فرح عبدالرحمن برقاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2027 - 2007 / 9 / 3 - 09:45
المحور:
الادب والفن
أجلس على مكتبي الآن في صباح دبيّ المزدحم. أطل من الجدار/ النافذة إلى الأزرق المستلقي في الأسفل هناك يستقبل حب الشمس بكامل ابتلاله، تدغدغه نوارس الشمال البارد، وتمخر فيه بلا رحمة مراكب الريح فتزعج لحظات استرخائه. وفي أذني يتردد مزمور أصفهان، هذا الحب المنهمر من القلب إلى الفكر، إلى الأيدي، إلى الأوتار، إلى المدى، متسائلة كعادتي كيف أستطاع مؤلفه أن يغدق بكل هذا الجمال على تلك الناقة البرية.
انتقلت حديثاً جداً إلى هذه المدينة العابقة بغبار البناء الجديد والسيارات الصغيرة المتكدسة. منذ لحظاتي الأولى هنا أدركت أن دبي مدينة لا ترحم، تمتصك بكل ما أوتيت من جبروت. لا أحد فيها يلتفت لك أو حتى ينتبه لوجودك ، كيف يفعل وهي تبتلع المئات بشكل يومي وتدخلهم دورة رحاها!
الأقرباء/ الأصدقاء/ الغرباء فيها كلهم غائبون عنك، وأنت بالطبع غائب عن نفسك.
كيف تسكن في نفسك وأنت تصحو قبل أن تنام لتنجزأعمالها وترضي رغباتها ثم تعود للمكان الذي ربما تسميه بيتك/ غرفتك/ سريرك فارغاً إلا من وحدتك لتستعد لمعركتك مع الازدحام في اليوم التالي.
لكنك رغم قسوة هذه المدينة النزقة، تقصدها، و تقع على غفلة منك في حبها، وربما تضيع عمرك قبل أن تتمكن من التخلص من أسرها.
ها هو صباح جديد فيك يا دبي، صباح مليء بالمباني والسيارات والبشر والنوارس. صباح محمل بالحب والشهوة، يقابله العمل المكدس على مكاتب سكانك وبعد يلاحق كل حلم قريب.
آه يا مراهقة الخليج التي لا تشبع رغبتها أبداً. أخبريني متى ستنضجين؟!
وفيك نحن نعود مراهقين، فيك نعود للقلق الوجودي مرة أخرى، فيك نقابل حلمنا على غفلة وفيك أيضاً نلاقيه سراباً بعد حين.
وأنا هنا
أتيتك مثل كل الهائمين
أراك مثلهم في كل يوم تكبرين
لكنني أدرك يا جميلة الصحراء
عند كل صباح ألاقيك فيه
عند كل مساء أودعك فيه لأراك ثانيةً
في كل لحظة تبعدين عني أحبائي
وفي كل دقيقة تمتصين فيها لغتي و صمتي
أدرك يا مدينة الترحال
أنك ستظلين غريبة عني
وأنا ما دمت فيك
سأظل غريبة عن نفسي.
#فرح_عبدالرحمن_برقاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟