل التعليم بين صفوفهم وتصاعد النضال الطبقي بين افراد العشيرة ورؤسائها وتعزز الترابط بين افراد العشائر المختلفة ورؤسائها وتنامى الشعور الوطني على حساب الشعور العشائري وشمل بعض رؤساء العشائر وابناءهم ، وبلغ ذروته في ثورة 14/تموز/1958. فقد ساهم بعضهم في مقاومة اعداء الثورة ونهض بعضهم في تنفيذ الاصلاح الزراعي وتراس الجمعيات الفلاحية. في حين اصطف معظم زعماء العشائر مع اعداء الثورة وقاوم الاصلاح الزراعي وانظم ابنائهم الى حزب البعث ودعموا انقلاباته املا باستعادة اقطاعياتهم وسطوتهم على الجماهير الفلاحية في حين فقد النظام العشائري اسسه الاقتصادية نتيجة تطور علاقات الانتاج الراسمالية وهروب ملايين الفلاحين الى المدن والتحاق مئات الالاف منهم بصفوف الطبقة العاملة وتطوع الالاف منهم في القوات المسلحة للنظام الدكتاتوري الذي اخذ يعد لتحقيق احلامه التوسعية بتطوير قدراته العسكرية من ناحية وتحطيم اية مقاومة او معارضة لهيمنته ولمشاريعه العدوانية . ولذلك دعم النظام الدكتاتوري سطوة بعض زعماء العشائرالتابعة ، ليس على فلاحيهم فقط بل وعلى زعماء عشائر اخرين لايقدمون للسلطة فرائض التبعية من تقديم ابنائها قربين على مصالح السلطة سواء في تركيع شعبنا او تركيع الشعوب المجاورة. كما اسهم النظام الدكتاتوري في استعادة النظام العشائري لبعض مواقعه بين الجماهير من خلال انفلات قواته المسلحة وتصعيد ارهابها ضد الجماهير التي لم تعد تجد باجهزة السلطة ما يحميها فلجأت الى زعماء العشائر لتحميها من الارهاب. وهكذا واجه النظام العشائري المتصدع بسبب تطور علاقات الانتاج الراسمالية ودعم النظام الدكتاتوري له والتمييز بين زعمائه بين موالي ومعارض ، واجه الاحتلال بمواقف متعددة منها الموالي للاحتلال واخرمقاوم له لخسارته للامتيازات التي ضمنها النظام الدكتاتوري له دون ان تخلو صفوفه من مقاومين بدواقع وطنية لاسيما بعد التراكم الهائل لجرائم قوات الاحتلال ضد شعبنا وتدميره الفضيع لتراثه وحضارته وكيانه، فضلا عن تصاعد المقاومة الوطنية في جميع انحاء العراق وتكبيدها الاحتلال الخسائر الفادحة والتضحيات الجسيمة. فلم تجد قوات الاحتلال وهي تواجه المقاومة العراقية والداخلية والعالمية، بدا من استمالة زعماء العشائر وتجنيد عشائرهم في ميليشيات مسلحة لدعم مخططاتها في تركيع الشعب العراقي بتمزيق وحدته الوطنية من خلال التنافس بين زعماء العشائر ومن خلال التصادم بينها على اسس طائفية. ولكنها فشلت بسبب تعرية الجماهير لكل هذه الوسائل والاساليب وتوصلها يوما بعد يوم الى ان العدو الرئيس هو قوات الاحتلال التي حملت معها كل ما يعانيه الشعب من كوارث . فلجأت قوات الاحتلال الى اداتها الرئيسية لتركيع العشائر المقاومة في اقوى مواقعها: في الانبار وديالى. وانطلقت فرق الارهاب المنظوية تحت لواء القاعدة في اقتراف افضع الجرائم بحق جماهير المدنيتين دون ان تستطيع اجهزة الدولة التي يديرها زعماء العشائر والكتل السياسية وقفها، الامر الذي بررفيه بعض زعماء العشائر وفي مقدمتهم ابو ريشة التعاون مع قوات الاحتلال في التصدي لارهابيي القاعدة . وهكذا تمكنت قوات الاحتلال من اخماد المقاومة الوطنية في الانبار وديالى وتحويل العشائر الى مليشيات ومنحهم عقود عمل وملابس موحدة وتحويلهم الى مرتزقة من دون انتظار برامج تدريب الجيش والشرطة . فقال بتريوس ان هذا التطور افضل واسرع مما كان يتوقعه ولما سئل عن اكثر الوسائل فعالية في هذا المجال قال: " صناديق رؤوس الاطفال المقطوعة"!! وهكذا اصبحت القاعدة الاداة الرئيسية لتركيع عشائر العراق توجهها قوات الاحتلال الى حيث تشتد المقاومة الوطنية ويضعف الصراع الطائفي. وهكذا توجهت فرق القاعدة هذه الايام الى منطقة مثلث الموت بالنسبة لقوات الاحتلال، واستولت على هور رجب وقامت بافضع الجرائم بحق المدينتين وتهجير الالاف منهم فاضطرت العشائر على اختلاف طوائفها الى عقد اجتماعات بحضور امريكي يقوم بدور الوسيط والداعم لمحاربة القاعدة!!. وهكذا انتهى دور ابو ريشة: دور المبادر الشجاع في التعاون مع قوات الاحتلال،انطلاقا من الشعار المضلل الذي حملته كتل واحزاب سياسية تابعة: "الارهاب هوالعدو الرئيس للشعب العراقي" ، ودور البطل الذي استطاع تركيع القاعدة بمساعدة قوات الاحتلال في فترة قصيرة في حين عجزت كل اجهزة الدولة والكتل والاحزاب السياسية عن تركيعها خلال ثلاث سنوات ، فضلا عن اعطاء الادارة الامريكية حبل النجاة في مقاومتها للامواج العاتية المناهضة للحرب على العراق والمطالبة بسحب القوات منه في الكونغريس الامريكي، بتحقيقه اول نصر امريكي في العراق وتمكن الرئيس من ان تطأ قدماه اقوى معقل للمقاومة الوطنية في العراق واحلال السلام فيها. وانهالت على ابو ريشة الالقاب التي يسيل لها لعاب زعماء العشائر وتغريهم بالتعاون مع قوات الاحتلال " زعيم صحوة عشائر الانبار " و "شيخ المجاهدين" و "اسد العراق" وقبل ان تصل هذه الالقاب الى مبتغاها وصلت انباء مقتله!! . وتبنت القاعدة عملية قتله في حين اوغل البعض في اتهام كتل سياسية متنافسة على مراكز السلطة والحضوة لدى الامريكان واخرين في اتهام الحكومة بقتله لتفضيل الامريكان لابو ريشا عليهم. والمستفيد الوحيد من كل هذه الفوضى قوات الاحتلال التي تريد اولا اشغال الجماهير عن معركتها الرئيسية في مقاومة تشريع قانون النفط الذي اصبح المهمة الاولى امام الادارة الامريكية في مواجهة المعارضة في الكونغريس، وامام حكومة المالكي لاثبات جدارتها لدى قوات الاحتلال . وعلى الرغم من ان جميع المتهمين باغتيال ابو ريشة هم من ادوات الاحتلال الارهابية والسياسية تبقى القاعدة من اهم واكثر ادوات الاحتلال فعالية وتجدد . والمهم ان تكون تجربة ابو ريشة ونهايته درسا بليغا لجميع رؤساء العشائر ولجماهيرها بل ولجميع الكتل والاحزاب السياسية ولعموم شعبنا بان العدو الرئيس لشعبنا هو الاحتلال وليس للاحتلال من حلفاء او اصدقاء او اتباع دائميين وانما مصالح دائمة لا يمكن قبرها الا بوحدة شعبنا وتصعيد جميع اشكال مقاومته. سعاد خيري في 17/9/2007
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان الكونغريس الامريكي يعري تدهور اسس قطب العولمة الراسما
...
-
تصعيد الصراع بين مختلف فصائل مقاومة الاحتلال الامريكي يمد في
...
-
لا تدعوا قانون نهب النفط والغاز يمر لانه تشريع للهيمنة الامر
...
-
حوار مفتوح مع قادة المقاومة الوطنية العراقية
-
من اجل جبهة شعبية عالمية لدعم شعب يقتحم السماء ويذود عن البش
...
-
صفحات مشرقة في تاريخ شعبنا وطليعته السياسية تحتاج لاجيال جدي
...
-
التنافس الصاخب بين الكتل والاحزاب العراقية المتعاقدة مع قوات
...
-
معركة عمال النفط في البصرة هي جوهر معركة شعبنا والبشرية ضد ا
...
-
الازمة العراقية اخطر حلقات الازمة العامة للامبريالية الامريك
...
-
العراق ميدان الصراع الرئيس بين البشرية والعولمة الراسمالية ب
...
-
نزال وطني اكبر واخطر يخوضه شعبنا باسوده عمال النفط ضد قوات ا
...
-
العولمة الانسانية تعوض المقاومة الوطنية العراقية والفلسطينية
...
-
تفجر السليقة الثورية لشعبنا بعد نصف قرن من التحجيم يثير اعجا
...
-
مناورات الامبريالية الامريكية لادامة هيمنتها على العراق وثرو
...
-
الضرورة الموضوعية لتلاحم جميع اشكال مقاومة الاحتلال
-
الحركة العمالية العراقية هي القيادة السياسية والميدانية للمق
...
-
هستريا الهيمنة على النفط العراقي تكشف زيف العملية السياسية و
...
-
سيبقى 14/تموز عيدنا الوطني ودروسه منطلقا لتحررنا وكابوسا مرع
...
-
مقاومة اقرار قانون النفط والغاز محك وطنية كل فرد وحزب ومنظمة
...
-
اصعب امتحانات حياتي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|