|
الثورة، ماضي أميركا اللاتينية... ومستقبلها أيضاً!
علي السقا
الحوار المتمدن-العدد: 2026 - 2007 / 9 / 2 - 11:53
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
رياح الراديكالية تهبّ دائماً، في النهاية، على ملعوني الأرض... هذه «نبوءة» طارق علي خان في «قراصنة أميركا اللاتينية». يرصد الكاتب والمخرج الباكستاني الأصل، مستقبل القارة والتحديات المطروحة على شافيز وموراليس و... فيديل كاسترو. "كثيرون ممن كانوا في ما مضى في اليسار يتوقون اليوم إلى الانتماء للنظام العالمي الجديد" يقول الكاتب والمخرج البريطاني من أصل باكستاني طارق علي خان في كتابه «قراصنة أميركا اللاتينية» الذي عرّبه أنطوان باسيل أخيراً، وصدر عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر». ويستطرد صاحب «صراع الأصوليات» في تفسير ماهية الأشياء التي تحدّد درايتنا وتؤثر فيها، بعد التحولات التي طبعت نهاية القرن العشرين، وما أحدثته عمليات الابتلاع الجماعي لـ«إجماع واشنطن»، على يد مفكرين وسياسيين وشعراء كانوا حتى وقت قريب في خندق ما يمكن أن نسمّيه "اليسار". النظام العالمي الجديد- بحسب الكاتب- طرح نفسه قدراً محتوماً على شعوب العالم، و«طريقة وحيدة لتنظيم الجنس البشري»... من دون أن نغفل الانتهاك الفاضح للسيادة الوطنية باسم الدفاع عن «حقوق الانسان». ولعل المزاوجة التاريخية بين سلطتي المال والإعلام الموجّه، أينعت ثمارها في التسويق لنظريّة «تغيير الأنظمة» في العالم الاسلامي والعالم الثالث... أكثر منها دفاعاً عن حرية التعبير أو الفكر. ولم يمر وقت طويل على الاحتلال الأميركي للعراق، حتى تكشّف دور الماكينة الإعلامية الأميركية في تهيئة الموقف الداخلي للحرب على العراق. إذ شرعت البروباغاندا الأميركية في تعبيد المزاج الشعبي في الأميركيتين، كي يصبح أكثر انسجاماً مع توجه إدارته، ومؤيداً لأي خطوة يقدم عليها مستقبلاً. ويشير المؤلف إلى أنّ العالم يشهد حالياً مجهوداً دعائياً أميركياً يتقاسم فيه القيمون وظائفهم وأدوارهم، بدءاً من إحباط أي محاولة انعتاق من السطوة الأميركية، وصولاً إلى الترويج للنظام الاقتصادي الجديد لتثبيت المشروع الليبرالي. ولعل «عصر التعمية» هي السمة الأكثر واقعية، لتوصيف الراهن الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وهي التسمية التي أطلقها طارق علي على الفصل الأول من كتابه. طارق علي الذي دحض نظرية هنتنغتون عن «صراع الحضارات»، في كتابه «صراع الأصوليات»، هو أيضاً المناظر الشرس لهنري كيسنجر إبان حرب فييتنام. لكنّ القارئ في هذا الكتاب سيجد نفسه أمام كاتب سياسي يجمع في الوقت نفسه مراس المنظّر وأسلوبه، إلى لغة الروائي ونظرة المخرج السينمائي. إذ جاءت نصوصه حصيلة معاينة مباشرة للتحولات في تاريخ أميركا اللاتينية، ولا سيما فنزويلا وبوليفيا. يعرض طارق علي بالتفصيل الواقع الاجتماعي في دول أميركا اللاتينية. فالتفاوت الاجتماعي بلغ ذروته: حيث الثراء الفاحش يجاور الفقر المدقع، وحيث السلطات تنصاع كلّياً إلى توجّهات البيت الأبيض، أو تتماهى معها. وحين نقرأ توصيف الكاتب لتلك النخب التي تحكم أميركا اللاتينية ــــ متأهّبة دوماً لاستعمال الهراوة والرصاص، لوأد أي تحرك ترى أنه يمسّ مصالحها ومكانتها السياسية والمالية ــــ لا يمكن إلا أن نستعيد الراهن العربي المأزوم والمهترئ. ويشير طارق علي إلى أنّ هرم التنمية الاقتصادية لدول أميركا اللاتينية الذي «يمثّل الفلاحون والعمال المبالَغ في استغلالهم قاعدته، فيما يتألف رأس هرمها من نخبة فاحشة الثراء»، كان له الدور الأبرز في إنتاج حركات عمالية أكثر نضالية من سابقاتها، مع تراوحها من الليبرالية الى الوطنية. هكذا اختبرت دول أميركا اللاتينية، حسب الكاتب، نماذج عدة من أنماط الحكم والرؤى السياسية، إلا أنّ العسكريتاريا الكامنة في رؤوس الجنرلات المتعاقبين على الامساك بالسلطة عبر الانقلاب العسكري، جعلت تلك المنطقة من العالم تحتضن اعتى الديكتاتوريات وأفظعها دموية وإجراماً (بينوشيه نموذجاً). لكن تلك النظرة المأسوية، لا تمنع الكاتب من تلمّس مستقبل واعد لأميركا اللاتينية. صحيح أن الاستثناء الفريد الذي مثّلته فنزويلا وبوليفيا من خلال وصول شافيز وموراليس إلى الحكم في انتخابات ديموقراطية، لم يسلم حتى الآن من المحاولات الأميركية الحثيثة لتجويفه بشتى الطرق... لكنّه طرح نفسه مشروعاً سياسياً واقتصادياً مناهضاً للأمبريالية الأميركية، وحمل مشروعاً ذا أبعاد وملامح إنسانية في مواجهتها. وهذه التحولات لا تنسحب عنها صفة الشعبوية كما يلاحظ علي. فالخلفية التاريخية والثقافية لشعوب أميركا اللاتينية، لها أثر كبير في صقل أحلام الناس في هذه القارة، ودفعهم الى اعادة صوغها في اطار جامع. وهذا ما سعى اليه رفيقا النضال عام 1956 كاسترو وغيفارا: إنه السعي المحموم كما يؤكد الكاتب «لإنتاج ثورة بوليفارية جديدة»، على غرار ما عزم رمزهم التاريخي والثقافي على تحقيقه، أي سيمون بوليفار ملهم الروائي غابريال غارسيا ماركيز في روايته «الجنرال في متاهته» الذي انفضّ عن بيئته ليصطحب مدقعي الفقر داكني البشرة للمضي قدماً في توحيد أميركا اللاتينية، وتحريرها من الاحتلال الإسباني. يحمل طارق علي بعنف على الحركات اليسارية صاحبة الإرث النضالي لانضوائها تحت راية العولمة بعد انهيار القطب السوفياتي، إذ انتقل ارتباط عضوي من الطبقة العاملة إلى... كارتيلات النفط الأميركية. وهذا السعي الى اغتنام حصة سياسية لا تعدو كونها حجر شطرنج في يد الأب الشرعي لـ «إجماع واشنطن». أما سرّ هذا الابتلاع الجماعي، فلا يجده الكاتب إلا في «الغرائز المشحوذة لهؤلاء اليساريين، وقد صورت لهم أنّ المنحى الحاسم في الحياة السياسية والثقافية هو في التماثل». يركن الكاتب الى التسليم بعصر آت، هو عصر الرياح الراديكالية التي «تهبّ من كل بقعة بائسة في الارض»، لتقارع «حاملي كشة الـ سي آي ايه» وثرواتهم الخرافية. لكنّ طارق علي يرى أنّ تلك الراديكالية تبقى معرّضة للانحسار، خصوصاً في فنزويلا وبوليفيا، في حال الافتقار الى «رؤية قادرة على تجاوز الانقسامات الوطنية». ويشترط لقيام حركة ممانعة قويّة، «توافر استراتيجية عادلة تحكم بالسواء وتعيد التوزيع على الصعد كلها». ويلفت الكاتب أخيراً الى المكانة التاريخية التي استطاعت الثورة الكوبية توطيدها، عبر تأثيرها المباشر على اليمين واليسار في الأميركيتين. وهذا التأثير هو الذي وضعها في نظر رؤساء البيت الابيض في مصاف الدول التي تهدّد الأمن القومي الاميركي، وجعلها عرضة لمختلف أشكال الضغوط والحملات الإعلامية، بوصفها "ديكتاتورية شريرة ومتسلطة". ويؤكد طارق علي أنّ شرعية النظام الكوبي «لا تزال تنبثق من تلك الثورة» التي ناهز عمر قائدها الثمانين، وما زال ينتفض غاضباً كلما سمع عبارة «من بعد فيديل؟». لا تطرح سؤالك.. لأن كاسترو يرد الآن "بعد فيديل... شافيز. وبعد شافيز... موراليس. وبعد موراليس... ستخرج قارتنا قادة آخرين يتولّون دفّة السلطة".
#علي_السقا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|