أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الوقوف خلف النفس














المزيد.....

الوقوف خلف النفس


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 622 - 2003 / 10 / 15 - 05:16
المحور: الادب والفن
    


حين ترتقي المعايير التي تعتمدها الأكاديمية السويدية في اختيار الفائز بجائزة نوبل للآداب، فإنّ لغة الحيثيات التي تهدف إلى تقريظ الفائز ترتقي بدورها، سواء في محاجّاتها النقدية أو في صياغتها اللغوية الصرفة. خذوا، في مثال أوّل، ما تقوله الأكاديمية في مديح الروائي الجنوب ـ أفريقي ج. م. كويتزي، حامل الجائزة لهذا العام: "مثل ذلك الرجل في لوحة ماغريت الشهيرة، الذي يتفحص عنقه في المرآة، فإنّ شخصيات كويتزي تنتصب خلف نفسها في اللحظات الحاسمة، لابثة بلا حراك، عاجزة عن المشاركة في ما تقوم به هي نفسها من أفعال. غير أنّ السلبية ليست ذلك السديم القاتم الذي يبتلع الشخصية فحسب، بل هي أيضاً الملاذ الأخير المفتوح أمام الكائنات البشرية وهي تتحدّى نظاماً قمعياً عن طريق الحيلولة دون إخضاع نفوسها لما يبيّته ذلك النظام. وفي استكشاف الضعف والهزيمة ينجح كويتزي في التقاط الومضة المقدّسة داخل الإنسان".
وخذوا، في المثال الثاني النظير، ما قالته الأكاديمية ذاتها حين منحت الجائزة للهنغاري إيمري كيرتيش، السنة الفائتة: "يستكشف إمكانية استمرار العيش والتفكير كفرد في حقبة يزداد فيها اكتمال خضوع البشر لقوى اجتماعية"؛ وكتاباته: "تعود بشكل مطّرد إلى الحدث الحاسم في حياته: الفترة التي قضاها في أوشفيتز، إلى حيث اقتيد وهو فتى يافع خلال الإضطهاد النازي ليهود هنغاريا"؛ وأخيراً: "أوشفيتز بالنسبة إليه ليست واقعة اسثنائية توجد، مثل كائن غريب، خارج التاريخ الطبيعي لأوروبا الغربية. إنها الحقيقة القصوى للإنحطاط الإنساني في الوجود الحديث".
الأرجح أنّ الاعتبار الأخير هو الذي يختصر جوهر السبب في منح الجائزة إلى كيرتيش، كما يفسّر ذلك الحماس المشبوب الذي أتاح لأعضاء الأكاديمية السويدية أن يتحدثوا عن "عشوائية التاريخ البربرية"، دون كبير تبصّر في محاذير هذا الحكم الفظّ والعدائي ذي النبرة الإطلاقية الجلية. ذلك لأننا، في واقع الأمر، لا نعثر في أيّ من أعمال كيرتيش على أنساق أو مستويات أو أشكال من "عشوائية التاريخ البربرية"، أكثر ممّا نعثر عليها في مئات، وربما آلاف، الأعمال التي تناولت الأنظمة الشمولية (سواء أكانت شيوعية في أوروبا الشرقية، أم نازية وفاشية، أم دكتاتورية عسكرية هنا وهناك في العالم).
وهكذا، حين تمنح الأكاديمية نوبل الآداب لأسباب تتغلّب فيها الإعتبارات السياسية أو الأخلاقية أو الفكرية علي اعتبارات الفنّ، فإنّ لغة الحيثيات تميل إلى ما يشبه التأتأة والغمغمة والبحث عن الذرائع كيفما اتفق. وحين يحدث العكس، أي حين تكون معايير الفنّ هي السيّدة، فإنّ البيان الصحافي الذي يصدره عجائز الأكاديمية يأخذ صفة النصّ النقدي الرفيع، الذي لا يثبّت الأحكام المطلقة ويحشد الإجابات بقدر ما يطرح الأسئلة ويفتح فضاء التأمّل. وإذا كانت الأكاديمية قد أعلنت، بصراحة غير معهودة، أنّ قرارها كان سهلاً للغاية هذه المرّة، فالأرجح أنّ صياغة الحيثيات لم تكن بالسهولة ذاتها، تماماً كحال الأدب الذي حاولت توصيفه وامتداحه.
ذلك لأنّ أدب كويتزي ليس من النوع الذي يخضع للتصنيفات السهلة، فكيف بتلك المسبقة الجاهزة، سواء في موضوعاته وأشكاله وخصائصه الفنية، أو من حيث موقعه في الأدب الجنوب ـ أفريقي من جهة ثانية، وكتلة الآداب الواسعة المتنوعة التي تتصدّى لموضوعة التمييز العنصري (الأبارتيد) من جهة ثالثة. وبصدد هذا السياق الأخير تحديداً، ينبغي محاذرة الوقوع في ذلك الاستسهال الذي شاع بعيد إعلان فوز كويتزي، والذي يقول إنّ أدبه لا يتناول موضوعة الأبارتيد مباشرة، أو لا يتناولها بالطرائق التي تتوفر في روايات نادين غورديمر مثلاً، الأمر الذي ينطوي على الغمز من قناة غورديمر أو الطعن في الأدب الذي تصدّي للتمييز العنصري.
صحيح تماماً أنّ روايات كويتزي، والمبكرة الأولى منها بصفة خاصة، تذهب أبعد في انشغالها بظاهرة الأبارتيد، وتتوغل أعمق في سيرورة الاستعمار بصفة أعمّ، ولا تقتصر على الإطارات التاريخية الخاصة بجنوب أفريقيا وحدها بل تغاير الأزمنة والأمكنة على نحو أكثر حرّية وأعرض نطاقاً. غير أنّ من الصحيح بالقدر ذاته أنّ أعمال كويتزي جزء لا يتجزأ من الأدب المناهض للأبارتيد، ذلك الأدب الواسع المتشعب الذي يبدأ من رواية ألان باتون العظيمة "تأخرتَ كثيراً يا طائر الشطآن"، 1953، وصولاً إلى كتابات برايتن برايتنباخ وأندريه برينك ونادين غورديمر وموتوزيلي ماتشوبا ومونغانا سيروتي ومريام تلالي، وسواهم.
وكويتزي، رغم أنه يرفض بشدّة الزعم بتمثيل الصوت الحقيقي لأهل البلاد الأصليين، لا يكفّ عن جعل القارىء واعياً تماماً لحقيقة إسكات إبن البلد الأصلي، هو ونسله من بعده، بفعل مختلف السياسات التمييزية التي مارسها المستعمرون البيض. واستناداً إلى استراتيجيات سردية كهذه ينجح كويتزي في إنطاق شخوصه، ويجعلها حيّة فاعلة في التاريخ، هي التي تبدو صامتة لابثة خلف نفوسها!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكمة الشيشان التي تُبقي موسكو في قلب اللهيب
- الاستماع والإقناع
- ينطوي على حال دائمة من المناورة بين سِراطين مستقيمين: السبيل ...
- أحزان وأحقاد
- بعد تحليق طويل في التواريخ واللغات والثقافات: رحيل -الفلسطين ...
- الوزارة السورية الجديدة: هل يُصلح العطّار ما أفسد الدهر؟
- ضمير من عصرنا
- تهتدي بالبربرية النازية أكثر ممّا تستعيد حلم تيودور هرتزل: ا ...
- مهرجانات
- غيفارا وجورج وسوف
- العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية وبؤس الموقف الرسمي العربي
- أفغان العالم يتوافدون إليه خفافاً وثقالاً: العراق بوصفه مستن ...
- محمود عباس أمام انكشاف الجوهر الحقيقي للصراع
- الدولة الرأسمالية المعاصرة والتاريخ الذي انتهى وما انتهى
- مجازر الجزائر مستمرّة و العالم الحرّ يتفرّج ويتثاءب
- بلا بطيخ..!
- بشار الأسد في السنة الرابعة: الحفاظ على -أمانة الوالد
- استبدال الخاكي بالزهريّ والسماويّ لن يجمّل صورة النظام
- أمثولة فؤاد عجمي: سبينوزا أم ذبابة الخيل؟
- الحوار مع إسرائيل يكمل سيرورة دشنتها -الحركة التصحيحية-النظا ...


المزيد.....




- ما زال الحب مُزهراً
- العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية
- -نون- عنواناً لجلسة شعرية عامرة في اتحاد الأدباء
- مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
- البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني ...
- تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية ...
- الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
- فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
- صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي ...
- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الوقوف خلف النفس