|
في معرض كاووش الأخير: نساء فاتنات، وكائنات مُجنَّحة، وأُغنيات منسابة على قماشة الرسم
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2026 - 2007 / 9 / 2 - 11:05
المحور:
الادب والفن
نظَّم غاليري " فن في المقدمة " في مدينة خروننجن الهولندية معرضاً شخصياً للفنان العراقي ستار كاووش. وقد ضم المعرض الذي إنضوى تحت عنوان " أغنيات على قماشة الرسم " " 72 " لوحة فنية بأحجام مختلفة، منفَّذة كلها بالأكرليك على الكانفاس. وقد أَطلقت الصحف المحلية في هذه المدينة على المعرض إسم " المعرض العملاق " كونه يضم بين جنباته أكثر من سبعين عملاً فنياً، وهو عدد كبير جداً لا تستطيع أية صالة فنية أن تحتويه إلا ما ندر. وقد ذهب أحد مسؤولي الغاليري خصيصاً الى مرسم الفنان ستار كاووش في مدينة " هوخفين " شمالي هولندا لينتقي أعمالاً فنية تتناسب مع هذا المعرض الكبير. وقد وقع إختياره على نماذج أنجزها كاووش في السنوات السبع الأخيرة. كما ترك للفنان حرية إختيار أكثر من ثلاثين لوحة تنسجم مع المحاور الأساسية التي تشكل بنية المعرض الرئيسية. يأتي هذا المعرض بعد سلسلة من المعارض الشخصية والجماعية التي أقامها الفنان كاووش في العراق والأردن وأوكرايينا وألمانيا والسويد، إضافة الى ما يقارب الثلاثين معرضاً في هولندا. تعمّد الفنان كاووش أن يغري زوّاره، ويستدرجهم الى متاهة معرضه الكبير كي يرهفوا السمع لأغنياته المنسابة على قماشات الرسم. ومكمن الإغراء البنفسجي هنا هو اللوحة المعلقة في مدخل الغاليري الكائن في مواجهة معْلمين مهمين من معالم المدينة وهما متحف خروننجن للفن الحديث، وبرج مارتيني التأريخي الذي لا ينافسه في الإرتفاع أي بناء مُشيَّد في المدينة. تبدو المرأة الجميلة، ذات الثوب البنفسجي، محتفية بفتنتها، وكأنها تدعو محبي الثقافة البصرية والمولعين بها الى زيارة هذا المعرض التشكيلي الذي يتوفر على إستثناءات ومفاجآت كثيرة، لعل أبرزها اللوحات التسع، دائرية الشكل التي وُزعت على جدار كبير بطريقة غير تقليدية وبشكل غير منتظم، وكأن المتلقي ينظر من الأعلى الى طاولات إحدى مقاهي هولندا الصيفية! والمفارقة هنا أن اللوحات الدائرية نُفِّذت على سطوح طاولات حقيقية! أما المحور الثاني فهو مجموعة البورتريهات التي رسمها كاووش لعدد من الشعراء المعروفين في هولندا. وقد حاول الفنان أن يجمع بين الأسلوب التعبيري وأسلوب " اليوغن ستيل " مركزاً على الإنفعالات الداخلية لهؤلاء الشعراء والشواعر الذين إستوحوا ثيمات قصائدهم من لوحات فنية كان كاووش قد قدَّمها في معارض سابقة. وقد نُشرت القصائد واللوحات في كتاب حمل عنوان " أصابع كاووش " وهو عنوان إحتفائي بأنامل كاووش التعبيرية. تضمن المحور الثالث ثلاثة أعمال عُرضت على طاولات خاصة وسط قاعة الجاليري الكبيرة، العمل الأول بطول سته أمتار، والعملين الآخرين بطول مترين ونصف المتر. ولكي تكتمل غرابة المشهد، فقد عُرضت في الجهة الأخرى من القاعة لوحاتٍ كبيرة الحجم وثب بعض الأجزاء من شخصياتها المرسومة خارج حدود الأطار وكأنها جزءاً من زوار المعرض. سبق لكاووش أن أنجز عدداً من أعماله الفنية المنفذة بأسلوب " اليوغن ستيل " والتي أظهرت حرصاً كبيراً على تجاوز الأطر التقليدية. فلوحة كاووش تنشد الخلاص دائماً من أسر الكوابح والمحددات الشكلانية. ويمكن التنويه الى بعض الأعمال الفنية التي جسَّدت هذا الاسلوب من بينها " القبلة "، " المساء الهادي "، و" وداع الشتاء ". ثمة محور آخر لافت للنظر يشتمل على عدد من اللوحات الطويلة الضيقة التي عُلقت على بعض الأعمدة الأنيقة وسط القاعة. لم يأت هذا الجمع بين التعبيرية و" اليوغن ستيل " مصادفة في معرض كاووش الحالي أو بعض معارضه السابقة. فكلاهما، أي التعبيرية والفن الجديد ينطويان على تمرد واضح ضد الكلاسيكية والفن التقليدي بكل مستوياته. وهذا ما يصبو إليه كاووش تحديداً، وهو الثورة على القيم الفنية التقليدية، ومحاولة الإتيان بشيء جديد سواء عن طريق الإبتكار أو المزاوجة بين أكثر من أسلوب وتيار فني. فالفن الجديد " اليوغن ستيل " إمتد خارج حدود الفنون الجميلة المتعارف عليها مُقتحماً الفنون التجارية، وبالذات الزخرفية منها. وقد قام فنانون كبار في مزاولة هذا الفن الجديد أمثال ألفونس موشا وغوستاف كليمت الى الحد الذي ذهبوا فيه الى تصميم المجوهرات والأزياء الراقية. يميل كاووش الى التجديد والتنويع والمغايرة ولهذا وجد في " اليوغن ستيل " ضالته المنشودة. وقد طوَّع هذا الأسلوب في خدمة البنية الداخلية للوحته الفنية، لذلك عمد الى كسر إطار السطح التصويري الساكن من خلال تقنية التوازن بين الداخل والخارج. التعبيرية الغنائية تهيمن على محاور هذا المعرض ولوحاته المتفرقة التي لا تنضوي تحت عناوين المحاور المشار إليها سلفاً مناخات شفافة على رغمٍ من إستعمال الفنان لطبقات لونية سميكة وصريحة، إلا أن معالجته للسطوح التصويرية بألوان حارة نابضة، وأخرى باردة واهنة تذكرنا بالمرج الأخضر المتوهج، وزرقة البحر الصافية. تكشف هذه المزواجة بين النقيضين الى رغبة الفنان الأكيدة في المواءمة بين المناخات العراقية الساخنة وبين الأجواء الهولندية الباردة عبر الثنائية اللونية التي يمكن أن نصطلح عليها بالصراحة والغموض. إزدانت اللوحات الفنية بأسماء شاعرية دأب عليها كاووش منذ مستهل تجربته الفنية الصاخبة. ومن بين عناوين لوحاته نذكر " أغنية لها حكاية، الليلة الزرقاء، بعيداً عن الأرض، غيمة اللذة، رغبة مجنَّحة، حلم عازفة الأوكورديون، امرأة من بغداد ". توقفت جوانا باسكوفيج، الناقدة، والمتخصصة بتاريخ الفن، ومديرة الغاليري، في أثناء كلمتها الإفتتاحية عند لوحة " الأخوات الثلاث " التي إستوحاها كاووش من نص للكاتب الروسي تشيخوف، وتحدثت بشيء من الإسهاب عن تقنياته، ومعالجاته الفنية في رسم العمل الفني الذي يعتمد على أكثر من مدرسة وأسلوب، ولم تَفتْها الإشارة الى تعبيريته الغنائية اللافتة للإنتباه. كما تحدثت عن الكائن المجنح الذي يرفع رأسه الى الأعلى وهو يراقب الفضاء وكأنه يريد أن يتحرر من أطار اللوحة التي ضاقت بأحلامه السماوية. حظيت لوحة كاووش " شفاه حمراء، نبيذ أحمر " بإهتمام الشاعر الهولندي وليم يان فان فايك حيث قرأ قصيدته التي تحمل العنوان ذاته في حفل الإفتتاح مستوحياً مضمونها من اللوحة نفسها، إضافة الى قصائد أخرى لها علاقة بالجو الثقافي والفني. فيما قام الشاعر العراقي موفق السواد بقراءة القصائد الهولندية التي ترجمها الى العربية. كان الإفتتاح جميلا وشاعرياً، يعززه في الخلفية صوت المغنية البرتغالية ماريا دالوريس، حيث كانت همساتها تدخل في ثنايا اللوحات وتضاعيفها، وتغلِّف وجوه الشخصيات المرسومة، وأوجه الحاضرين بغلالة ساحرة شفافة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظلال الليل لناصر بختي: جنيف تُقصي المهاجرين، وتنفي أبناءَها
...
-
في مسرحية - ديمقراطية ونص - لأحلام عرب: الرئيس آخر مَنْ يعلم
...
-
بعيداً عن بغداد كتاب جديد للفوتوغراف العراقي قتيبة الجنابي
-
الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود، ولكل ورد
...
-
الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود
-
الروائي برهان الخطيب ل - الحوار المتمدن -: لم أخرج بعيدا عن
...
-
الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
-
في - عرس الذيب - لجيلاني السعدني: تنجو الذئاب القوية، فيما ت
...
-
المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد ليالي هبوط الغجر
-
بيت من لحم فيلم جريء لرامي عبد الجبار ينتهك المحرّم والمحجوب
...
-
فيلم - 300 - للمخرج الأمريكي زاك سنايدر
-
الروائي الأمريكي كورت فَنَغوت يستعين بالسخرية والكوميديا الس
...
-
فاضل العزاوي على غلاف مجلة -بلومسبوري ريفيو-: دعوات ودواوين
...
-
كوبنهاغن، مثلث الموت - نص توثيقي، وسيرة مدينة بامتياز
-
متابعات صحفية
-
معجبة تعثر على رواية مخطوطة لجينيت ونترسن وتعيدها لدار نشر ب
...
-
بريطانيا تودِّع أبرز كتاب الرواية البوليسية وأدب الجريمة
-
طارق هاشم في فيلمه الجديد www.Gilgamesh.21 مقاربة في تسخير ا
...
-
في شريطه الجديد - ماريا / نسرين -: محمد توفيق ينجز السيرة ال
...
-
تقنية - البوتو - في مسرحية - الراقص - لحازم كمال الدين: تثوي
...
المزيد.....
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|