أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البتاوي - حكايات من المسطبة / 3














المزيد.....

حكايات من المسطبة / 3


محمد البتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2036 - 2007 / 9 / 12 - 04:15
المحور: الادب والفن
    


احتراق


ارتعشت الشمس وشبق اللحظة يخنقها.. حطت فوق "عليتها".. نثرت شعرها الذهبي المتوهج فوق ذلك الشعر الفاحم المبلل بالعرق وعطر الأرض، فانبعثت رائحة النرجس من حناياها.. ثمة حرب خفية دارت رحاها بين شباب القرية فيمن سيظفر بها، ولكنها خصته بعطرها ووجدانها، واحتراق اللحظة فيه..

قالت وقد أصبح بعلاً لها: "إذا كنت صحيح بتحبني، خليني أساعدك بفلاحة الأرض.. إيدتين مش مثل أيد وحدة.."

عبر لها عن مخاوفه من أن تتشقق رجليها، وتخشوشن يديها.. ولكنها أصرَّت، فعبرت معه عشر سنوات من الكد والتعب والشقاء، أثمرت ثلاثة أطفال، احتفلت بعيد ميلاد أكبرهم منذ ثلاثة أيام فقط.. قالوا: "أعياد الميلاد حكر على أولاد الذوات". فقالت: " إذا كانت أعياد ميلادهم، لهو وترف إكبار، بظحكوا فيها على إذقون الصغار، إحنا عيدنا بفرحتنا فيهم وهم بيكبروا يوم ورى يوم"...

كانت لا تمر ليلة دون أن يطويها فتطوية السعادة، والغيرة لا زالت تأكل أفئدة الذين حلموا وتمنوا ولكنهم لم ينالوا..

وعندما عبر العتبة، كان صدره ما زال يخفق، والعرق يتفصد عن جبينه. مترس الباب خلفه، بحركة لم تفتها اقتناصها، فخفق قلبها المبلل بالعشق وهي تقول: "الأولاد كبروا يا زلمة...".. فقال والشبق يصفر في رأسه: "أعطيتهم شيكل راحوا يشتروا فيه حامض حلو".. فهمهمت في ضحكة، أسالت لعابه، وهي تهز رأسها، لتفرد شعرها الفاحم على منكبيها شبه العاريين، فراح يقترب منها بلهفة أوجعتها خفقات الظهيرة. وفوجئ أكثر عندما وجدها ترتدي تلك الملابس التي منحتها له "معلمته" صاحبة اللحم الكستنائي.. أغمض عينيه للحظة، فتبدل الجسد مع الثياب، فالتهمها دون أن يبسمل. فقالت وجسدها ينفرد تحته، وقد اهتز لنشوة اللقاء: "أكيد إنت اليوم شايفلك شوفه". فردَّ بهمهمة من شفتيه ذابت فوق شفتيها المكتنزتينن، فأذابت حرارة اللقاء كل تساؤل...

كانت الشمس لا تزال تملأ الأفق الغربي عندما تنهدت في لذة أرخت مفاصلها: "الله يجعل كل أيامك بيضه". وبقيت يده مطوحة فوق صدرها الناهد شبه العاري وهو يغرق فيها وفي الحلم....


ذباب


استشعرت الشمس ضيقاً وحنقاً، والقمر يضحك بملء شدقيه، رافضاً إفشاء سره لها، حتى لا يفقد المتناجون ثقتهم به.. فكان أن صبت جام غضبها وسخطها، وراحت تنشر أشعتها في نزق، لتفقأ سعادة ليل القمر ونجواه، غير آبهة بمن سيلحق بهم الظلم، وتزداد معاناتهم، ناسية أو متناسية، أن خلاّن القمر لا يُعَرِّضون جلودهم لسخطها وغضبها إلا عندما يرغبون بصبغها، أو يرغبون بشيّها انتقاماً مما خلّفتة لهم من حسرة وندم.. وفي كل الحالات لا يصطلي بنارها إلا عُشاقها. ومع لهيبها، انطلقت الأصوات المثقلة بالعنت ومرارة لقمة الخبز:

- طازه يا سمك.. سريده ومبروم يا سمك.. طازه يا سمك..

اجتذب الصوت انتباه النسوة القاعدات في حجور وكالة الغوث و"تنّاكيّاتها"، ليتقينَ لهيب الشمس بوهج الكبت والخنقة التي تصبها فوق رؤوسهن ألواح "الزينكو" التي تظلل البيوت.. فأطللن برؤوسهن يدفعهن حب الاستطلاع والفضول، وقد سبقهن الأطفال إلى أزقة المخيم وطرقاته التي اختنقت بهم، وفازت في السباق أسراب الذباب التي التفت من حول بائع السمك في حلقة محكمة، تحلق خارجها كل من جاء يدفعه الفضول، والبائع لا يكف عن النداء. وتساءلت إحدى النسوة:

- مش شايفه أم محمد ولا أم سعيد؟

فجاء صوت أم محمد من فوق الرؤوس:

- وسِّعن.. حتى أشوف..

وبدأت الحلقات تفتح، وتغلق، حتى أصبحت أم محمد وسط حلقة الذباب والبائع الذي كان يقلب السمك في الصناديق الخشبية.. أخذت تفحص السمك وأخذت مع حركة يديها، تتفشى في قسمات وجهها علامات الامتعاض والتذمر.. وبعد طول ترقب من البائع والمتحلقين، تساءلت عن السعر بصوت بدأ فيه إهمال، فأسرع البائع يقول:

- إبلاش والله.. أربعة شواكل.. يا بلاش.. والعوض على الله..

حركت رأسها بحركة رافضة صاحبها امتعاض، فبدت واثقة من نفسها وهي تقول في تأفف:

- شيكلين وإكثير عليه.. ما إنت شايفه قرب يفطس..

- يا مَرَه.. خافي الله... مش معقول.. هاي خسارة وخراب بيت..

- على كيفك.. الله يجبر عنك..

قالت ذلك وهي تستدير، لتشق طريقها وسط سلسلة الحلقات، فأوقف صوت البائع خطواتها، مستجيباً لها في إذعان بدا فيه شيء من الانكسار.. فلقد كان يعلم أنه لا خلاص له منها. فإن هي اشترت اشترت باقي النسوة، وإلا فلن يبيع شيئاً.. فما باليد حيلة، وقد أوشك السمك على التلف. فإن لم يبعه بأسرع وقت، فإن عليه أن يذهب به إلى مجمع النفايات ليلقيه هناك.. وراح يبرطم وهو مغلوب على أمره: "العوض بوجه الكريم.. العوض بوجه الكريم.. شيء أفضل من لاشيء".. ودبت النسوة فوق "طَبَالي" السمك.. والشاطرة من ظفرت بنصيب..



#محمد_البتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البتاوي - حكايات من المسطبة / 3