أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - الغد يوم آخر














المزيد.....

الغد يوم آخر


مازن رفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 07:44
المحور: الادب والفن
    



تتململ في سريرها، وتكشف عيناها ربيعا اخضر. ترنو إليه بنظرة مختلسة وهو يلهث ممارسا رياضته الصباحية. تقع عيناه على وجهها المتواري خلف الوسادة فيتذكر مشاجرة الأمس. كم كان غاضبا في الأمس؟ لم يعرف مثل هذا الغضب منذ بداية تعارفهما.

عرفها حين كانت وردة تبدأ بالتفتح. لم يقطفها ويرميها، بل حضنها ورعاها، وحاول أن يكيفها مع مفاهيمه، وينشئها في محيطه. حيويتها، رقتها، انطلاقتها، حريتها، كانت كنوزا يتمنى لو حازها. في لقائهما الأول أعادته عيناها لقريته الجبلية البعيدة. وحين انسابت نظراته كشلال على قدها الروماني، قفزت خيالاته إلى لاعبة الجمباز ناديا كومانتشي.

إحساسه بدقات قلبه المتسارعة زادت من الحمرة التي هاجمت وجهه في حديثهما الأول الذي دار بينهما بجميع اللغات، وكان اكثرها تمكنا لغة الإشارة. ويذكر أنها حين سألته مبتسمة بدلال

"هل أنت عربي؟" أجابها بفخر وزهو تلك الأيام: "نعــــــــــم."

تعددت لقاءاتهما، ونمت الألفة، وتراكمت المودة. علمته اللغة، الطرق والشوارع، العادات والتقاليد. أعجبها صدقه، صراحته، رقة عواطفه، ثقافته وكرمه. وأعجب برقتها، وأنوثتها، ثقتها بنفسها وجمالها. أثمرت علاقتهما عن سامر. وقبل الثورة بأيام تزوجا ورزقا بسارة.

في مسيرة حياته واتته الكثير من الفرص للكسب اختار أفضلها و أنظفها، وكون ثروة نظيفة يفخر بها. رفض الكثير من المكاسب بسبب قوانين تعلم أن يحترمها، ومبادئ نشأ وتربى عليها، لم يصبح من أصحاب الثروات الهائلة.

تبدلت الحياة اليوم، وانقلب الكثير من مفاهيم الأمس، حتى هي لم تعد تلك الطفلة التي كان يلعب معها. يفهم جدلية التاريخ وحركته، ويعلم أن تفكيره ديناميكي يقبل بسهولة المستحدثات، ولكن مالا يستطيع فهمه هو لماذا تتحول المكتبة من غرفة الجلوس إلى غرفة المؤونة، وتهمل موسيقى بيتهوفن وموتزارت ليحل مكانها موسيقى إلكترونية خالية من الحياة.

ولا يعلم لماذا اشتاقت إليهما دار الأوبرا، وكذلك مسرح المدينة وحدائقها. لماذا تحولت علاقاتها الاجتماعية إلى مصالح مادية؟، وغاب رفاق الفكر واستبدلوا برفاق العمل. في هذه الأيام يستعيد غربته تدريجيا بعد أن فقدها منذ سنوات. هل فقد قدرته على التأقلم بسبب العمر؟ آم أن السبب هذه البلاد التي نفضت عن نفسها غبار الأمس وانطلقت مبحرة في سباق ماكيافيللي محموم؟

في الأمس كان يجلس في منصة الادعاء موزعا الاتهامات بمخالفة الأعراف والقوانين، واليوم يجلس في قفص الاتهام بتهم الانتماء، وعدم مجاراة العصر، وعدم تفهم الواقع، يحاكمه أعمدة مجتمع اليوم الذين أدانهم في الأمس.

كل هذا لم يرعبه، ولكن ما يخشاه هو وصول هذه المفاهيم إلى أولاده. يريد لسامر أن يكون عالما أو مبرمجا، والمادة تأتي لاحقا. والدته تريده أن يكون تاجرا يشتري ما يشاء من ألقاب ومناصب. أخبرها عدة مرات أن قوانين الغاب غير صالحة لتربية أولاده لأنها قوانين خاطئة.
أجابته
"أن يفترس النمر غزالا ليس عملا وحشيا، فهو إن لم يفعل مات من الجوع."

وحين اعلمها أن هنالك قوانين إنسانية متحضرة، أخبرته ما يطنطن به دائما جارهم المتنفذ، "القوانين كالحائط يمر الصغار من تحتها ويقفز الكبار من فوقها ويصطدم الحمقى بها."

كل هذه الأمور تتراكم قطرة قطرة في وعاء صبره. وما حدث في الأمس كان القطرة التي ملأت الكأس، فانسكب غضبه على سارة التي عادت متأخرة من حفل ميلاد صديقتها، وخاصة حين علم أن صديقها في الصف هو الذي أوصلها.

تدخلت هي مدافعة عن تصرفات ابنتها متهمة إياه بالتعصب والسلفية، فبادلها الاتهامات بالانحلال الخلقي للمجتمع والفساد، فأجابته بأن الإنسان الذكي يتكيف مع بيئته. صمت الجميع بعد أن ارتفع صوته مهددا متوعدا، سابا لاعنا، وحين دلف إلى غرفته استرجع اتزانه، وجلس متسائلا: "ما الحل؟ هل يغترب ثانية إلى بلده الأم، أم يقبل أن يتغير نحو الأسوأ؟" معادلة صعبة، وقرار أصعب لا يزال يعتمل في مخيلته حتى اليوم.



#مازن_رفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة أم لولدها
- موعد مع الخيانة
- ابو المجاري


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - الغد يوم آخر