|
حول تحيين بنبركة
سعاد كنون
الحوار المتمدن-العدد: 2023 - 2007 / 8 / 30 - 11:22
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
اختطف بنبركة بمقهي ليب يوم 29 أكتوبر 1965 ، وتعرض للتعذيب في فيلا، وجرت تصفيته، ولم يعثر أبدا عن جسمه مذاك. بعد أكثر من أربعين سنة من هذا الاغتيال السياسي، تظل الحقيقة مطموسة والجناة محميين.
-------------------------------------------------------------------------------- والحال أن فتح أرشيفات الوثائق السرية، بدل أن يحدد المسؤوليات، يغذي وسائل الإعلام المتعطشة إلى السبق الصحفي والى أخبار الفضيحة. وبدل كشف الحقيقة ومحاكمة الجناة، أخذت قضية المهدي بنبركة منحى رواية بوليسية. واليوم مع ما كشفته مؤخرا بعض الصحف تعود القضية إلى الواجهة في حبكة فيلم تجسس من النوع الرديء. «قبل تعرضه للاختطاف واختفائه بباريس في 1995، اشتغل المعارض المغربي لصالح مصالح الاستخبارات التشيكوسلوفاكية» هذا ما كشفته مجلة الاكسبريس يوم 4 يوليوز 2007 مؤكدا في عنوان جذاب: «كان بنبركة عميلا للشرق».
وعنها أخذته لوجورنال يوم 7 يوليوز بعنوان «هل كان بنبركة جاسوسا في خدمة الشرق؟».
دلالة ما يجري كشفه:
حجج لوجورنال أو إفقاد الاشتراكية الاعتبار
بناء على أمر قائم فعلا:«قام أنصاره بتقديس الشخص لكنه بددوا أيضا رأسماله السياسي تبعا لحساباتهم السياسية مع الملكية»، وتتخيل مجلة لوجورنال ما قد يكون عليه تطور بنبركة السياسي:«هل يكون له الموقف ذاته في القرن 21 الذي شهد زوال مثله السياسية مع زوال السوفيات؟» ( لوجورنال). وتواصل: إن "صورته الأسطورية" أفضل من صورة كاسترو، المريض والشائخ والذي يواصل التمسك بنظامه الآفل. هذا رغم: «أن أمريكا اللاتينية تشهد ميلاد نسخ اقل جودة من تشي غيفارا مثل تشافيز، على موضة العولمة البديلة» حسب اعتراف لوجورنال.
وتقول لوجورنال إن فهم أهمية هذه الوثائق يستدعي الانطلاق من سياق الحرب الباردة. «فمن أجل مشروعه الطموح، مشروع منظمة القارات الثلاث، كان بنبركة كنظائره من معتنقي تلك الايدولوجيا، بحاجة إلى أشكال المساندة تلك لبلوغ مراميه بالمغرب وبالخارج.»
يبدون أن الانطلاق من سياق الفكر الوحيد للنيوليبرالية هو الذي يتيح فهم أسباب ما يكشف عنه وحقيقه أهدافه. يتغذى نيوليبراليونا بالخلط، ويغذونه محتقرين ذكاءنا أيما احتقار.
فتح الارشيفات بقصد التلاعب على نحو أفضل وأشياء أخرى
بعد كشف علاقاته المفترضة مع مخابرات إسرائيل أصبح بنبركة اليوم عميلا للشرق.
بعد إزالة جسده من الوجود، يجري نبش الأرشيفات بقصد كتابة تاريخ آخر، والتلاعب به، وتحريفه، وابتذال الشخص. في قراءة للمحافظين الجدد، فالمضادون للثورة مغفور لهم والثوريون «تنزع عنهم القدسية» بنبش عمليات كشف مشبوهة.
ثمة توق إلى فتح الأرشيفات مما يتيح ابتذال الحقيقة. انه اغتيال إضافي لبنبركة ومن ثمة دفن لما حمل من أفكار.
كان ثمة أنواع من بنبركة، بنبركة الوطني الشاب في حزب الاستقلال والملكي، المدفوع إلى التعرض للشبهات ثم المضطر إلى مراجعة الذات، في حقبة مطبوعة بنضالات الشعوب من اجل استقلالها.
ودون سعي إلى إضفاء أسطورة على الشخص، يتمثل بنبركة الذي يهمنا في بنبركة منظمة القارات الثلاث. من اجل أن نضع في قراءة معاصرة مشروعا ظل محافظا على راهنيته، انه مشروع بناء بدائل للعالم المعولم الذي نعاني تبعاته. بعد عصر الاستقلالات مازال نقده «الاختيار الثوري» وإعادة قراءته راهنيين.
كانت الحقبة مطبوعة ببدائل لا غنى عنها لإيجاد مخارج عالمية أخرى للشعوب المتطلعة إلى استقلال حقيقي.
نعلم أن اغلب القادة الحاملين لهذا الفكر قتلوا: من لومومباإلى غيفارا، واملكار كابرال، ممن كانوا يناضلون ضد القوى الاستعمارية، فرنسية كانت أو بلجيكية أو اسبانية أو براتغالية، أو أمريكية شمالية ومن كل القارات.
كانت الجزائر التي حصلت توا على استقلالها بعد نضال ضار عام 1962 نقطة التقاء كل القادة الذين ساهموا لاحقا في تأسيس منظمة القارات الثلاث ، وسيطاح ببن بلة من طرف بومدين في العام 1965.
وقد شكل العام 1965 المنعطف.
اغتيل باتريس لومومبا و رفاقه في 17 يناير 1961 واستلم موبوتو السلطة بانقلاب.
حُملوا على متن طائرة إلى كاتانغا، واقتيدوا إلى منزل صغير تحت حراسة عسكرية حيث سيعدمون في المساء ذاته من طرف جنود بقيادة بلجيكية. تبرز وثائق سرية كشف عنها أن بلجيكا تتحمل المسؤولية الأكبر في اغتيال لومومبا. فقد قاد العملية عملاء سريون بلجيكيون من اجل إذابة بقايا أجساد الضحايا المقطعة في الأحماض. كما تعرض العديد من أنصاره إلى القتل في الأيام اللاحقة بمشاركة عسكريين أو مرتزقة بلجيكيين. أشعل السكان انتفاضة سحقها جيش موبوتو.
كانت وفاة لومومبا خسارة جسيمة لمجموعة البلدان غير المنحازة. وقد سماه احد جلاديه، الجنرال موبوتو، بطلا وطنيا في العام 1966.
وفقط في العام 2002 اعترفت حكومة بلجيكا بمسؤوليتها في الأحداث المفضية إلى قتل لومومبا واكتفت بتقديم الاعتذار.
وفقط بفضل عمل لجنة إلغاء ديون العالم الثالث ببلجيكا الشاق والدقيق، حول افتحاص ديون الكونغو، استأنف النضال من اجل العدالة وإعادة طرح مسألة ديون الكونغو. هذا النضال يعنينا كليا بالمغرب، وليس فقط لان قسما من الأموال المسروقة استثمرت ببلدنا. وليس فقط لأن جماعة هامة من مواطني الكونغو، الذين أبعدهم البؤس والحروب، تطلب اللجوء بالمغرب حيث تعامل معاملة لا تقيم أدنى اعتبار لأبسط الحقوق الأساسية.
ليس لهذا فقط بل أيضا وبوجه الدقة لأن محاولة تحريف التاريخ إنما يؤدي إلى انبعاثه أكثر بهاء.
الطريقة المستعملة لتصفية بنبركة في العام 1965 سبق استعمالها في العام 1961 لتصفية باتريس لومومبا. ومثله مثل بنبركة كافح من اجل المشروع السياسي ذاته. التزامه في حركة عدم الانحياز، ومشروع الإصلاحات الاقتصادية من أجل كونغو مستقل، والقطع مع الاستعمار البلجيكي والامبريالية الأمريكية، والتقارب مع الاتحاد السوفييتي بقصد الحصول على الإعانات ومواجهة الضغوط الأمريكية في حقبة الحرب الباردة تلك. لم يكن ممكنا قبول منظور آخر للاستقلال لأنه كان يمس في القلب المصالح الامبريالية بالمنطقة، وكان يمد ملايين الأفارقة بالأمل ويعني الشعوب المضطهدة كافة.
الأساليب ذاتها استعملت لتصفية بنبركة وللأسباب عينها. والحال أن فتح الأرشيفات السرية بدل أن يفضي إلى إزالة الشكوك ، وتمكين الحكم المغربي من الاعتراف بمسؤوليته في موت بنبركة، وتمكين أسرته من الحداد، وإتاحة تعرف الذاكرة الجماعية على الحقيقة، تجري مواصلة خلط الأوراق.
إن التكريم الوحيد لبنبركة متمثل في إعادة تحيين المشروع الذي كان سببا في تصفيته: منظمة القارات الثلاث.
توجد هكذا منظمة على جدول الأعمال اليوم، أكثر من ذي قبل، وهي تمر عبر وحدة النضالات في القارات الثلاث، في سياق مطبوع بالحروب، ونهب الموارد وإخضاع سياداتنا. فرضت الحركات السياسية والاجتماعية، إثر التخلص من الديكتاتوريات بأمريكا الجنوبية، مقاومة عبر نضالات عديدة وتمكنت من إرساء حكومات وانتخاب رؤساء منحدرين من حركات مثل لولا بالبرازيل ومؤخرا ايفو موراليس في بوليفيا و كوريا في إكوادور.
تظل حركاتنا الاجتماعية في منطقتنا المخربة بالحروب ضعيفة ومحاصرة بين بيروقراطيات سياسية ونقابية و أنظمة قمعية. يجري احتواء تلك الحركات بقمع شديد لا يسمح بأي شكل من التنظيم الذاتي. جرت تصفية قادة عديدين، كان أشهرهم بعد الاستقلال المهدي بنبركة، دون نسيان قادة ومقاومين آخرين مثل عمر بنجلون، المغتال في العام 1975 من قبل الإسلاميين خدام النظام، وحسين المنوزي، الذي لا يزال مجهول المصير، وعبد الله موناصير الذي اغتيل وألقيت جثته بميناء أكادير في العام 1997 لأنه نظم بحارة الصيد.
وفي إفريقيا تؤدي الحروب المستمرة وأنظمة أقيمت لتمكين الشركات متعددة الجنسية من مواصلة نهب الثروات، إلى تأبيد إبادات بلا نهاية.
إننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، شعب واحد بالجنوب بوجه العولمة. إن إعادة تملك نضالاتنا وذاكرتنا الجماعية، هو أيضا صقل لنا لأجل النضالات القادمة. البشر يموتون لكن الأفكار التي تدفع إلى المقاومة تتجدد بلا نهاية ما دامت ديكتاتورية اقتصادية تولد مزيدا من البؤس.
سعاد كنون
27 يوليوز 2007
#سعاد_كنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
-
التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«
...
-
تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال
...
-
الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا
...
-
أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا
...
-
العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
-
بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
-
عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|