جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 07:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هو الحسين بن طلال ولا أحد يعرف حبه للكلمة والأدب إلا من شاهده وهو يخطب بالشعب الأردني أو وهو يوجه للعالم العربي خطاب قومي شامل حيث يبدو كشاعرا وهو ينتفي كلماته إنتقاءا وعيناه التان كانتا تدمعان وهو ينظر للكاميرا التلفزيونية وكانت معظم إبتساماته تخفي خلفهما دمعة صادقة على حالة وبؤس المجتمعات العربية , وقد شاهده أكثر من 100 مليون عربي وهو يوجه رسالة لصدام حسين يحثه بها على الإنسحاب من الكويت حقنا للدماء العربية ولتجنب التدخل الأجنبي في الخليج العربي , كان في الحقيقة رجلا كبيرا في بلد صغير بإمكانياته.
ورغم أنني يساري إجتماعي إلا أنني لا أستطيع أن أخفي إعجابي بهذا الرجل وأنا أصافحه في جامعة اليرموك سنة 1994م حيث علقت يدي بيده والجماهير محتشدة ولم أستطع أن أفلت منه يدي وكان يتمسك بها كأنه قابض على قطعة جوهر أو ما يشبه ذلك .
وتستطيع في الأردن أن تكره كل الحكومات التي عاصرت الملك حسين ونالت ثقته وثقة الشعب ولكنك لا تستطيع أن تحتفظ بكرهك له على مدى الحياة وتستطيع في الأردن أن تحتفظ بكرهك لرؤساء الحكومات الذين لا يعجبونك وتستطيع أيظا أن تكره الملك حسين للحظة أو ليوم واحد أو لإسبوع أو لعام ولكنك لا تستطيع أن تكرهه على مدى الحياة لسبب بسيط جدا وهو أنه كان محبا للأدب والكلمة الصادقة ومحبا للإنسان الواضح بتوجهاته السياسية وغير محب على الإطلاق للمتسلقين والمنافقين السياسيين .
وفي الوقت الذي لم يسمح به النظام العراقي البعثي بدخول الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري للعراق قام هو شخصيا بتكريمه والإستمتاع بأمسية شعرية من أشعاره وحين حاولت بعض الفئات السياسية في الأردن من أن توقع بالشاعر الأردني :حيدر محمود , قام هو بإنتشاله منهم وتكريمه لأنه يحترم الكلمة المعبرة والشاعرية .
ورغم أن بعض الفئات السياسية في الأردن كانت تصادر أحيانا بعض الدواوين الشعرية لنزار قباني وتمنع دخولها للمكتبات العامة إلا أن الملك حسين أمر بإجراء اللازم وتسديد فواتير المستشفيات التي كان يعالج بها نزار قباني.
وبعد أن خسر العرب الحرب مع إسرائيل عرف الملك حسين أنه يجب عليه أن يقوم بمحاولة تجنب الوقوع في أزمات سياسية وإقتصادية مع الدول المجاورة وبذلك ضمن الأردنيون والفلسطينيون حياة هادئة رغم كل الكوارث التي وقعت بها الدول المجاورة مع نفسها ومع جيرانها .
وكان محبا للسلام وغيورا عليه وكان مع شعبه متسامحا في أغلب الأحيان وقد ذهبت سيدة في ذات مرة إلى الديوان الملكي في رغدان معترفة أن إبنها قد سجنته المخابرات الأردنية لأنه تطاول بلسانه عليه وكانت هذه الحادثة في شهر رمضان فأمر الملك بعودة ولدها إليها وإلى أولاده وقد غادرت الديوان وعيناها تدمع من الفرح بعودة ولدها إليها وإلى أولاده .
وكان في بعض الأحيان قاسيا بحق المعتدين عليه غير أنه كان يميل لتغيير رأيه في المناسبات الوطنية والأعياد وكان بعفوا عن كل المساجين وأحيانا المعتقلين السياسيين في فترة الأحكام العرفية التي من الصعب التسامح بها .
وكان مستعدا لأان ينفق على الألعاب الرياضية أكثر من إستعداده في الإنفاق على الثقافة لأن الثقافة في الأردن كانت حتى آخر عشر سنين التي حكم بها مملكته ليست ثقافة من أجل الثقافة بل كانت غطاء للذين يشتغلون بالسياسة على حساب المثقفين الأحرار.
وحكم الأردن ولم يكن به جامعة علمية واحدة ورحل عن الأردن وكان قد ترك به أكثر 19 جامعة علمية .
ومن المعروف أن الأردن بلد صغير بحجمه وإمكانياته وشح موارده إلا أن الإنسان الأردني قد نعم في فترة حكمه بحياة هادئة رغم بعض الأحداث السياسية والإحتجاجات على إرتفاع الأسعار كما حدث في هبة نيسان وكان الملك في وقتها خارج البلاد وبمجرد عودته هدئة جميع الإحتجاجات المدنية .
كان الملك حسين كبيرا في بلد صغير كما كان رياض الصلح في لبنان, وكان حكيما كالمهاتما غاندي وكثير الإنفاق على الأيتام في الشوارع ودور الرعاية وقد تبرع في آخر أيامه بأحد القصور التي يملكها لتكون دورا لرعاية الأيتام .
وقد قام في آخر أيامه بتأمين حدود الأردن مع إسرائيل وقام بتثبيت الخريطة السياسية والجغرافية للأردنيين وألزم المجتمع الدولي بالإلتزام بها وبالإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والأردني وكان شعاره :نحن أردنيون من شتى الأصول والمنابت ...ولا نسمح بالعنصرية أو بالغناء والتصفيق لقبيلة دون الأخرى والكل سواء أمام القانون ولا نفرق مابين عربي وعربي .
وفي الوقت الذي إدعت أو كانت تدعي به بعض الدول المجاورة للأردن والعراق من أنها دول قومية في ذلك الوقت بالذات رفض الملك حسين رفضا قاطعا أن يشارك الجيش الأردني في القوات المتعددة الجنسيات في حرب الخليج الأولى ورفض ذلك وقامت دول قومية بالمشاركة لضرب الجيش العراقي وإراقة حمامات الدم الباردة في الكويت والبصرة.
وكان محبا للجمال وفنونه التعبيرية وللأعمال الإنسانية وقد جمع في ذات مرة أعضاء الحكومة والأجهزة الأمنية وسألهم :لماذا لا تقدمون خدمات لذوي الإحتياجات الخاصة يأتين إلى الديوان الملكي أصحاب الإحتياجات الخاصة ويطالبوننا بحقهم في العمل ونبعث معهم كتب رسمية بضرورة مساعدتهم غير أنكم لا تبدون بتلك الكتب أي إهتمام .
كانت هذه الحادثة سنة 1991-1992م وفي اليوم التالي قامت الحكومة بتعيين أكثر 60 ألف من ذوي الإحتياجات الخاصة في المؤسسات والدوائر الحكومية وقبل ذلك لم تكن الحكومة الأردنية تعترف بهم كأفراد عاديين .
ولكل إنسان سلبيات وإيجابيات وقد تفوق إيجابيات الملك حسين على بعض السلبيات التي كانت بسبب أوضاع مفروضة على الشعب والحكومة وعاش بين الأردنيين بدويا وريفيا ومدنيا وكان يلائم نفسه مع كل الظروف ولم يكن متعطشا للدماء وكان يرفض التوقيع على عقوبة الإعدام إلا في حادثتين كانت قد الهبتا مشاعر الشعب الأردني وأذكر منها واحدة عن رجل قام بإغتصاب طفل ذكر قاصر وبعد إغتصابه قام بقتله وذهب إلى منزله وتعشى مع زوجته ونام دون أن يأخذ مهدئا عصبيا أو حبة مسكن ألم .
كلنا اليوم بحاجة للملك حسين وبحاجة لملك يبكي لبكائنا ويتألم لجراحنا التي بدأت تتسع مع إرتفاع الأسعار.
كلنا بحاجة للملك الذي كان يكفل الأيتام ويفتح ديوانه لأصحاب الحاجات .
أنا ..عاصرت الملك حسين ولم أقبض منه فلسا واحدا ولكنني كنت أدمع حينما أراه يمد يده للأيتام ويفتح حضنه لهم ويوسع صدره للمخطئين سياسيا .
كلنا بحاجة لمثله :حينما نزل من طائرته الخاصة في آخر رحلة علاجية وقبل الأرض الأردنية وسجد عليها وحمد الله وبكى .
كلنا اليوم بحاجة لمن يحترم الأدب لينفق عليه, ولينفق على الأيتام والأرامل والمتعبين .
لنذكر هذا اليوم محاسن موتانا
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟