فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 12:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما صنفت منير العبيدي من صنف البورجوازية الوضيعة وأن عليه، إذا ما شاء أن يشلح جلده البورجوازي الوضيع بالطبع، أن يعود لدراسة الماركسية اللينينية من جديد، لم أكن عندئذٍ مخطئاً بالطبع. فمن يقرأ ما كتب يوم أمس 15/9 تحت عنوان " بأي معنى تم التخلي عن اللينينية " يدرك أكثر فأكثر خطورة الدور التخريبي الذي تلعبه البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية. ويحضرني في هذا المقام تحذير وجهه ستالين للرفاق في الحزب يحذرهم من أعداء الحزب الذين يتخفون بعبارات شيوعية تؤيد الحزب. أحد هؤلاء الأعداء كان تحت أنف ستالين دون أن يكتشفه. كان نيكيتا خروشتشوف النسخة رقم (2) من نيقولاي بوخارين دون أن يتحلى بشجاعة بوخارين الذي خان الحزب علانية. لكن ماذا لو اكتشف ستالين خروشتشوف كتحريفي ومرتد وأعدمه قبل أن يتسلم قيادة الاتحاد السوفياتي؟ لو تم ذلك ما كان الاتحاد السوفياتي، على الأرجح، ليصل إلى الانهيار والحركة الشيوعية العالمية إلى الخمود ولحالتها البائسة اليوم وتخسر الإنسانية من تاريخها تبعاً لذلك قرنا أو ربما أكثر، دون أن ننسى بالطبع أن خروشتشوف كان ممثلاً لطبقة عريضة في المجتمع السوفياتي هي الطبقة الوسطى التي منها الفلاحون التعاونيون الذين اعتمد عليهم خروشتشوف في الوصول إلى الشيوعية وليس على البروليتاريا !!
أكدت في مقالتي المشار إليها أن البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية لا ترغب في تثقيف نفسها بالماركسية اللينينية وهي نظرية البروليتاريا؛ للبروليتاريا نظريتها وللبورجوازية الوضيعة نظريتها الأخرى المختلفة وإن خبأتها في جيبها الداخلية كما كان قد فعل خروشتشوف وكما يفعل اليوم منير العبيدي. لنرَ اليوم كيف يتجلّى العبيدي مثالياً صرفاً فيتخبط في التعرّف على الفكر وعلى عوامل تطوره. يتسنم العبيدي دور الخالق فيخلق ما يعجبه من أفكار ويميت ما لا يعجبه ويصف هذا الدور بالعدالة كونه منبثق من الروح النقديةـ بدون تحديد هوية الروح ـ إذ ليس من حاجة لذلك لأنها روح الله، ونسي العبيدي أن الله ليس مثله من البورجوازية الوضيعة. كان العبيدي مثالياً رثاً يثير الشفقة في عرضه لتطور الفكر وأحسب أنه هو نفسه لم يقتنع بما كتب في هذا الشأن تحديداً.
من المبادئ الأولية في المادية الديالكتيكية هو أن الفكر إنما هو إنعكاس الواقع على عقل الإنسان. والواقع تصوغه وسائل الإنتاج وأدوات الإنتاج. إن ترقي الفكر يترافق مرافقة لصيقة مع تطور أدوات الإنتاج، ومسار تطور أدوات الإنتاج هو ما يطرح الأفكار القديمة ويخلق الأفكار الجديدة. ليس الله أو الروح النقدية للعبيدي وغير العبيدي هو ما يميز الفكر السمين ليحتفظ به من الفكر الغث ليطرح جانباً بل هو تحديداً وسائل الإنتاج وأدواتها.
يقول العبيدي ـ ويا لفجاجة ما يقول ! ـ أنه يقتفي أثر " الشيوعية الأوروبية " في التخلي عن اللينينية، لكنه وقد تسنم دور الله في الخلق وفي الموت فإنه يراجع حالياً ما على البشرية أن تطرح جانباً من اللينينية بالإضافة إلى " الديموقراطية اللينينية " التي تخلت عنها " الشيوعية الأوروبية " نظراً لأن الديموقراطية الغربية أفضل منها (!!)
ما الذي يريده هذا العبيدي؟ باتجاه ماذا يأخذنا؟ أبتجاه النظام الغربي الحالي الذي يسرق البشرية لآخر ما تملك من خلال أسواق النقد التي لم تعد تعمل وفق قانون القيمة الرأسمالية؟!! أم باتجاه الإشتراكية المسيحية المتخيلة بخيال غورباتشوف!! إلى أين يخطط العبيدي لتوجيه الإنسانية؟ إلى أين طالما أن كل أفكاره وطروحاته لا علاقة لها بالإشتراكية العلمية التي قال بها ماركس وإنجلز ولينين وجسدها على الأرض ستالين؟
عندما تخلت أحزاب الأممية الثانية عن الماركسية (1921) لم يكن الإتحاد السوفياتي قد بدأ بالتطبيق الإشتراكي. لم يرفضوا الماركسية لأن ستالين ارتكب جرائم كما يرفضها العبيدي، ولا لأن النظام الرأسمالي كان قد وفر حياة كريمة لشعوب تلك الأحزاب بل على العكس إذ كان للتو قد جرها إلى حروب إبادة الجنس البشري وتدمير الثروة وإلى الفقر البشع. لقد رفضوا الماركسية لأنهم خططوا لدعم الرأسمالية الإحتكارية الإمبريالية في محاصرة الإتحاد السوفياتي ومنعه من تطبيق الإشتراكية التي لم يكونوا يعلمون شيئاً منها سوى أنها نظام البروليتاريا. العبيدي يتمثلهم اليوم، بل يزيد عليهم في أنه يريد أن يتخلى عن الماركسية وعن اللينينية أيضاً ويستبقي ما يساعده في الإنضمام إلى عصابة اللصوص وقطاع الطرق في العالم الرأسمالي سابقاً !!
عذر العبيدي الوحيد، إذا كان له من عذر، هو جهله التام بالنظام الإجتماعي القائم اليوم في المجتمعات الرأسمالية سابقاً. لنسأل العبيدي هنا .. ما طبيعة علاقات الإنتاج السائدة اليوم في الغرب الرأسمالي سابقاً؟ نسأل ونحن نعلم أن العبيدي لن يجيب بسبب فقره الفكري. لئن أقنعنا العبيدي بديموقراطية علاقات الإنتاج السائد اليوم في الغرب فإننا سنؤمن بالإله العبيدي ونطرح من الماركسية اللينينية ما يطرحه ونستبقي ما يستبقيه، وسنشتم رفيقنا المخلص ستالين كما يشتمه العبيدي رغم أن لينين كان دائماً يناديه ب ( القوقازي الأعجوبة ) طالما أن العبيدي أعجب من أعجوبة، إنه إله يحيي ويميت كما يصف نفسه ولو بكلمات مختلفة.
يعدنا العبيدي أن الأفكار التي سيحكم عليها بالموت لن يميتها " مقابل العدم أو مقابل الفكر الستاليني ". نسأل إلهنا العبيدي عما يعرفه من الفكر الستاليني، مالذي يعرفه من الفكر الستاليني ويساوي العدم؟!! ما يعرفه العالم، كل العالم، أن الفكر الستاليني أعدم هتلر وموسوليني فهل العبيدي يتكلم باسم هتلر وموسوليني؟ وهل الإتحاد السوفياتي كان عدماً عندما تولاه نظراء العبيدي المرتدون خروشتشوف وطغمته من بريجينيف إلى أندروبوف إلى غورباتشوف وأوصلوه إلى الإنهيار بعد أن كان حصن السلم والإشتراكية. ما نعرفه هو أنه بالاستناد إلى قلعة الإتحاد السوفياتي جرى تحرير جميع الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من ربقة الإمبريالية وما كانت بغيرها أن تتحرر. كيف يجروء العبيدي أن يتجاهل كل النجاحات المذهلة التي حققها الحزب الشيوعي بقيادة ستالين سواء في التنمية السريعة 1929 ـ 1938 ، أو في سحق ألمانيا الهتلرية مدعومة بكل الموارد الأوروبية المادية واليشرية بعد أن هزمت أكبر إمبراطوريتين استعماريتين هما بريطانيا العظمى وفرنسا، أو في إعادة الإعمار 1946 ـ 1951 فعاد الإتحاد السوفياتي أغنى وأجمل منه قبل الحرب رغم كل التدمير الهتلري الوحشي وطال كل مدنه وأراضيه. على العبيدي أن يخجل من نفسه وهو يساوي قيادة ستالين بالعدم.
كلمة أخيرة أقولها للسيد منير العبيدي وهو يحاول أن يكون مفكراً سياسياً ذا شأن، وهي .. عبثاً يفكر المفكرون السياسيون إن لم يكونوا أمناء مع التاريخ .
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟