|
سهر الليالي هل اعادة للسينما العربية عافيتها
علي قاسم مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 2024 - 2007 / 8 / 31 - 07:04
المحور:
الادب والفن
قد تكون الصحوة التي حققها الفيلم المصري للخروج من دوامة التكرار والابتذال وسقوط الفكرة والتخبط ،هي في حقيقتها ضجة إعلامية أكثر مما هي صحوة حقيقية لإنعاش السينما العربية من جديد ، فعندما تثار ضجة عن فيلم أكثر مما يستحق ، نكون قد تجاوزنا على الإبداع وأحدثنا شرخ يجعلنا بعيدين جدا عن إنتاج سينما ترتقي لمستوى السينما الحقيقية المتكاملة ،من حيث الإخراج والتمثيل والكتابة . إن الهالة الإعلامية التي أحاطت فيلم سهر الليالي ،لم تدع لأحد أن يتناول الفيلم بالنقد ،لتشخص الحالات الايجابية وفق رؤى فنية واعية نتلمس من خلالها الأدوات التي جعلت من الفيلم يستحق كل هذه الضجة ،لم نجد سوى انه فيلم استحق التمجيد فقط لدخوله التصفيات قبل الأخيرة لجائزة الاوسكار العالمية عام 2003، حيث أدخل المرحلة الثالثة ليتنافس مع 20 فيلما في مسابقة الأفلام الأجنبية غير الناطقة باللغة الإنجليزية بعد تخطيه مرحلتين داخل إطار الترشيح للأوسكار، الأول ضمن 56 فيلما والثانية ضمن 40 فيلما ويقول مؤلف الفيلم تامر حبيب ((لم أتوقع بالمرة أن يصل الفيلم لهذه المرحلة من التصفيات الخاصة بجائزة الاوسكار وقد تلقيت الخبر بسعادة بالغة أنا وفريق العمل خاصة انه أول تجربة روائية طويلة لي في الكتابة. وقال :عندما كتبت الفيلم كنت أريد به أن يجذب الجمهور بصدق ولم أفكر في ما إذا كان سيدخل مهرجاناً أم لا؟ وأمتع شيء في العمل السينمائي أن يصدق المشاهد ما يراه )).
أبطال وشخصيات الفيلم
الفيلم بطولة(منى زكى، أحمد حلمي، فتحي عبد الوهاب، خالد أبوا لنجا، حنان ترك، جيهان فاضل، علا غانم وشريف منير) . قام بإخراج الفيلم المخرج هاني خليفة في أولى تجاربه السينمائية مع كاتب السيناريو الشاب تامر حبيب. الفيلم يدور حول ثمانى شخصيات مختلفة ، لا تجمعهم معاً سوى حفنة من ذكريات صداقة تنتمي إلى الماضي، يلتقون مجددا بعد سنوات من الفراق في عيد ميلاد ابنة إحدى بطلات الفيلم، فيصبح عيد الميلاد هو موعد لم الشمل مرة أخرى لعالم "سهر الليالي" الذي يضم، خالد الزوج اللعوب و زوجته المحبة بيرى، ابن خالتها المتحرر سامح وعلاقته الملتهبة بالفتاة إيناس. والشاب المستكين بسيط الحال عمرو و زوجته فرح ابنة الأثرياء ذات المشاعر المتضاربة ، خاصة تجاه خطيبها السابق على، "العاجز" عاطفياً من ناحيته عن إرضاء زوجته الصبورة مشيرة. مجموعة يعيشوا وضع خالي من السعادة لعدم التوافق واختلاف الرغبات والأمزجة مع زوجاتهم ،فالحفلة التي لمت الشمل كانت هي نفسها لتفريقه. بعد الحفلة تطلب مشيرة من زوجها علي ،بان يتركها،، وهو لا يفهم أي سبب مقنع لهذا الطلب ، لضعف شخصيته ، وعجزه التام في اتخاذ موقف مناسب ، مشيرة تعاني من كبت نفسي فرضه أخ متشدد جعلها تبدد كبتها بإعطاء نفسها الحق بالتصرف بأخلاق غير لائقة تهدم القيم العليا للزواج المقدس . وترفض كل الرجال وفق تصورات مزاجية . تراجع طبيب نفسي للوقوف على حقيقة مرضها النفسي ، وهي في الحقيقة مقتنعة تمام بما هي عليه ، يقرر علي تركها دون رغبة منه ، لكي ترتاح وتريح أعصابها، ووعدها بأنه لن يرجع إلا إذا طلبت منه ذلك . الزوج الثاني خالد، تعترف له زوجته بعد الحفلة أيضا بأنها تعرف كل شيء عن خيانته لها، وأنها كانت باقية طول الفترة الماضية معه على اعتبار إنها لا تعرف شيء عنه ، أما ألان ((فانا لا أستطيع أن أبقى معك لأنك عارف باني عارفة _ يبقى لازم اعوفك-)) يطلب منها المغفرة ويوعدها بأنه لن يخونها وانه يحبها ، لكنها ترفض لأنها محافظة وملتزمة وهذا الأمر يحتم عليها الابتعاد كي يراجع هو نفسه، وتحصل هي على نوع من الاستقرار النفسي . الزوج الثالث عمرو الذي لم يكن شخصية سلبية في الفيلم أبدا كان يمتلك شجاعة كبيرة، ومشاعر إنسانية عالية ، ويملك قلبا مسامحا وصبورا ومحبا ، يحب زوجته ويكن لها كل مشاعر الاحترام ، وهي لم تحاول ولو لمرة واحدة أن تدرك حبه لها ، بسبب انشغالها بحياة الترف والاتكيت الخاص، تعكر له مزاجه دائما، وتتهمه بعدم احترم مشاعرها عندما كانوا في الحفلة ، تثور ثاترته ليدمر غرورها وتعجرفها ، ويعترف لها بأنه تحمل كل شيء منها ، ضغط عائلتها ، مشاعرها المتضاربة اتجاهه بسبب حبها القديم ، تجاهلها له باستمرار، وعدم مراعاة مشاعره وأحاسيسه وكرامته، تحمل كل ذلك لأنه يحبها . والثنائي الأخير سامح وإيناس، سامح مهندس صوت، متحرر يؤمن بالحب على انه مشاركة اثنان دون قيود ، أحرار في الاختيار، طموحه أن يكون سعيد ، يؤمن بالزواج ولا يعتبره القيد الذي يحد من تصرفات العزوبية ، مختلف بأفكاره بعض الشيء عن الآخرين .. أما إيناس الحبيبة المحرومة من الزواج تحلم أن يكون لها زوج وان تكون أم ،حياتها عبارة حب ومال وعمل وجنس.
رؤية نقدية للفيلم يقول الناقد إبراهيم العريس ( إن السينما عندما تمثل الناس كما هم نستطيع أن نقول عنها إنها سينما حقيقية ومبدعة )
هنا عوامل ساعدت الفيلم للوصول إلى مسابقة الأوسكار ، وجعلته يتنافس مع بقية الأفلام الأخرى ، منها جراءة الفكرة وتحررها من النمط المألوف في السينما العربية ، ضخامة الإنتاج، لمسها الواقع الخفي والمستور للمجتمع ، التركيز على جانب اجتماعي مهم وخطير ، كل هذه العوامل جعلت المهتمين بالسينما ومنظمي المهرجان يأخذونها بالاعتبار . الملفت في الفيلم كذلك اعتمد على ما يعرف بـ (البطولة الجماعية) وأفلام البطولات الجماعية ،،هي السبيل لإنقاذ صناعة السينما لأنها تساهم بشكل حقيقي في دعم الإبداع الفني من خلال وجود أكثر من قصة وحكاية في العمل بشخصيات مختلفة مما يخلق تنوعا كبير داخل الحبكة الدرامية ،، ويعطي بانوراما حقيقية متكاملة لبعض قضايا المجتمع ،وهو ما يحرك السينما من خلال التنوع في الموضوعات . ويمكن للبطولة الجماعية أن تقدم فنا حقيقيا متكامل إذا توفرت لها الشروط الجيدة . ولذلك نجد صعوبة تكرار هذا النوع لصعوبة الحصول على نص جيد وإقناع النجوم بالمشاركة في البطولة الجماعية.. بالإضافة إلى التكلفة العالية والضخمة في كثير من الأحيان لهذه الأعمال سواء في أجور الممثلين أو الإنتاج.. وأنا أعتقد أن تجربة فيلم "سهر الليالي" كانت البداية لعودة البطولة الجماعية ، ولذلك فهذا النوع من البطولات ،له معايير مختلفة تقنع النجم بأن يشاركه أحد البطولة ، ويكون مع المجموع عنصرا متكامل لا يمكن قيام الفيلم إلا بهم . وكما أن الفيلم اعتمد وحدة الموضوع من خلال التركيز على مشكلة جيل بكامله لا يعرف الاستقرار متذبذب في اتخاذ القرارات المهمة في حياته، ليس على مستوى الحياة الزوجية أو الاجتماعية فحسب بل على جميع الأصعدة ،لهذا تراه يؤمن بان الحياة عبارة عن قهر معنوي كامل ومؤلم ، وان الابتعاد أو الهروب من الواقع دون مواجهته هو الحل السهل الذي يمتلكه والأقرب للجميع ، على الرغم من الرخاة الذي يعيشوه ، وهذه الظاهرة تكشف بصدق بعض ما يعاني منه الجيل الجديد من سأم وقلق وخوف من الحياة وبحث عن معان جديدة ، وهذه الظاهرة تحتاج دراسة واسعة للبحث عن أسبابها النفسية والمعنوية والمادية . كما وان الفيلم عالج قضية مهمة من القضايا الاجتماعية الحساسة في مجتمعاتنا العربية التي يعيشها ويكتم على أسرارها ، لكنه إضافة إليها بعض التفاصيل الهجينة المأخوذة عن حياة الغرب ، كتحرر إيناس وانطلاقها ، وكأنها جاءت للحياة بدون عائلة ، وبقائها لأكثر من سنتين على علاقة غير بريئة مع شاب دون أن تؤثر على حياتها ومستواها الاجتماعي ، حيث تلتقي مع أصدقاء حبيبها وزوجاتهم دون أي إحراج ، وهذا ما لم يكن مقنع في الفيلم ، كما وان الفيلم خرج عن الواقعية في بعض المشاهد،، وبشكل عام نجح المؤلف في وحدة الموضوع وإقناع المشاهد بان الإحداث لصيقة بالواقع بل هي من صميمه ، وكما وان المخرج تمكن من أن يجمع مجموعة جيدة من الممثلين الشباب يملكون قدرة عالية في الأداء ، وتمكنه من اضهار مشاعر الحزن والفرح بأسلوب فني بارع ، وأضاف في بعض المشاهد الهستيرية أجواء حقيقية للفيلم ، مؤكدا قدرته على إدارة اللقطة بحذر واعتبارها عقد مهمة يعتمد عليها العمل ، وكما إن الموسيقى التصويرية كانت جيدة ومؤثرة في بعض المشاهد ، إضافة إلى أللقطات المعبرة والمختزلة التعبيرية ، كاختلاط ورق اللعب ( الكوتشينة ) للتعبير على إن علاقاتهم متشابكة ، ولا يمكن فصلها ، وبالنهاية هم سيستمرون على الرغم من اختلاط أوراقهم وحياتهم الواحد بالآخر . وأخيرا نتمنى للصحوات القادمة أن تكون بمستوى الطموح، وان نشاهد سينما تعبر عن هموم ومشاكل الشباب العربي دون الابتعاد عن الواقعية وان ترتقي السينما لدينا بعيدا عن التكرار والابتذال احتراما للذوق العام ..
#علي_قاسم_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الواقع السياسي وحال العراق
-
قصيدة خارج حدود المرايا
-
كتبتها كي تقراني
-
التحديات وتنظيم المجتمع المدني
-
ست حالات
-
ازمة السينما المصرية
-
السينما والترحيب بالجديد
-
السينما لغة انسانية راقية
-
الواقع العربي بين الركود والتغير
-
ديون العراق وصندوق النقد الدولي
-
الشاعر بين النقد والابداع
-
جابي
-
هم وانا والشعر
-
من جديد الحقد يثبت فشله
-
قصص قصيرة جدا
-
ذكرى بلا حلم
-
الى روح الشهيد عثمان العبيدي
-
مرثية لروح صباح العزاوي
-
كتبتها كي تقرأني
-
التحالفات الجديدة الى اين
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|