تتميز الدولة بعدة خصائص و من أهم خصائصها السيادة التي تنقسم الى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية ، فالسيادة الداخلية حين تتمتع السلطة بالشرعية من خلال الانتخاب المباشر لهذه السلطة من قبل الشعب وبما يمثله من تفويض عام من خلال رأي الأغلبية الشعبية أو البرلمانية ، وهذه السلطة تمثل الهرم السيادي لمثلث السلطة المتمثل بقاعدتيه السلطة القضائية والسلطة التنفيذية .
والسيادة هي التعبير والفكرة التي تضع السلطة فوق إرادة الأفراد من خلال اختيارهم وتفويضهم لهذه السلطة تمثيلها بما يعني إقرارهم بالموافقة على أن تكون الدولة ممثلاُ لهم ووكيلاًُ عن أرادتهم السياسية والقانونية ، والتفرد بالقرارات التي تقتضيها الحياة العامة .
أما السيادة الخارجية فتعني عدم سيطرة حكومة أو سلطة خارجية على السلطة المحلية أي عدم خضوع أرادتها الى أي إرادة خارجية وتمتعها باستقلالية قرارها السياسي والقانوني الوطني ، إضافة الى انطباق قواعد القانون الدولي عليها .
وفكرة السيادة فكرة قانونية تتصف بها السلطة السياسية يتم تفويض أفراد من عموم الشعب لتمثيلهم بنتيجة العقد الاجتماعي ، حيث يتم تفويض هذه المجموعة من الأفراد صلاحيات مطلقة أو محددة تبعاً للظروف ورغبة الشعب ، والشعب هو الذي يملك السيادة أصلاً ويفوض بعض من صلاحياته الى هذه المجموعة ، لتمثيله ضمن صيغة قانونية وفقاً لانتخابات عامة أو محددة أو وفقاً لتخويل من البرلمان المنتخب أو أية صيغة شرعية أخرى .
واتفق الفقهاء في القانون الدستوري أن الأمة هي صاحبة الإرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعض أو كل من التصرفات التي تملكها والتي ينص عليها الدستور .
ومن خلال هذا التفويض والصلاحيات تتمتع الدولة بشخصية معنوية مستقلة ، تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها .
وتكون الدولة وحدة قانونية مستقلة عن شخصيات الهيئة المسيطرة على الحكم ، أذ يتمتع كل واحد منهم بشخصية حقيقية مستقلة وذمة مالية مستقلة لاعلاقة لها بذمة الدولة ، لاتمسها الشخصية المعنوية للدولة ولا تتداخل معها .
كما أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذه الدولة تبقى غير متأثرة بدخول أو خروج الأفراد ماداموا يحملون التخويل الشرعي والقانوني ، وأن هذا الأمر لا يؤثر على التبدل الحاصل في أسماء ووجوه العاملين في مؤسسة الدولة ، مثلما ليؤثر على العقود والأتفاقيات التي عقدها الشخص المعنوي ( الدولة ) قبل ذاك .
كما أن جميع ما أصدرته الدولة من قرارات وقوانين يبقى نافذاً ومحترماً حتى يتم إلغاءه وشطبه بقرارات لها نفس القوة القانونية والدستورية وتملك الحق الشرعي والقانوني في هذه العملية .
وإزاء كل هذا تتمتع الدولة بشخصية معنوية تقتضيها الظروف والحياة ، وأنها موجودة قبل وجود الدستور الذي ينظم حالها وأحوالها ، والذي سيجد له مكانة وتقدير بعد إقراره والتقيد بالعمل وفق نصوصه ، حيث أنه المعني بتنظيم حياة الأفراد وحقوقهم وواجباتهم ، ويشكل الأساس القانوني الذي ترتكز عليه القوانين والتعليمات والأوامر الصادرة من السلطة التشريعية للدولة .
والدولة كشخص معنوي تتمتع بكل الحقوق والامتيازات المنصوص عليها في الدستور ويمكن مقاضاتها من قبل الأفراد ، كما يمكن لها أن تمنح البعض وكالات عامة أو خاصة للدفاع عن حقوقها أو التقاضي باسمها ، كما يمكن الحكم عليها كشخص معنوي وتحصيل الحقوق منها أو لها .
و نظرية الشخص المعنوي يمكن التعامل معها على أساس أنها شخص طبيعي قائم بذاته يتحمل كل الاعتبارات القانونية ويلتزم بكل الالتزامات ويمكن له أن يقاضي ويتقاضى ويمنح الوكالة العامة أو الخاصة ببعض أو بكل ما أوكل أليه من قبل الهيئة العامة دون أي اعتبار لتغير الأشخاص العاملين في السلطة أي تبدل أشخاص الحكم وتبدل السلطة ، وهي شخصية وهمية أوجدها فقهاء القانون من أجل ترتيب أمور مقاضاة الدولة وتحصيل حقوقها و دفع ما عليها من حقوق للناس العاديين الحقيقيين .
ويمكن ان تكون نظرية الدولة مستمدة أصلاً من سلطة العائلة ( السلطة الأبوية ) ، حيث يكون الأب هو الماسك بزمام الأمور وهو المتحكم في دفة القضايا التي يجدها ذا مصلحة عامة أو خاصة ، غير أن العديد من المؤثرات يتدخل في هذا الجانب ، من أهمها الجانب الديني والاجتماعي .
حيث أن العائلة تتكاثر فتكون العشيرة ، ثم تنمو العشيرة الى سلف أو قبيلة ثم الى مجموعة قبائل تكون دولة من مجموع الأسر والعوائل المتكونة منها هذه السلطة .
ومن الأساليب الديمقراطية التي تنهجها السلطات مسألة إقرار الدستور بطريقة الاقتراع السري العام للشعب ( الرأي العام ) أو بواسطة التصويت عليه في البرلمان أو مجلس الشعب ، وبهذا يكون الشعب هو من يضع النصوص الدستورية التي ستلزم السلطات بها ، وبهذا تبتعد السلطات عن ممارسة الأسلوب غير الديمقراطي الذي تفرض نصوص الدستور على الشعب بإرادتها المنفردة أو بقرار من الحاكم يعتبر بمثابة المنحة أو الهبة التي يمنحها للشعب .
ومن بين أهم ضمانات الدولة للقانون وجود دستور يحدد صلاحيات السلطة وينص على حقوق الأفراد وحرياتهم ، إضافة الى ضرورة اعتماد نظرية الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وعدم تجميع السلطات بيد واحدة ، وإيجاد رقابة دستورية من الهيئة القضائية العليا على السلطة عند عملها في تطبيق نصوص الدستور .
وينظم عمل نظام الحكم في الدولة مجموعة من القواعد القانونية التي تقرها الهيئة العامة للمجتمع وتصبح ملزمة للجميع بما فيها السلطة القابضة على الحكم ، وتنظم هذه القواعد القانونية عمل وحقوق الأفراد والسلطات وتنظم أسس القوانين والتعليمات والأوامر الصادرة استنادا على الدستور .
ويعني الدستور الأساس أو القاعدة للبناء القانوني أو تنظيم أسس الدولة في البلد وطرق وجود التنظيمات السياسية وحماية الحريات العامة .
والدساتير نوعين منها ماهو مكتوب ومنها ماهو غير مكتوب ، والدستور الإنكليزي على سبيل المثال من الدساتير غير المكتوبة .
كما أن الدساتير تنقسم الى دساتير مرنة ودساتير جامدة ، والمرنة منها مايتم تعديلها بنفس الطريقة التي تمت إقرارها أو بتخويل البرلمان أو هيئة دستورية تعديل بعض مواده ، اما الجامدة فهي التي تتطلب إجراءات معقدة وصعبة قد تتطلب تعديلها أجراء استفتاء عام على النص المعدل أو المغير لنصوص الدستور ، والغاية من ذلك تقييد السلطات السياسية من التعرض لنصوص الدستور مستقبلاً .
وبالرغم من السلبية التي تواجهها الدساتير الجامدة ، لأن الضرورة والتطور الزمني والمتغيرات العالمية والإقليمية السريعة تتطلب أن يتم إدخال بعض النصوص الضرورية دون تعريض الأساس القانوني للتبديل أو التغيير ، لكن هذا لايعني أن المرن تحيطه الإيجابيات ، فالمرونة لا تتوافق مع الاستقرار وعرضة للتغيير وفق رغبة السلطة السياسية والتي غالباً ما تكون مسيطرة على مقاليد السلطة والكفة الراجحة في البرلمان .
ومن خلال التجارب التي مرت بها الدساتير المتنوعة يتضح أن العمل بالدستور الجامد الذي يضفي على الدستور نوعاً من الهيبة والقدسية ، وأن لايتم إلغاء أو تعديل أو إضافة نص دستوري إلا بموافقة الرأي العام أو البرلمان ، وجعل عملية التعديل مرنة في حال الضرورة ، إضافة الى تحقيقه الاستقرار من التحكم في نصوصه مستقبلاً ، إضافة الى الحماية التي يشكلها وجود المحكمة الدستورية ، ومهما يكن الأمر فأن الابتعاد عن التحجر في النصوص وجمود عملية التعديل لا يخدم آلية الحياة الدستورية ، كما أن عملية المرونة وتمكن السلطات من تغيير النصوص والتلاعب بها يعرض السياسة المستقبلية للتحكم والرغبات والمصالح ، لذا فأن الوسطية في تبني هذه النظريات هي الأوفق والأنسب في التطبيق ، أي ا، الحل يكون في مرونة في التعديل مع نصوص نحافظ على متانتها وحمايتها .
ويتم تقسيم الدول وفق القانون الدولي الى دول بسيطة وهي الدول التي تنفرد فيها سلطة واحدة او هيئة واحدة وتكون فيها السيادة غير مجزأة ولها دستور واحد وحكومة واحدة ، والدول المركبة أو المتحدة وهي مجموعة من الدول تقوم على أساس الأتحاد والخضوع لسلطة مشتركة ، وفي الدولة المركبة أو المتحدة تظهر عدة أشكال وأنواع من هذه الوحدة والأتحاد كالأتحاد الشخصي أو الحقيقي او الفعلي والذي يتشكل من اندماج دولتين أو اكثر في دولة واحدة ن كما يكون الأتحاد الفيدرالي نوعا من أنواع الأتحاد وبعبارة اخرى أنضمام عدة دول تتنازل كل منها بمقتضى الدستور عن بعض سلطاتها الداخلية والخارجية وينشأ الأتحاد الفيدرالي عن طريقين .
الطريقة الأولى أنضمام عدة دول مستقلة الى بعضها البعض لتكون دولة مركزية جديدة كالولايات المتحدة الأمريكية أو سويسرا أو المانيا أو استراليا وكندا .
والطريقة الثانية بتفكك دولة موحدة الى عدة دول صغيرة مع بقاء الرغبة في الأتحاد الفيدرالي .
كما يكون في صورة اسلوب الحكم على اقليم معين له حدود ادارية وضمن الدولة الواحدة ويدار من قبل شعب الاقليم نفسه كما يذكر البرفسور منذر الفضل .
ويسترسل الفضل بان الفيدرالية التي يطالب بها الكرد في العراق نظام قانوني يقوم على تفكيك سلطات الحكم الشمولي ومن ثم اعادة تاسيس نظام حكم تتولى فيه المؤسسات الدستورية اختصاصاتها حسب دستور فيدرالي دائم وطبقا للقانون وذلك بتوسيع المشاركة في الحكم والأدارة بما يحقق السلام والأستقرار .
ولما تقدم تلتزم جميع الدول العمل بمبدأ التدرج في القوانين فالنصوص الدستورية تقف في أعلى الهرم القانوني ثم تليه القوانين ثم الأنظمة وبعدها التعليمات ثم الأوامر ، ويطلق على القاعدة المذكورة مبدأ تدرج القواعد القانونية .
ومن خلال ما ورد أعلاه لايجوز لقانون أن يصدر عن الهيئة التشريعية مخالفاً لنصوص الدستور وهلم جرا ، وفي حال صدور قانون أو نص يتعارض مع نصوص وأحكام الدستور فيعتبر النص أو القانون غير دستوري مما يجوز الطعن به من الناحيتين الشكلية والموضوعية .
وتلجأ الدول الى أنشاء هيئة قضائية متخصصة في الرقابة على دستورية القوانين أو في مدى خرق السلطة السياسية لنصوص الدستور .
كما تلجأ الدول الى أيجاد هيئات قضائية أخرى تفسر النصوص الدستورية وترسل دراستها وبحوثها الى الدوائر والجهات المعنية التي تستوضح منها أو تختلف فيما بينها حول قضية دستورية .
ومسألة الرقابة الدستورية التي تقوم بها هيئة قضائية لقيت من النقد والتجريح الكثير حين أبتدعها فقهاء القانون الدستوري ، أذ أشاروا الى أن وظيفة القضاء تقتصر على الفصل في المنازعات وتطبيق القانون المستند على نصوص الدستور فكيف يكون رقيباً على تطبيق السلطة لنصوص الدستور ، بمعنى أنه من أين يستمد هذه السلطة مادامت السلطة تستمد قوتها من انتخابها من قبل الشعب ؟
إلا أن الواقع يفرض أن تكون هناك جهة محايدة تحسم عملية الطعن في مشروعية وقانونية تصرفات الدولة والتزاماتها الدولية ومطابقتها لنصوص الدستور ، وليس غير القضاء من يضطلع بهذه المهمة الكبيرة ، كما أن هذا التوزيع في السلطات والمراقبة يعزز من دور الدستور وحمايته من الخرق ويعزز مسألة الرقابة الدستورية على السلطات من قبل السلطة القضائية .
ومهما يكن الأمر فأن النصوص الدستورية ليست لها أية قيمة أذا لم يصار الى تطبيقها الفعلي وانعكاسها على الحياة العامة للجماهير ، لأن مجرد وجود النصوص لايعني أن الحياة الدستورية قائمة بشكل طبيعي ، حيث أن اغلب السلطات الدكتاتورية تعمد الى الإيعاز لخلق دساتير تأخذ صبغة الإقرار الشكلي من الجهات التي ترسمها أساليب إنشاء مشاريع الدستور ، ومن ثم إقرارها دون التقيد بمضمون نصوصها ألا فيما يتوافق مع مصالحها ورغباتها ، وهو ماكان يشعر به العراقي في زمن صدام البائد حين اتخذت السلطة الدكتاتورية من نصوص الدستور غطاء لقراراتها الظالمة والمتناقضة مع حقوق الإنسان .